المكاري القى كلمة الحلبي في مؤتمر اليونسكو الـ48: إصلاح التعليم التزامنا الأخلاقي
تاريخ النشر: 14th, November 2023 GMT
شارك وزير الاعلام في حكومة تصريف الاعمال زياد المكاري في اجتماعات المؤتمر العام لليونسكو في دورته الـ48 المنعقدة في باريس يومي 8 و9 الحالي، حيث القى في الاجتماع الذي عقد في 9 الحالي كلمة وزير التربية في حكومة تصريف الاعمال الدكتور عباس الحلبي، الذي اضطر لمغادرة باريس والعودة الى بيروت بسبب وفاة شقيقه.
والقى المكاري كلمة الحلبي وقال: "اليوم، نقف على حافة حقبة تحولية، وهي لحظة يتعين علينا فيها أن نبث حياة جديدة في نظامنا التعليمي اللبناني - وهو نظام شهد أزمات، لكنه يظل ثابتا في التزامه ببناء مستقبل أكثر إشراقا. وفي غضون عامين وشهر واحد فقط من تولينا المسؤولية، عملنا بلا كلل لتمهيد الطريق للشفافية داخل وزارة التربية والتعليم العالي. إن الشفافية هي حجر الأساس في جهودنا الإصلاحية، لأننا نؤمن إيمانا راسخا بأن التعليم هو حجر الزاوية في كل تغيير ذي معنى. خلال هذه الفترة، مررنا بفترة صعبة تميزت بإغلاق المدارس وإضرابات المعلمين. ومع ذلك، خلال هذه اللحظات الصعبة، تم اختبار تصميمنا وخرجنا أقوى. وعاى الرغم من الصعوبات نجحنا في وضع الإطار الوطني لمناهج التعليم العام ما قبل الجامعي".
واضاف: "وقد تجسد هذا الالتزام بالإصلاح من خلال مبادرات استراتيجية عدة ، بادرنا بعملية توحيد البيانات وتوحيد مختلف مكونات قطاع التعليم. وتحت راية الوزارة، قمنا بإدخال آلية مالية جديدة ترتكز على مبادئ الشفافية والحوكمة. لكن الإنجاز الأبرز هو التحول الذي طرأ على الوزارة نفسها. فقد نجحنا في العمل كفريق موحد ومتناغم ومتفان، متجاوزاً حواجز التطرف والأجندات الشخصية. لقد عملنا بجد لبناء جسور الثقة مع الجمعيات التعليمية والمعلمين والسلطات الحكومية، وكذلك مع المجتمع الدولي والإطار التعليمي الأوسع.
واليوم، نقف أمامكم مع خارطة الطريق لإصلاح التعليم، التي تكون بمثابة دليلنا في الرحلة نحو نظام تعليمي أكثر شمولاً وإنصافًا وخضوعًا للمساءلة. لقد تعاونا مع المجتمع الدولي والشركاء لتطوير خارطة الطريق هذه، بما يتماشى مع خطة خمسية تمتد من عام 2021 إلى عام 2025. وتتمحور هذه الخطة، التي تم وضعها بدعم من اليونسكو، في رؤية مشتركة لتطوير قطاع التعليم".
وتابع: "وبينما نتحمل المسؤولية في التعليم، ندرك أن الطريق إلى الإصلاح في السنوات الماضية لم يكن خاليا من العقبات. لقد شهدنا أزمات هددت في بعض الأحيان بوقف رحلتنا نحو الإصلاحات التي نعتز بها. لقد أوجد تدفق اللاجئين السوريين ضغوطا إضافية على نظامنا التعليمي، الأمر الذي يتطلب تمويلا إضافيا وبرامج دعم وتعويضات. وبينما نسعى جاهدين لإعادة بناء الوضع وتحسينه، من المهم أن نتذكر أنه تم تقديم المساعدة بنجاح للنازحين عندما كان لبنان في حالة أكثر استقرارا . ولسوء الحظ، في الوقت الحاضر، لا تزال شرائح كبيرة من الشعب اللبناني تعاني من التهميش والاحتياجات الملحة. وعلى ضوء ذلك طلبنا مساعدة لطلابنا اللبنانيين أسوة بما تم تقديمه للنازحين. ونهدف أيضًا إلى إعادة النظر في جدول الدفع لضمان العدالة بين الطلاب اللبنانيين وغير اللبنانيين. علاوة على ذلك، وفي إطار عملية الإصلاح الأوسع، فإن هدفنا هو تطوير المدارس الرسمية المملوكة من الدولة والمؤهلة والابتعاد عن المدارس المستأجرة. وتمتد أجندة الإصلاح أيضًا إلى التعليم المهني، حيث نلتزم بصياغة خطة شاملة. يتضمن نهجنا تقديم تخصصات جديدة تتوافق مع سوق العمل المتطور مع التخلص من التخصصات القديمة".
