أوريان 21: وضع حماس في سلة الجهاديين خداع غربي
تاريخ النشر: 14th, November 2023 GMT
إن وقع مفاجأة عملية حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وحجمها وعدد الضحايا والأسرى الذي خلفته جعل الإسرائيليين والأوروبيين والأميركيين يقارنونها بتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، لكن هذه المقارنات تفتقر إلى الدقة وتتجاهل الاختلافات بين هذه الحركات.
بهذه الجملة لخص موقع "أوريان 21" مقالا للمفكر السياسي والإسلامي ياسين سلامة حاول فيه أن يفكك ما روجته الحكومة الإسرائيلية وحلفاؤها من كون القتال ضد حماس هو جزء من صراع الحضارة الغربية ضد الجهاد العالمي، إذ أثار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عام 2014 مثل هذا التشابه، وقارن بين هجمات11 سبتمبر/أيلول التي قام بها تنظيم القاعدة وحتى هجمات 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 التي نفذها تنظيم الدولة الإسلامية في فرنسا، محاولا استيعاب صراع الفصائل الفلسطينية المختلفة في ما تسمى الجماعات الإرهابية الجهادية التي تنشر عنفها في جميع أنحاء العالم، خاصة خارج المجتمعات الإسلامية، على حد قول الموقع الفرنسي.
وبعد أيام من هجوم حماس، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال زيارة لتل أبيب، أن "حماس أسوأ من داعش"، وبعد أيام من ذلك، اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تعبئة التحالف العسكري الدولي الذي تم تشكيله ضد تنظيم الدولة الإسلامية لمحاربة حماس، إلا أن الكاتب رأى في هذه التشبيهات اختصارا مخلا، مشيرا إلى ضرورة إجراء مقارنة فعالة بين مذاهب هذه المجموعات المختلفة وكيفية تطبيقها في الممارسة العملية.
مجموعات تختلف في كل شيء عن حماس
ونبه الكاتب إلى أن التحليل النظري التجريبي يظهر بسرعة الخلاف بين حماس، التي أصبحت جزءًا من نموذج المقاومة القومية الإسلامية منذ نشأتها في ثمانينيات القرن العشرين، وبين تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية، اللذين يقولان إنهما حركتان جهاديتان عالميتان، ويدعم هذا التأكيد كون حماس لم تقم بأي عمل عنيف خارج فلسطين وإسرائيل، ولا يوجد لها فرع خارج المسرح المحلي، ومع ذلك يوجد وجهان للتشابه بينها وبين التنظيمين المذكورين: الأول هو اللجوء إلى العنف المسلح واستهداف المدنيين من دون تمييز، والثاني هو اعتبار بعض الحكومات الغربية أنها حركات إرهابية.
وفي ما يتعلق بالنقطة الأولى، يشير الكاتب إلى أن المدني حسب أدبيات حماس ليس هو ما يفهمه الغرب بشكل عام، وبالتالي لا يمكن اعتبار المستوطن مدنيا مجردا من كل مسؤولية، لأنه شخص يحمل الجنسية الإسرائيلية، وقد أنهى خدمته العسكرية لعدة سنوات، مع مراعاة فترات الاحتياط، ولذلك، أمر محمد الضيف، قائد كتائب عز الدين القسام، غداة عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول بعدم "قتل الشيوخ والأطفال"، وفق "المبادئ الإسلامية".
ولعل التشابه الثاني -حسب الكاتب- ناتج عن التصور السائد بين بعض الدول في الغرب عن هذه المنظمات المختلفة، مما جعل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يعتبران حماس إرهابية، لكن مجلس الأمن الدولي رفض تصنيفها منظمة إرهابية، على عكس تنظيمي القاعدة وتنظيم الدولة، لأنها تقاوم -حسب رأيه- الاحتلال الإسرائيلي.
الخلافات الأيديولوجية والإستراتيجية المذكورة بين حماس والجهاديين أدت أحيانا إلى مواجهة مسلحة على الأرض الفلسطينية، خصوصا عندما عارضت حماس، التي كانت في السلطة في غزة، الجهاديين السلفيين واعتقلت الإسلاميين المتطرفين الذين يتعاطفون مع تنظيم الدولة أو ينتمون إليه، وفي الوقت نفسه، قام التنظيم بإعدام المتعاطفين مع حماس
ونفى الكاتب أن يكون مصطلح "الإرهاب"، الذي ينطبق على تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة بشكل لا جدال فيه بين الحكومات العربية أو ذات الأغلبية المسلمة، ينطبق على حماس التي يعد تصنيفها منظمة إرهابية هو الاستثناء لا القاعدة، إذ لم نشهد قط في العالم العربي مظاهرة كبيرة لصالح تنظيم الدولة ولا تنظيم القاعدة، في حين أنها تتكرر دعما للمقاومة الفلسطينية التي تجسدها حماس، والتي لجأ كوادرها إلى عدة عواصم مثل دمشق وصنعاء والدوحة.
