كيف ينظر الفلسطينيون للسلطة بعد معركة جنين؟ محللون يتحدثون للجزيرة نت
تاريخ النشر: 8th, July 2023 GMT
رام الله- نقلت "القناة 12" الإسرائيلية -أمس الجمعة- عن مصدر في رام الله أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أوعز للأجهزة الأمنية بنشر قواتها في مدينة جنين ومخيمها. ووفق المصدر، "وبّخ أبو مازن قادة مؤسسته العسكرية، وقال إن لم تتحركوا بسرعة، فستسيطر حماس على جنين".
وسرعان ما نفى محافظ جنين أكرم الرجوب تفاصيل الخبر، وقال لصحيفة "القدس" اليومية إنه يأتي "ضمن محاولات إسرائيل لإثارة البلبلة والفتن والانقسام وضرب النسيج المجتمعي".
جاء ذلك بعد ساعات من إعلان سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، اعتقال اثنين من عناصرها "وهما في طريقهما لمساندة إخوانهم في مخيم جنين"، وبعد ساعات من طرد مشاركين في فعالية عامة بالمخيم وفدا من حركة "فتح" -التي تشكل العمود الفقري للسلطة- تعبيرا عن حالة غضب من موقفها حيال الاقتحام الإسرائيلي لمخيم جنين الاثنين والثلاثاء.
ومؤخرا، تزايد حديث وتحليل الإعلام الإسرائيلي عن دور ومستقبل السلطة الفلسطينية، وإمكانية خروج مناطق في الضفة عن سيطرتها لصالح الأجنحة العسكرية للفصائل.
ويثير ذلك تساؤلات عن مستقبل وخيارات السلطة الفلسطينية وعلاقتها مع الشارع وإمكانية اصطدامها بمسلحي الفصائل، في وقت يستمر فيه انغلاق الأفق السياسي، مع مساعٍ إسرائيلية لإضعافها.
ووفق ما تراه القيادة الفلسطينية، فإن لدى الحكومة الإسرائيلية برنامجا لإضعافها، لكن السلطة مشروع يقود إلى الدولة ولا خطط لحلها، كما يقولون.
ويذكر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف، أن السلطة "من أذرع منظمة التحرير كوسيلة تنقل الشعب الفلسطيني نحو الحرية والاستقلال والدولة".
وعن إمكانية التلويح بحل السلطة كوسيلة ضغط على الاحتلال، يقول أبو يوسف للجزيرة نت إن "القصة ليست قصة حل السلطة، إنما كيف توضع آليات لمواجهة الاحتلال".
وأضاف أن برنامج نتنياهو يرتكز على "فرض حصار على السلطة وإضعافها، ومن هنا جاء اجتماع القيادة الفلسطينية، الاثنين، واتخاذ قرارات لمواجهة حكومته"، مؤكدا أنه لا مجال للحديث عن علاقات مع إسرائيل "في ظل الوضع القائم".
والاثنين، قررت القيادة الفلسطينية "وقف جميع الاتصالات واللقاءات مع الجانب الإسرائيلي، والاستمرار في وقف التنسيق الأمني"، مضيفة أن "مهمة السلطة بمؤسساتها المختلفة هي حماية الشعب الفلسطيني، ووضع جميع إمكاناتها لهذا الغرض".
شعور مختلط
لكن السلطة "تفقد بريقها، ولا رضا شعبيا عنها"، وفق الباحث في قضايا الحكم والسياسة جهاد حرب، الذي تحدث أيضا عن "شعور مختلط بين عدم الرضا السياسي والقبول المؤسسي بها".
ويشير في حديثه للجزيرة نت، إلى استطلاع للرأي نشر الشهر الماضي، رأى 63% من المستطلعة آراؤهم فيه أن مصلحة إسرائيل تكمن في بقاء السلطة، في حين رأى آخرون أن مصلحة الشعب الفلسطيني تكمن في حلّ السلطة الفلسطينية أو انهيارها.
ويوضح الباحث أن الفلسطينيين متمسكون بالسلطة "كإطار مؤسسي"، وهذا يفسر الترحيب بمؤسساتها لمعاينة وإحصاء خسائر اقتحام مخيم جنين وإعادة الخدمات له، بحسب قوله.
ويتابع أن التمسك بالسلطة مرده "الخوف من تبعات انهيارها أو عدم وجودها على الأمن والاستقرار، في ظل انقسام سياسي وغياب خطة وطنية في حال انهيار السلطة".
وأضاف أن إسرائيل -التي تقول إن السلطة فقدت السيطرة- هي التي أضعفتها على مدى أكثر من 20 سنة.
