بعد دخول الحرب السودانية شهرها الثامن، هل ينحاز قادة الجيش إلى الحل السلمي في منبر جدة، أم يجدون في الخيار العسكري باعتباره الآلية الوحيدة لإنهاء الأزمة المتطاولة؟

الخرطوم _  التغيير

شهدت جولة المفاوضات الأخيرة بين الجيش وقوات الدعم السريع في مدينة جدة السعودية، توافقات مهمة في ملفات بناء الثقة والشؤون الإنسانية.

من ناحيةٍ يمكن اعتبار هذا الاختراق عنصراً حاسماً في سوق طرفيِّ الصراع إلى جولات لاحقة تمهد الطريق لاختراقات أكبر؛ لكن ومن الناحية الأخرى قد يرى بعض قادة الفريقين إن الاختراق الأخير هامشي وغير مؤثر، ما يعني الاستمرار في الخيار العسكري، ومواصلة الاتكاء على البنادق التي ينام السودانيون في عدد كبير من الأقاليم على وقعها منذ 15 أبريل الماضي.

ولكن لإجراء معايرة على الخيارين المطروحين وأيهم أقرب للتنزل على أرض الواقع، فذلك يتطلب قراءة متفحصة لكثير من العوامل ذات الأثر المباشر وغير المباشر، ويأتي على رأس ذلك الوضع العسكري الميداني.

وعلى أهمية الوضع الميداني، سواء كان سبيل الحل الأوحد كما يرى بعض العسكريين، أو وسيلة تستخدم في سبيل كسب المفاوضات؛ فإن انحيازات القادة المتأسسة -هي ذاتها- على تنازعات المهني والشخصي تعد عاملاً ذي ترجيح وثقل كبيرين.

وبداهةً، تقودنا مواقف القادة، إلى ما يعتمل داخل الجيش، من صراعات -أو تخفيفاً تباينات- في وجهات النظر، بشأن طرائق إنهاء الأزمة، والإجابة على هذا التساؤل كفيلة بمعرفة إلى أين تتجه الأوضاع.

وفي صبيحة 15 أبريل، دخل الجيش وقوات الدعم السريع في مواجهة عسكرية مفتوحة في الخرطوم ومروي، وأدى غياب الإرادة وقناعة القدرة على الحسم العسكري، إلى توسع نطاق المعركة لتشمل ولايات وأقاليم أخرى، على رأسها دارفور وكردفان، وأدى تراكم الأيام إلى خفوت التفكير العقلاني، وارتفاع صوت الانتقام والثارات.

وقضى ما يزيد عن 9 آلاف سوداني في المعركة الجارية، ونزح ما لا يقل عن 7.4 مليون مواطن عن منازلهم، وسط تدمير غير مسبوق للأعيان المدنية والبنى التحتية.

تخليط مربك

استمر قائد الجيش، الجنرال عبد الفتاح البرهان، في تصريحاته المربكة، فهو مع رفاقه من العسكر -على وجه الخصوص- نزّاع للحسم العسكري وإن كان الثمن فناء كافة أجناده، وهو مع الدبلوماسيين ووكالات الأنباء العالمية يظهر ميولاً غير خافية للجنوح إلى السلم.

ويرى مراقبون عن كثب للشأن السوداني، إن تصريحات البرهان، تنم عن نهج تفكير سياسي هادف إلى البقاء في السلطة من خلال إرضاء كل الأطراف، ما يورط الجيش في ممارسة السياسة بصورة غير راشدة، رغم ذم الجنرال المستمر لما يصفه بتدخلات السياسيين في شؤون العسكر.

ولكن ماذا عن بقية رؤى قادة الجيش لحل الأزمة، من يحتمي بالخنادق، ومن يريد طاولات التفاوض؟ وما حجية كل طرف في مذهبه؟ وهل هو قادر على تسويق ذلك الأمر للعامة، خاصة أولئك المتأثرين مباشرة بتبعات الصراع؟

مدرسة الحرب

يعلي قادة داخل صفوف الجيش، الخيار العسكري، إلى أبعاد تتضاءل معها بقية الخيارات حد التلاشي.