واردف: "واليوم، نجتمع معًا لتقديم خريطة طريق شاملة لإصلاح التعليم، والتي تهدف إلى تحويل نظامنا التعليمي إلى مثال للشفافية والوضوح والحوكمة الفعالة، ونحن على استعداد لكشف النقاب عن هذه الخطة الحيوية: في ما يتعلق بإصلاح المناهج الدراسية: نحن ملتزمون بتجديد المناهج الدراسية بصورة مستمرة لتعزيز التفكير النقدي والإبداع بدلاً من الحفظ. ونقوم أيضًا بتطوير الامتحانات لتتماشى مع التعليم الحديث، ونضع معايير عالية بدءًا من التدريس وحتى التقييم.
في ما يتعلق بتمهين المعلم: نحن نستثمر في تدريب المعلمين والقيادة، بهدف تمكين المعلمين بأساليب التدريس الحديثة. سنقدم الدعم المالي والفني للمدارس الرسمية والخاصة، مما سيخلق فرص التعلم المستمر للمعلمين. في ما يتعلق بالتحول الرقمي: نعمل على رقمنة مدارسنا لتوفير أحدث التقنيات والموارد عبر الإنترنت لتحسين تجارب التعلم.
في المدارس الدامجة: بحلول عام 2032، وفي إطار السياسة الوطنية للتعليم الدامج التي تم إطلاقها هذا العام، نهدف إلى إنشاء مدارس شاملة ترحب بكل طفل وتدعمه، وتعزز المساواة والتقدم الاجتماعي.
في ما يتعلق بالبيانات والإدارة المالية: نعمل على مركزية البيانات وتعزيز الشفافية المالية لاتخاذ قرارات مستنيرة.
في ما يتعلق بحوكمة النظام: نعمل على تحسين كفاءة الإدارة وتمكين المناطق التربوية من اتخاذ قرارات أفضل. كما نقوم أيضًا بإعادة تنشيط المركز التربوي للبحوث والإنماء (CERD) لتطوير استراتيجيات تعليمية مبتكرة.
في ما يتعلق بإصلاحات كفاءة التكلفة: نحن نستكشف نهجًا مدرسيًا كاملاً للتعليم البيئي/الأخضر ونموذجًا جديدًا للميزانية لجعل المدارس أكثر استدامة.
في ما يتعلق بالتعليم العالي: سيتم تناول عملية إصلاح شاملة للتعليم العالي في مرحلة لاحقة، مما يعزز إمكانية الوصول والجودة والمستوى".
واضاف: "فالإصلاح يعتمد على التصميم والتعاون والدعم على مختلف المستويات. إن المساعدة المالية المقدمة من الشركاء تسهل إصلاح نظامنا التعليمي، وسوف نبني على الممارسات الناجحة التي أنشأناها ضمن إدارتنا التعليمية الشفافة بالشراكة مع المانحين. علاوة على ذلك، فإن التمويل المستمر لقطاع التعليم أمر ضروري. لقد أرسينا أساساً متأصلاً في الشفافية والوضوح لجميع برامج الدعم التي تلقيناها، ولهذا السبب جعلنا حسابات الوزارة للأموال التي تلقيناها متاحة للجمهور منذ تولينا هذه المسؤولية. أما الحسابات والأموال فتقع تحت سلطة الحكومة، كما هي الحال في جميع وزاراتها".
