نهى مكرم- مباشر- يتوقع البنك الاستثماري "جولدمان ساكس" أن يتجاوز الاقتصاد العالمي التوقعات في 2024، مدفوعاً بقوة نمو الدخل والثقة بأن أسوأ ما في رفع أسعار الفائدة قد انتهى بالفعل.

ويرجح البنك الاستثماري توسع الاقتصاد العالمي بنسبة 2.6% العام المقبل على أساس سنوي في المتوسط، ما يعد أعلى من توقعات الاقتصاديين في "بلومبرج" بنمو 2.

1%.

ويتوقع "جولدمان ساكس" أن تتفوق الولايات المتحدة على الأسواق المتقدمة مجدداً مع نمو 2.1%. كما يرى البنك الاستثماري أن الجزء الأكبر من تداعيات تشديد السياسات المالية والنقدية قد ولّى.

ولكبح ارتفاع التضخم، بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي حملة قوية من رفع أسعار الفائدة في مارس/آذار 2022 جراء قفزة التضخم لأعلى مستوياته في أربعين عاماً.

وقال جيروم باول، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، الخميس الماضي، إنه ليس متأكداً من أن الفيدرالي انتهى من مهمة محاربة التضخم، مشيراً إلى أن المزيد من رفع الفائدة ربما يكون ضرورياً.

واستبعد "جولدمان ساكس" خفض صانعو السياسة في الأسواق المتقدمة أسعار الفائدة قبل النصف الثاني من 2024، ما لم يأت النمو الاقتصادي أضعف من المتوقع.

وأشار البنك، أيضاً، إلى أن التضخم واصل تراجعه في مجموعة العشرة واقتصادات الأسواق الناشئة، ومن المتوقع أن يتراجع على نحو أكبر.

وأفاد التقرير بأن اقتصاديي "جولدمان ساكس" يتوقعون أن يستمر تراجع التضخم العام الجاري حتى العام المقبل، إذ يُتوقع انخفاض التضخم الأساسي من 3% حالياً إلى 2-2.5% في المتوسط عبر اقتصادات مجموعة العشرة عدا اليابان.

تعافي نشاط قطاع التصنيع العالمي

كما يتوقع البنك الاستثماري تعافي نشاط قطاع التصنيع العالمي من ركوده الحالي مع بدء تلاشي العقبات العام الجاري. وأشار "جولدمان ساكس" إلى أن نشاط التصنيع العالمي كان يخيم عليه تعافي أضعف من المتوقع في نشاط التصنيع الصيني وأزمة الطاقة الأوروبية.

وقال جان هاتزيوس، كبير خبراء الاقتصاد لدى "جولدمان ساكس"، إن نشاط التصنيع ينبغي أن يتعافى نوعاً ما في 2024 من وتيرته الضعيفة في 2023 ولاسيما مع عودة نمط الإنفاق لطبيعته واستقرار نسب المخزونات إلى الناتج المحلي الإجمالي ووصول الإنتاج الأوروبي كثيف الاعتماد على الطاقة لأدنى مستوياته.

الاقتصادات الكبرى تتجنب الركود

ويساهم ارتفاع الدخل الحقيقي، أيضاً، في توقعات النمو الإيجابية لبنك "جولدمان ساكس".

وعلى الرغم من أن اقتصاديي البنك مازالو يتوقعون تباطؤ نمو الدخل الحقيقي الأمريكي من وتيرته القوية في 2023 البالغة 4%، فسيظل داعماً للاستهلاك ونمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2% على الأقل.

وأضاف هاتزيوس أنهم مازالوا يرون خطراً محدوداً للركود في الولايات المتحدة مع احتمالية 15%، وهو ما يعود جزئياً إلى نمو الدخل الحقيقي المتاح.

وكان قد خفض البنك في سبتمبر/أيلول الماضي توقعاته لانزلاق الولايات المتحدة إلى ركود من 20% إلى 15%  بفضل تراجع التضخم ومرونة سوق العمل.

