القانون الدولي: لا حقّ لـ "إسرائيل" بالدفاع عن النفس في غزة

ما زالت إسرائيل قوة احتلال بحسب المادة 42 من قواعد لاهاي لعام 1907، والتي تعتبِر أن "الأرض تُعتبر محتلة عندما توضع فعلياً تحت سلطة الجيش المعادي".

قواعد القانون الدولي تدحض ادعاء "إسرائيل" ودول الغرب بأن "إسرائيل تستخدم حقّ الدفاع الشرعي عن النفس" عندما تهاجم غزة عسكريا وتنفّذ إبادة جماعية بحقّ المدنيين الفلسطينيين.

لا يجوز لقوة احتلال أن تبرّر القوة العسكرية في الأراضي المحتلة باعتبارها دفاعاً عن النفس، وهذا مبدأ ثابت وواضح في القانوني الدولي الإنساني، ويتطابق مع قاعدة القانون الدولي: "حقّ الشعوب في تقرير مصيرها".

* * *

رغم "فك الارتباط" الذي تتذرّع به "إسرائيل" لتنفي مسؤوليتها كقوة احتلال في غزة، فإن قواعد القانون الدولي تشير إلى أن "إسرائيل" بفرضها الحصار على قطاع غزة، وسيطرتها على كل من الضفة الغربية والقدس والقطاع، فإنها ما زالت، لغاية الآن، تُعتبر قوة احتلال بحسب المادة 42 من قواعد لاهاي لعام 1907، والتي تعتبِر أن "الأرض تُعتبر محتلة عندما توضع فعلياً تحت سلطة الجيش المعادي".

ووفقاً للمادة الثانية المشتركة، تنطبق اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 على أي إقليم تمّ احتلاله أثناء الأعمال العدائية الدولية. وفي هذا الإطار، لا فرق بين ما إذا كان يسمّى "غزواً" أو "تحريراً" أو "إدارة" أو "احتلالاً"، وبما أن قانون الاحتلال في الاتفاقيات الدولية مدفوع في المقام الأول باعتبارات إنسانية، فإن الحقائق على الأرض هي وحدها التي تحدّد تطبيقه.

وتعتبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن غزة تظلّ أرضاً محتلة على أساس أن "إسرائيل" لا تزال تمارس عناصر أساسية من سلطتها على القطاع، بما في ذلك على حدوده (المجال الجوي والبحري والبري – باستثناء الحدود مع مصر). ورغم أن "إسرائيل" لم تعد تحتفظ بوجود دائم داخل قطاع غزة، إلا أنها لا تزال ملزمة ببعض الالتزامات بموجب قانون الاحتلال التي تتناسب مع درجة سيطرتها عليه.

ما هي أهم المبادئ التي تحكم الاحتلال؟

إن واجبات قوة الاحتلال منصوص عليها في أنظمة لاهاي لعام 1907 (المواد 42-56) واتفاقية جنيف الرابعة (المواد 27-34 و47-78)، وكذلك في بعض أحكام البروتوكولات الإضافية والقانون الدولي الإنساني العرفي.

وهناك الكثير من القواعد الأساسية للقانون المطبّق في حالة الاحتلال، وندرج منها ما يحظره القانون من الانتهاكات التي ترتكبها "إسرائيل" في غزة حالياً، وهي على الشكل التالي:

- يحظر النقل القسري الجماعي أو الفردي للسكان من الأراضي المحتلة وداخلها.

- يُحظر نقل السكان المدنيين التابعين لسلطة الاحتلال إلى الأراضي المحتلة، سواء كان ذلك قسرياً أو طوعياً.

- العقاب الجماعي محظور.

- تُحظر الأعمال الانتقامية ضد الأشخاص المحميين أو ممتلكاتهم.

- يحظر تدمير ممتلكات العدو أو الاستيلاء عليها، إلا إذا كانت الضرورة العسكرية تقتضي ذلك أثناء سير الأعمال العدائية.

وبحسب القانون الدولي الإنساني، على "إسرائيل" أن تضمن، إلى أقصى حد ممكن من الوسائل المتاحة لها، تلبية الاحتياجات الأساسية لسكان غزة. وعلى وجه الخصوص، يجب عليها ضمان تزويد غزة بالغذاء والإمدادات الطبية والسلع الأساسية الأخرى اللازمة للسماح للسكان بالعيش في ظل ظروف مادية مناسبة (المادة 55 من اتفاقيات جنيف الرابعة).

وعليها أيضاً تقييم استخدام القوة أثناء عمليات إنفاذ القانون، في كل مرة، على أساس فردي، مع وجوب احترام المعايير القانونية للضرورة والتناسب والاحتياطات لتجنّب الخسائر في الأرواح البشرية ومنع المزيد من تصعيد العنف.

