مصر وتركيا.. إعادة رسم خريطة التعاون من بوابة التجارة والاستثمار
تاريخ النشر: 14th, November 2023 GMT
القاهرة- حافظت مصر وتركيا على خيط العلاقات التجارية، وظل وسيلة الربط الوحيدة بين البلدين طوال العقد الأخير، ولم يتأثر بقطع العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 2013.
ومع استمرار جهود تطبيع العلاقات الدبلوماسية، تطلعت مصر وتركيا إلى تحقيق طفرة في الاستثمار المباشر إلى جانب التجارة لتحقيق التكامل الاقتصادي.
وهيمنت التجارة بين القاهرة وأنقرة على معالم الشراكة الاقتصادية، وحققت نموا مطردا وسريعا بفضل توقيع اتفاقية التجارة الحرة عام 2005 التي دخلت حيز التنفيذ عام 2007، وبقيت في منأى عن الخلافات والتجاذبات السياسية، مما أدى إلى مضاعفة حجم التبادل التجاري 3 أضعاف.
3 مساراتوتأمل مصر -في ظل متانة العلاقات التجارية مع تركيا- في تحقيق التكامل الاقتصادي عبر التجارة والاستثمار من خلال 3 مسارات:
تشجيع تدفق الاستثمارات التركية في مصر، خاصة في المجالات الصناعية. تطوير اتفاقية التجارة الحرة لزيادة التبادل التجاري وتعظيم الصادرات المصرية إلى تركيا. زيادة الأفواج والبرامج السياحية لجذب مزيد من السائحين الأتراك.
زيادة التبادل التجاري
تتكون قائمة الصادرات والواردات بين البلدين -إلى حد كبير- من سلع مصنعة، وليس منتجات نفطية فقط، مما يساعدهما على تنشيط الصناعات المحلية، وضمان سهولة الوصول إلى أسواق خارجية مهمة في ظل حاجتهما للعملة الصعبة.
وتتطلع القاهرة وأنقرة إلى زيادة حجم التجارة الثنائية لتصل إلى 15 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة مقارنة بـ10 مليارات دولار العام الماضي، كما تأمل مصر في جذب الاستثمارات التركية في القطاعات ذات الأولوية التنموية.
تحتل المنتجات الكيميائية المركز الأول ضمن الصادرات التركية الأكثر توريدا إلى مصر، تليها المواد البلاستيكية، ثم المنتجات الغذائية، بينما تأتي الملابس الجاهزة والمنسوجات في المرتبة الرابعة، والمواد الحديدية والآلات المعدنية في المرتبة الخامسة، وأخيرا مركبات النقل والقطع المتعلقة.
أما بالنسبة لمصر، فإن أهم مجموعات سلعية صدرتها إلى تركيا فهي:
الوقود والزيوت المعدنية ومنتجات تقطيرها اللدائن ومصنوعاتها أقمشة وخيوط من منسوجات صناعية المنتجات الكيميائية غير العضوية الأسمدة الزراعية الآلات والأجهزة الكهربائيةوخلال مشاركة وزير المالية المصري محمد معيط في المنتدى الاقتصادي التركي العربي الذي انعقد بإسطنبول تحت عنوان "عصر جديد للشراكة"، بعثت القاهرة برسائل إيجابية لعالم المال والأعمال التركي من أجل فتح باب التكامل الاقتصادي.
وقدمت مصر نفسها للشريك التركي على أنها تمتلك مقومات تنافسية ترتكز على موقع جغرافي إستراتيجي يؤهلها لأن تصبح مركزا إقليميا للإنتاج والتصدير، خاصة مع التطور الكبير في البنية التحتية، على نحو محفز للاستثمار المحلي والأجنبي، واعتماد سياسات وطنية داعمة للصناعة.
وركز وزير المالية المصري على أهمية الشراكات الدولية والإقليمية في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، وأهمية فتح آفاق جديدة لتعزيز العلاقات التجارية مع تركيا، لعدة اعتبارات تتعلق بحجم الصادرات والواردات على سبيل المثال:
تركيا سادس أكبر وجهة للصادرات المصرية بـ3.2 مليارات دولار. تركيا ثالث أكبر دولة مُصدرِّة لمصر بـ3 مليارات دولار. تركيا من كبرى الدول في الاستثمار الأجنبي بمصر عام 2022 بمبلغ 103.5 ملايين دولار. نحو 790 شركة تركية تعمل في مصر باستثمارات تقدر بنحو 2.5 مليار دولار في عدة قطاعات.ولجأت مصر إلى تحسين مناخ الاستثمار من خلال عدة محاور، مثل إصدار "وثيقة سياسة ملكية الدولة"، والمضي قدما في برنامج "الطروحات الحكومية" المتمثل في بيع أصول الدولة لتعزيز دور القطاع الخاص، وإصدار "الرخصة الذهبية" للمستثمرين، وتشييد بنية تحتية متطورة قادرة على استيعاب مزيد من المشروعات الإنتاجية.
