هل حان وقت وقف الحرب في اليمن؟
تاريخ النشر: 14th, November 2023 GMT
كتب/ مصطفى النعمان:
توقفت طويلاً عن الحديث والكتابة حول الأوضاع في اليمن بسبب الانشغال بمتابعة الأحداث الدامية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولكني رأيت أن أعود إلى الملف اليمني بسبب التطورات التي تتواصل بحيوية بتحرك مشترك سعودي – عماني لوضع حد نهائي للحرب الدائرة منذ 2015، كخطوة أساسية قبل التوجه للبحث في الملف السياسي.
كان من الطبيعي أخلاقياً توقع أن يكون البحث في الملف الإنساني يسيراً وسريعاً ومدعوماً دون شروط من الأطراف اليمنية لولا أن بنوده المتعلقة بالاحتياجات الأساسية تحولت إلى قضايا للابتزاز السياسي، تقدمت على المصلحة الوطنية العامة، ولهذا طاولت المفاوضات والمشاورات بسبب تفاصيل صغيرة.
حين يطلع المرء على بنود مشروع الاتفاق سيكون من السهل تفهم الانحدار الأخلاقي الذي أصاب اليمنيين في تعنتهم ورفضهم لكل المساعي الإقليمية والدولية لحلحلة قضايا ما كان من المفترض أن تصبح تعقيداتها عقبة أمام وقف الحرب نهائياً.
كيف يمكن أخلاقياً وانسانياً التفاوض على قوائم أسرى ومحتجزين يمنيين يقبعون في سجون يمنية؟ وكيف نفهم أن جماعة أنصار الله الحوثية كما جماعة المجلس الانتقالي يصرون على إثبات تخليهم عن إنسانيتهم، وذلك باستمرار قطع الطرقات في مناطق سيطرتهم؟ وهل من المقبول أخلاقياً وضع القيود لإعادة فتح المطارات لتسهيل حركة المواطنين؟
تبرهن المماطلة في إنجاز الملف الإنساني على تخلي أطراف الحرب اليمنية عن حقوق المواطن الأولوية التي لا يجوز أن تكون قضايا للنقاش والجدل والعبث وتحويلها إلى مجرد نقاط في معركة يسعون إلى كسبها، وهذه القضية تخلق انطباعاً قوياً حول الآثار التي خلفتها الحرب وكيف تحولت حقوق اليمنيين البسطاء إلى أوراق للمساومة عليها من كل الأطراف.
التقيت في العاصمة الأردنية عمان قبل أيام عدداً من الدبلوماسيين الغربيين المعنيين بالشأن اليمني، وكذا أصدقاء يمنيين عابرين بالأردن أو مقيمين فيها، وبطبيعة الحال فقد اختلفت الآراء حول السبل الممكنة بعيداً من الأوهام والأحلام لإحداث اختراق في الملف الإنساني، بحكم أن إنجازه سيفتح أبواباً واسعة للتهدئة والبدء في تنقل الناس والبضائع دون عراقيل، وهذا في حد ذاته سيشكل تطوراً إيجابياً يجب تأكيده والسعي لتحويله إلى واقع.
من القضايا المثارة التي تقف عائقاً على الاتفاق لوقف الحرب تقفز إلى السطح مسألة رواتب موظفي المؤسسات الحكومية في مناطق سيطرة الحوثيين لأن "الشرعية" و"الجماعة" ترفضان تحمل مسؤوليتها ويتبادلان الاتهامات حول الطرف الذي يجب أن يسددها.
وفي الواقع فإن تخلي الطرفين عن التزاماتهما الأخلاقية والقانونية، وكذلك حجم الأحقاد التي تراكمت خلال السنوات التسع الماضية، تجعل التفكير بالاقتراب من عودة السلم الاجتماعي مسألة معقدة تحتاج إلى سنوات طويلة من المعالجات القانونية والسياسية، وقبل كل ذلك إلى قيادات تؤمن بالشراكة الوطنية التي لا تعني مجرد المشاركة في الحكم، بل في تقبل فكرة المواطنة المتساوية البعيدة من الانتماء العرقي والمناطقي.
