السياسة الأميركيَّة بعد 7 أكتوبر: ملامح التخبّط والانهيار
تاريخ النشر: 14th, November 2023 GMT
السياسة الأميركيَّة في الشرق الأوسط بعد 7 أكتوبر: ملامح التخبّط والانهيار
سياسة أميركا المتخبطة لاستعادة ردع الجيش الإسرائيلي الذي أُهين أمام شعبه وشعوب الإقليم وتأكيد هيمنة الكيان على المنطقة لها نتائج كارثيّة.
استراتيجية أميركا بعد غزو أوكرانيا استنزاف القوة الروسية المتنامية، وعزلها من خلال الدعم الهائل الذي قدمته لأوكرانيا لإضعاف روسيا أو تغيير نظامها السياسي.
ستكون نتائج وخيمة على مستقبل الكيان الصهيونيّ نفسه الذي تحاول إنقاذه وحمايته. وهذه السياسة ستعيق قدرتها على التوجّه نحو شرق آسيا لمواجهة التحدي الصيني.
سيكون لسياسة أميركا المتخبطة تأثيرٌ مباشرٌ على النظام الأمني الإقليمي، ومستقبل الأنظمة العربية الحليفة بعد انكشافها أمام شعوبها ووعجزها وتواطُئها في أكبر جرائم حرب عرفها التّاريخ.
تحاول أميركا بسياسة متهورة استعادة صورة الكيان الصهيوني المنهارة الذي كانت تعتمد عليه في ضبط أمن المنطقة ومصالحها الاستراتيجية بعد تخفيف وجودها العسكري المباشر.
* * *
منذ أن ظهرت الولايات المتحدة الأميركية على المسرح الدوليّ- في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية كأقوى دولة في العالم- كانت الاستراتيجيّة العظمى لها هي تحقيق واستمرار هيمنتها العالميّة، والإبقاء على ميزان القوى بينها وبين أيّ منافس عالمي أو إقليميّ لصالحها بشكل كبير.
مع صعود الاتحاد السوفيتي في نهاية الأربعينيات- وللعقود الأربعة التي تلت ذلك كمنافس شرس وعنيد لأميركا في أوروبا وحول العالم- كانت الاستراتيجية الأميركية هي إنشاء تحالفات عسكريّة وسياسية ومؤسّسات اقتصادية وثقافيّة ومجتمعيّة لاحتوائه ومحاربة الأيديولوجية التي يمثّلها وينشرها حول العالم، في ظلّ التنافس الاستراتيجيّ والأيديولوجيّ بينه وبين المعسكر الغربيّ بقيادتها، بما اصطَلح عليه المتخصّصون بالحرب الباردة.
لقد حقّقت الولايات المتحدة الأميركية هيمنتها في نصف الكرة الغربيّ مع أواخر القرن التّاسع عشر، فيما عرف بمبدأ مونرو (Monroe Doctrine) نسبة إلى الرئيس الأميركي الخامس عام 1823، والذي نصّ على عدم السماح لأيّ وجود عسكري لأيّ قوى عالميّة في نصف الكرة الغربيّ، حتى تستفرد أميركا بهيمنتها فيما اعتبرته منطقتها الخلفيّة.
ومع بدايات القرن العشرين، استطاعت أميركا أن تصفّي كلّ القواعد العسكرية في نصف الكرة الغربيّ، كما أنهت الوجود المسلّح للقوى الأوروبية المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، فلقد فرضت أميركا حظرًا على دول المنطقة بعدم المشاركة في أيّ تحالفات عسكرية مع أي قوى عالميّة. وهنا يمكن فهم تصرُّف أميركا بعد اكتشافها الصواريخ السوفيتية النووية على الأراضي الكوبية في أكتوبر 1962، حيث هدّدت وقتها بحرب شاملة غير محدودة، لولا الاتّفاق على سحب هذه الصواريخ نظيرَ سحب الصواريخ الأميركية النووية من تركيا.
أمّا على المستوى الاستراتيجي فمنذ أواسط القرن العشرين، تعتبر الولايات المتحدة أنّ هناك ثلاثَ مناطق حيوية حول العالم تقتضي مصالحها الكبرى أن تكون متواجدة فيها بقوّة، وأن تحوز اهتمامَها السياسيَّ ووجودها العسكريَّ لتبقي على مكانتها ليس فقط كدولة عظمى، ولكن أيضًا كأهمّ قوة عالميّة تتحكم بمفاصل ومؤسسات النظام الدولي الذي تشرف عليه وتقوده.