وبينما ستظل أسعار الفائدة المرتفعة والسياسة المالية تلقي بظلالها على النمو عبر اقتصادات مجموعة العشرة، يرى هاتزيوس أن الأسوأ قد انتهى بالفعل.

ويتوقع اقتصاديو "جولدمان ساكس"، أيضاً، أن تشهد كل من منطقة اليورو والمملكة المتحدة تسارعاً قوياً في نمو الدخل الحقيقي، ليصل إلى 2% بنهاية 2024، مع تلاشي أزمة الغاز بعد غزو روسيا لأوكرانيا.

                           

 

تقارير عالمية اقتصاد عالمى المصدر: مباشر أخبار ذات صلة استقرار أسعار الذهب وسط ترقب بيانات التضخم الأمريكي نفط ومعادن النفط يرتفع إثر توقعات قوة الطلب ومخاوف الإمدادات نفط ومعادن تباين الأسهم الأمريكية في نهاية تعاملات الاثنين مؤشرات عالمية ارتفاع أسعار النفط في ختام تعاملات الاثنين نفط ومعادن الأخبار الأكثر {{details.article.title}} 0"> {{stock.name}}
{{stock.code}} {{stock.changePercentage}} % {{stock.value}} {{stock.change}} {{section.name}} {{subTag.name}} {{details.article.infoMainTagData.name}} المصدر: {{details.article.source}} {{attachment.name}}
أخبار ذات صلة

المصدر: معلومات مباشر

إقرأ أيضاً:

التغير المناخي يرفع أسعار الغذاء ويثير قلق البنوك المركزية

قبل ستين عاما عندما افتتح أجداد جوسيبي ديفيتا معصرة زيت الزيتون في بلدة كيارامونتي جولفي بصقلية كان المناخ في تلك الجزيرة الإيطالية مثاليا لإنتاجه. لكن لم تعد تلك هي الحال الآن، كما يقول ديفيتا الذي يدير مع شقيقه شركة أوليفيشو جوتشوني والتي لديها اليوم مزرعتها الخاصة بها إلى جانب المعصرة. فمع ارتفاع المتوسط السنوي لدرجات الحرارة وتراجع هطول الأمطار يصبح إنتاج الزيتون وتحويله إلى زيت أكثر صعوبة. حول منطقة البحر المتوسط دفع تدنِّي الغلة وارتفاع تكلفة المدخلات بالأسعار إلى أعلى مستوى لها خلال 20 عاما. ويتوقع ديفيتا تفاقم مشاكل الإنتاج مع ازدياد حدة آثار التغير المناخي. على مدى آلاف السنين ظل إنتاج الغذاء وأسعاره عُرضة لتقلبات الطقس. فحدث مناخي فريد كموجات الحرارة والجفاف والفيضانات والصقيع يقلل الإنتاج ويرفع الأسعار. الحروب والأمراض أيضا عوامل أخرى كما شاهد العالم ذلك مؤخرا بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا وتفشي حمى الخنازير التي اجتاحت مزارع تربيتها في الصين.