إن تجاوز ما فعلته هذه الحرب من تدمير وسفك دماء وتشريد في الداخل والخارج تجعل المرء في حيرة عن المسارات التي من الضروري السير فيها وإقرارها للتخفيف من المآسي التي تراكمت، وأنا على ثقة أن اليمنيين لم يشاهدوا فواجع الحرب الحقيقية، ولن يتضح لهم حجم الدمار الذي لحق بهم وببلادهم إلا بعد وقفها نهائياً.
إن القدرة على الإسراع بالاتفاق على الملف الإنساني ستسهم في تقليص حجم المعاناة ووقف التدهور في حياة الناس اليومية، وسيفضي تنفيذه والالتزام ببنوده إلى الدخول في المرحلة الثانية من خطة الأمم المتحدة المتعلقة بالمشاورات السياسية التي من المقرر أن تبحث في مستقبل البلاد، وهنا يجب التركيز على ما سيواجه هذه العملية.
حين تم تبني فكرة الحكم الجماعي بدلاً من الرئيس عبدربه منصور هادي في السابع من أبريل (نيسان) 2022، كان الغرض تجميع قادة الفصائل المسلحة، وتوحيد المواقف السياسية والميدانية هو تهيئة للاتفاق السياسي النهائي، ولكن هذه الصيغة أثبتت صعوبة تحقيق الهدف لأسباب كثيرة.
يضم مجلس القيادة الرئاسي قادة كيانات مسلحة لا تخضع لسيطرة وزارة الدفاع ولا رئيس المجلس الذي لا يعلم تفاصيل تكويناتها ولا خططها العسكرية ولا أهدافها النهائية، وبسبب ذلك فقد عجز عن تسوية هذا المشهد العجيب المربك والمقلق في آن.
وفي المقابل فإن ممثلي المجلس الانتقالي الجنوبي في الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي يعانون العجز عن تبيان موقفهم من الخطة التي تعمل الرياض ومسقط على جلب الأطراف للتوقيع عليها، ويمارس رئيس المجلس عيدروس الزبيدي خطاباً مزدوجاً، فهو حيناً يلبس عباءة عضوية مجلس القيادة الرئاسي الذي يفترض أن أعضاءه يعملون بموجب دستور الجمهورية اليمنية، وحيناً نجده يقوم بمهام رئيس الانتقالي الذي يدعو إلى قيام دولة جنوبية مستقلة، وهذا مشهد مثير للشفقة وللسخرية.
من الضروري أن يتفهم المجلس الانتقالي الجنوبي أنه لا يمكنه الاستمرار والمشاركة في الحكومة ثم الوفد التفاوضي المقترح، بينما يواصل استهلاك خطابه المكرر والممل والمزدوج ويخسر معه قاعدة شعبية تمكن من تكوينها حين كان معارضاً خارج السلطة، أما اليوم فعليه اختيار الموقع الذي يناسب توجهاته السياسية الحقيقية، أي خروج وزرائه من الحكومة التي لم يعد له الحق ولا المبررات لانتقادها أو الاعتراض على قراراتها، مع الأخذ بالاعتبار أن شبهات الفساد والمناطقية صارت ملازمة لهم والتصقت بهم وبكثيرين غيرهم من أعضاء الحكومة الحالية.
إن الجهود المستمرة التي تقوم بها الرياض ومسقط تقترب من حصاد نتائجها بفضل إصرار العاصمتين على فتح آفاق تعاون واستقرار في المنطقة، ويبقى على الذين يمثلون الأطراف اليمنية أن يتحلوا بشيء من المسؤولية الأخلاقية والوطنية بتقديم التنازلات الكبرى عن المصالح الشخصية التي تضخمت على حساب مصلحة الناس والوطن.
المصدر: عدن الغد
كلمات دلالية: الملف الإنسانی
إقرأ أيضاً:
ما هي الدول الأوروبية التي ستشارك في "تحالف الراغبين" من أجل أوكرانيا؟
طرحت فرنسا والمملكة المتحدة فكرة إرسال قوات إلى الميدان كضمان أمني بعد اتفاق السلام. ولكن حتى الآن، يبدو أن قلة من الدول توافق على ذلك.
خلال قمة عُقدت في لندن يوم الأحد، طرحت فرنسا والمملكة المتحدة، مقترحًا لتطوير "تحالف الراغبين"، بهدف تعزيز الدفاع عن أوكرانيا والمساهمة في أي خطة سلام مستقبلية، في إطار الجهود الغربية المستمرة لدعم كييف في مواجهة التحديات الأمنية.