انتقال تجربة جنينويستبعد حرب فقدان السلطة الفلسطينية سيطرتها في الضفة، معتبرا أن لحظات غضب المواطنين حول أدائها وأفعالها أحيانا، لا تعني عدم القبول بها كليا.
وعن مخيم جنين، قال إنه ليس لدى السلطة نية للدخول إلى المخيم، مبينا أنها منذ نشأتها لم تدخل مؤسساتها الأمنية إلى المخيمات، ولم تُقِم فيها مراكز أمنية إلا استثناء لأغراض الأمن والسلم الأهلي.
وعن انتقال تجربة مخيم جنين إلى مناطق أخرى بالضفة، قال إنها موجودة بالفعل "خاصة في مخيمي بلاطة ونور شمس والبلدة القديمة في نابلس، وقد تنتقل لأماكن أخرى".
ويستبعد حرب أن تدخل السلطة في صدام مع المقاومين الفلسطينيين، لسببين:
الأول: انعدام الأفق السياسي الذي من بين احتمالاته أن يقود إلى الدولة الفلسطينية. الثاني: أن السلطة لا ترى في نفسها وكيلا للاحتلال في قمع الفلسطينيين وقمع طموحهم السياسي، "لأن المقاومة والنضال المسلح وغير المسلح تعبير عن طموح سياسي، والسلطة ذاتها جاءت من أجل هذا الطموح".مع ذلك يتوقع محاولات للعودة إلى بعض الأفكار المتعلقة بتخفيف حدة المواجهة، أو وعود أميركية أو إسرائيلية بمنح أفق سياسي، وبالتالي معالجة ملفات المقاومين بـ"تسويات"، كالحصول على إعفاءات أو وقف الملاحقة أو التوقيف لدى الأجهزة الأمنية.
سلطة مأزومة وخيارات متناقضةمن جهته، يرى الباحث في علم الاجتماع السياسي والحركات الاجتماعية أحمد أبو الهيجاء، أن الحالة في جنين تكشف أزمة السلطة.
ويضيف -في حديثه للجزيرة نت- أن السلطة تواجه مشكلة "تسريع وحسم" خياراتها، وتتعامل مع ذاتها "كجسم قائم على تبرير حالة اليأس العامة، وبأنها غير قادرة على فعل شيء، وهذا انعكس على إرادة البحث عن خيارات وبدائل".
ويتابع أن إشكالية السلطة ليست في الأزمات "إنما في غياب جهد حقيقي للبحث عن بدائل للخروج منها أو التعايش معها أو تجاوزها".
ويقول إن خيار المقاومة في الضفة يتجسّد على الأرض، وبات يأخذ أشكالا تؤسس لمسار واضح له حاضنة شعبية واسعة، وهنا تكون السلطة أمام عدة خيارات:
إما حسم أمورها باتجاه الخيار الشعبي (بمعنى دعم المقاومة)، وهذا يعني نهايتها، وهو خيار غير وارد. أو محاولة التكيف مع هذا الخيار ضمن سياسة التعايش لأطول فترة ممكنة دون أي تخطيط، وهذا ليس حلا. أما الخيار الثالث "والأكثر سوءا" وفق أبو الهيجا، فهو "استشعار حالة عدم اليقين، وأن السلطة مهددة بالانهيار، مما يعني تعزيز القبضة الأمنية والهروب للأمام بقفزات في الهواء ومحاولة فرض السيطرة على جنين"، مشيرا إلى ما نشره الإعلام العبري بهذا الخصوص.لكن كل سيناريو من السيناريوهات السابقة، بحسب المحلل، "يعني الذهاب إلى مأزق أكبر، لأنه لا أفق على الصعيد السياسي يمكن الحديث فيه".
وعن الوضع داخل السلطة، يتحدث أبو الهيجا عن تعدد المدارس والأجسام والتيارات، بين:
فريق مرن تروق له حالة المقاومة بشرط أن تكون مضبوطة وألا تتصاعد وتشكل تهديدا عاليا في الوقت نفسه، مع تقليم أظافر حماس باعتبارها خصما غير موثوق به. وفريق آخر يرى ضرورة حسم الملف وإنهاء أي تحرك بكل الطرق وبغض النظر عن رأي الشارع، ويعتبر السلطة مشروعه الخاص، وهذا التيار لا مشكلة عنده في الذهاب في العلاقة مع إسرائيل إلى أبعد مدى، على حد رأي المحلل.ومن هنا يقول أبو الهيجا إن البعض داخل السلطة يرى في جنين حالة جديدة مصيرها الإجهاض كما في مرات سابقة، وآخر ينظر إليها كمصدر للرعب وامتدادا إقليميا مع سوريا وإيران وغزة، ضمن ما يسمى "وحدة الساحات".