تحوّل أنماط الطقس

لكن هنالك خيط آخر أكثر استدامة ينتظم العديد من الزيادات الحادة في أسعار الغذاء. فمن البرتقال في البرازيل وإلى الكاكاو في غرب إفريقيا ومن الزيتون في جنوب أوروبا وإلى البن في فيتنام تقود أنماط الطقس المتقلبة دائما بسبب التغير المناخي إلى ضعف الغلة وخفض الإمدادات وارتفاع الأسعار. يعتقد آدم ديفِس المؤسس المشارك لصندوق التحوط الزراعي العالمي "فاريير كابيتال" أن التغير المناخي ساهم في ارتفاع أسعار قائمة طويلة من السلع الغذائية التي يتم تداولها عند مستويات مرتفعة هذا العام. يقول "سعر القمح ارتفع بنسبة 17% وزيت النخيل بنسبة 23% والسكر بنسبة 9% ولحم الخنازير بنسبة 21%". وبالنسبة للمستهلكين "الأثر المتأخر لارتفاع أسعار هذه السلع لن يختفي". يعود ثلث الزيادات في أسعار الغذاء ببريطانيا في عام 2023 إلى التغير المناخي، وفقا لمركز الأبحاث "وحدة معلومات الطاقة والمناخ". يقول فريدريك نيومان، كبير خبراء اقتصاد آسيا ببنك اتش اس بي سي "يوجد تأثير مادي للتغير المناخي على أسعار الغذاء العالمية. من اليسير الاستخفاف بالأحداث المناخية النادرة واعتبارها حالات معزولة. لكننا شهدنا لتونا سلسلة من الأحداث المناخية غير الطبيعية واضطرابات زادت بالطبع من تأثير التغيّر المناخي". مثل هذه الأحداث المتكررة ينتج عنها "أثر دائم على قدرتنا على توفير إمدادات الغذاء" حسبما يرى نيومان. والزيادات في أسعار الغذاء التي كانت تعد في وقت ما مؤقتة تتحول إلى مصدر ضغوطات تضخمية مستمرة. عالميا، يمكن أن ترتفع المعدلات السنوية لتضخم أسعار الغذاء بما يصل إلى 3.2% خلال العقد القادم أو نحو ذلك نتيجة لارتفاع درجات الحرارة، حسب دراسة صدرت مؤخرا عن البنك المركزي الأوربي ومعهد بوتسدام لأبحاث الآثار المناخية.

ضغوطات تضخمية

هذا سيعني ارتفاعا في معدلات التضخم العام السنوي بنسبة 1.18% بحلول عام 2035، وفقا للدراسة التي استخدمت بيانات تاريخية من 121 بلدا في الفترة من 1996 إلى 2021 لوضع سيناريوهات للتضخم في المستقبل. وسيكون جنوب العالم الأكثر تضررا. السؤال هو كيف يجب على السياسة النقدية عكس ذلك؟ تستبعد بنوك مركزية عديدة أسعار الغذاء والطاقة من معدل التضخم الأساسي. وهو مقياس تراقبه هذه البنوك عن كثب بسبب تقلبها. لكن الآن بعد أن بدأ التغير المناخي في إحداث ضغوطات تضخمية مستدامة يشتد الجدل حول ما إذا صار من اللازم لواضعي معدلات التضخم إبداء المزيد من الاهتمام، ليس أقله لأن ارتفاع أسعار الغذاء يؤثر بشدة على المواطنين العاديين. يقول ديفيد بارمز، زميل السياسات بمعهد جرانثام لأبحاث التغير المناخي والبيئة التابع لمدرسة لندن للاقتصاد إن اعتبار القفزات في أسعار الغذاء ومعدلات التضخم ظاهرة مؤقتة "لم يعد حقا مقاربة مفيدة إذا تكررت صدمات الأسعار وأصبحت متواترة وتؤثر على معدل التضخم الرئيسي على نحو أكثر استدامة". ويتنبأ نيومان بأن الاختلالات الأكثر تواترا لإمدادات الغذاء "ستجبر البنوك المركزية على الاستجابة مما سيقود إلى المزيد من التقلب في أسعار الفائدة وربما إلى معدلات أعلى بمرور الوقت". وحسب تقرير نشر مؤخرا بواسطة البرنامج البيئي للأمم المتحدة فإن درجة حرارة الكوكب في سبيلها للارتفاع بحوالي 2.9 درجة مئوية فوق مستوياتها التي كانت سائدة قبل الثورة الصناعية أو ضِعف المستوى الذي اعتُمِد في محادثات المناخ بباريس في عام 2015.