ما فرص التكامل الاقتصادي؟يقول أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة القاهرة هشام إبراهيم -في حديثه للجزيرة نت- إن "مصر وتركيا تسيران في اتجاه التكامل الاقتصادي، بسبب التشابه الكبير في اقتصاد البلدين واعتمادهما بشكل كبير على السلع المصنعة وليس المواد الخام فحسب، مما يقوي طبيعة العلاقات الاقتصادية غير النفطية، ويفتح آفاقا جديدة أمام طموحاتهما في هذا الصدد".
ويضيف إبراهيم أن مصر وتركيا بحاجة إلى زيادة التدفقات الاستثمارية والاستفادة من بيئة الاستثمار الجديدة التي هيأتها مصر وزيادة رأسمال المال في المشروعات القائمة وضخ أموال أخرى في مشروعات جديدة.
وتوقع الخبير الاقتصادي أن يساعد الاقتصاد المتنوع لكلا البلدين في تحقيق المستهدفات التي تحدثا عنها خلال اللقاءات الكثيرة بينهما على المستوى الوزاري، مشيرا إلى أن تنويع العلاقات التجارية يكون في ضوء تنوع حجم الإنتاج وتنوع الاحتياجات.
واعتبر إبراهيم أن فرصة التكامل الاقتصادي بين البلدين تبقى أكثر من الدول الأخرى التي يعتمد بعضها على المشتقات النفطية، مشيرا إلى أن هناك أوجه تشابه عديدة بين مصر وتركيا، إلى جانب امتلاكهما أسواقا كبيرة بالنظر إلى عدد سكان كل دولة وقربهما الجغرافي من بعضهما بعضا.
تخطط مصر وتركيا لزيادة حجم التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار سنويا (الجزيرة) تطبيع العلاقاتمن جهته، رهن الخبير الاقتصادي والمحلل السياسي التركي يوسف كاتب أوغلو "الوصول إلى الأهداف التجارية والاستثمارية بعودة العلاقات الطبيعية بين البلدين إلى سابق عهدها وملء المساحات الشاغرة في العلاقات الاقتصادية عبر زيادة حجم التبادل التجاري ورفع حجم الاستثمارات، التي سوف تنعكس بالإيجاب على البلدين حكومة وشعبا".
ورأى في تصريحات -للجزيرة نت عبر الهاتف- أن الطرق التجارية والاستثمارية، التي لم تنقطع رغم القطيعة الدبلوماسية بين البلدين عام 2013، أصبحت أكثر وضوحا وسهولة، وتوقع أن يحدث زخم نتيجة التقارب الدبلوماسي والسياسي بين القاهرة وأنقرة وعودة تبادل السفراء وزيارات المسؤولين.
وفي الآونة الأخيرة، نجحت مصر -حسب أوغلو- في جذب مستثمرين أتراك استفادوا من الرخص الاستثمارية الذهبية وبناء مصانع إنتاجية، كما استفادوا من موقع مصر الجغرافي، والأيدي العاملة الرخيصة، والسوق المصري بصورة خاصة، والأفريقي عموما.
ويرى الخبير الاقتصادي التركي أهمية التركيز على المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، مشيرا إلى أن هناك ملفات ذات أهمية قصوى وفائدة مشتركة لكلا الطرفين، ولعل من أهمها مستقبلا ملف ترسيم الحدود البحرية والمشاركة في "المناطق ذات الحدود المتشاطئة" التي تحتوي على كميات كبيرة من الثروات الطبيعية شرق البحر الأبيض المتوسط مثل النفط والغاز.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: التکامل الاقتصادی العلاقات التجاریة التبادل التجاری بین البلدین مصر وترکیا
إقرأ أيضاً:
تجميد الأصول.. ما العقوبات التي طالب الشرع برفعها عن سوريا؟
دعا القائد العام للإدارة السورية، أحمد الشرع، خلال سلسلة لقاءات مع وفود أجنبية، إلى رفع العقوبات الغربية المفروضة على سوريا، مشددًا على أن هذه العقوبات كانت موجهة إلى النظام المخلوع الذي انتهى دوره الآن.
