بين سرديتَي «الاضطهاد» و«الانتصار»: نزيف السمعة يؤرّق الصهيونية

مذبحة مثل الحاصلة في غزة اليوم، لن يستطيع أحد محوها من الذاكرة، أو تقديم رواية مغايرة لها.

الحركة الصهيونية تروّج أن حرب غزة فجّرت «معاداة السامية» في العالم إلى أوسع مدى منذ ثلاثينيات القرن الماضي.

مشكلة الصهيونية في حالة غزة أن الضربة التي تلقّتها من خلال عملية «طوفان الأقصى» كانت كبيرة جداً، وليست لديها إمكانية للردّ عليها إلا بالمجازر.

روجت الصهيونية سردية مقابلة عن تعرّض اليهود في الغرب لـ«الاضطهاد» من جديد، بما «يبرّر» الوحشية التي يتّصف بها الهجوم الإسرائيلي على القطاع.

النخب السياسية في الغرب في انفصال تامّ عن شعوبها لأنها خاضعة للحركة الصهيونية التي تموّل حملاتها الانتخابية لكن إلى متى سيتمكّن هؤلاء من تحمّل المفارقة المذكورة؟

تظهر التجارب أن النخب الغربية تساوم على ما مبادئ الحريات، إلى الحدّ الأقصى الممكن، لكن حين يبدأ الأمر في إحداث مفعول عكسي على أوضاعها الداخلية، تبدأ بالتراجع.

تعرف الصهيونية أن المشاهد الآتية من غزة، تضعها بموقع الخاسر على مستوى الرأي العام العالمي، وتجاربها بهذا المجال كثيرة، لكن ما لا تتحمّله أبداً هو أن تكون إسرائيل ضعيفة.

هل تتوقّع الصهيونية أن تكسب حرباً إعلامية على الفطرة الإنسانية أو أن تُغيّر قيم الإنسان الطبيعية؟ هذا ما تشي به معادلتها أمام العالم اليوم، وهي: «إمّا أن يقبل العالم بحكمنا، وإمّا أن يكون معادياً للسامية».

* * *

ربّما تكون حرب غزة من المرّات القليلة أو النادرة في تاريخ الحروب الحديثة التي يُذبح فيها شعب أعزل مباشرة على شاشات التلفزيون، بتَينك الهمجية والبربرية اللتَين قلّ نظيرهما. صحيحٌ أن التاريخ شهد الكثير من المذابح، التي وصلت إلينا وفق روايات يصعب التحقّق منها، لأن من كتبها في النهاية هو القوي.

إلّا أن مذبحة مثل الحاصلة في غزة اليوم، لن يستطيع أحد محوها من الذاكرة، أو تقديم رواية مغايرة لها، سواء كان منتصراً أو مهزوماً، قوياً أو ضعيفاً. مع ذلك، وحتى قبل نهاية المذبحة، تحاول الحركة الصهيونية العالمية، وهي الفاعل الحقيقي فيها (وأدواتها على الأرض الجيش الإسرائيلي والمستوطنون)، سرد رواية مزوّرة لها، خصوصاً أنها تجد نفسها محاصَرة هذه الأيام بدماء أهل غزة. وبمعزل عن نتيجة المعركة في الميدان، ستكون تلك الحركة من أكبر الخاسرين.

والسبب هو أن أحداً في العالم ليس مستعداً للقبول بسردية تفيد بأن هجوماً على الاحتلال في مستوطنات «غلاف غزة»، منبعه كره لليهود، أو ما يُسمّى «معاداة للسامية»، وليس الكفاح لإزاحة الاحتلال، وأن هجوماً مثل هذا «يبرّر» ذبح آلاف الأطفال والنساء باعتباره «دفاعاً عن النفس».

هل تتوقّع الصهيونية أن تكسب حرباً إعلامية على السوية الإنسانية، أو أن تُغيّر القيم السليقية للإنسان؟ هذا ما تشي به المعادلة التي وضعتها أمام العالم اليوم، وهي: «إمّا أن يقبل العالم بحكمنا، وإمّا أن يكون معادياً للسامية».

تَظهَرُ وقائع هذه الحرب الإعلامية، أكثر ما تظهر، في وسائل الإعلام الإسرائيلية التي يُطلق العنان لها لالتقاط كلّ موقف ضدّ الجرائم الإسرائيلية في غزة، سواء تفوّه به سياسي في إيرلندا أو ممثّل في «هوليود» أو مغنّ مشهور في أيّ زاوية من هذا العالم، أو تَمثّل في تظاهرة تحمل صور الأطفال الشهداء ومعها أعلام فلسطين، ووضْعه في خانة «معاداة السامية».