هذه المناطق الثلاثة هي: أوروبا؛ والخليج العربي بصورة خاصة والشرق الأوسط بشكل عام؛ ومنطقة شرق وجنوب شرق آسيا.
الاهتمام بمنطقتَي أوروبا وشرق آسيا متعلّق بوجود قوى عظمى أخرى تنافس الولايات المتحدة، حيث لا تريد أميركا لهذه القوى: (روسيا في أوروبا، والصين في شرق آسيا)، أن تكون مهيمنة في إقليمها حتى لا تنافسها في أماكن أخرى حول العالم.
أمّا منطقة الخليج فإنها تعدّ منطقة استراتيجية وحيوية جدًا؛ نظرًا لأنّها منطقة تكدّس الثروة النفطية في العالم، والتي تعدّ السلعة الأهمّ في الاقتصاد العالمي، حيث إنّ الذي يسيطر عليها يستطيع أن يتحكّم في أهم مفاصل هذا الاقتصاد.
علاوةً على ذلك، فلقد أصرّت أميركا أن تكون العملة التي تباع بها هذه السلعة الاستراتيجية العالمية- منذ اتفاق كيسنجر-الملك فيصل عام 1974 نتيجة الحماية- هي الدولار، أو فيما يعرف بالبترودولار (petrodollar).
هذا الأمر يضمن استقرار العملة الأميركية وهيمنتها العالمية كعملة احتياطية للاقتصاد العالميّ، حيث إنها تمثل حاليًا حوالي 60% من حجم التجارة العالمية بين الدول، وأكثر من 80% من سوق التبادل المالي، بالرغم من عدم وجود غطاء حقيقي لهذه العملة بعد أن فكّت أميركا الدولار عن الذهب عام 1971.
هذا الربط بين الدولار والبترول يعدّ أحد الركائز السياسية الأميركية العالمية والتي يعتمد عليها استقرار الاقتصاد الأميركي بشكل كبير، والذي يعزّز الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج.
منذ حوالي ثلاثة عقود، كان حجم الاقتصاد الصينيّ بالنسبة للاقتصاد الأميركي لا يتجاوز 7٪، في حين أنّه يعادل الآن حوالي 70٪ من حجم الناتج الأميركي السنوي. هذا النموّ الكبير والقوة الاقتصادية الهائلة للصين يجعلانها منافسًا قويًا وندًا شرسًا للولايات المتحدة ليس فقط على المستوى الاقتصاديّ، وإنما أيضًا على المستويَين: الاستراتيجيّ والعسكري، ما يجعل- من وجهة النظر الأميركية- أن تصبح الصين مهيمنة في إقليمها، ما يمكنها من أن تهدّد ليس فقط مصالح أميركا في هذه المنطقة الحيوية، وإنما إمكانية أن تنافس وتزاحم أميركا في مناطق أخرى حول العالم.
ما بين فترة سقوط وتفكّك الاتحاد السوفيتي عام 1991 ولمدّة حوالي ربع قرن، كان العالم أحادي القطبيَّة، حيث تفرّدت الولايات المتحدة بقيادة العالم، ففرضت هيمنتها من حيث أصبحت تحدّد اتجاهاته وتقرّر قواعده وتقود سياساته وتصنع مؤسّساته.
بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 – وفي غياب أيّ منافس دولي أو إقليمي- قرّرت الولايات المتحدة غزوَ الخليج والشرق الأوسط والعالم الإسلاميّ؛ حتى تعيد ترتيب نظامه من خلال الغزو العسكريّ والهندسة الاجتماعية في أفغانستان، والعراق على أمل أن تكرّر هذه التجارب في بقية دول المنطقة.
إلّا أن فشلها الذريع في أن تحقّق أيَّ إنجاز في هذَين البلدين، بل وانسحابها المهين من كلَيهما جعلها تعيد حساباتها، خصوصًا في ظلّ صعود الصين السريع، بينما هي أضاعت وقتًا ثمينًا على مراهنات خاسرة. لذا قرّرت الولايات المتحدة إعادة تموضعها حتى تتفرّغ لتحدي صعود الصين السريع لتطويقها واحتوائها من خلال إقامة تحالفات إقليمية عسكرية واقتصادية؛ كي تعيق أو تبطّئ من نموها الاقتصادي وتقدّمها العسكري.