أحياناً يبرز البرهان قائداً لذلك الفريق كما أشرنا سابقاً، بتصريحاته الرافضة للجلوس مع ما يعده مليشيا متمردة وإرهابية.

وهذا الرأي يذهب إليه قادة آخرين، من أمثال رفيق البرهان في الجيش ومجلس السيادة، الجنرال ياسر العطا، فالعطا متفوق في المزايدة على قائده، حد نعته لكل من يرفض مساندة الجيش في معركته بأنه خائن وعميل.

وعند هذه النقطة، يطل تنظيم الحركة الإسلامية المحلول، أو حمالة حطب الحرب والسعير.

وابتداءً تذهب تقارير محلية ودولية إلى فلول نظام الرئيس المعزول عمر البشير، بأنهم وراء إطلاق الرصاص الأولى التي جرت –فيما بعد- طرفيّ النزاع إلى الحرب، ومن ثم جملوا خيار الحسم العسكري لقادة الجيش لقطع الطريق أمام الوساطات الجارية، أما أهداف ذلك، فهي العودة إلى السلطة، والقضاء على إطار اتفاق يعيد السلطة للمدنيين.

وحتى لا تكون اتهامات أنصار البشير تخرصاً، فقد جندوا كتيبة كاملة باسم (البراء بن مالك) للقتال في حرب الخرطوم، وأعيد عدد من قادتهم المفصولين إلى الخدمة العسكرية، كما تولى كبر الحملة الإعلامية المساندة للجيش والمجرمة لكل رافضة الحرب.

ويذهب الإسلاميون في دعم خيار الحرب إلى مذاهب باعثة للحيرة، فهم يرون في الخسائر المدنية، وتدمير المدن، وتداعي الاقتصاد، أثمان بخسة ينبغي أن تدفع عن طيب خاطر، والأفدح أن بعض غلاة تيار الحرب، يرون في التضحية بذاتها هدفاً، حتى وإن فشل الجيش في تحقيق أهداف العملية العسكرية.

يرى الباحث العسكري، المقدم (م) أحمد فضل المولى، إن نظام البشير ساهم في تسيس المؤسسات العسكرية بصورة غير مسبوقة، وقوى المليشيات لحراسة ملكه، على حساب الجيش الوطني.

وقال لـ(التغيير الإلكترونية) إن عمليات إضعاف الجيش بخلق الأجسام الموازية (الدفاع الشعبي، حرس الحدود، الدعم السريع .. الخ)، وإبعاد العناصر المهنية الكفؤة، بان جلياً في الحرب الحالية بخروج إقليم دارفور عن السيطرة، وهو أمر يتمدد إلى كردفان، فيما لا تزال قوات الجيش عاجزة عن السيطرة على العاصمة الخرطوم.

ولفت إلى إن خشية الإسلاميين من عودة القوى المدنية، ومخاوفهم من البطش بهم على يد الدعم السريع، يقودهم للاستماتة في مواصلة الحرب، حتى وإن انقلبوا على البرهان، أو أيدوا التخريب كثمن للنصر، كما جرى في تدمير جسر شمبات الرابط بين بحري وأم درمان.

وعبر فضل المولى عن خشيته من صعود الإسلاميين في كابينة قيادة الجيش، ولم يخف قلقه من الأحاديث القائلة بتسمية أحد قادتهم، وهو اللواء أمن محمد عباس اللبيب، قائداً لهيئة العمليات العسكرية.

مهنيون مع الحرب

موقف الإسلاميين من الحرب يعرفه القاصي والداني، ولكن هل هناك تيار مهني في الجيش يمانع التفاوض ويؤيد الحسم العسكري؟

يرد فضل المولى، بأنه لا يمكن القول بوجود تيار مؤيد للحرب داخل الجيش، ونوه إلى وجود جيوب ترى في الحرب فرصة لأن يحتكر الجيش أدوات العنف، وينهي كل وجود عسكري خارج جدران الكلية الحربية.