الأيديولوجية والبرنامج
أما من حيث الأيديولوجية والبرنامج السياسي، فإن هناك صلة مؤكدة في ميثاق حماس بين الحركة وجماعة الإخوان المسلمين، في حين يعتبرها التنظيمان الآخران أيديولوجية مرتدة، كما يعتبران علاقة حماس بالشيعة أمرا غير مقبول، علاوة على أن حماس ليست لديها أي طموحات عالمية، بل إنها -على عكس التنظيمين الآخرين- طورت إستراتيجية تسعى إلى زيادة اللقاءات مع القادة، سواء كانوا عربا أو مسلمين أو غربيين.
وفوق كل ذلك، تتميز حماس بانخراطها في الأعمال الخيرية، وهو البعد الاجتماعي الذي نادرا ما يوجد داخل الحركات الجهادية، بتقديم نفسها على أنها حزب قانوني وعملي فاز في الانتخابات التشريعية عام 2006، وطور خطه السياسي، وقد صادقت على ما يسمى بوثيقة "الأسرى" الصادرة في يونيو/حزيران 2006، التي تعترف بحدود عام 1967 وتقصر المقاومة على المناطق الداخلية المحتلة، في ما يعد نقلة نوعية، حسب الكاتب.
وفي هذا السياق، من المهم التأكيد أن الخلافات الأيديولوجية والإستراتيجية المذكورة أعلاه تنطوي أيضا على مواجهة مسلحة على الأرض الفلسطينية، وكانت هذه هي الحال بشكل خاص عندما عارضت حماس، التي كانت بالسلطة في غزة، الجهاديين السلفيين واعتقلت الإسلاميين المتطرفين الذين يتعاطفون مع تنظيم الدولة أو ينتمون إليه، وفي الوقت نفسه، قام التنظيم بإعدام متعاطفين مع حماس.
وفي مواجهة هذه العناصر، خلص الكاتب إلى أن المقارنة بين حماس وما تسمى الجهات الجهادية تعمل في المقام الأول على نزع الشرعية عن القضية الفلسطينية، إذ تود إسرائيل أن يتصور العالم أن حماس ليست أكثر من جماعة إرهابية، وأن مقاومتها تخدم النضال السلفي العالمي لهزيمة الغرب واستعادة الخلافة الإسلامية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الدولة الإسلامیة تنظیم القاعدة تنظیم الدولة
إقرأ أيضاً:
سعد الدين حسن .. الكاتب الذي حادثه الوزير على تليفون المقهى
داخل قرية لا يتأتى اسمها على مسمع الكثير من أبناء الوطن ، كان يسكن كاتبنا رحمه الله ، منزلا صغيرا تخيره بعيدا عن العمار متوسطا جسرا يمر على شريط القطار وارضا زراعية على يساره ،مع اختين لم يتزوجا وكأنهما صاحبوا جميعا الوحدة والعزلة ،وكنت أنا الشاهد على هذا اللقاء الذي مر عليه عقدان ونصف من الزمن ، إذ ذهبت قاصدا تلك القرية "شبشير الحصة " محاولا البحث عنه بسبب تغيبه عن حضور جلسات نادي الأدب بقصر ثقافة طنطا .وقد سولت لي نفسي أني بمجرد السؤال عن اسم كاتبنا سيدلني أول شخص ألتقيه،لكن الواقع كان مناقضا لما ظننت وتوهمت ،فلم يكن أحدا من أهل القرية يعرفه أو يسمع عنه ،دلني بعض الأهالي على شخص يعمل في صحيفة ورقية تهتم بحوادث المحافظة ،قالوا أن هذا هو الكاتب الأشهر في بلدتنا ...ولم نسمع عن كاتب اسمه سعد الدين حسن .
كانت نهاية التسعينيات ومطلع الألفية هي الرواج الفعلي للثقافة داخل الأقاليم التي تبعد عن العاصمة ،فكانت نوادي الأدب هي المقصد الأهم لكل من يبحث عن ري لموهبة الكتابة الإبداعية بمختلف مجالاتها ،شعرية أو نثرية ،حيث كانت هذه الفترة هي الأكثر خصوبة للقصة القصيرة وكتابات أجيال جديدة تعبر عن هموم قضايا لم يكن يحملها كتاب الستينيات أو السبعينيات أو الثمانيينيات ،لم تكن أجهزة الجوال قد ظهرت بعد ولم يكن هناك ثمة عوالم افتراضية لنشر الإبداع الشبابي ،فكانت نوافذ الإبداع التي تفتح لمن هم في مثل حالتي هي نوادي الأدب بقصور الثقافة داخل المحافظات في ربوع الوطن .وحيث كان مقعده مبتعدا أيضا عن الجموع التي تستقبل المنصة والصدارة وجالسا في ركن يجاوره شاب قد أتى لأول مرة ،كان يجلس كاتبنا راهب القصة المصرية القصيرة سعد الدين حسن ،متواضع في جلسته ،مقل في حديثه ،يتدافع الجميع للإدلاء بأرائهم بينما هو يظل صامتا لأن تنتهي الندوة ثم يرحل منصرفا في صمت ،وعقب الندوة تجد الجالسين على المنصة يتدافعون لمصافحته فكانت هذه هي النبضة الأولى بداخلي للتساؤل عن هذا الرجل ،من هذا الرجل .....؟ فكان الجواب من الشاعر طارق بركة :"ده الأستاذ الكبير سعد الدين حسن ،وكان صديق نجيب محفوظ ،وتربطه صلة كبيرة بالوزير فاروق حسني " ..وربما لأمر بساطة مظهر الكاتب ظننت أن الشاعر طارق بركة بالغ في الأمر ونسيت أن بعض الظن إثم .
