هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

من نافلة القول، إن القمة العربية الإسلامية التي عُقدت في الرياض لم تحقق أولى أولوياتها، وهي إنقاذ أو أقله إغاثة أبرياء حرب السابع من أكتوبر.

ولا هي أيضا تمكنت من وقف إطلاق النار أو تحقيق هدن شاملة أو مطولة. ما زلنا نخوض في تفاصيل هدن سويعات وافقت عليها إسرائيل بضغوط أمريكية وعربية، لتأمين ممرات آمنة لما يتم السماح له من العبور باتجاهين: الأول يسمح بتدفق يخضع لتفتيش دقيق لمواد إغاثية وطبية من الجنوب إلى الشمال (قد يتم تفعيل الخيار البحريّ برعاية أوروبية-أطلسية). أما الاتجاه الثاني -وهو مرصود بالطائرات المسيرة الإسرائيلية- شجّع على نزوح مدني جماعي -راجلا أو في عربات نقل مكشوفة- باتجاه واحد فقط، هو من شمال القطاع إلى جنوب وادي غزة.

استنادا إلى نجاحات دبلوماسية حققتها المملكة العربية السعودية في استضافة قمم غير مسبوقة في السنوات القليلة الماضية، من أبرزها القمم الأمريكية والصينية والروسية مع دول الخليج وقادة الدول الأعضاء في الجامعة العربية، تلك الاستضافة حققت إنجازا دبلوماسيا غير مسبوق، تمثّل بلم شمل ممثلي الأمتين العربية والإسلامية المعترف بهم رسميا على الصعيد العالمي. لذا كان من المعلوم مسبقا، أن الإطار العام لما ستخرج به القمة من قرارات، لن يجافي طبيعة العمل الدبلوماسي المؤسسي والتقليدي المتعارف عليه عالميا. عمليا، لا فرق بين جميع المحافل التي تعاطت مع "طوفان الأقصى" و"السيوف الحديدية" بصرف النظر عن موقفها من العمليتين الحربيتين أو الرؤى الخاصة بتسوية هذا الصراع المتواصل منذ عقود، والبعض يصر -انتحاريا- على جعله صراعا مستمرا منذ قرون من خلال إضفاء هالة أو لعنة أو خرافة "الحرب الدينية" على ما يجري من سفك للدماء البريئة، أيا كانت هويتها.

المعضلة في جميع تلك القمم، من الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن، إلى كل ما صدر عن قادة الأطلسي والاتحاد الأوروبي وحتى موسكو وبكين، أنها جميعها وكأنها تحاور نفسها أو تحاور حلفاءها! ثمة تغييب دائم للطرف المعني وهو العدو أو الخصم أو حتى الصديق الذي لديه وجهات نظر أخرى جديرة بالأخذ. وهذا هو الإنجاز الأهم لقمة الرياض ولقادة الدول الموصوفة بالمعتدلة والملتزمة بخيارات السلام والتنمية، خاصة من أقرب الدول العربية والإسلامية للغرب، كالأردن ومصر والسعودية والإمارات وقطر وعمان والبحرين والمغرب من الجانب العربي واندونيسيا وبروناي و-نظريا باكستان- من الجانب الإسلامي.

وقد خدم توقيت انعقاد القمة كشف تصدّع فتهاوي مواقف وخطابات من يطلقون على أنفسهم محور المقاومة والممانعة، وجماعات وميليشيات "وحدة الساحات". اتضح للجميع -أقله لطرفي هذه المواجهة الأخيرة- اتضح أن لا فرق في سيادية وخصوصية القرارات والأولويات بصرف النظر إن كانت صادرة عن نظام أو تنظيم. حتى المجاملات الكلامية وحفاوة الاستقبال في الرياض لقادة الأمتين العربية والإسلامية، كانت لافتة للانتباه حيث تصافح من يقتتل التابعون لنفوذهم، ويتعانق من تتراشق بعض الجهات المنتسبة أو التابعة إليهم بالاتهامات أو المزايدات من عيار "وينكم يا عرب وينكم يا مسلمين"!! ها هي الأصوات تتعالى من داخل غزة وفي كثير من المحافل المعنية بإنقاذ المدنيين بأن الطرفين المسؤولين عن أحوال القطاع منذ استيلاء حماس على السلطة في انتخابات (الذهاب بلا إياب) هي دوامة من الأفعال وردود الأفعال بصرف النظر عن البادئ فالمظلوم في الحالتين هم المدنيون: فلسطينيون وإسرائيليون.