تلك الوسائل نفسها يُمنع عليها التداول بوقائع الميدان في غزة، حيث لا تسير المعارك وفق ما يشتهي جيش الاحتلال، وتشير إلى أن المقاومة الفلسطينية تستعدّ لتحقيق انتصار آخر، رغم الخسائر البشرية والمادّية الضخمة لأهل قطاع غزة. لكنّ الحركة الصهيونية أكثر من يعرف أن العالم لا يحبّ المهزومين، ولذلك تسعى إلى تقديم رواية انتصار، إلى جانب السردية الخاصة بـ«الاضطهاد».

قد يكون من المبالغة القول إن الحركة الصهيونية تحكم العالم بالمعنى المادّي للكلمة، لكن من المؤكد أنها استطاعت تكريس نمط من السلوك على العالم، منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، تجسّد في قوانين فرضها التحالف الغربي الفائز في تلك الحرب في عدد كبير من الدول الغربية باعتبارها «أحد عناوين الحضارة والتقدّم ونقيضاً لبربرية هتلر»، وهذا بالضبط ما يدفع شخصاً مثل الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى التفاخر بأنه «صهيوني».

ويبدو أن الاتحاد السوفياتي لم يكن لديه مانع في ذلك حينها، وما علاقته المبكّرة مع إسرائيل إلّا نوع من الاعتراف بدور الحركة الصهيونية في هزيمة هتلر، على رغم التناقض اللاحق بين السوفيات والولايات المتحدة خلال الحرب الباردة، والتي، للمناسبة، لم تدفع إلى عداء بين إسرائيل والسوفيات، رغم وقوعهما في تحالفين مختلفين. ومن هنا، تأتي الانتقادات الإسرائيلية الشديدة لروسيا بسبب موقفها الحالي في حرب غزة، علماً أن هذا الموقف يظلّ محدوداً، على رغم التقدّم الذي شهده في الأسابيع والأشهر الأخيرة.

موقف الحركة الصهيونية الذي يعكسه الإعلام الإسرائيلي والغربي، يقوم على أن حرب غزة فجّرت «معاداة السامية» في العالم إلى أوسع مدى منذ ثلاثينيات القرن الماضي، أي الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية. ومجرّد التذكير بتلك الفترة، يعكس المأزق الذي وصلت إليه الحركة نفسها نتيجة ما يجري في القطاع، وحجم الاستنفار الذي تتطلّبه محاولة الخروج من ذلك المأزق.

ويتحدّث موقع «واينت» عن اضطرار الكثير من اليهود حول العالم لإخفاء هويتهم الدينية، من خلال إزالة ما يُسمّى «الميزوزا»، وهي نوع من الرُّقى التي توضع خارج المنازل، والامتناع عن إرسال أولادهم إلى المدارس الدينية واعتمار القلنسوات اليهودية خارج منازلهم. لكن ثمة مبالغة في هذا الكلام؛ فإذا كانت هناك كراهية لليهود ما زالت كامنة في الغرب، فهي ليست بسبب حرب غزة. ثمّ من يجرؤ في الغرب على القيام بما يمكن اعتباره في القانون «معاداة للسامية»؟

فوراً، سيصبح هو المضطهد؛ إذ إن السلطات في هذه الدول بالمرصاد، وهي اتّخذت إجراءات استباقية استخدمت فيها القوانين بطرق ملتوية لردم الفجوة بين الاحتجاج على الجرائم الإسرائيلية، وكراهية اليهود، بما يمكّنها من منع تظاهرات التضامن مع غزة أو التضييق عليها، كما يحصل في فرنسا أو بريطانيا.

وبدلاً من أن تعمد إلى معالجة سبب الاحتجاجات عن طريق اتخاذ موقف أكثر عدالة من القضية الفلسطينية، لا تزال تلك الدول تشيح بوجهها عن حقوق الفلسطينيين، وتعتمد سياسة الإنكار، ما يجعل النخب السياسية فيها، في انفصال تامّ عن شعوبها؛ والسبب هو أنها ممسوكة برقبتها من قِبل الحركة الصهيونية التي تموّل حملاتها الانتخابية. لكن إلى متى سيتمكّن هؤلاء من تحمّل المفارقة المذكورة؟

التجارب تدلّ على أن النخب الغربية تساوم على ما تدّعيه من تمسّك بالحريات، إلى الحدّ الأقصى الممكن، ولكن حين يبدأ الأمر في إحداث مفعول عكسي على أوضاعها الداخلية، تبدأ بالتراجع.