أمّا في أوروبا، فلقد استطاعت الولايات المتحدة- في ظلّ الضعف الروسي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي- توسعةَ حلف الناتو عبر ثلاثة عقود، حيث ارتفع عدد الدول المنتمية لهذا الحلف العسكريّ من 16 عضوًا إلى 30.
أدّى الإصرار الأميركي على توسعة هذا الحلف- ليشمل أوكرانيا حتى يتم تطويق روسيا والحدّ من قوتها وتأثيرها الإقليمي- إلى دفع روسيا لغزو أوكرانيا لتتصدّى لهذا التهديد الذي قد يعصف بدور روسيا الإقليمي، أو حتى بنظامها السياسي في ظلّ هيمنة غربية وتمدد أميركي في أوروبا الشرقية.
لذا كانت استراتيجية أميركا بعد الغزو الروسي هي استنزاف القوة الروسية المتنامية، وعزلها من خلال الدعم الهائل الذي قدمته لأوكرانيا؛ على أمل أن تضعف هذه الحرب روسيا، أو حتى أن يتم تغيير نظامها السياسي ليلتحق بالنظام الإقليمي الأوروبي المهيمن عليه أميركيًا.
ورغم تعثّر هذه الاستراتيجية الأميركية، فما زالت الإدارة الحالية تصرّ عليها، على الرغم من فشل القوات الأوكرانية في إحداث أي انتصارات أو اختراقات عسكريّة.
أمّا بالنسبة للوضع الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط والخليج، فإنّ أميركا تعتبر أنّ أهمّ التهديدات لمصالحها وللنظام الإقليمي الذي تهيمن وتسيطر عليه إلى حدّ كبير، هو في سياسات إيران وحلفائها في المنطقة، ليس فقط في تنامي قدراتها العسكرية والتكنولوجية المتعاظمة والتي اكتسبتها منذ نهاية الحرب العراقية الإيرانية منذ أكثر من ثلاثة عقود.
ولكن أيضًا لقدرة السياسة الإيرانية على عمل اختراقات في أكثر من إقليم، خصوصًا على مستوى الصراع مع الكيان الصهيوني في فلسطين ولبنان، بالإضافة إلى نفوذها المتزايد في العراق وسوريا واليمن وسياساتها المتصالحة مع دول الخليج.
في ظلّ هذه التحديات ومع قرار الولايات المتحدة تخفيف وجودها العسكري المباشر في المنطقة حتّى تتفرغ للتحدي الصيني في شرق وجنوب شرق آسيا، أرادت أميركا أن تعيد تنظيم المنطقة لتوكِل لقوى إقليمية التصدّي للنفوذ الإيراني وسياساته المناوئة والحفاظ على الاستقرار الإقليميّ لضمان المصالح الاستراتيجية والاقتصادية الأميركية.
النظام الإقليميّ الذي أرادت أميركا أن تقيمه في الشرق الأوسط، كان يعتمد في جوهره على التحالف بين الكيان الإسرائيلي- الحليف الاستراتيجي والشريك الأكبر للحفاظ على المصالح الاستراتيجية الأميركية- والأنظمة العربية المتحالفة مع أميركا لا سيما مصرُ والأردن والإمارات والسعودية ودولٌ أخرى.
كانت النخبة السياسيّة والعسكرية الأميركية الحاكمة تدرك صعوبة إقامة تحالف بين الكيان الصهيوني والأنظمة العربية المتحالفة معها بدون إيجاد تسوية للقضية الفلسطينية من خلال ما يسمّى بحلّ الدولتين.
إلا أن التعنت والصلف والغطرسة الإسرائيلية وهيمنة اليمين المتطرف- ليس فقط على السياسة الإسرائيلية وإنما أيضًا على النخب الأميركية الحاكمة- أطاح بكلّ المحاولات الأميركية لإيجاد تسوية سياسية للقضية الفلسطينية، ما أدّى إلى قبول تجاوزها والتماهي مع السياسة الإسرائيلية التي كانت تدعو إلى إدارة الأزمة بدلًا من حلّها.
منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي استطاعت أميركا أن تخترق النظام العربيَّ الإقليمي من خلال ترتيب معاهدات "سلام" مع أنظمة عربية مختلفة تضمن بقاء هيمنة الدولة العِبرية، والإطاحة بالأمن القومي العربي، ابتداءً من معاهدة السلام مع مصر (1979)، ومرورًا باتفاقية وادي عربة مع الأردن (1994)، ووصولًا إلى اتفاقات أبراهام مع الإمارات والبحرين والمغرب في (2019) و (2020).