ويلفت أستاذ العلوم السياسية إلى أن ما يجمع التيارات المختلفة هو "انعدام الرؤية والتخطيط للمستقبل، والاكتفاء بالتعامل مع الأحداث بلحظتها".
وفضلا عن الوضع الداخلي وانغلاق الأفق السياسي والاقتصادي والعلاقات الداخلية، فإن مأزق السلطة امتد إلى العلاقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الجوار التي تجاوزت السلطة في معالجة بعض القضايا، وفق أبو الهيجا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: السلطة الفلسطینیة للجزیرة نت مخیم جنین
إقرأ أيضاً:
إفطار على الحواجز الإسرائيلية.. هكذا يتكبد الفلسطينيون الوقت والمال
يسكن الشاب الفلسطيني محمد ثابت في بلدة بيت دجن شرق مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، ويعمل موظفا في بلدية قُصرة على مسافر قرابة 25 كيلومترا من بلدته جنوب شرق المدينة، ويتطلب عمله الحضور عند الساعة الثامنة صباحا، إلا أنه يضطر إلى المرور عبر حاجزين عسكريين إسرائيليين في طريق الذهاب والإياب.
في الصباح يصل ثابت إلى عمله متأخرا بأكثر من ساعتين ونصف بعد انتظار طويل على الحاجزين إن تمكن من اجتيازهما، وكذلك طريق العودة حيث اضطر إلى تناول إفطاره (نحو الساعة 6 بالتوقيت المحلي) على حاجز يسمى حاجز المربعة غرب مدينة نابلس عدة مرات.
في حادثة أخرى احتجز ثابت 5 ساعات منها وقت الإفطار، وفي مرات أخرى لم يتمكن من العودة إلى بلدته وبات ليلته في مدينة نابلس بسبب طابور السيارات الطويل على الحاجز، مشيرا إلى تغيبه عن الدوام 10 أيام بسبب التأخير على الحواجز.
وكمثال، قال إن مئات المواطنين يفطرون يوميا على حاجز بيت فوريك شرق نابلس وحده، وهو حاجز يفصل بلدتي بيت دجن وبيت فوريك عن مدينة نابلس ويعد المدخل الوحيد لنحو 25 ألف نسمة.
وتابع أن الأهالي يعانون يوميا من ساعات التأخير الطويلة التي قد تصل إلى وقت السحور ومنهم من يحتاط بإحضار وجبتي السحور والإفطار معه.
ولفت إلى أن أكثر من 10 حواجز عسكرية مأهولة تحيط بمدينة نابلس وتعزلها عن قراها، معتبرا أن "الهدف هو الضغط على الحاضنة الشعبية والتنكيل بالمواطنين لإجبارهم على هجرة قراهم إلى المدينة"، نافيا مزاعم الاحتلال بوجود بعد أمني للحواجز.
إعلانوتابع أن "إخلاء القرى يسهل على المستوطنين في المستوطنات والبؤر الاستيطانية المحيطة بها السيطرة عليها"، مشيرا إلى حالات اضطر فيها عمال وموظفون إلى استئجار مساكن داخل مدينة نابلس، "في هجرة قسرية داخلية لتجنب التأخير والتنكيل على الحواجز".
وفضلا عن التأثير المتوقع على قطاعات التعليم والصحة والاقتصاد وغيرها، لفت إلى تأثيرات اجتماعية بغياب ولائم رمضان التي يدعى إليها الأرحام، هذا العام، تجنبا للمرور بالحواجز.
ومع حلول شهر رمضان المبارك، برزت بشكل ملحوظ آثار الحواجز الإسرائيلية بالضفة، وتعد مدينة نابلس الأبرز من بين المحافظات من حيث شدة الإجراءات المتبعة فيها ومنها: المربعة وتياسير ودير شرف وبيت فوريك وزعترة وحوارة وعورتا.
وهناك أيضا حاجز واد النار شرق القدس ويفصل جنوب الضفة عن وسطها، وعطارة شمال رام الله، وقلنديا يفصل رام الله عن القدس وجنوب الضفة، والنشاش في بيت لحم، وراس الجورة في الخليل وهو شريان حيوي مغلق أغلب الوقت.