الصحيح أن قمما عربية سابقة، خاصة الرباط 1974 وبيروت عام 2002 كانتا سبّاقتين فيما يجسد أسباب الصراع والحل في آن واحد. كان من المفترض أن تبقى منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين، لم إذن اندلعت حروب لبنان ومن بعدها غزة؟ فضلا عن الاقتتال الفلسطيني في ساحات عدة، والتشظي الفصائلي على التراب الوطني وخارجه؟ وكان من المفترض أن تكون المبادرة السعودية ومن ثم العربية للسلام و"رؤية الدولتين" هما الأفق السياسي للحل، فبماذا أتى إسماعيل هنية عندما أعلن من مقر إقامته في الدوحة بصفته زعيم حماس-الخارج أو الجوّال، عندما طالب بوقف إطلاق النار والانفتاح على التسويات السياسية وتحقيق رؤية الدولتين؟

أمّا بعد، وهي عبارة لها استخدام تاريخي ما زال قائما في الخطابات، ماذا بعد بيان قمة الرياض، ولم لم يتضمن إجابات شافية وإدانة صريحة مباشرة كالتي أعلنها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان للأفعال المشينة يوم "السبت الأسود" كما يعرف بالصحافة الإسرائيلية، السابع من أكتوبر. ولم تعذّر على القمة طرح حلول عملية فيما يخص مزاعم إسرائيل بشأن اتخاذ حماس مخازن "تحت المستشفيات والمدارس والملاجئ".

من المعلوم أن سبب رفض وقف إطلاق النار إسرائيليا وأمريكيا وأطلسيا هو لتحقيق هدفين: تحرير الرهائن والقضاء على حماس. ليس فقط كميليشيا، بل كسلطة حاكمة للقطاع أو فيه. ماذا لو بادرت أو استجابت حماس أو طهران لإطلاق سراح الرهائن المدنيين؟ من الإنصاف أن يجيب كل من يريد تحميل القمة أو دولا بعينها فوق طاقتها على تلك الأسئلة التي سينجلي الكثير من إجاباتها مع أحد التطورين الميدانيين: تحرير الرهائن أو كشف ما تحت مجمّع الشفاء الطبي الذي سيظهر بطلان مزاعم إسرائيل أو حماس. حقن الدماء يستحق المحاسبة لا المكاشفة فقط.

بشار جرارباحث متخصص في قضايا محاربة الإرهاب وتعزيز حوار الأديانإسرائيلالسعوديةرأينشر الثلاثاء، 14 نوفمبر / تشرين الثاني 2023تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتكوبونز CNN بالعربيةCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2023 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.

المصدر: CNN Arabic

كلمات دلالية: رأي

إقرأ أيضاً:

أسير إسرائيلي يطالب نتنياهو يإعادة جميع الرهائن بشكل عاجل

اتصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأسير إسرائيلي أفرج عنه مؤخرا من قطاع غزة، للاعتذار له في وقت تعرض فيه لهجوم من والد أسير آخر ما زال ينتظر الإفراج عنه.

ووفق وسائل إعلام إسرائيلية، فقد قال نتنياهو في اتصال هاتفي مع الأسير الإسرائيلي السابق إيلي شرعابي معتذرا له "أنا آسف لأن الأمر استغرق منا وقتا طويلا".

من جانبه، رد شرعابي على نتنياهو بالقول "يجب إعادة جميع الرهائن بشكل عاجل".

وشرعابي أُطلق سراحه مؤخرا من قطاع غزة بموجب صفقة تبادل مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في إطار اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل الساري منذ 19 يناير/كانون الثاني الماضي.

ولطالما تعرض نتنياهو لانتقادات حادة من عائلات الأسرى الإسرائيليين والمعارضة الإسرائيلية بسبب ما يعتبرونها عرقلته إبرام صفقة تبادل للأسرى مع "حماس" وكذلك تعطيله المضي قدما في اتفاق وقف إطلاق النار بما يضمن إطلاق سراح مزيد من الأسرى.

عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة ينظمون بشكل يومي احتجاجات على إهمال نتنياهو لإطلاق سراح أبنائهم (الأوروبية) هجوم

في سياق متصل، هاجم والد أسير إسرائيلي، اليوم الاثنين، حكومة بنيامين نتنياهو، وحذرها من أن استئناف الحرب على قطاع غزة قد يتسبب بمقتل مزيد من الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى الفصائل الفلسطينية.

