لم يعد خافيا مدى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على وعي الناس، والدور الذي تلعبه في تكوين آرائهم، وتشكيل قناعاتهم، ومع أن تلك الوسائل تحظى بمكانة هامة في الأيام العادية، إلا أن مكانتها تلك تزداد أهمية في أوقات الأزمات والحروب، بسبب متابعة عامة الناس الحثيثة لأخبار المعارك، وتفاعلهم معها.

صناعة المحتوى علم ومهارة، فتقديم محتوى جيد وجاذب ومؤثر يتطلب الإلمام بجملة من المعايير والمواصفات التي تساهم بشكل أساسي في صناعة المحتوى المطلوب بجودة عالية، وهو ما لا يتوافر في كثير من المواد المنشورة في وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يغلب على تلك المواد عدم التدقيق والعفوية والارتجال.



وفي أوقات الأزمات والحروب يكثر تداول الأخبار الكاذبة، ونشر القصص الملفقة، وتُكثف الدعاية المغرضة، ما ينتج عنه انعكاسات سلبية كثيرة في سياق الحرب الإعلامية والنفسية المصاحبة للمعارك الدائرة في ميادين القتال، وهو ما يتطلب جهدا إضافيا لتنقية المحتوى من الأكاذيب والشائعات والخرافات.

ومن الأهمية بمكان معرفة معايير المحتوى، لا سيما في الحروب والأزمات، والتي من أهمها وأبرزها "أن يكون المحتوى بلغة القطاع المستهدف، أو من يؤازره، كما يجب أن يكون المحتوى حقيقيا، نسبة الشك فيه صفر" وفق رائد سمور، مدير ومؤسس مركز ريفليكت لدراسات التحول الرقمي وأثره على حقوق الإنسان.


                                         رائد سمور، خبير في نظم وأمن المعلومات.

 وأضاف "ولا ينبغي أن يكون المحتوى معدا من قبل الذكاء الصناعي على الإطلاق، لأن التشكيك في هكذا محتوى يكون سهلا، ويجب أن يكون المحتوى صادقا 100%، وفي حالات الحرب يجب أن يكون تناوله للخسائر المادية والبشرية دقيقا، وهو ما أبدع فيه أبو عبيدة الناطق العسكري باسم كتائب القسام، فمحتواه عادة ما يكون مباشرا ومختصرا ومؤثرا في الخصم".

وردا على سؤال "عربي21" بشأن إمكانية ضبط المشاركين من رواد التواصل الاجتماعي، قال سمور "من الصعب ضبط أداء المشاركين في الإعلام الجديد، لا سيما أن إيقاع المعارك على الأرض غالبا ما يتحكم بالمشاعر، وردود الفعل عادة ما تكون متفاوتة بين الناس بحسب مستوياتهم الفكرية والسياسية، ومعرفتهم بالقضايا العسكرية، وأساليب الحرب النفسية، وكل ذلك يؤثر في أداء الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي".

وأردف "في الواقع نحن بحاجة إلى صناعة وعي في كيفية صناعة المحتوى والتعامل معه ونشره، حتى نكون داعمين للمقاومة على الأرض، ولا نكون معيقين لها، فالإعلام والعمل العسكري توأمان لا ينفصلان، فلا بد من توعية الجماهير بخطورة المحتوى، وخطورة تناقله وتداوله، فقد يقوم بعضنا بتداول رواية الخصم ونشر محتواه بلا علم ولا دراية".

وعن المحتوى الذي يخصصه أصحابه لممارسة النقد والنقد الذاتي أثناء احتدام المعارك، رأى سمور "ضرورة تأجيل ذلك كله إلى ما بعد الحرب، فثمة متسع من الوقت للنقد والاستفادة من الدروس والعبر، أما في وقت المعركة فيجب أن يكون الجميع يدا واحدة، يتعاونون ويتعاضدون، وبخصوص العيوب والأخطاء فيؤجل الحديث عنها إلى ما بعد انتهاء المعركة، لأن النقد أثناء المعركة قد يكون عاملا سلبيا في أداء المقاومة على الأرض".