ووصف رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر التحالف بأنه مجموعة من الدول "المستعدة لدعم أوكرانيا بقوات على الأرض وبطائرات في الجو، والعمل مع الآخرين ".
لا تزال طبيعة المهمة العسكرية المحتملة للقوات الغربية في أوكرانيا غير واضحة، وسط تساؤلات استراتيجية حول نطاق وأهداف هذا التدخل. ويطرح فيليب بيرشوك، مدير "معهد البحوث الاستراتيجية" في المدرسة العسكرية في أوروبا، سلسلة من التساؤلات الجوهرية حول السيناريوهات المحتملة لنشر القوات.
ويشير بيرشوك ليورونيوز إلى أن هناك فارقًا جوهريًا بين إرسال قوات إلى غرب أوكرانيا للسماح للجيش الأوكراني بإرسال وحدات محلية للقتال على الجبهة، وبين نشر قوات لحفظ السلام، حيث يتطلب هذا الأخير تمركز قوات عند خطوط التماس لمنع استمرار القتال، وهو نهج يختلف تمامًا عن التدخل العسكري التقليدي.
Relatedأوكرانيا تجدد رفضها دخول مفتشي الطاقة الذرية إلى زابوروجيا عبر الأراضي المحتلةرئيس وزراء السويد السابق" يصف مفاوضات ترامب للسلام حول أوكرانيا بأنها مباحثات "هواة" ستارمر: لندن وباريس تعملان على خطة لوقف الحرب في أوكرانيا سيتم طرحها على ترامبويقدر الخبراء أن تنفيذ مهمة حفظ سلام موثوقة يتطلب نشر عدة آلاف من الجنود. وفي هذا السياق، صرّح سفين بيسكوب، الباحث في "معهد إيغمونت" في بروكسل، لقناة يورونيوز قائلاً: "قد يكون من الضروري إرسال فيلق عسكري يضم 50 ألف جندي، لإيصال رسالة واضحة إلى روسيا مفادها أننا جادون للغاية في هذا الأمر."
ورغم أن باريس ولندن تبديان استعدادًا لاستكشاف هذا الخيار، إلا أن المواقف الأوروبية لا تزال منقسمة بشكل كبير حيال هذه الخطوة الحساسة، إذ تتحفظ بعض الدول على التصعيد العسكري المباشر، ما يضع مستقبل هذا المقترح أمام اختبار سياسي ودبلوماسي معقد.
الدول المترددةويبدو أن بعض الدول الأوروبية تتجه نحو تأييد المبادرة الفرنسية-البريطانية، لكنها لم تحسم موقفها بعد بشأن مسألة نشر جنود على الأرض في أوكرانيا.
ففي البرتغال، تعهدت الحكومة بدعم الخطة التي ستضعها لندن وباريس، لكنها ترى أن الحديث عن إرسال قوات إلى أوكرانيا في إطار عملية حفظ السلام لا يزال سابقًا لأوانه. وأكد الرئيس مارسيلو ريبيلو دي سوزا أن أي قرار يتعلق بنشر قوات برتغالية يجب أن يُعرض على المجلس الأعلى للدفاع الوطني، المقرر اجتماعه في 17 مارس للنظر في الأمر.
أما في هولندا، فقد أوضح رئيس الوزراء ديك شوف أن بلاده لم تقدم أي التزامات ملموسة بعد، لكنه أكد انضمام هولندا إلى الجهود العسكريةالفرنسية-البريطانية للمساهمة في وضع حلول ممكنة.
بدورها، قد تنضم إسبانيا إلى المبادرة في مرحلة لاحقة، إذ صرّح وزير الخارجية خوسيه مانويل ألباريس أن مدريد "ليس لديها مشكلة" في إرسال قوات إلى الخارج، لكنه شدد على أن التركيز الحالي بشأن أوكرانيا لا يزال سياسيًا ودبلوماسيًا بالدرجة الأولى. ومع ذلك، يبدو أن الرأي العام الإسباني يدعم هذا التوجه، حيث أظهر استطلاع للرأي أجرته قناة "لا سيكستا" أن 81.7% من الإسبان يؤيدون نشر قوات لحفظ السلام في أوكرانيا.