ارتفاع درجات الحرارة وقلة الأمطار

وتيرة هذا الاحترار تزداد أيضا خلافا حتى لتوقعات علماء المناخ؛ فالعام الماضي كان الأشد حرارة على الإطلاق. لكن ربما سيفوقه العام الحالي مع ارتفاع درجة الحرارة إلى ما يقرب من 50 درجة مئوية في الهند. وتُعِدُّ أوروبا نفسَها لصيف حارق آخر. الزراعة من القطاعات الأكثر تأثرا بشكل مباشر. وخلال العقد القادم ربما سيكون هنالك نقص في إمدادات معظم المحاصيل الأكثر أهمية في العالم مع ارتفاع درجات الحرارة وتضرر الحصاد من أحداث تطرف الطقس الأكثر تواترا. غلة القمح على سبيل المثال تنخفض بشدة عندما تتجاوز درجات الحرارة في الربيع 27.8 مئوية. لكن دراسة حديثة وجدت أن المناطق الرئيسية لزراعة القمح في الصين والولايات المتحدة تشهد درجات حرارة تزيد كثيرا عن ذلك وعلى نحو يتكرر باطراد. موجات الحرارة التي كان من المتوقع حدوثها مرة واحدة كل مائة عام في عام 1981 قد تحدث الآن مرة كل ستة أعوام في الغرب الأوسط الأمريكي وكل 16 عاما في شمال شرق الصين، وفقا لبحث أجرته مدرسة فريدمان لعلوم وسياسات التغذية بجامعة تافتس. الأرز وفول الصويا والذرة والبطاطس من بين المحاصيل الغذائية الرئيسية التي يمكن أن تتدهور غلتها. فبالنسبة لمحاصيل عديدة ارتفاع درجات الحرارة يعني إنتاجا أقل. تقول فريدريكي كويك وهي اقتصادية قادت دراسة البنك المركزي الأوروبي "لدى هذه المحاصيل إنتاجية مستقرة جدا عند درجات حرارة تتراوح ما بين 20 - 30 درجة مئوية حسب نوع المحصول. أما إذا زادت عن ذلك فسنشهد تدهورا حادا في الإنتاجية". هذا الهبوط في الإنتاجية يقود إلى ارتفاع أسعار الغذاء. وتضيف كويك "إنها ببساطة مسألة عرض وطلب". أحداث الطقس المتطرف بما في ذلك موجات الجفاف والفيضانات والعواصف والتي تزداد وتيرتها لها أيضا تداعياتها.

فالفيضانات في باكستان في عام 2022 قضت على حقول الأرز. والتغير المناخي فاقم ظاهرة ارتفاع حرارة البحر (النينو) التي عادت في العام الماضي ونتج عنها تدني إنتاجية السكّر والبن والكاكاو.

