لوموند: الخلافات العربية تمنع مبادرة مشتركة بشأن الحرب في غزة
تاريخ النشر: 14th, November 2023 GMT
نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن توحّد الدول العربية والإسلامية في مطلب واحد لوقف إطلاق النار في غزة، والجهود المشتركة للضغط على الأطراف المعنية بهدف وقف التصعيد وتحقيق السلام في المنطقة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن زعماء الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي الذين اجتمعوا يوم السبت في المملكة العربية السعودية دعوا بالإجماع إلى وقف إطلاق النار في غزة وأدانوا "العدوان الإسرائيلي" في القطاع و"جرائم الحرب والمجازر الوحشية واللاإنسانية المرتكبة" من قبل حكومة الاحتلال.
وبينت الصحيفة أن العودة القوية للقضية الفلسطينية إلى الوعي العربي والإسلامي وموقف الانتظار والترقب الذي يتبناه المعسكر الغربي المنغلق على الدعم غير المشروط لإسرائيل، استدعى ردا قويا منهم. مع ذلك، تظل التصدعات القديمة في منطقة الشرق الأوسط أهم سبب يحول دون صياغة رؤية مشتركة لإنهاء الحرب ورسم أفق دبلوماسي "لليوم التالي".
وأضافت الصحيفة أن القمة المشتركة الاستثنائية لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، التي عقدت تحت رعاية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تعد في حد ذاتها خطوة غير مسبوقة. وتماشيا مع النشاط الدبلوماسي الذي يمارسه في العديد من القضايا، تولى الأمير الشاب دوره كزعيم للعالم العربي الإسلامي من خلال دعوة حلفائه - العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي - ومنافسيه - الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني - للتعبئة والتحرك من أجل غزة.
في الأثناء، أدان عشرات الزعماء العرب والمسلمين في البيان الختامي "العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجرائم الحرب والمجازر الوحشية واللاإنسانية التي ترتكبها حكومة الاحتلال"، وطالبوا بوقف فوري لإطلاق النار، ورفع الحصار عن غزة، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق. كما رفض الجميع التهجير القسري للفلسطينيين من القطاع إلى مصر أو من الضفة الغربية إلى الأردن ودعوا إلى وقف صادرات الأسلحة إلى الكيان الصهيوني ودعوا إلى إعادة إطلاق عملية السلام للسماح بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.
الاختلافات
وجّه هؤلاء القادة كلمات قاسية تجاه إسرائيل ومؤيديها الغربيين. فقد ندد محمد بن سلمان، الذي كان متفائلا في أيلول/ سبتمبر بالتقدم في التطبيع مع إسرائيل، "بالحرب الهمجية" وقال إنه يحمّل "سلطات الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية الجرائم التي تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني"، مستنكرًا "عدم قدرة مجلس الأمن والمجتمع الدولي على وضع حد للانتهاكات الصارخة للقوانين الدولية التي ترتكبها إسرائيل". وأضاف: "نحن على يقين بأن السبيل الوحيد لضمان الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة هو إنهاء الاحتلال والحصار والاستعمار".
في المقابل، لا يمكن مقارنة إداناته بخطابات الرئيس الإيراني رئيسي، الذي حث الدول الإسلامية على قطع علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع الاحتلال وفرض عقوبات على النفط. وقال في كلمة له: "لا يوجد سبيل آخر سوى مقاومة إسرائيل، نحن نُقبّل أيدي حماس لمقاومتها ضد إسرائيل". كما دعا إلى وصف الجيش الإسرائيلي بأنه "منظمة إرهابية" مع ضرورية تسليح الفلسطينيين.
وأشارت الصحيفة إلى أن تعنت إيران، رأس حربة "محور المقاومة" لإسرائيل، ليس مفاجئا. ودعواته لعزل الكيان الصهيوني سياسيا واقتصاديا تتشاطرها بعض الدول العربية.
خلال الاجتماعات التحضيرية للجامعة العربية التي عقدت بين وزراء الخارجية نهاية الأسبوع، برزت خلافات بين هذه الدول، وهي نحو عشر دول بقيادة الجزائر، وبين الدول التي تريد الحفاظ على علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل والوساطة الأمريكية في القضية الفلسطينية. ومن بين هذه الدول الإمارات العربية المتحدة والبحرين، الموقعتان على اتفاقيات إبراهيم لسنة 2020 مع إسرائيل، وكذلك المملكة العربية السعودية. وقد دفعت الخلافات العربية الرياض إلى دمج قمتي الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، في اللحظة الأخيرة، اللتين كانتا من المقرر أن تعقدا بشكل مستقل.