لقد أرادت الإدارة الأميركية الحالية تتويج اتفاقات التطبيع بين الكيان الصهيونيّ والأنظمة العربية المتحالفة مع أميركا من خلال اتفاق تطبيع بين السعودية والكيان الصهيونيّ العام القادم؛ حتى تضمن مصالحها الاستراتيجية، وتحافظ على مصالحها الاقتصادية من خلال محاصرة واحتواء القوى المعادية لها وللكيان الصهيوني. هذه الاستراتيجية كانت ستوكل للكيان الإسرائيلي والأنظمة العربية المطبّعة معه الحفاظ على الأمن الإقليمي لتتفرغ أميركا للتحدّي الصيني في شرق آسيا وحول العالم.
جاء هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الثاني لينسف هذه الاستراتيجية بعد أن عصفت نتائجه المبهرة من حيث التخطيط والتنفيذ بهيبة وصورة الجيش الإسرائيلي الذي كان يدّعي بأنّه لا يقهر، والذي أذلّ أجهزة مخابراته التي كانت تتظاهر بأنّها تهيمن على النظام الأمني الإقليمي.
لذلك جاء الدعم الأميركي السريع واللامحدود للكيان الصهيوني، والذي سيشكك حتمًا ليس فقط بمصداقيته أمام الجماهير العربية والإسلامية، بل كذلك باهتزاز صورته حول العالم. تحاول أميركا من خلال سياسة متهورة استعادة الصورة المنهارة للكيان الإسرائيلي المتأزم، الذي كانت ستعتمد عليه في الحفاظ على أمن المنطقة، ومصالحها الاستراتيجية بعد تخفيف وجودها العسكري المباشر.
لذلك تَعتبر الولايات المتحدة أنّ هزيمة وسحق المقاومة في غزة هي المقدّمة اللازمة لاستعادة هذا التحالف الذي أرادت إنشاءَه في المنطقة. وكنتيجة لدعمها الكامل لهذا القصف الإسرائيليّ الوحشي والإبادة الجماعية والتدمير الذي تمارسه ضدّ أهل ومدينة غزة، فلقد تخلّت أميركا عن كل الشعارات التي رفعتها والمبادئ التي كانت تنادي بها حول العالم، وبذلك تكون قد غامرت بسمعتها ومركزها بأن كشفت عن وجهها الحقيقي أمام شعبها وشعوب العالم، وأظهرت دورها كشريك في كل جرائم الحرب الإسرائيلية.
إنّ هذه السياسة المنحازة والمتهورة- التي اتخذتها الولايات المتحدة في سعيها للحفاظ على مصالحها، ولاستعادة قوة الردع العسكري للجيش الإسرائيلي الذي أُهين علنًا أمام شعبه والدول الإقليمية، ومن أجل تأكيدها على هيمنة الكيان الصهيوني على دول المنطقة- ستكون لها نتائج كارثيّة، ليس فقط على هيبتها وصورتها المنهارة أمام شعوب المنطقة، وإنما أيضًا على مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية.
بل ستكون لها نتائج وخيمة على مستقبل الكيان الصهيونيّ نفسه الذي تحاول إنقاذه وحمايته. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ هذه السياسة ستعيق قدرتها على التوجّه نحو شرق آسيا لمواجهة التحدي الصيني.
ختامًا؛ سيكون لهذه السياسة المتخبطة تأثيرٌ مباشرٌ على النظام الأمني الإقليمي، ومستقبل الأنظمة العربية المتحالفة مع أميركا بعد أن انكشفت هذه الأنظمة أمام شعوبها وثَبَت ضعفُها وعجزها بل تواطُؤ بعضها في أكبر جرائم حرب عرفها التّاريخ.