ازدياد التكلفة

التحولات في أنماط المناخ والطقس تغيِّر أيضا المواسم الزراعية وتوجِد ضغوطا جديدة من الآفات والأمراض. ففي غانا وساحل العاج -وهما تنتجان معا ثلثي محصول العالم من الكاكاو- أوجدت الأمطار الغزيرة في العام الماضي رطوبة مثالية لتفشي مرض قرون الثمار السوداء. وهي عدوى فطريات ينتج عنها تعفن ثمار الكاكاو. ذلك، إلى جانب أمراض أخرى ورداءة الطقس، أضعفت الغلة وقلَّصت الإنتاج العالمي بأكثر من 10% مقارنة بالعام السابق. تعني التحديات التي يفرضها التغير المناخي للمزارعين ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج؛ فالأرض التي كانت تنتج في السابق محاصيل وفيرة من مياه الأمطار تحتاج الآن إلى الري. وزادت الحاجة إلى المبيدات الحشرية لمكافحة الأمراض والآفات. في صقلية مع ارتفاع الحرارة إلى 40 درجة مئوية أثناء الحصاد توجب على الإخوة ديفيتا استخدام أجهزة تبريد خاصة. والطقس الحار يؤثر أيضا على إنتاجية العمل ويزيد تكلفة الإنتاج التي يتم تمريرها للمستهلكين من خلال ارتفاع الأسعار. يقول ويليام هاينز، كبير الاقتصاديين المختصين بالتغير المناخي في البنك الدولي، إن تقدير مدى ذلك التأثير يشكل تحديا. وكما هي الحال مع دراسة البنك المركزي الأوروبي، تدرس معظم الأدبيات التجريبية الارتفاع في درجات الحرارة لأن البيانات عنها متاحة ويسهل الحصول عليها. لكن هاينز يقول هنالك طرق أخرى كثيرة يؤثر بها التغير المناخي على غلة المحاصيل وأسعار الغذاء. يقول "النظام بأكمله يتغير". إنتاج المحاصيل لن يتأثر في كل المناطق. قد يكون بمقدور بعض المناطق أو البلدان زراعة المزيد من محاصيل معينة نتيجة للتغيرات في المناخ، حسبما يقول هاينز، مشيرا إلى صناعة النبيذ في إنجلترا من بين أمثلة أخرى. وقد يكون بإمكان أجزاء أخرى من العالم التكيف بالتحول إلى محاصيل أكثر تحمُّلا أو إنتاج المزيد من الأصناف الجديدة المقاومة للجفاف. بالرغم من مثل هذه الأنماط من التكيف يشرع التغير المناخي في عرقلة وليس تعزيز إمدادات العالم من الغذاء، بحسب بول ايكنز، أستاذ الموارد والسياسات البيئية بكلية لندن الجامعية. وهذا يقود إلى ازدياد الضغوط التضخمية العامة مع تسرب ارتفاع أسعار الغذاء إلى تكاليف المعيشة. لكن مدى هذه الضغوطات يتفاوت. فباحثو البنك المركزي الأوروبي على سبيل المثال وجدوا أن ارتفاع درجات الحرارة عندما تجاوز عتبة معينة أدّى إلى تدهور في الإنتاجية وزيادة في التضخم. وحسب نوع المحصول، قد يكون لارتفاع درجات الحرارة بحوالي 5 درجات من 20 درجة مئوية إلى 25 درجة مئوية أثر أقل على غلة المحصول والتضخم مقارنة بارتفاعها بمعدل درجتين من 34 درجة إلى 36 درجة مئوية على سبيل المثال. وتقول فريدريكا كويك إن "مناطق مثل أمريكا الجنوبية وإفريقيا تتعرّض سلفا وبانتظام إلى درجات حرارة قريبة من المستويات التي تصبح فيها مضرَّة بالمحاصيل". لذلك ارتفاع درجات الحرارة في هذه المناطق هو الذي له أثر أكبر على أسعار الغذاء.

الإنفاق على الغذاء

بالمقارنة تميل أوروبا المعتدلة الطقس إلى تحمّل أسوأ آثار التغير المناخي (وأثر التضخم الذي يترافق معها) خلال أشهر الصيف. وجد باحثو البنك المركزي الأوروبي أن تضخم أسعار الغذاء في أوروبا عام 2022 ارتفع بحوالي 0.6 نقطة مئوية نتيجة لصيف القارة الحار. يشكّل الغذاء أيضا حصة كبيرة من الإنفاق العائلي في البلدان النامية (يصل أحيانا إلى حوالي 50% من مؤشر أسعار المستهلك) مما يعني أن أية زيادة في الأسعار يتعاظم أثرُها على التضخم الإجمالي، بحسب فريدريك نيومان. ارتفاع أسعار الغذاء أيضا يقلل المال المتاح لشراء الأصناف الأخرى. وهذا يضر بالإنفاق الاستهلاكي بشكل عام. يقول نيومان "مؤشر أسعار المستهلك للغذاء أيضا أكثر حساسية إلى حد بعيد تجاه الاختلالات والتقلبات في أسعار المدخلات". فالقمح قد يشكّل 70% من تكلفة الخبز في بلدان الدخل المنخفض والمتوسط لكنه يمثل 10% فقط في البلدان الغنية التي ترتفع فيها تكاليف العمالة والطاقة والنقل. على نحو مماثل، البلدان الغنية المتكاملة على نحو جيد مع الأسواق العالمية أفضل قدرة على التعامل مع الحصاد الضعيف. يقول نيومان "إذا فشل حصاد القمح في ألمانيا يمكنهم هناك شراءه من السوق العالمية. لكن البلد الأكثر فقرا قد لا يكون بمقدوره الذهاب إلى جهة أخرى، كما لا يملك البنية التحتية الوافية لاستيراد كميات كبيرة من الغذاء". لكن بلدان الاقتصادات المتقدمة ليست بمنجاة، حسب جيرت بيرسمان، أستاذ الاقتصاد بجامعة جينت البلجيكية؛ فأبحاثه تشير إلى أن ما يصل إلى 30% من التقلب في معدل التضخم بمنطقة اليورو في الأجل المتوسط سببه التغيرات في أسعار الغذاء العالمية والتي تنشأ عن صدمات حصاد عالمية غير متوقعة. وعلى الرغم من أن الغذاء يمثل حصة أصغر كثيرا من النفقات العائلية في البلدان الغنية فإن معظم الناس "ينظرون إلى أسعار الغذاء لتشكيل توقعاتهم عن التضخم"، حسبما يقول بيرسمان. ويحاجج هو واقتصاديون آخرون بأن ذلك يقود إلى تضخم "فعلي" إذ يدفع الناس إلى المطالبة بأجور أعلى.