وإضافة الى التناسب، يؤكد القانون الدولي الإنساني مبدأ "عدم المعاملة بالمثل"، المتأصل في قوانين الحرب على جميع النزاعات، فإذا كانت حماس قد هاجمت "إسرائيل" فهذا لا يعني أن من حقّ "إسرائيل" أن تقتل المدنيين عشوائياً وجماعياً، وأن تمنع المساعدات الإنسانية وتحاصر غزة، وتعاقب المدنيين على أفعال ارتكبها أفراد آخرون (وكل هذه محظّرة في القانون الدولي الإنساني).

"إسرائيل" والتذرّع بحق الدفاع عن النفس

بحسب القانون الدولي، لا يجوز لدولة ما أن تمارس سيطرتها على الأراضي التي تحتلها وأن تهاجم تلك الأراضي عسكرياً في الوقت نفسه بدعوى أنها "أجنبية"، وتشكّل تهديداً خارجياً للأمن القومي.

بالطبع، تعطي المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، الحقّ للدول بالدفاع عن نفسها ضد دولة أخرى، في إطار الرد على هجوم مسلح أو تهديد وشيك به، لكن هذا الحق لا تتمتع به "دولة" الاحتلال التي يحق لها فقط "استخدام قوة الشرطة لاستعادة النظام"، ويحظّر عليها القانون الدولي استخدام القوة المسلحة ضد الأراضي المحتلة.

إن مجرد وجود احتلال عسكري إسرائيلي للأراضي الفلسطينية، فإن هجوماً مسلحاً إسرائيلياً قد وقع سابقاً، لذلك، فإنّ حقّ الدفاع عن النفس في القانون الدولي لا تتمتع به "إسرائيل" منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية عام 1967. ولتحقيق أهدافها الأمنية، ومعاقبة حماس على ما فعلته في 7 تشرين الأول/أكتوبر، لا يمكن لـ "إسرائيل" كـ "دولة احتلال"، أن تلجأ إلى أكثر من صلاحيات الشرطة، أو الاستخدام الاستثنائي للقوة العسكرية، التي يمنحها لها القانون الدولي الإنساني. هذا لا يعني أن "إسرائيل" لا تستطيع الدفاع عن نفسها بالمطلق، بل إن الإجراءات الدفاعية لا يمكن أن تأخذ شكل الحرب على الأراضي المحتلة، ولا يمكن تبريرها على أنها دفاع عن النفس في القانون الدولي.

بهذا المعنى، طالما تمارس "إسرائيل" الاحتلال، يحقّ لها أن تحمي نفسها ومواطنيها من هجمات الفلسطينيين الذين يقيمون في الأراضي المحتلة، لكن يعطيها القانون الدولي فقط حقّ استخدام صلاحيات الشرطة، واستخدام القوة اللازمة والمسموح بها لأغراض "إنفاذ القانون" واستعادة النظام العام، وليس لهجوم واسع وقتل السكان المدنيين في المناطق المحتلة كما تفعل "إسرائيل" حالياً في غزة.

في النتيجة، إن قواعد القانون الدولي تدحض ادعاء "إسرائيل" ومعها العديد من دول الغرب بأن "إسرائيل تستخدم حقّ الدفاع الشرعي عن النفس" عندما تهاجم غزة عسكرياً وتنفّذ إبادة جماعية بحقّ المدنيين الفلسطينيين، إذ لا يجوز لقوة الاحتلال أن تبرّر القوة العسكرية في الأراضي التي تكون مسؤولة عنها باعتبارها دفاعاً عن النفس، وهذا مبدأ ثابت وواضح في القانوني الدولي الإنساني، ويتطابق تماماً مع قاعدة آمرة في القانون الدولي وهي "حقّ الشعوب في تقرير مصيرها".

*د. ليلى نقولا أستاذة العلاقات الدولية بالجامعة اللبنانية

المصدر | الميادين

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: فلسطين إسرائيل احتلال غزة الدفاع عن النفس طوفان الأقصى القانون الدولي الحرب على غزة فك الارتباط قوة احتلال العقاب الجماعي إبادة جماعية القانون الدولی الإنسانی فی القانون الدولی الأراضی المحتلة الدفاع عن النفس عن النفس فی قوة احتلال فی غزة

إقرأ أيضاً:

قمة الدول الثماني النامية.. السيسي: ندين استيلاء إسرائيل على الأراضي السورية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق ما حدث منذ أكتوبر 2023 تعدى كل الحدود والقواعد الدولية والإنسانية.. ونؤكد ضرورة التوصل إلى وقف فورى ومستدام لإطلاق النار فى غزة
 

أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، أن منطقة الشرق الأوسط تواجه تهديدات جساما، حيث أضحت الأحداث الجارية فى المنطقة خير شاهد على ما يعيشه العالم من ازدواجية فى المعايير وإفراغ للمبادئ والقيم الإنسانية من معانيها وتهميش لقواعد القانون الدولي.