وقال: "أود أن أعرب عن امتناني العميق لليونسكو لدعمها الذي لا يقدر بثمن في مختلف المشاريع التعليمية. وكانت مساعدتهم الفنية والمالية في تطوير المناهج الدراسية، وتدريب المعلمين، والتحول الرقمي بمثابة منارة أمل. أود أن أغتنم هذه الفرصة لأعلن أنه في إطار خارطة طريق الإصلاح، قمنا للتو بتوقيع خطاب نوايا بين وزارة التربية والتعليم واليونسكو بيروت. وستدعمنا اليونسكو في مسارات الإصلاح الرئيسية، مثل التحول الرقمي، وتأهيل المعلمين، وإدارة البيانات، والحوكمة. وبفضل شريكنا الاستراتيجي في لبنان أيضًا، مبادرة التعليم لا ينتظر، لدعمهم المستمر وتمويلهم السخي لقطاع التعليم. وأتوجه بالشكر أيضًا إلى مموليهم، وبعض أولئك الذين كانوا معنا هذا المساء. شكر خاص للسيدة ياسمين شريف، صديقة عظيمة للبنان ومنطقتنا".
وختم: "إن إصلاح التعليم ليس مجرد ضرورة، إنه التزامنا الأخلاقي تجاه الأجيال القادمة. إنها فرصتنا لبناء جسر نحو مستقبل أكثر إشراقًا وشمولًا وابتكارًا لكل طالب، بدءا من الطفولة المبكرة وحتى التعليم العالي".
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: إصلاح التعلیم فی ما یتعلق ا التعلیم
إقرأ أيضاً:
الحركة الإسلامية في الـ48.. وحرب غزة
في قلب الأراضي المحتلة عام 1948، نشأت الحركة الإسلامية كامتداد طبيعي لصحوة دينية ووطنية بين فلسطينيي الداخل، حاولت أن تُعيد صياغة الهوية الفلسطينية في ظل واقع المواطنة القسرية داخل دولة الاحتلال.
تبلورت هذه الحركة بداية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، متأثرة بخطاب جماعة الإخوان المسلمين، لكنها سرعان ما طورت نهجها الخاص تحت قيادة الشيخ عبد الله نمر درويش، خاصة من خلال الجمع بين الدعوة الدينية والعمل الاجتماعي والخيري.
كان عام 1996 لحظة الانقسام الكبير داخل الحركة، فانشطرت إلى جناحين، حدث هذا على وقع اصطدام الحركة بالإجابة عن سؤال: هل تُشارك في الكنيست الإسرائيلي أم لا؟:
• الجناح الجنوبي (البراغماتي): اختار دخول الكنيست والعمل من داخل النظام الإسرائيلي، وركّز على المطالب المدنية والميزانيات وتحسين الخدمات للعرب، على رأسه اليوم منصور عباس.
• الجناح الشمالي (المبادئي): تمسّك برفض المشاركة في مؤسسات دولة الاحتلال، واعتمد خطابا يربط بين النضال الوطني والهوية الإسلامية، خاصة في ملف القدس والمسجد الأقصى، وكان من أبرز رموزه الشيخ رائد صلاح.
بقي هذا الانقسام يُعمّق التباين في الرؤى والأدوار، إلى أن قامت حكومة الاحتلال بحظر الجناح الشمالي عام 2015، واعتبرته "منظمة غير قانونية"، مما جرد هذا التيار من قدرته التنظيمية والإعلامية.
اليوم، ومع تصاعد الجرائم في غزة وتفجر الاستيطان في الضفة، يُعاد طرح السؤال نفسه بشكل أكثر إلحاحا: أين تقف هذه الحركة الآن؟لكن الأهم: ماذا يفكر الشباب؟ وماذا يريدون أن يصنعوا؟
الحركة الإسلامية بين مبادئية مخنوقة وواقعية مراوغة
أمام مشهد الدم والتهجير في غزة والضفة، تظهر مفارقة صارخة في مواقف الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر.
• الجناح الشمالي ما يزال، رغم الحظر، محافظا على خطابه المناهض للاحتلال، ويُدين بوضوح الجرائم، لكنه فاقد للفاعلية بسبب التضييق والملاحقة الأمنية وربما بسبب ضعف الإرادة والقدرة على التحدي.
• أما الجناح الجنوبي، وبعد دخوله الحكومة الإسرائيلية عام 2021، فقد غابت مواقفه الحاسمة، ومال إلى الصمت أو التبرير، ما أفقده شعبيته، خاصة في الأوساط الشبابية.
النتيجة؟ حركة تبدو مشتتة بين جناحٍ مكمّم وجناحٍ مُهادِن، وكلاهما عاجز عن أن يكون تعبيرا صادقا عن النبض الشعبي المتفاعل مع مآسي الشعب الفلسطيني في كل الجغرافيا.