يتّفق ديفيد بارمز معه قائلا إن المستهلكين "حساسون جدا لأسعار الغذاء، لذلك إذا كان التغير المناخي يعني أن أسعار الغذاء سترتفع باستمرار سيكون لذلك تأثير أكبر على توقعاتهم عن التضخم. يقول بعض خبراء الاقتصاد إن الشركات التي لديها نفوذ كبير في أسواق الاقتصادات المتقدمة يمكنها مفاقمة التضخم في أوقات اضطراب الإمدادات؛ فالتضخم في السنوات القليلة الماضية، تقول ايزابيلا ويبر، أستاذة الاقتصاد المساعد بجامعة ماساشوستس اميرست، "أطلقته صدمات في قطاعات ضرورية (كالغذاء والطاقة) ثم أشاعته بعد ذلك القرارات التسعيرية التي اتخذتها الشركات".

دور البنوك المركزية

يجدد الأثر المتعاظم للتغير المناخي على الزراعة جدلا حول ما إذا كان يتوجب على البنوك المركزية التعامل مع صدمات أسعار الغذاء برفع أسعار الفائدة كما تفعل مع زيادات الأسعار المعممة. يقول مارك بوروي، أستاذ الاقتصاد المشارك بجامعة بواتيه في فرنسا، إن الإجماع وسط خبراء الاقتصاد ظل لفترة طويلة هو وجوب امتناع البنوك عن رفعها. والسبب في ذلك اعتبار تضخم أسعار الغذاء مؤقتا ومتقلبا. يقول "أنت لا تريد أن تكون أسعار فائدتك متقلبة". هنالك عوامل عالمية خارجية تنحو إلى تحريك تضخم أسعار الغذاء أيضا وليس للاقتصادات الصغيرة خصوصا تأثير عليها. يقول بارمز "رفع أسعار الفائدة لا يعالج صدمات جانب العرض السلبية". ويضيف أنه من الممكن في الواقع أن تكون له نتيجة عكسية لأنه يمكن أن يفاقم انخفاض الإنتاج. كما لا يزيد إمدادات الغذاء، حسبما جادل اقتصاديون ومحللون آخرون لأوضاع السوق عندما تعرّضت السياسة النقدية التقليدية للنقد بعد صدمات أسعار الغذاء في 2008 و2011. لكن يلاحظ الاقتصاديون أن محددات الجدل تغيّرت هذه المرة بسبب التغير المناخي. يقول راجورام راجان، الذي تولى منصب محافظ البنك المركزي الهندي في الفترة من 2013 إلى 2016: لقد توجب على البنوك المركزية في بلدان الاقتصادات النامية دائما أن تكون أكثر اهتماما بأسعار الغذاء. ومع ترسخ التغير المناخي وإضعافه غلة المحاصيل من المرجح أيضا أن تتجه الحكومات أكثر وأكثر إلى السياسات الحمائية والتي يمكن أن تفاقم الأثر التضخمي. في العام الماضي على سبيل المثال فرض رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي قيودا على صادرات الأرز الأبيض المكسور وغير البسمتي مما قاد إلى ارتفاع الأسعار. كيفية التعامل مع ذلك أمر إشكالي. يقول بارمز إن هنالك حاجة إلى أدوات بديلة لضبط التضخم في مواجهة ضغوط التغير المناخي. قد تشمل هذه الأدوات التي تستخدمها السلطات المالية والصناعية