وبالتزامن مع بدء حرب الإبادة على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 عزز جيش الاحتلال حواجزه القائمة في الضفة واستحدث حواجز جديدة، ليرتفع العدد إلى نحو 900، منها 18 بوابة حديدية استحدثت منذ بداية العام الجاري 2025، و146 بوابة حديدية نصبها الاحتلال بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفق معطيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية.
ووفق المصدر نفسه، فإن الاحتلال الإسرائيلي يواصل إغلاق نحو 85% من تلك الحواجز وطرق بديلة استحدثها السكان لتجاوز تلك الحواجز.
ووفق الهيئة، تتوزع الحواجز على المحافظات كما يلي: الخليل (229 حاجزًا)، رام الله والبيرة (156 حاجزًا)، نابلس (147 حاجزًا)، القدس (82 حاجزًا)، بيت لحم (65 حاجزًا)، قلقيلية (53 حاجزًا)، سلفيت (50 حاجزًا)، طوباس (33 حاجزًا)، أريحا (32 حاجزًا)، طولكرم (27 حاجزًا)، جنين (24 حاجزًا).
الالاف من المواطنين افطروا على حواجز الاحتلال المنتشرة في جميع أنحاء الضفة الغربية#رمضان_كريم pic.twitter.com/RQ2TX5LXPj
— وكالة قدس نت للأنباء (@qudsnet) March 1, 2025
إعلان خسارة مزدوجةلا توجد دراسة عملية حديثة تشير إلى التأثيرات الاقتصادية للحواجز العسكرية الإسرائيلية على فلسطينيي الضفة، لكن دراسة أجريت عام 2019، إذ كانت الظروف الأمنية أقل تعقيدا من اليوم، ويمكن الاستئناس بها، تظهر حجم الضرر الذي يلحق بالفلسطينيين بسبب الحواجز.
وتفيد الدراسة التي نشرها معهد الأبحاث التطبيقية بالقدس بأن الفلسطينيين يخسرون حوالي 60 مليون ساعة عمل سنويا بسبب الحواجز العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية، مقدرة إجمالي التكاليف السنوية لساعات التأخير بحوالي 274 مليون دولار سنويا.
وبينت الدراسة التي أجريت على مدى 6 أشهر، وشملت 26 حاجزا من بين نحو 700 حاجز آنذاك، أن استهلاك الوقود الإضافي يقدر بحوالي 80 مليون لتر في السنة تقدر تكاليفها بـ135 مليون دولار أميركي، يؤدي استهلاكها إلى زيادة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحوالي 196 ألف طن سنويا.
ووفق منسق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، تواجه سيارات الإسعاف أيضا تحديات يومية بسبب القيود المفروضة على الحواجز.
عشرات المواطنين يفطرون على حواجز العسكرية قي الضفة الفلسطينية ، تزامناً مع موعد الإفطار، جراء استمرار تشديد الخناق . pic.twitter.com/vT7XGKTCpw
— بوابة العمل الخيري الفلسطيني .???????? (@Palestinekitche) March 9, 2025
تهجير وتفتيتترى منظمة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية على موقعها الإلكتروني أن "فرض القيود على حركة وتنقل الفلسطينيين من سكان الأراضي المحتلة هو أحد الأدوات المركزية التي تستخدمها إسرائيل لغرض تطبيق نظام الاحتلال والسيطرة على السكان الفلسطينيين".
وتضيف أنه بينما تقيّد إسرائيل حركة الفلسطينيين فقط، فإن المستوطنين ومواطنين آخرين -إسرائيليين وأجانب- يتنقلون بحرية.
ويرى المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، في تقرير نشره أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، أن "الحواجز العسكرية أحد أدوات السيطرة التي تستخدمها قوات الاحتلال الإسرائيلي في إطار مشروعها الاستيطاني المبني على التفتيت الجغرافي والديمغرافي للأرض الفلسطينية المحتلة".
إعلانوأضاف أنه "وبالتوازي مع عمليات التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، بما فيها القدس، وبناء الطرق الالتفافية وتشييد جدار الضم في عمق الأرض الفلسطينية المحتلة، كثفت قوات الاحتلال على مدى عقود من إقامة حواجز عسكرية حولت المدن والقرى والمخيمات إلى كانتونات منعزلة يصعب التنقل بينها".
بينما حذرت ورقة بحثية نشرتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية عام 2023 من أنه إذا استمرت سياسة التقييد والحواجز "فقد نشهد حركة هجرة داخلية من الأرياف ومناطق "ج" وبعض مناطق شمال الضفة وجنوبها إلى مراكز المدن الأساسية، وبالتحديد رام الله، كي يتمكن العاملون من الاستمرار في عملهم".