*د. سامي العريان أستاذ الشؤون العامة، جامعة صباح الدين زعيم باسطنبول، ومدير مركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية (CIGA)
المصدر | الجزيرة نتالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: المقاومة أميركا التخبط الانهيار 7 أكتوبر السياسة الأميركية الشرق الأوسط الأنظمة العربية القصف الإسرائيلي الوحشي الإبادة الجماعية الولایات المتحدة الکیان الصهیونی هذه السیاسة ت أمیرکا أن أمیرکا بعد حول العالم فی أوروبا شرق آسیا ی الصینی ی أوروبا عالمی ة لیس فقط من خلال
إقرأ أيضاً:
ما مستقبل الشراكة بين أميركا والجزائر بعد عودة ترامب؟
الجزائر- تعمل الجزائر والولايات المتحدة الأميركية على تعزيز التعاون الثنائي في المجالات العسكرية والاقتصادية. وتصدرت قطاعات الدفاع والطاقة والفلاحة والعلوم والتكنولوجيا قائمة المجالات ذات الأولوية "ضمن رغبة ثنائية لتوطيد العلاقات بما يعود بالنفع على الجانبين، إلى جانب السعي إلى تعزيز السلم والأمن على المستوى الإقليمي والدولي"، حسب ما أكده وزيرا خارجية البلدين في مكالمة هاتفية جمعتهما الثلاثاء.
ومع بداية العهدة الجديدة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، تم توقيع مذكرة تفاهم في مجال التعاون العسكري بين الجزائر والقيادة الأميركية لأفريقيا "أفريكوم".
إلى جانب ذلك، وقعت وزارة الطاقة الجزائرية في 22 يناير/كانون الثاني اتفاقية مع مجموعة شيفرون الأميركية للطاقة، لتقييم إمكانات موارد النفط والغاز البحرية في الجزائر بهدف تمهيد الطريق لمشاريع استكشاف وتطوير مستقبلية تهدف إلى تثمين موارد المحروقات الجزائرية.
وهو ما وصفه بيان صادر عن وزارة الدفاع الجزائرية بأنه مساع للجزائر وواشنطن نحو تعميق العلاقات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية بينهما، وفق رؤية وزخم جديدين.
استقبال الرئيس الجزائري لقائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا والوفد المرافق له (مواقع التواصل) تطور العلاقات
كانت العلاقات الجزائرية الأميركية في الفترة الأولى لحكم الرئيس الأميركي (2017-2021) تقتصر على استمرارية التعاون التقليدي في بعض المجالات على غرار مكافحة الإرهاب والطاقة، أما سياسيا فقد شهدت العلاقات نوعا من التوتر بعد اعتراف ترامب بسيادة المغرب على الصحراء سنة 2020، والذي اعتبرت الجزائر أنه "لا أثر قانونيا له لأنه يتعارض مع جميع قرارات الأمم المتحدة".
إعلانويرى المحلل السياسي حكيم بوغرارة أنه مع بداية العهدة الثانية لترامب يبدو أن الولايات المتحدة تريد بناء شراكة إستراتيجية طويلة الأمد مع الجزائر، نظرًا لمكانتها ودورها الإقليمي وحيادها في التعامل مع الأزمات الدولية، مشيرا إلى أن العلاقات الجزائرية الأميركية تحمل قدرًا كبيرًا من الاحترام والتقدير تاريخيا.
ونوه بوغرارة -في حديثه مع الجزيرة نت- إلى أن السياسة والمصالح متغيرة ونسبية، وهذا يفسر كيف أن العلاقات الجزائرية الأميركية التي كانت خجولة خلال العهدة الأولى لترامب قد تطورت بشكل ملحوظ اليوم.
فالولايات المتحدة تراجع سياساتها، وتُصحّح مساراتها، وتسعى إلى بناء شراكات جديدة وفق مستجدات المشهد الدولي، وهذا ما حدث مع الجزائر، وفق بوغرارة.
وتبحث الإدارة الأميركية اليوم عن دول قوية اقتصاديا ومؤثرة إقليميا، وهو ما ينطبق على الجزائر، كما يضيف المتحدث ذاته، خاصة في ملفات مكافحة الإرهاب والقضية الفلسطينية وأمن الطاقة.
واستبعد المحلل السياسي أن يكون هناك أي تعليق سلبي من شركاء الجزائر التقليديين سواء من الصين أو روسيا أو غيرهما حول هذا التقارب الجزائري الأميركي، إذ تعتمد سياسة الرئيس عبد المجيد تبون، برأيه، على تنويع الشراكات، معتبرا أن الجزائر دولة ذات سيادة وترفض التدخل في شؤونها الداخلية.
وزارة الطاقة الجزائرية وقعت اتفاقية مع مجموعة شيفرون الأميركية للطاقة (مواقع التواصل) تقاطع المصالح
وأشار بوغرارة إلى تقاطع المصالح بين الجزائر وواشنطن في ملفات كالقضية الفلسطينية، ومكافحة الإرهاب، وتطوير قطاع الطاقة، ودعم الاستقرار في سوريا ولبنان، موضحا أن الولايات المتحدة تدرك جيدًا أن للجزائر ثقلًا كبيرًا في القضايا العربية والإسلامية والأفريقية والمتوسطية.
