تعبر الهوية المعمارية للمساجد في قطر تعبيرا حيا وصادقا عن طبيعة وثقافة المجتمع، فهي الترجمان الصادق لطابع المجتمع في أبعاده المادية والروحية، وهي تذكير دائم لاستعادة طابع وأصالة هذا المعلم التراثي القديم، وحلقة وصل لتمكين الأجيال القادمة من زيارتها والتعرف عليها وإلهام الشباب لاستكشاف التراث القديم في خضم الحياة الحديثة.

المسجد بقي جزءا مهما وفاعلا في قطر، سواء على صعيد طرازه المعماري أو دوره الاجتماعي والتاريخي، وهو ما تناوله معرض "المساجد في قطر بين الأمس واليوم" -الذي يعقد بين 22 يونيو/حزيران الماضي و12 أغسطس/آب المقبل- بدءا من أقدمها "مسجد مروب" مرورا بالمساجد التي رافقت طفرة القرنين الـ 19 والعشرين، وصولا إلى المساجد ذات العمارة الحديثة والتصميم العصري.

المعرض المقام في متحف الفن الإسلامي -وبالتعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- احتفى عبر صور فوتوغرافية ومجسمات إيضاحية بإحياء الهوية المعمارية القديمة للبلاد وإبرازها، وسلط الضوء على نخبة من الأئمة القطريين وباقة من المؤذنين الذين ساهموا في تطوير المشهدين المعماري والديني.

وعلى مدى 100 عام تأثر بناء المساجد في قطر بأمرين، الأول هو التغير الاجتماعي الذي رافق انتقال الناس من القرى إلى المدن، مما أدى إلى انخفاض الإقبال على مساجد القرى عموما، لكنه أدى في المقابل إلى زيادة حجم مساجد المدن كي تستوعب مشاركة النساء في صلاة الجماعة لأول مرة نتيجة لذلك قل رواد المساجد الريفية وتوافد الناس على مساجد المدن التي أصبحت أكبر حجما وأكثر زخرفة من سابقاتها التي ميزتها البساطة.

المساجد التقليدية في قطر تميزت بساحات مغلقة وجدران سميكة لمقاومة عوامل الطبيعة القاسية (الجزيرة) 7 أنماط

تطرقت النماذج المعروضة إلى تحديد 7 أنماط من المساجد في قطر، يضم كل منها محرابا ومنبرا ومئذنة، لكنها تتميز عن بعضها من ناحية التصميم وعدد الأفنية المفتوحة والممرات والأروقة، كما يضم بعضها أماكن للوضوء.

النوع الأول: فناء مكشوف وممر فردي ورواق واحد النوع الثاني: فناء مكشوف وممرات متعددة و4 أروقة مسقوفة بقباب نصف دائرية النوع الثالث: فناء مكشوف وممرات متعددة ورواقان النوع الرابع: فناء مكشوف وممرات متعددة ورواقان ومحراب مقابل الممرات النوع الخامس: فناء مكشوف وممرات متعددة و3 أروقة النوع السادس: فناء صغير مكشوف وغرفة للصلاة مغطاة بقبة كبيرة محاطة بقباب أصغر النوع السابع: ممرات ودهاليز وطابق أو طابقان وأكثر من مئذنة تطور التقنيات

وأبرز المعرض الهوية المعمارية للمساجد في قطر، والمقارنة التي تجسدت بين مساجد كتارا والمدينة التعليمية ومحمد بن عبد الوهاب، وتميزت بالتصميمات العصرية الحديثة، والمساجد التقليدية التي تتقابل في المعرض، وهي القبيب والنعمان والرويس وأبو ظلوف، والتغيرات الجوهرية في تقنيات العمارة الحديثة، وإن كانت تستلهم الروح الثقافية المحلية والإسلامية.

وتم التطرق إلى مسجد الإمام محمد بن عبد الوهاب -أكبر المساجد القطرية الذي افتتح عام 2011- ويتسع لعشرات الآلاف من المصلين، ويعد نسخة عصرية من مسجد القبيب الكائن وسط الدوحة، والذي شيد عام 1878، حيث يتفرد المسجدان بعدد كبير من القباب.

مسجد أبو ظلوف الذي يعود لعام 1940 مثال للمساجد التقليدية التي تجمع بين البساطة والجمال (الجزيرة)

وظهر أقدم المساجد المعروفة في قطر وعثر على بقاياها في مروب، وبنيت في العصر العباسي خلال القرن التاسع الميلادي، بتصميم بسيط للغاية يتألف من غرفة واحدة مع محراب يدخل إليه عبر فناء مكشوف، إلا أن تطور التقنيات والمواد سمح للمساجد الجديدة أن تتخذ أشكالا رائعة، وهو ما تجسد في 3 نماذج لتصميمات حديثة واستثنائية وصروح معمارية رائعة، تمزج بين روعة الحضارة الإسلامية وسحر التراث القطري.