بيد أن هذه الجيوب، على حد فضل المولى، يسهل التعامل معها، لأن معارضتها للدعم السريع، تنهض من باب غيرة على سلامة وصلاح الجيش، وبالتالي فإن هذا الشعور النبيل –على حد وصفه- يمكن ترويضه متى شعر أفراده بأن القيادة تشغلها ذات المصلحة، وشدد على أن الضابط المهني حتى وإن خالف قادته الرأي، فإما أن ينصاع للتراتبية العسكرية، أو يختار وضع بندقيته وخلع البزة العسكرية طائعاً مختاراً.

مدرسة السلام

يبرز الجنرال شمس الدين كباشي، ضمن القادة العسكريين المؤيدين للحل السلمي، وإن مع شروط.

ومنذ خروجه من القيادة العامة، بعد شهور قضاها وسط الحصار، أظهر كباشي لغة متسامحة، تضع خيار المفاوضات جنباً إلى جنب مع خيار الحرب، مع نزعة واضحة للخيار السلمي.

يقول المحلل السياسي، سامي بريقع، إن خروج كباشي أبان بجلاء عن رغبة الوساطة في قيادة جديدة أكثر انفتاحاً على التفاوض لإنهاء أزمة السودانيين المستمرة منذ شهور.

وأضاف في حديثه مع (التغيير) إن الجنرال استطاع بلغة واحدة، مخاطبة الجميع بما في ذلك الجنود الرابضين في الميدان، على خلاف البرهان صاحب اللسانين، حد تعبيره.

ونوه إلى أن كباشي أبرز الصقور في التعاطي مع الدعم السريع بعد التوقيع على الإطاري، بات آراءه اليوم بشأن الحل تجد مقبولية من خصومه قبل أنصاره في صفوف الجيش.

وفي تقوية لجناح إنهاء الأزمة عبر التفاوض، حملت الأخبار أنباء عن صعود اثنين من الكفاءات العسكرية المشهود لها في صفوف الجيش، ونعني الجنرالين آدم هارون ومحمد منتي إلى سدة القيادة في منطقة وادي سيدنا العسكرية.

ومن المرجح أن يقود ذلك إلى تحولات في وجهة القتال، بما يتماشي مع القواعد العسكرية المهنية، بمنأى عن التأثيرات الخارجية.

وعلى كلٍ، فإن المعركة –مجازاً- بين قادة الجيش المتوزعين بين فسطاط المهنية والميول الأيديولوجية، سيكون لها كبير الأثر في وجهة الأحداث مستقبلاً، وإن كان الأهالي المنكوين بنير الحرب ميالين إلى وقفها بأعجل ما تيسر.

الوسومإيقاف الحرب الجيش الدعم السريع السعودية مفاوضات منبر جدة

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: إيقاف الحرب الجيش الدعم السريع السعودية مفاوضات منبر جدة

إقرأ أيضاً:

الدعم السريع تطلق سراح رئيس اتحاد ألعاب القوى السوداني بعد ستة أشهر من الاعتقال

عبر رئيس وأعضاء مجلس إدارة اللجنة الأولمبية السودانية والعاملون باللجنة، في بيان عن ارتياحهم وسعادتهم لخطوة إطلاق المعز عباس..

التغيير: الخرطوم

أطلقت قوات الدعم السريع سراح المعز عباس، رئيس اتحاد ألعاب القوى السوداني وعضو اللجنة الأولمبية السودانية، بعد اعتقال دام ستة أشهر منذ يونيو 2024.

وكانت اللجنة الأولمبية السودانية قد طالبت بإطلاق سراحه، مؤكدة أنها خاطبت جهات رياضية دولية كالأولمبية الدولية و”أنوكا” لإدانة اعتقاله.