تعرف الحركة الصهيونية أن المشاهد الآتية من غزة، تضعها في موقع الخاسر على مستوى الرأي العام العالمي، وتجاربها في هذا المجال كثيرة، لكن ما لا تتحمّله أبداً هو أن تكون إسرائيل ضعيفة. ومشكلتها في حالة غزة أن الضربة التي تلقّتها من خلال عملية «طوفان الأقصى» كانت كبيرة جداً، وليست لديها إمكانية للردّ عليها إلا بالمجازر.

لذلك، عملت على إيجاد سردية مقابلة تفيد بتعرّض اليهود في الغرب لـ«الاضطهاد» من جديد، بما «يبرّر»، بهذا القدر أو ذاك، الوحشية التي يتّصف بها الهجوم الإسرائيلي على القطاع.

*حسين إبراهيم كاتب صحفي لبناني

المصدر | الأخبار

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الغرب مذبحة غزة الصهيونية قطاع غزة معاداة السامية النخب السياسية الرأي العام العالمي الحرکة الصهیونیة الصهیونیة أن فی الغرب حرب غزة التی ی فی غزة

إقرأ أيضاً:

حصيلة المجازر الصهيونية الجديد في غزة ترتفع إلى 430 شهيدا

وأوضحت المصادر في غزة بأنه لا تزال عمليات القصف الصهيونية مستمرة على قطاع غزة، مؤكدة أن جل الضحايا هم من النساء والأطفال، مشيرة إلى أن أعداد كبيرة من الضحايا لا يزالون تحت ركام منازلهم نتيجة قصف العدو الإسرائيلي.

من جهته، أوضح الناطق باسم الدفاع المدني بغزة محمود بصل  أن أكثر من 400 شهيد بينهم 130 طفلا ارتقوا نتيجة مجازر العدو الصهيوني على القطاع.

وفي وقت سابق اليوم، أوضحت وزارة الصحة بغزة، في بيان مقتضب أنه وصل مستشفيات قطاع غزة 404 شهداء حتى اللحظة و562 إصابة، نتيجة الاستهدافات والمجازر المتعددة التي ارتكبها كيان العدو منذ ساعات فجر اليوم على قطاع غزة.

ورجحت الوزارة ارتفاع عدد الضحايا، مشيرة إلى أنه لا يزال عدد من الضحايا تحت الركام وجاري العمل على انتشالهم.

وفي مجازر جديدة للعدو ظهر اليوم، ارتقى 6 شهداء من عائلة واحدة في قصف العدو الصهيوني استهدف سيارة مدنية في بلدة عبسان الكبيرة بخان يونس.

كما استشهد 3 فلسطينيين بينهم طفل في قصف صهيوني على منزلا لعائلة الصالحي بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة.

واستشهد أيضا 6 مدنيين بينهم أطفال بقصف العدو منزلا في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، فيما مصادر ارتقى شهيد وجريح في قصف للعدو استهدف مواطنين بمنطقة "نيتساريم" وسط القطاع.

وارتقى أيضا 6 شهداء نتيجة قصف العدو سيارة مدنية في منطقة السلاطين في بيت لاهيا شمال قطاع غزة

وكانت المصادر الإعلامية في قطاع غزة قد أفادت، في وقت سابق اليوم بأن ضحايا المجازر الجديدة في القطاع وصل إلى أكثر من 360 شهيدا ومئات الجرحى والمفقودين.

وأوضحت المصادر إلى أن معظم الضحايا نساء وأطفال، مرجحة ارتفاع عدد الضحايا حيث لا يزال أعداد كبيرة منهم تحت الأنقاض.

وشن العدو، منذ ساعات اليوم الأولى، غارات واسعة على أرجاء متفرقة من قطاع غزة، شملت رفح وخانيونس وغزة وشمال غزة ونفذت أحزمة نارية عنيفة، في استئناف شامل لحرب الإبادة الجماعية التي لم تتوقف منذ 18 شهرًا.

ووفق وسائل إعلام صهيونية فقد شاركت 100 طائرة حربية صهيونية في العدوان على قطاع غزة.