الرياض تقف بعيدة عن النزاع
أدت هذه الاختلافات إلى تعقيد صياغة رؤية عربية مشتركة لفترة ما بعد الحرب. وقد دعا كافة الزعماء العرب المجتمع الدولي إلى اغتنام الفرصة التي تتيحها هذه الحرب لفرض تسوية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولكن لا يبدو أن أيا منهم يرغب في أخذ زمام المبادرة على المستوى الإقليمي. وحسب عالم السياسة ستيفان لاكرو "ترددت المملكة العربية السعودية، في بداية الصراع، في لعب هذا الدور القيادي لكنها قررت المماطلة لأن هناك الكثير مما يمكن خسارته. ولا أحد مستعد للقيام بهذا الدور: فمعظم هذه الدول لا تهتم، في أعماقها، بالفلسطينيين، وتريد أن ترى حماس في حالة ضعف. إنهم يقدمون الحد الأدنى من الخدمات لأن القضية الفلسطينية لا تزال مهمة بالنسبة لشعوبهم".
ومع ذلك، برز العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني كصوت مهم للفلسطينيين. ففي ظل تدهور وضعه وصورته على رأس المملكة، فإنه يتعرض لضغوط من السكان الذين يشكل الفلسطينيون ثلثيهم، كما أنه يخشى نقل الفلسطينيين من الضفة الغربية. ويدعو في الأثناء إلى تعزيز السلطة الفلسطينية وإعادة إطلاق عملية السلام.
استأنفت مصر الرئيس عبد الفتاح السيسي دورها التاريخي كوسيط مع غزة ربما خوفا من رؤية الصراع يمتد إلى أراضيها، وتدفق مليوني لاجئ من غزة، ما يدفعها إلى النضال من أجل توصيل المساعدات الإنسانية إلى القطاع. ومن جهتها، تتولى قطر دور الوسيط مع حماس التي تستضيف مكتبها السياسي في مسألة الرهائن.
من جهته، تمكن الملك عبد الله الثاني والرئيس السيسي من إقناع عرابيهم الخليجيين بدعم مواقفهم ضد واشنطن. وبضغط من وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، لوضع سيناريوهات ما بعد الحرب، يطالبون أولا بفرض وقف إطلاق النار. وسيكون التورط في العواقب بمثابة انتحار لهذه البلدان. وفي هذا السياق، أكد دبلوماسي غربي: "إنهم يخاطرون بأن يُنظر إليهم على أنهم متواطئون في المنطق العسكري الإسرائيلي".
لا تزال الرياض تقف بعيدا عن النزاع، وتدعم مبادراتهم. لقد تبنى ولي العهد السعودي موقفا قويا بشأن هذه القضية التي أصبحت مرة أخرى أساسية، والتي كان الضامن لها ذات يوم، لكنه حريص على الحفاظ على الديناميكية التي بدأها قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر: انفراج العلاقات مع إيران من ناحية، والتطبيع مع إسرائيل وتعزيز الاتفاقية الأمنية مع واشنطن من جهة أخرى.
إحياء عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين
أكدت فاتحة دازي هيني، المتخصصة في شؤون الخليج في معهد البحوث الاستراتيجية بالمدرسة العسكرية، أن "القضية الفلسطينية أصبحت مرة أخرى تقريبا مسألة سياسة داخلية للمملكة العربية السعودية". وأطلقت المملكة حملة لجمع التبرعات لغزة جمعت بفضلها أكثر من 150 مليون يورو من التبرعات من السكان منذ الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر. وهي تدعو مرة أخرى إلى تطبيق خطة السلام العربية، التي وضعها الأمير عبد الله سنة 2002، قبل اعتلائه العرش، والتي تشترط تطبيع العلاقات مع إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية.
وحتى دولة الإمارات العربية المتحدة، الأكثر تحفظا، بدأت تؤكد نفسها أكثر بشأن هذه القضية. تركز حكومة الإمارات العربية المتحدة على الاستجابة الإنسانية وتعمل كوسيط للأصوات العربية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، التي تحتل إحدى عشرة مقعدا من المقاعد غير الدائمة. وحسب دبلوماسي عربي، فإن أبوظبي تريد أن تلعب دورا في غزة، لكن الرياض تحاول استعادة السيطرة عندما تبدأ مفاوضات إحياء عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.
وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى أن السعودية لا تريد السماح لإيران بالاستمرار في فرض وجهات نظرها بشأن هذه القضية، ولا ترى أن الفرصة سانحة للتوصل إلى اتفاق تطبيع مع إسرائيل. ومع ذلك، فإن تسوية القضية الفلسطينية أصبحت، أكثر من أي وقت مضى، خطوة أساسية. وعموما، وحدها الرياض تستطيع أن تنجح في توحيد الصف العربي لدعم الحل السياسي.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة غزة الاحتلال حماس الجامعة العربية احتلال حماس غزة الجامعة العربية طوفان الاقصي صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القضیة الفلسطینیة العربیة السعودیة الدول العربیة عملیة السلام إطلاق النار مع إسرائیل عبد الله فی غزة
إقرأ أيضاً:
تباث الموقف اليمني تجاه القضية الفلسطينية
كان الموقف اليمني تجاه القضية الفلسطينية واضحاً منذ عقود، ولكنه أثبت وصدق ثباته منذ بداية معركة طوفان الأقصى في 7 من أكتوبر 2023م، عندما أعلن السيد القائد عبدالملك الحوثي- يحفظه الله- أن أبناء غزة وفلسطين عامة ليسوا وحدهم، وأننا معهم وسنقف إلى جانبهم، وسندافع عن قضيتهم، والتي هي في الأساس قضية الشعب اليمني.
هذا الموقف العروبي، جاء من دافع الإخوة الإيمانية، ومن باب الواجب علينا أن ندافع عن المقدسات الإسلامية، وندافع عن إخواننا في فلسطين، الذين يتعرضون لأبشع المجازر، ويرتكب بحقهم شتى أنواع القتل والدمار، والإرهاب الوحشي، وتحتل أرضهم وتصادر ممتلكاتهم، وتستباح دماؤهم من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
القضية الفلسطينية والدفاع عنها هي المحك وهي المعيار لإثبات مدى الإيمان ومدى الالتزام بالتعاليم الدينية، وهي الغربال الذي من خلالها يتضح من هو المؤمن الحق، ومن هو المنافق والعميل والخائن، من خلالها كذلك نعرف من هو العدو الحقيقي لنا كأمة مسلمة، وكذلك طبيعة الصراع مع العدو الذي حدده الله لنا في القرآن الكريم.
ما يجري اليوم في المنطقة بعد السابع من أكتوبر 2023م، والذي أفرز لنا قيادات وأنظمة عربية وإسلامية عميلة للصهيونية، وتنفذ مخططاتها وفقاً لاستراتيجيات مدروسة منذ عقود، حتى وصل بنا الحال إلى ما وصلنا إليه اليوم من ذل وهوان وخضوع واستسلام.
كانت سوريا خلال العقود الماضية تعد إحدى الدول الداعمة للقضية الفلسطينية، والرافضة للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وكان لها ثقل في المنطقة، رغم السلبيات التي حدثت أو كانت تحدث من قبل النظام السوري طيلة فترات الصراع العربي الإسرائيلي، لكن اليوم بعد سقوط دمشق في الحضن الإسرائيلي وهذه هي الحقيقة التي علينا أن نسلّم بها، أصبحت إسرائيل في مواقف اقوى من قبل، وضمنت عدم تلقي المقاومة الفلسطينية واللبنانية أي دعم يأتي عن طريق سوريا، وقطعت أحد شريانات دخول السلاح، لكن هذا لن يثني المجاهدين ولن ينال من عزيمتهم وثبات موقفهم تجاه العدو الإسرائيلي الذي يحتل أرضهم ويرتكب بحقهم أبشع المجازر اليومية.
رغم تأثير سقوط سوريا بيد الصهيونية، لكن ذلك لن يغير في ثبات الموقف اليمني تجاه القضية الفلسطينية، ولن يغير في سير معركة الجهاد المقدس والفتح الموعود، بل سيزيد من ثبات الموقف اليمني، ويؤكد أننا في معركة مقدسة، ولا تراجع عن الموقف، وأن إخواننا في فلسطين وسوريا كذلك ليسوا وحدهم، بل إننا معهم وسنقف إلى جانبهم، وسندافع عنهم، وإن العمليات العسكرية في البحر الأحمر، وفي الأراضي العربية المحتلة مستمرة، وستزداد وتيرتها، وفق مرحلة التصعيد، وبخصوص ما يروج له العملاء والخونة منتشين بسقوط سوريا، وأن معركة تحرير صنعاء قادمة كما يسمونها، ويسعون لحشد الجيوش بقيادة أمريكا وإسرائيل وبقية الدول الصهيونية ومعهم صهاينة العرب، نقول لهم: إن موقفنا ثابت تجاه القضية الفلسطينية، ولن يتغير، وسنقاتل حتى النصر أو الشهادة، وصنعاء ليست دمشق…