من جهته قال الكاتب والأديب اليمني، خالد بريه "على المرء أن يدرك أن المعركة في الميدان تحتاج إلى سند وظهير على كل المستويات، ومن أهمها الجبهة الإعلامية التي تتصدى لأكاذيب العدو، وتفند الافتراءات التي تساق كحقائق للعالم، ومن ثم تقديم محتوى ينتصر للقضية وعدالتها، يسهم في تعضيد الجبهة الداخلية، ويراعي نقل المعلومة بشكل دقيق وموثوق، ويفهم بعمق السياق الثقافي والاجتماعي للجماهير المستهدَفة للإسهام في توجيه الرسالة بشكل مثمر وفعال".


                                                 خالد بريه، كاتب وأديب يمني.

وحذر بريه في تصريحاته لـ"عربي21" من "إرخاء الحبل للعاطفة أثناء للحروب من غير إحكام، ففعل ذلك خطير، للمآلات التي يتسبب فيها، لأن الأفعال الناشئة عن عاطفة جارفة بلا حقائق ساندة؛ يكون ضررها النفسي أشد وطأة على المتلقي حينما ينقشع الغبار، ولو كانت بقصد حسن".

وأضاف: "ولهذا يحسن برواد وسائل التواصل الاجتماعي السير وفق ميزان دقيق، ينفخ في المتلقي روح النصر والإباء، والتفاعل الاجتماعي البناء، وتشجيع الروح الجماعية، وتعزيز قيم الانتماء، والهم الواحد، والمصير المشترك، وتداول كل ما يقوي شوكة المقاومة، ويعزز حضورها في ضمير العالم، دون الانجرار وراء الأكاذيب، والمبالغات الزائفة، حتى لا نصاب في نهاية المطاف بنكسة يصعب الخلاص من آثارها".

وبخصوص ما ينشره بعضهم على مواقع التواصل الاجتماعي من توجيه النقد للمقاومة وقت المعركة، أكدّ بريه أن "كلمة الحق ينبغي أن تقال دوما، وإذا كان قولها لصالح المعركة؛ فليقلها صاحبها ولا خوف، أما إضعاف الرجال، والفتُّ في عضدهم، وخذلانهم وتركهم لمصيرهم، بحجة (قول الحق) فهذا ضرب من التخلي والخذلان، وإلباس العجز جبَّة الحكمة، ومن كان له رأي في مسألة ما، فليوصله إلى أصحاب الشأن ليفيدوا منه".

وتابع "أما التشهير والنقد تحت ذريعة قول الحق في الوقت الذي يواجه فيه رجال المقاومة عدوا مغتصبا، يقف خلفه العالم فهو ضعف في المروءة، وحمق، وسوء تقدير، وذل يواريه صاحبه بالنقد، للنفاذ من واجبات الاستحقاق، ولا ينبغي لصوت أن يرتفع إلا صوت المعركة، وتكبيرات الرجال، وتلاوة ملاحم الأبطال التي تسطر كل يوم، وما عدا ذلك فلا معنى ولا قيمة له في هذا الظرف العصيب الذي تمر به الأمة".

وفي ذات الإطار أوضح الباحث السياسي، الدكتور وليد كايد الفقهاء أن "الحرب الإعلامية النفسية التي تمارس بأشكال وأدوات مختلفة، ومنها ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي، عادة ما تستهدف ثلاث فئات، الأولى: الجبهة الداخلية، ويراد منها شحن الهمم وبث الأمل، ورفع المعنويات وتمتين أواصر التماسك الاجتماعي، إضافة إلى تحقيق شرعية القرار الشعبي والقانوني للحرب".


                                           وليد كايد الفقهاء، باحث سياسي أردني.

وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول "الفئة الثانية هي الرأي العام العالمي، ويراد منها تحقيق التعاطف العام الشعبي والمؤسسي للمنظمات الإنسانية والدولية، بالإضافة للشركات العابرة للقوميات، ولا شك أننا نشهد اليوم معركة مستعرة بين المؤيدين للقضية الفلسطينية، والمدافعين عن غزة، وبين المؤيدين للعدوان الإسرائيلي في كثير من شوارع العواصم الغربية".

وتابع "ولا شك أن إسرائيل بعد 37 يوما من طوفان الأقصى خسرت كثيرا من التأييد الذي حظيت به في السابع من أكتوبر، وكان للصور والفيديوهات المنشورة على تطبيق توك توك الأثر الأكبر في ذلك وفقا للمصادر الأمريكية، ولا ننسى كذلك تأثير موقع (X) تويتر سابقا في هذا المجال، وقد جاء في دراسة غير موثقة أن 52% من الشباب الأمريكي ضمن الفئة العمرية (18 – 24) هم ضد العدوان الإسرائيلي على غزة".