كما اعتبر الاتحاد السوداني لألعاب القوى اعتقال عباس دون مبرر “ضد الإنسانية”، مطالبًا بإطلاق سراح كافة المعتقلين.

وعبر رئيس وأعضاء مجلس إدارة اللجنة الأولمبية السودانية والعاملون باللجنة، في بيان عن ارتياحهم وسعادتهم لخطوة إطلاق المعز عباس.

ويشغل عباس منصبي عضوية المجلس التنفيذي للجنة الأولمبية، ورئاسة الاتحاد السوداني لألعاب القوى.

وقال بيان اللجنة أن عباس ظل حبيسا داخل معتقلات الدعم السريع لعدة أشهر، مع التمنيات بأن يتم الأيام القادمة إطلاق سراح كل المعتقلين داخل سجون الدعم السريع.

وعقب اعتقاله منتصف العام الحالي، طالبت اللجنة الأولمبية السودانية بإطلاق سراح المعز دون قيود. وأكدت أنها خاطبت اللجنة الأولمبية الدولية واتحاد اللجان الأولمبية الوطنية الأفريقية (الأنوكا).

وأدان الاتحاد السوداني لألعاب القوى اعتقال رئيسه، المعز عباس من منزله بالخرطوم بحري بواسطة قوات الدعم السريع، وطالب بإطلاق سراحه فوراً، وقتذاك.

وفي مطلع يونيو 2024 اقتادت قوة من الدعم السريع رئيس الاتحاد السوداني لألعاب القوى عضو الاتحاد العربي لألعاب القوى، المعز عباس من منزله بضاحية الخرطوم بحري إلى جهة غير معلومة.

وقال الاتحاد السوداني لألعاب القوى، أن قوات الدعم السريع اعتقلت المعز، دون أن توضح لأسرته أو للرأي العام أسباب ومكان اعتقاله.

من جهتها، أدانت اللجنة الأولمبية السودانية عبر بيان، سلوك الدعم السريع وصفته بأنه “ضد الإنسانية”.

وحملت اللجنة الدعم السريع مسؤولية سلامة رئيس الاتحاد السوداني لألعاب القوى المعز عباس عضو المجلس التنفيذي للجنة الأولمبية.

وطالبت بإطلاق سراحه دون قيود مؤكدة أنها خاطبت اللجنة الأولمبية الدولية واتحاد اللجان الأولمبية الوطنية الأفريقية (الانوكا)، وكدت أنهما أدانا سلوك قوات الدعم السريع.

كما خاطبت الأولمبية السودانية الجهات الدولية والأممية المعنية بهدف التدخل المباشر من أجل سلامة المعز.

الوسوماتحاد ألعاب القوى السوداني اللجنة الأولمبية السودانية المعز عباس

مقالات مشابهة

  • البرهان يطالب الأمم المتحدة بموقف حاسم حيال الدول المساندة لـ الدعم السريع
  • قوة من الدعم السريع تستسلم للجيش السوداني في سنجة
  • الدعم السريع تطلق سراح رئيس اتحاد ألعاب القوى السوداني بعد ستة أشهر من الاعتقال
  • قوات الدعم السريع السوداني يسيطر على قاعدة عسكرية شمال دارفور
  • مسؤول سعودي يلتقي البرهان في ثاني زيارة رسمية منذ اندلاع الحرب
  • علي الحاج: قادة الجيش والدعم السريع من أشعلوا الحرب ورئيس المؤتمر الوطني ونائبه ممن كانوا معي في السجن قالا ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة
  • معاوية عوض الله: العقوبات التي تصدر تجاه قادة الجيش لن تزيدنا إلا قوة وصلابة
  • الجيش السوداني يسيطر على قاعدة الزُرق العسكرية بدارفور
  • قادة الاستخبارات العسكرية لدول الجوار يلتقون في طرابلس، والإرهاب والتهريب والأمن تتصدر المباحثات
  • بالفيديو.. «الدبيبة» يحضر افتتاح مؤتمر «قادة الاستخبارات العسكرية لدول جوار ليبيا»