وأعلنت قوات العدو استئناف العدوان على غزة، في إصرار على انتهاك اتفاق وقف إطلاق الذي تنصلت من الالتزام ببنوده طوال الأيام الماضي، بدعم أمريكي.

وقالت قوات العدو: إنه بناءً على توجيهات المستوى السياسي، تشن قوات الجيش والشاباك هجومًا واسعًا على أهداف في أنحاء قطاع ‌غزة، حسب وصفها.

وأكد محمود بصل الناطق باسم الدفاع المدني في غزة، تسجيل استهدافات متفرقة من طائرات العدو في  قطاع غزة، مشيرا إلى أن هناك صعوبات كبيرة تواجه طواقمنا في العمل في القطاع نتيجة استهداف أكثر من هدف في نفس التوقيت.

وفي وقت سابق، أكدت مصادر محلية ارتقاء شهداء وإصابة آخرين بقصف طائرات الاحتلال مدرسة التابعين التي تؤوي نازحين في حي الدرج وسط مدينة غزة.

وذكر مصدر طبي أن 8 شهداء بينهم 5 أطفال و50 جريحا وصلوا إلى مستشفى المعمداني في مدينة غزة جراء الغارات على المدينة، ولا تزال طواقم الإسعاف تنقل ضحايا فيما يتعذر الوصول لأماكن استهداف أخرى.

ووفق مصادر إعلامية، استهدفت مقاتلات العدو منزلا للدكتور أيمن ابو طير مدير قسم التغذية في مجمع ناصر الطبي، محيط مسجد البشرى وسط عبسان الكبيرة شرق خان يونس.

وأفادت المصادر بانتشال 10 شهداء حتى الآن من منزل الدكتور أبو طير ولازال هناك 4 تحت ركام المنزل الذي تعرض للقصف.

كما قصفت طائرات العدو منزلا مأهولا بـ السكان لـ عائلة ابو ماضي في شارع السماسمة غرب خان يونس.

كما استهدف القصف مخيم غيث غرب خانيونس ما أدى إلى شهداء في صفوف النازحين.

وأكدت مصادر محلية انتشال عدد من الشهداء والإصابات جراء قصف من الطائرات المروحية لخيمة تؤوي نازحين في منطقة الإقليمي في مواصي مدينة خانيونس.

وقصف العدو لعدد من خيام النازحين في مواصي خانيونس، وشن غارات جوية على مدينة غزة فيما ارتكب العدو مجزرتين ضد عائلتي جرغون في معن وأبو طير في عبسان.

وارتقى شهداء وجرحى نتيجة قصف إسرائيلي على مبنى الأحرار بمنطقة الشاطئ الشمالي غرب مدينة غزة.

كما وصلت إصابات إلى مستشفى الإندونيسي جراء قصف إسرائيلي على شمال غزة.

وقصفت طائرات الاحتلال مدرسة أربكان في جباليا البلد التي تأوي نازحين.

ووصل عشرات الإصابات إلى مستشفى العودة تل الزعتر جراء استهداف عدد من منازل المواطنين شمال قطاع غزة

وتحركت إسعافات إلى مخيم البريج بعد غارات إسرائيلية عنيفة.

كما قصفت عدة منازل في دير البلح وسط القطاع وارتكبت مجازر فيها.

وقال مصدر طبي إن مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، استقبل 17 شهيدًا معظمهم نساء وأطفال في الاستهدافات على المنطقة الوسطى.

 

مقالات مشابهة

  • مفتي عُمان: ندين عدوان الصهيونية الغادر على غزة وأهلها
  • حزب الله: لفضح الشراكة الأميركية- الصهيونية في ‏حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني
  • سمعة عُمان خط أحمر
  • حصيلة المجازر الصهيونية الجديد في غزة ترتفع إلى 430 شهيدا
  • المسيحية الصهيونية.. كيف تحولت إلى أداة سياسية؟
  • مدرب برشلونة: الفوز على اتلتيكو مدريد لا يعني التتويج بالليجا
  • إنتر ميلان يهزم أتلانتا بثنائية ويعزز صدارته للدوري الإيطالي
  • ارتفاع عدد شهداء الغارة الصهيونية على جنوب لبنان إلى أربعة
  • بالصور.. كيف احتفل السوريون بذكرى الثورة لأول مرة بعد الانتصار؟
  • تركيا الأولى عالميا ضمن الدول التي يصعب فيها امتلاك منزل!