إعلان

ووسط وعيد باستئناف حرب الإبادة، تنصل نتنياهو من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مع "حماس"، برفضه الانتقال إلى مرحلته الثانية، بعد أن انتهت الأولى في منتصف ليل الأحد الماضي.

وقال ألون، والد الأسير تمير نمرودي لإذاعة الجيش الإسرائيلي "نحن في ذروة المفاوضات ونمارس قوة قد تكلفنا رهائن، لقد فعلنا هذا في الماضي وخسرنا عشرات الرهائن"، وفق تعبيره.

وبدعم أميركي، ارتكبت إسرائيل بين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 و19 يناير/كانون الثاني 2025 إبادة جماعية بقطاع غزة، خلّفت أكثر من 160 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، ونحو 14 ألف مفقود.

كما تسبب القصف الإسرائيلي على القطاع بمقتل عشرات الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى الفصائل الفلسطينية.

وأضاف ألون أنه "من المؤسف للغاية أن يعلق الرهائن آمالهم على الأميركيين والحكومات الأجنبية وليس على الحكومة الإسرائيلية التي لا تتفق معنا في قضية الرهائن".

وتقدر تل أبيب وجود 59 أسيرا إسرائيليا بقطاع غزة، منهم 24 على قيد الحياة، بينما يقبع في سجونها أكثر من 10 آلاف فلسطيني يعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، أودى بحياة العديد منهم.

ويتوعد مسؤولون إسرائيليون باستئناف حرب الإبادة على غزة، ويرغبون أن تطلق "حماس" مزيدا من الأسرى، من دون أن تلتزم تل أبيب باستحقاقات المرحلة الثانية، وخاصة إنهاء حرب الإبادة والانسحاب من القطاع بشكل كامل.

ادعاءات نتنياهو

وادعى نتنياهو أن "حماس" ترفض التجاوب مع مقترح أميركي لوقف مؤقت لإطلاق النار خلال شهر رمضان وعيد الفصح اليهودي، وقرر منع إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة بدءا من أمس الأحد.

في المقابل، تؤكد "حماس" مرارا التزامها باتفاق وقف إطلاق النار وتطالب بإلزام إسرائيل به، وتدعو الوسطاء للبدء فورا بمفاوضات المرحلة الثانية، واعتبرت قرار منع المساعدات "ابتزازا رخيصا وجريمة حرب وانقلابا سافرا على الاتفاق".

إعلان

كذلك قوبل قرار منع دخول المساعدات إلى غزة بإدانة واستنكار شديدين من دول عربية وبهجوم من سياسيين وأهالي الأسرى الإسرائيليين، إذ اتهموا نتنياهو بالتهرب من مفاوضات المرحلة الثانية وتعريض حياة الأسرى للخطر.

ومنذ 19 يناير/كانون الثاني الماضي خرقت إسرائيل اتفاق غزة أكثر من 900 مرة، مما أدى إلى مقتل 116 فلسطينيا وإصابة 490 آخرين، كما لم تلتزم بالبرتوكول الإنساني، إذ سمحت فقط بإدخال قدر شحيح من المساعدات الإنسانية، وفق المكتب الإعلامي الحكومي ووزارة الصحة بغزة.

ويواصل نتنياهو تحدّيه للقانون الدولي، ويتجاهل إصدار المحكمة الجنائية الدولية في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي مذكرتي اعتقال بحقه هو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بتهمتي ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزة.

مقالات مشابهة

  • حماس تكشف "الخيار الوحيد" أمام إسرائيل لاستعادة الرهائن
  • أسير إسرائيلي يطالب نتنياهو يإعادة جميع الرهائن بشكل عاجل
  • ماذا سيفعل حفتر بعد غياب بشار والكبتاغون؟
  • نتنياهو: أوقفنا إدخال المساعدات إلى غزة وحماس لم تلتزم بوقف إطلاق النار
  • قيادي في حماس: الحركة لن توافق على تمديد المرحلة الأولى من اتفاق غزة
  • إسرائيل تحسم مصير اتفاق غزة خلال أيام
  • حماس ترفض تمديد المرحلة الأولى من اتفاق غزة
  • مصر: خطة إعمار غزة اكتملت وستعرض على القمة العربية الطارئة الثلاثاء
  • بن سلمان يسأل ماذا يُريد عباس؟ .. خفايا وكواليس مُداولات ما قبل القمّة العربية
  • حماس توجّه رسالة إلى القمة العربية