أما الفئة الثالثة المستهدفة في الحرب الإعلامية النفسية، فهي، حسب الفقهاء "الجهة المعادية، والتي يرمي كل طرف من وراء استهدافها نشر الوهن والضعف في أوساطها، وإضعاف الروح المعنوية للمقاتلين ومن يؤازرونهم، والتأثير على الشرعية الشعبية للحرب، وتفكيك الجبهة الداخلية".

ولفت إلى "أهمية إدراك المشاركين في الحرب الإعلامية والنفسية، سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو غير ذلك، لأدوات ومفاتيح الفئة المستهدفة، إذ لا تكفي اللغة وحدها لزعزعة قناعات الآخرين، واكتساب القلوب والعقول، فالرسالة الخالية من الصورة لا تؤثر كثيرا، ولا تصمد طويلا".

ووفقا للفقهاء فإن بعض المواد المنشورة، والتي جرى تداولها بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي، تقع في دائرة الأهداف الإعلامية والنفسية الإسرائيلية، كالجدل حول غدر إيران لحماس في طوفان الأقصى، والمقصود منها زعزعة الثقة بحماس والمقاومة، كما أن التشكيك العلني في أسباب وتوقيت عملية طوفان الأقصى، يقع في ذات الإطار".

وشدد في ختام حديثه على أهمية "التفاف الجميع حول المقاومة، وتأجيل مناقشة أو انتقاد كل ما يتعلق بخططها وعملياتها علانية، حتى يتم على الأقل ضبط محتوى وأداء ومسار مواقع التواصل الاجتماعي بما يخدم المقاومة، ومن لديه نصيحة أو نقد مفيد لمجريات المعركة ضد العدو الصهيوني فبإمكانه إيصال ذلك للمعنيين عبر الطرق المناسبة". 

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تقارير وسائل التواصل الحرب الفلسطينية غزة فلسطين غزة حرب دور وسائل التواصل تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة وسائل التواصل الاجتماعی مواقع التواصل الاجتماعی الحرب الإعلامیة

إقرأ أيضاً:

نقابة الصحفيين السودانيين تحذر من تزايد حملات التحريض الخطيرة التي تستهدف الصحفيين والصحفيات عبر منصات التواصل الاجتماعي

في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها بلادنا، تتزايد حملات التحريض الخطيرة التي تستهدف الصحفيين والصحفيات عبر منصات التواصل الاجتماعي، وكان آخرها حملة ممنهجة ضد الصحفي مرتضى أحمد، وتكمن خطورة هذه الحملة في أنها تأتي وسط بيئة مشحونة بالاستقطاب الحاد وتصاعد خطاب الكراهية، مما يشكل تهديدًا مباشرًا لسلامته ويفتح الباب أمام