ودفعني تواضع الرجل للتقرب منه لمحاولة فهمه وايجاد اسباب ترفعه وابتعاده عن الوسط ،مقلا لا زال في حديثه يأتي اسبوع ثم يتغيب عدة أشهر ،لأواصل البحث عنه لعلي أرضى شغف فضولي واكتشافه ،ثم كان اللقاء فطلب مني ان نلتقي صبيحة اليوم الثاني بمقهى بسيط في شارع البورصة بمدينة طنطا ..
مقهى بسيط ، يتعاملون مع الكاتب كونه شخصا وافدا من عالم آخر ، اقتربت من منضدته وكانت الساعة لم تقر بالعاشرة بعد من صباح هذا اليوم ،كان بيده كتاب الفتوحات المكية وقد تلصصت على الكتاب من عنوانه الذي كان باديا جليا . سحبت مقعدا وفي يدي عملي الأدبي الذي سيعرض على الكاتب ، وإذ بصاحب المقهي يأتي مسرعا لكاتبنا ويتحدث بلهجة متعثرة :"يا أستاذ تلفون لسعادتك بيوقولوا مكتب وزير الثقافة ..." قام كاتبنا في فتور ، متوجها لموضع الهاتف ليرد ، وإذ بصاحب المقهي يسألني هو مين الأستاذ :"فأجابته انه كاتب كبير زي يوسف ادريس ونجيب محفوظ لكنه متواضع بزيادة "..عاد كاتبنا ،فسألته ،هل الأمور خير :فأجاب مافيش كان فيه ميعاد بس اعتذرت عنه ..فسألته ميعاد مهم ؟...قالي وزير الثقافة فاروق حسني ..فكانت اجابته كفيلة بصمتي .
بضعة أشهر مرت على رحيل الكاتب سعد الدين حسن رحمه الله ،الكاتب الذي دون الوزير فاروق حسني في خانة المهنة لديه "كاتب قصة قصيرة " وكان يعتز ويخلص لهذا الفن الأدبي لم يحد عنه ولم يتخطاه أو يتعداه لكتابة الرواية إلا محاولة واحدة من اصدارات اتحاد الكتاب بل كانت كتابته أشبه بقصاصات متوسطة الحجم تحمل لغة شاعرية ،الامر الذي دفع الأستاذ الدكتور أسامة البحيري رئيس قسم اللغة العربية بآداب طنطا لأن يبادر ويشجع باحثا لعمل أطروحة للماجستير تتولى وتكشف عن ابداع سعد الدين حسن .
الندوة التي أقامها فرع اتحاد الكتاب بالغربية لتأبين سعد الدين حسن ،جمعت رفاقه الذين كانوا بصحبته ،الكاتب محمد حمزة العزوني ،الذي تحدث عن كاتبنا الراحل موضحا أنه كان مكتفيا بوظيفة كاتب القصة القصيرة ، ورغم محاولات الوزير فاروق حسني في توظيفه بأكثر من إصدار ينتمي لوزارة الثقافة ليكفل قوت يومه ، كان سعد رحمه الله يتحجج ولا يستمر إلا شهرين ثم يعتذر ، عائدا إلى بيته غير مخالط لأحد ولا يتحدث مع أحد .
بينما أوضح الشاعر طارق بركة أن سعدا كان مقربا له متداخلا معه في مشكلاته الروحية والحياتية ،فهو الدرويش سعد الدين حسن وهو الزاهد سعد الدين حسن الذي كانت كرامته وكبريائه فوق رأسه ، لدرجة أنه طلب من الشاعر أن يشيع إشاعة أن سعد الدين حسن قد ورث إرثا ماليا كبيرا حتى لا يعرض أحد مساعدة مادية عليه تخدش من كرامته أو تنال من اعتزازه بنفسه ، فلم يكن سعد يتاجر بصدافته لوزير الثقافة السابق بل كان يتأخر عن المنصة ويقدم غيره ، كان متيما بكتابات كبار المتصوفة وربما كان واحدا منهم دون أن نعلم .
وهو بتعبير الناقد صبري قنديل حالة الكاتب الذي يمسك بعين القاريء لا يتركها حتى ينتهي مما يكتب سعد الدين حسن ، فعلي الرغم من صداقته وعلاقته الطيبة بالكاتب الراحل يحيي الطاهر عبد الله إلا أن سعد الدين حسن كان ينتمي لمدرسة القصة التلغرافية وموسيقى الفظ التي تظن لوهلة أنك امام قصيدة نثر لا قصة قصيرة من عذوبة ما يكتب سعد الدين حسن .