لماذا لا يعرف العرب كثيرا عن "الداخل الفلسطيني"؟
رغم أن شعوب الأمة العربية والإسلامية تعرف عن غزة كل تفصيل، وتتابع أخبار الضفة الغربية منذ عقود، إلا أن الداخل الفلسطيني -أو ما يُعرف بأراضي 48- بقي في الظل، خارج دوائر الاهتمام الشعبي والإعلامي وحتى النضالي في كثير من الأحيان.
هذا الغياب لم يكن صدفة، بل نتيجة لتراكمات متعددة:
فالانخراط القسري لعرب الداخل في منظومة المواطنة الإسرائيلية جعلهم في نظر الكثيرين "خارج معادلة الاحتلال المباشر"، ما حرمهم من الرمزية النضالية الواضحة.
كما أن القبضة الإسرائيلية على فضائهم الإعلامي والاجتماعي حالت دون إيصال صوتهم بحرية إلى العالم العربي، في الوقت الذي كانت فيه ساحات غزة والضفة مرئية، دامية، وصاخبة بالمقاومة والقهر.
يُضاف إلى ذلك أن الأنظمة العربية -تواطؤا أو خوفا- تجنبت دعم الداخل خشية الصدام مع إسرائيل، فتركتهم في فراغ تمثيلي، حتى في الخطاب الإسلامي العابر للحدود، ظل الداخل حاضرا في المناسبات، غائبا عن الاستراتيجية.
والمحصلة أن الوعي العربي تشكّل برواية ناقصة، عزلت الداخل عن قلب القضية، رغم أن فلسطينيي 48 هم من يواجهون يوميا سياسات الأسرلة والتهويد والاستيطان ضمن قلب الدولة العبرية ذاتها.
إن إعادة الاعتبار للداخل الفلسطيني ليست مسألة معرفة فقط، بل مسؤولية وعي ومقاومة، لأن تحرير الرواية مقدمة لتحرير الأرض والإنسان.
الجيل الجديد: بين الحُلم بالخلاص ورفض الترويض
الجيل الفلسطيني الشاب داخل أراضي 48 لم يعد مقتنعا بهذه المعادلة. هؤلاء لا يرون أنفسهم في خطابات الخضوع، ولا ينتظرون منابر قد أُطفئت، بل ينحازون تلقائيا إلى من يقف مع غزة، ومع الأقصى، ومع كل وجه فلسطيني مكلوم.
إنهم يرفضون التعايش المفروض، ويُصغون إلى أنين الخليل، ويرون في الشيخ جراح قضيتهم كما النقب والجليل. لا يثقون بالكنيست، ولا بمن يتحدث عن "تحسين ظروف الحياة" في حضرة الموت، بل ويبحثون عن بديل، صوت، منصة، حركة تشبههم.
ما الجديد الذي يمكن أن يقدمه هذا الجيل؟
• خطاب تحرري إسلامي وطني جامع، يربط الداخل بكامل الجغرافيا الفلسطينية دون انفصام.
• تنظيم غير تقليدي، لا زعامة فيه ولا بيروقراطية، بل قيادة جماعية ولا مركزية.
• منصات مستقلة إعلامية ومجتمعية تعبّر عن الهوية وتقود الفعل.
• توظيف أدوات العصر من وثائقيات وبودكاست وفن بصري لمخاطبة الداخل والعالم.
ما الذي قد يدفعهم للانطلاق؟
• الإحباط من الأحزاب والمؤسسات، التي لم تعد تمثلهم.
• الانتماء الوجداني المتجدد للقضية الكبرى، والتي لم تعد حكرا على الضفة أو غزة، بل تمتد إليهم.
• احتكاكهم بنماذج عالمية لحركات شبابية صنعت التغيير من الهامش.
جيل يبحث عن فعل.. ليس لهذا الجيل ما يخسره، لكنه يرى كل ما يمكن أن يُستعاد، يريد أن يفعل لا أن يُدار، أن يشارك لا أن يُستدرج، جيل يبحث عن أن يكون جزءا من التحرر، لا مجرد متلقٍ للميزانيات أو وعود "العيش المشترك".
ربما لم يُولد بعد التنظيم الذي يُشبه لكنه يلوح في الأفق. وهو، إن قرر أن يتحرك، لن يسير خلف أحد.. بل سيقود الجميع.