وليس البنوك المركزية ضوابط على الأسعار ودعومات موجهة لأهداف محددة. يضيف بارمز أن هنالك حاجة أيضا لسياسة تنافسية وإجراءات ضد التضخم أكثر تشددا لمنع الشركات التي لديها حصة سوقية كبيرة من استغلال الوضع والتربح أثناء فترات التضخم وبالتالي تعقيد المشكلة. تعتقد ايزابيلا ويبر في ورقة حديثة أن على البلدان تكوين مخزونات احتياطية من السلع الغذائية لامتصاص أثر تقلبات الأسعار وفرض ضرائب على الأرباح الفجائية على الشركات العاملة في القطاعات الضرورية مثل الغذاء لمنع التلاعب بالأسعار. يقر فريدريك نيومان بأن رفع أسعار الفائدة في وقت يشهد أيضا ارتفاع الأسعار ينطوي على مخاطر وقد لا يكون دائما فعالا. لكنه يضيف قائلا في معظم السياقات "لا يمكنك تجاهل صدمات أسعار الغذاء تماما. وسيلزمك رفع أسعار الفائدة". يتفق معه راجورام راجان في ذلك بقوله "يجب أن تكون حريصا قليلا في التعامل مع أشياء مثل الارتفاع الحاد والمؤقت في سعر البصل". إنه صدمة قصيرة الأجل سرعان ما تزول عندما تصل المزيد من الإمدادات. لكن راجان يستدرك قائلا "لا يمكنك تجاهل أسعار الغذاء" خصوصا عندما لا تكون مرتفعة لبعض الوقت؛ فالبنوك المركزية يجب عليها رفع أسعار الفائدة "ليس للقضاء على ارتفاع الأسعار أساسا ولكن لتجنب ارتفاع كل شيء آخر معها". بالنسبة لبلدان الاقتصادات الأصغر يعتقد مارك بوروي أن ذلك على الأقل يرفع من قيمة عملاتها ويسهم في خفض أسعار الواردات. يقول "على البنوك المركزية عدم المبالغة في ردود أفعالها" لكن مع رسوخ آثار التغير المناخي سيكون تضخم أسعار الغذاء أهم للاقتصاد وللناس بحيث يلزمها أن تفعل شيئا".

مقالات مشابهة

  • رئيس الفدرالي في نيويورك: البنك لا يزال بعيداً عن تحقيق مستهدف التضخم رغم الخطوات الكبيرة
  • لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري تبحث أسعار الفائدة الجديدة.. 18 يوليو المقبل
  • الوديعة الدولارية السنوية في البنك الأهلي.. إزاي تكسب 1000 جنيه يوميا؟
  • موعد اجتماع البنك المركزي المصري لتحديد أسعار الفائدة في يوليو 2024
  • توقعات أسعار الذهب في مصر: تحليل شامل للفترة القادمة
  • الفائدة الأمريكية والاقتصاد العالمي
  • مكاسب الذهب عالميا ترتفع لأعلى مستوى منذ 6 أسابيع.. والأسواق تنتظر قرارا أمريكيا
  • خلال أيام.. موعد اجتماع البنك المركزي لتحديد مصير الفائدة
  • رئيس «موازنة النواب»: محاربة الغلاء وخفض التضخم بالتنسيق مع البنك المركزي ضرورة لتخفيف الأعباء عن المواطن
  • التغير المناخي يرفع أسعار الغذاء ويثير قلق البنوك المركزية