وأوضح الشرع أن رفع هذه العقوبات يُعد ضرورة ملحة لتسهيل عودة اللاجئين السوريين الذين نزحوا بسبب الحرب، ولتمكين جهود إعادة الإعمار التي تحتاجها البلاد بعد سنوات طويلة من الدمار.
تحركات دولية لرفع العقوباتأكد مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، خلال زيارته الأخيرة إلى دمشق، دعمه لإنهاء العقوبات، معتبرًا أن الوقت قد حان لعودة مؤسسات الدولة للعمل بشكل كامل وضمان الأمن والاستقرار.
كما أشار إلى أن رفع العقوبات سيساهم في تسريع عملية التعافي الاقتصادي وتحسين الأوضاع الإنسانية للسكان المتضررين.
وفي 8 ديسمبر الجاري، وبعد 11 يومًا من العمليات العسكرية، أعلن مقاتلو المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام السيطرة على العاصمة دمشق، في تحول كبير للمشهد السوري، وتسعى الإدارة الجديدة إلى تقديم صورة مختلفة للعالم، تدعو فيها إلى التعاون من أجل إعادة إعمار البلاد وتسهيل عودة الاستثمارات الأجنبية.
العقوبات الغربية على سوريافرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول غربية أخرى حزمة من العقوبات الاقتصادية والسياسية منذ بداية الأزمة السورية في عام 2011، بهدف الضغط على النظام السوري لوقف الانتهاكات ضد المدنيين والدفع نحو انتقال سياسي. وتضمنت هذه العقوبات:
1. تجميد الأصول: شملت أصول الحكومة السورية ومسؤولي النظام السابق في الخارج.
2. حظر التعاملات المالية: منع التعامل مع البنك المركزي السوري والمؤسسات المالية السورية.
3. قيود على الاستثمار: حظر الاستثمار في قطاعات النفط والغاز والطاقة.
4. منع الصادرات: حظر تصدير التكنولوجيا والمعدات ذات الاستخدام العسكري.
5. منع استيراد النفط السوري وبيع المعدات النفطية.
6. قيود على السفر: إدراج مئات الشخصيات والكيانات السورية على قوائم العقوبات.
7. حظر الطيران: منع الطائرات السورية من التحليق في الأجواء الغربية أو الهبوط في مطاراتها.
8. تقييد البرمجيات والتكنولوجيا: منع تصدير البرمجيات المستخدمة في الرقابة على الإنترنت.
كما تضمنت العقوبات تهديدًا بفرض عقوبات على الدول والشركات التي تتعامل مع سوريا أو تساعدها في التهرب من هذه الإجراءات.
تداعيات العقوبات على الاقتصاد السوريأدت العقوبات الغربية إلى تضييق الخناق على الاقتصاد السوري بشكل كبير، ما تسبب في تراجع القطاعات الحيوية مثل النفط، الزراعة، والصناعة.
كما تفاقمت الأزمة الإنسانية نتيجة نقص الإمدادات الأساسية وارتفاع الأسعار، مما جعل الحياة اليومية أكثر صعوبة بالنسبة للمواطنين السوريين.
ورغم نجاح العقوبات في تقليص الموارد المالية للنظام السابق، فإنها لم تُحدث تغييرًا جذريًا في سلوكه السياسي، بل دفعت الحكومة السابقة إلى البحث عن قنوات بديلة وموارد جديدة، على حساب غالبية الشعب السوري.
تحديات الإدارة الجديدةتحرص الإدارة السورية الجديدة على إعادة بناء جسور الثقة مع المجتمع الدولي، من خلال التأكيد على أن المرحلة المقبلة تتطلب شراكة حقيقية من أجل إعادة إعمار سوريا ورفع المعاناة عن شعبها، وتسعى الإدارة إلى إقناع الحكومات الغربية بأن العقوبات لم تعد تخدم أهدافها السابقة، بل أصبحت عائقًا أمام استقرار البلاد وتعافيها.
في ظل هذه التطورات، يبقى رفع العقوبات اختبارًا حقيقيًا لمدى تجاوب المجتمع الدولي مع الواقع الجديد في سوريا، ومدى استعداد القوى الكبرى للمشاركة في إعادة بناء دولة مزقتها الحرب على مدار أكثر من عقد.