وترأس الرئيس السيسي الجلسة التي خصصت لمناقشة الكارثة الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة ولبنان، ضمن قمة الدول الثماني النامية للتعاون الاقتصادي، التي تعقد بالعاصمة الإدارية الجديدة تحت عنوان "الاستثمار في الشباب ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة: نحو تشكيل اقتصاد الغد" وذلك بحضور قادة الدول الأعضاء بالمنظمة وعدد من قادة الدول النامية والمنظمات الإقليمية والدولية.

وألقى الرئيس السيسي كلمة مصر خلال الجلسة والتي تناولت الأوضاع في فلسطين ولبنان والجهود المصرية لاستعادة الاستقرار في المنطقة وقال الرئيس خلال كلمته إن الحرب الإسرائيلية مستمرة على قطاع غزة منذ أكثر من عام، وامتدت إلى لبنان الشقيق، كما تشهد سوريا الشقيقة انتهاكا صارخا لسيادتها على خلفية استيلاء إسرائيل على المزيد من الأراضى السورية، مؤخرا وشن اعتداءات على الأراضى السورية وإعلانها من طرف واحد عن إلغاء اتفاق فض الاشتباك لعام ١٩٧٤.

وقال الرئيس السيسي إن مصر تدين بأشد العبارات تلك الممارسات وتؤكد دعمها التام لوحدة واستقرار سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها، كما تؤكد مصر دعمها لكل جهد يسهم فى إنجاح العملية السياسية الشاملة فى سوريا بمشاركة الشعب السورى بكل مكوناته وشرائحه ودون إملاءات أو تدخلات خارجية.

وأشار إلى أن ما حدث منذ أكتوبر ٢٠٢٣ تعدى كل الحدود والقواعد الدولية والإنسانية فقد تخطت أعداد الوفيات من الفلسطينيين "٤٥" ألف شهيد غالبيتهم من السيدات والأطفال وأصيب أكثر من "١٠٧" آلاف معظمهم أيضا من السيدات والأطفال وبلغت أعداد النازحين "١.٩" مليون شخص وامتدت الانتهاكات الإسرائيلية لتشمل موظفين دولييـن لقــوا حتفهـــم أثنــاء تأديـــة عملهـــم، كما تم تدمير أكثر من "٧٠٪" من البنية التحتية فى غزة وكذلك سجلت معدلات الفقر والبطالة والجوع أرقاما كارثية تتراوح ما بين "٨٠٪" إلى "١٠٠٪" مع التوقع بأن يعانى أكثر من "٩٠٪" من سكان القطاع من نقص غذائى حاد كما امتدت الانتهاكات لتشمل سكان الضفة الغربية والقدس الشرقية الذين يعانون من توسع الأنشطة الاستيطانية وعنف المستوطنين والاقتحامات العسكرية لمدن الضفة.

وشدد الرئيس السيسي على محورية دور وكالة "الأونروا" لتقديم الدعم اللازم للشعب الفلسطينى كما نؤكد أن حق العودة للشعب الفلسطينى لن يسقط بالتقادم.

وأضاف الرئيس السيسي: "لا يسعني في هذه الأجواء سوى التأكيد على ضرورة التوصل إلى وقف فورى ومستدام لإطلاق النار فى غزة ورفع العوائق الإسرائيلية أمام النفاذ الإنسانى بما يمهد لترتيبات ما بعد الحرب وأذكر فى هذا السياق أن النجاح لن يكتب لأى تصور "لليوم التالى" فى قطاع غزة إذا لم يتم تأسيس هذا التصور على تدشين الدولة الفلسطينية متصلة الأراضى على خطوط الرابع من يونيو لعـام ١٩٦٧ وعاصمتها "القدس الشرقية" وأؤكد رفض مصر لأى سيناريوهات تستهدف تصفية القضية الفلسطينية سواء من خلال التهجير أو من خلال فصل غزة عن الضفة والقدس".

مقالات مشابهة

  • السيسي عن العاصمة الإدارية: حولنا الأراضي التي لا تساوي شيئا إلى أموال نستفيد منها
  • تنفيذي صنعاء يبارك ضربات القوات المسلحة ضد أهداف في الأراضي الفلسطينية المحتلة
  • الصحة الفلسطينية: إسرائيل تنتهك أبسط قواعد القانون الدولي والإنساني
  • "الحب عضلة" يشارك في فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب
  • كاتب صحفي: من المطلوب أن توفر الدول العربية الدعم وتطالب بانسحاب إسرائيل من الأراضي السورية المحتلة
  • كاتب صحفي: يجب أن يدعم العرب سوريا لانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة
  • قمة الدول الثماني النامية.. السيسي: ندين استيلاء إسرائيل على الأراضي السورية
  • الأمم المتحدة: إسرائيل تسرّع ضم الضفة الغربية وانتهاك القانون الدولي
  • مصر تعلق على القرار الأممي حول ممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة
  • الحوثي: أمريكا شريك أساسي في جرائم “إسرائيل” تحت غطاء “الدفاع عن النفس”