نقابة الصحفيين السودانيين
سكرتارية الحريات
بيان للرأي العام
في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها بلادنا، تتزايد حملات التحريض الخطيرة التي تستهدف الصحفيين والصحفيات عبر منصات التواصل الاجتماعي، وكان آخرها حملة ممنهجة ضد الصحفي مرتضى أحمد، وتكمن خطورة هذه الحملة في أنها تأتي وسط بيئة مشحونة بالاستقطاب الحاد وتصاعد خطاب الكراهية، مما يشكل تهديدًا مباشرًا لسلامته ويفتح الباب أمام أعمال انتقامية قد تعرض حياته للخطر.
إن ما يثير القلق بشكل أكبر هو أن هذه الحملة ليست استثناءً، بل سبقتها موجات تحريض ممنهجة طالت عددًا من الصحفيين والصحفيات، منهم "مها التلب، لينا يعقوب، زمزم خاطر، مزدلفة يوسف، سارة تاج السر، ومعمر إبراهيم"، وامتدت الحملة اليوم لتشمل الصحفيين "أحمد خليل، وحسام الدين حيدر، وضفاف عبد الرحمن، وعبد الرحمن العاجب" في مسعى واضح لإسكات الأصوات الحرة وترهيب العاملين في الحقل الإعلامي.
نحن في سكرتارية الحريات ندين بأشد العبارات هذه الممارسات المشينة، ونعبر عن أسفنا العميق إزاء صدورها عن أفراد يُفترض فيهم احترام أخلاقيات المهنة وقيمها. ونذكّر مجددًا بأن الصحفيين السودانيين أثبتوا شجاعة وتفانيًا استثنائيًا في أداء رسالتهم، رغم المخاطر الجمّة، في وقت غابت فيه عدد من المؤسسات الإعلامية التي يُفترض أن توفر معلومات دقيقة وموضوعية لجماهير الشعب في الداخل والخارج.
وفي هذا السياق، تُثمّن سكرتارية الحريات عاليًا روح التضامن ورسائل الدعم والمناصرة التي أظهرها عدد من الصحفيات والصحفيين دفاعًا عن زملائهم ورفضًا لمحاولات التحريض والترهيب. إن هذا التضامن المهني، الذي يدعو للفخر، يؤكد أن الصحافة الحرة لا يمكن إسكاتها، وأن صوت الحقيقة سيظل حاضرًا رغم التهديدات والمخاطر. وندعو جميع العاملين في المجال الإعلامي إلى التمسك بهذا النهج، لأن قوة الصحافة تكمن في تماسك أفرادها والتزامهم بالدفاع عن قيم المهنة.
إزاء هذا الوضع الخطير، تطالب سكرتارية الحريات جميع المنظمات المدافعة عن حرية الصحافة والتعبير، والمنظمات الحقوقية، وعلى رأسها لجنة حماية الصحفيين، باتخاذ إجراءات عاجلة لضمان أمن وسلامة الصحفيين السودانيين، ووقف حملات التحريض الممنهجة التي تشكل انتهاكًا صارخًا للمواثيق الدولية التي تكفل حماية الصحفيين في أوقات الحروب والنزاعات المسلحة.
كما تحمّل سكرتارية الحريات، السلطات السودانية المسؤولية الكاملة عن أي تهديدات أو انتهاكات قد يتعرض لها الصحفيون والصحفيات نتيجة لهذه الحملات التحريضية.
وقد وثّقت سكرتارية الحريات خلال العام الماضي 110 انتهاكات ضد الصحفيين، فيما بلغ إجمالي الانتهاكات المسجلة منذ اندلاع النزاع في السودان نحو 520 حالة، من بينها 77 حالة تهديد موثقة، استهدفت 32 صحفية.
إن سكرتارية الحريات بنقابة الصحفيين السودانيين، إذ تؤكد التزامها الثابت بالدفاع عن حرية الصحافة وحماية الصحفيين، تشدد على ضرورة وضع حد لهذه الحملات التحريضية التي لا تهدد سلامة الصحفيين فحسب، بل تقوض الحق في الحصول على المعلومات، وتعزز مناخ الإفلات من العقاب. ونحذر من خطورة استمرار هذه الانتهاكات، ونؤكد أننا لن ندّخر جهدًا في استخدام كل الوسائل المشروعة للدفاع عن الصحفيين السودانيين.
سكرتارية الحريات
نقابة الصحفيين السودانيين
23 فبراير 2025
#الصحافة_ليست_جريمة
#لا_تنسوا_السودان  

مقالات مشابهة

  • فرقة روح الشرق: بدأنا بـ 45 شخصا فى الكورال وأصبح لدينا 3 جروبات
  • 5 سنوات حبسا لمتهم روّج فيديو حاملا سيف عبر مواقع التواصل الاجتماعي بغرض ترهيب السكان
  • نقابة الصحفيين السودانيين تحذر من تزايد حملات التحريض الخطيرة التي تستهدف الصحفيين والصحفيات عبر منصات التواصل الاجتماعي
  • توقيف تيكتوكر بسبب نشر الرذيلة والإلحاد عبر مواقع التواصل الاجتماعي
  • الحبس سنتين مع الشغل لطالب هدد فتاة على موقع التواصل الاجتماعي بسوهاج
  • برعاية التضامن الاجتماعي.. 8 آلاف كرتونة رمضان للأسر الأكثر احتياجًا في سوهاج
  • متابعة "رابور" بتهمة نشر مضامين مشينة في مواقع التواصل الاجتماعي
  • مشجعو سلتيك الاسكتلندي يشيدون بلافتات فلسطين رفعها جمهور غالاطة سراي التركي
  • مسلسل لام شمسية يطرح حلولا للحد من استخدام طفلك لمواقع التواصل الاجتماعي
  • حلقة التواصل الاجتماعي.. شراكة تؤسس إطارًا وطنيًا لبيئة رقمية آمنة