من جانبه، أكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عبد اللطيف بوروبي أن هناك تقاطعا في المصالح بين الجزائر والولايات المتحدة الأميركية، وهو ما أشار إليه بيان الخارجية الأميركية الذي ذكر أن مكالمة ماركو روبيو مع أحمد عطاف ارتبطت بـ3 كلمات رئيسية وهي "تصورات مرتبطة بقطاع غزة، من إعادة الإعمار والهدنة، وإمكانية إنهاء الحرب"، إلى جانب "التعميق الدائم للشراكات الاقتصادية، خاصة في مجال الطاقة".
إعلانونوه بوروبي -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن المقاربة الجديدة بين البلدين لا تقتصر على مجال الطاقة والاقتصاد فقط، بل هناك أيضًا إمكانية لفتح شراكات أمنية من نوع آخر.
وقال إن واشنطن تسعى إلى تعزيز نفوذها في منطقة شمال أفريقيا وأفريقيا بشكل عام، خاصة في ظل الاستثمارات الصينية الضخمة في البنية التحتية بمنطقة الساحل، مؤكدا أن الولايات المتحدة لا تريد فقط منع التوسع الصيني في أفريقيا، بل تسعى أيضًا لأن تكون المنافس الأول للصين في جميع أنحاء العالم.
وعاد أستاذ العلوم السياسية إلى مؤشرات التنمية البشرية والمؤشرات الاقتصادية للجزائر التي تُظهر نموًا مستمرًا، مما يعني أن فرص الاستثمار والشراكة باتت أكبر مما كانت عليه في السابق.
وأكد أن الحديث عن المرحلة القادمة يعني الحديث عن المصلحة والفائدة، وهو ما تعتمد عليه الولايات المتحدة وهو ما ينطبق على الجزائر التي تهدف إلى توسيع شراكاتها، وذلك يعني وجودها في جميع المناطق والانخراط مع شركاء متعددي الأطراف، كونها نقطة ارتكاز إستراتيجية.
رئيس أركان الجيش الجزائري عقد محادثات مع قائد قوات الأفريكوم شملت حالة التعاون العسكري بين البلدين (مواقع التواصل) تقارب أمنيويؤكد الخبير في الشؤون الأمنية أحمد ميزاب أن توقيع مذكرة التفاهم بين الجزائر والولايات المتحدة مع بداية عهد ترامب يحمل دلالات عديدة خاصة في ظل السياقات الدولية والتحولات المستجدة عالميا.
ويقول ميزاب -في حديثه للجزيرة نت- إن هناك تغييرا في الأولويات الأميركية، فقد كانت إدارة ترامب في ولايته السابقة أقل اهتمامًا بأفريقيا، لكن تصاعد التهديدات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي دفع واشنطن إلى مراجعة إستراتيجياتها الأمنية، من خلال توسيع تعاون أمني مع الجزائر لمواجهة التحديات المشتركة.
ورأى الخبير ذاته أن تصريحات قائد "الأفريكوم" تعكس رغبة أميركية في تعزيز دورها في الساحل الأفريقي بعد الانسحاب التدريجي لفرنسا، لكنها تفضل تحقيق ذلك عبر شراكات محلية بدل الانتشار وهو ما جعلها تراهن على الجزائر.
إعلانوأكد أن وصف الولايات المتحدة للجزائر بأنها "بلد رائد" يؤكد أن واشنطن ترى في الجزائر شريكًا محوريا، وذلك يفتح الباب أمام تعاون أمني موسع يشمل التدريب وتبادل المعلومات ودعم القدرات العسكرية الجزائرية، بالإضافة إلى محاولة خلق توازن في المنطقة.
وبالعودة إلى حدود التعاون بين البلدين، قال ميزاب إنها تتحدد وفق العقيدة الدفاعية الجزائرية الواضحة، حيث ترفض الجزائر أي وجود عسكري أجنبي على أراضيها أو أي عسكرة للمنطقة.
ونوه إلى أن تعميق الشراكة مع واشنطن لا يعني استبدال روسيا بالولايات المتحدة كون موسكو لا تزال الشريك الأبرز للجزائر.