إيطاليا وبولندا: المتشككونرئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني تُعد من أكثر القادة الأوروبيين تحفظًا بشأن فكرة نشر قوات أوروبية في أوكرانيا، حيث وصفتها بعد اجتماع لندن بأنها "حل معقد للغاية وربما أقل حسمًا من الخيارات الأخرى". وأكدت في تصريحاتها أن إرسال قوات إيطالية لم يكن مطروحًا على جدول الأعمال في هذه المرحلة.
وترى ميلوني أن أفضل ضمان أمني لأوكرانيا يكمن في تفعيل المادة 5 من ميثاق الناتو، التي تلزم جميع أعضاء الحلف بالدفاع عن أي دولة عضو تتعرض لهجوم. ومع ذلك، يظل تطبيق هذه المادة غير واضح في ظل عدم عضوية أوكرانيا في الحلف، مما يجعل مقترح ميلوني غير محدد المعالم في الوقت الحالي.
Relatedردًّا على ترامب وبوتين: الدنمارك تُطلق صفقة تسليح ضخمة بـ6.7 مليار يوروفون دير لاين تدعو لتسليح أوكرانيا "بسرعة" حتى لا تصبح لقمة سائغة في فم روسياقمة أوروبية تناقش تعزيز تسليح أوكرانيا والحرب في غزةأما في بولندا، أحد أبرز داعمي أوكرانيا منذ بداية الحرب، فلا يزال الموقف حاسمًا برفض إرسال قوات بولندية إلى الأراضي الأوكرانية. وأوضح رئيس الوزراء دونالد توسك أن بلاده تحملت بالفعل عبئًا كبيرًا باستقبال نحو مليوني لاجئ أوكراني خلال الأسابيع الأولى من الحرب، مما يجعلها غير مستعدة للانخراط عسكريًا بشكلٍ مباشر.
وبينما تبدو وارسو مستعدة لتقديم الدعم اللوجستي والسياسي، إلا أنها لا تعتزم نشر قوات على الأرض، ما يعكس الانقسامات داخل أوروبا بشأن هذا الخيار العسكري الحساس.
المجر وسلوفاكيا، غير مستعدتين على الإطلاق للقيام بذلكتتخذ كل من المجر وسلوفاكيا موقفًا أكثر انتقادًا للدعم العسكري الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا، إذ تدفعان باتجاه فتح حوارٍ مع روسيا لإنهاء الحرب بدلاً من تصعيد المواجهة العسكرية.
وهاجم رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان القادة الأوروبيين المجتمعين في لندن، متهمًا إياهم بالسعي إلى "مواصلة الحرب بدلاً من اختيار السلام"، في إشارة واضحة إلى رفضه لاستراتيجية الدعم العسكري المستمر لكييف.
من جانبه، أعرب رئيس وزراء سلوفاكيا عن تحفظه الشديد تجاه مبدأ "السلام من خلال القوة"، معتبرًا أنه مجرد مبرر لاستمرار الحرب في أوكرانيا بدلًا من البحث عن حلول دبلوماسية حقيقية.
وبناءً على هذه المواقف، يُستبعد تمامًا أن تنضم بودابست وبراتيسلافا إلى أي مبادرة لنشر قوات أوروبية، إذ ترفض حكومتا البلدين بشكلٍ قاطعٍ الانخراط العسكري المباشر في النزاع الأوكراني.
موقف برلينتتوجه الأنظار الآن إلى ألمانيا، حيث يجري تشكيل حكومة جديدة برئاسة المسيحي الديمقراطي فريدريش ميرتس.
وقد استبعد المستشار الألماني الحالي أولاف شولتز إرسال قوات ألمانية إلى أوكرانيا، على الرغم من أن وزير دفاعه بوريس بيستوريوس ألمح إلى إمكانية نشر قوات حفظ السلام في منطقة منزوعة السلاح، في حال وقف إطلاق النار.
إلا أن هذا الموقف قد يتغير، حتى وإن كان من الصعب إقناع الرأي العام المحلي بقرار نشر الجنود الألمان في أوكرانيا.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية من محام إلى مستشار.. شتوكر يتولى رئاسة الحكومة النمساوية الجديدة بعد مشادة البيت الأبيض.. زيلينسكي: مستعدون لتوقيع اتفاق المعادن ستارمر: لندن وباريس تعملان على خطة لوقف الحرب في أوكرانيا سيتم طرحها على ترامب الغزو الروسي لأوكرانياالمملكة المتحدةالاتحاد الأوروبيقوات عسكرية