وبنيت المساجد التقليدية من المواد المتوفرة في البيئة المحلية، كالحصى والجص (الحجر الجيري) والنورة (الطلاء الجيري المائي) والطين وسعف النخيل، ولم يتطلب بناء المحاريب والأبراج المقببة البسيطة الكثير من المهارة، لذا كان من السهل بناؤها وإصلاحها.

المسجد أكثر تأثيرا

وقاوم شكل البناء التقليدي للمساجد في قطر عوامل التقادم طويلا بسبب تكيفه مع المناخ الصحراوي القاسي بساحاته المغلقة وجدرانه الخارجية السميكة التي توفر الظل والحماية من الحر الشديد والعواصف الرملية، فأتت تصميمها متسمة بالبساطة والجمال معا.

وقد لبى تصميم المساجد التقليدية مجموعة واسعة من الاحتياجات المحلية، فهو المكان الذي يقصده الرجال للصلاة، وهو مركز التباحث ومناقشة القضايا التي تؤثر على حياة المجتمع، وهو مدرسة دينية لتعليم القرآن الكريم والحديث الشريف.

وقد أدى نمو المدن وتطوير التقنيات الجديدة وتأثير العمارة من خارج قطر إلى أفول الشكل التقليدي لعمارة المساجد من السبعينيات فصاعدا.

ويؤكد المعرض أن المسجد هو المكون الأكثر تأثيرا في نسيج أي مدينة إسلامية، وهو ما ينطبق أيضا على القرى المنتشرة في جميع أنحاء قطر، حيث إن المساجد استجابات معمارية للفن والتصميم الإسلاميين، لكنها متأصلة بعمق في تقاليد وبيئة البلد الذي تبنى فيه.

معرض "مساجد قطر بين الأمس واليوم" يحتفى بإحياء الهوية المعمارية القديمة للبلاد (الجزيرة)

وعلى هامش المعرض، عرض مصحف قطر الذي صدر عام 2010، وهو المصحف الذي عُقدت لكتابته مسابقة دولية فاز بها الخطاط السوري عبيدة البنكي واستغرق العمل عليه 3 سنوات، كما خصصت إحدى الواجهات لعرض مجموعة من الطوابع صدرت عام 1993 مع رسوم توضيحية شملت 4 مساجد تاريخية في دولة قطر، فضلا عن عرض أسماء نخبة من الأئمة القطريين وباقة من المؤذنين الذين ساهموا في تطوير المشهدين المعماري والديني القطري.

وفي تصريح سابق لوكالة الأنباء القطرية، قالت الدكتورة جوليا غونيلا، مدير متحف الفن الإسلامي، إن هذا المعرض جاء تحقيقا لالتزام متاحف قطر بالحفاظ على الهوية المعمارية القديمة للبلاد وإعادة إحيائها وإبرازها، إذ ساعد فريق الترميم في متاحف قطر على تحقيق جانب مهم من جوانب رؤية قطر الوطنية 2030 من خلال المشاركة الفعالة في ترميم المساجد وحفظها.

نموذج لمسجد النعمان أحد أقدم المساجد القطرية شمال غرب البلاد (الجزيرة)

ومن هذه المساجد، كما تقول غونيلا، مسجد الرويس الواقع في منطقة الرويس شمالي قطر ويعود للعام 1915، ومسجد بن عبيد الذي يقع في مدينة الدوحة ويعود للعام 1935، ومسجد زكريت الواقع في منطقة زكريت ويعود للعام 1940، ومسجد العامري الواقع في منطقة الجمالية ويعود للعام 1940، ومسجد البحر الواقع في منطقة أبو ظلوف ويعود تاريخه للعام 1940، ومسجد عين سنان للعام 1940، ومسجد النعمان للعام 1946، ومسجد فويرط الواقع في منطقة فويرط ويعود للعام 1950، ومسجد البصير للعام 1960.

من جانبه، يقول سالم المري نائب مدير متحف الفن الإسلامي لوكالة "قنا" إن الهدف الرئيسي من إقامة هذا المعرض هو التعريف بالدور المهم لمكانة المساجد في المجتمع القطري التي كانت مساحات دينية ثقافية اجتماعية، وكذلك مدرسة للعلوم القرآنية لجميع الأعمار.

وتابع أنه تم العثور على أول مسجد في الدولة بمنطقة مروب يعود تاريخه للعصر العباسي، أما أقدم المساجد فهو مسجد الرويس الذي قامت بترميمه متاحف قطر، لافتا إلى أن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية قامت بتزويدهم بكافة المعلومات الخاصة بالمساجد والأئمة والمؤذنين القطريين.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی قطر

إقرأ أيضاً:

مدير «أوقاف القاهرة»: نعمل على محاربة الإرهاب والتطرف والعنف وتفكيك منطلقات وأفكار التيارات المتشددة

أكد د. خالد صلاح، مدير مديرية أوقاف القاهرة، أن هناك حراكاً دعوياً غير مسبوق فى المساجد؛ بدءاً بالأنشطة الصيفية إلى مجالس إفتائية ودعوة وإقراء، علاوة على التدريب المستمر للأئمة للارتقاء بمستواهم وصقل مهاراتهم، كما أن مساجد العاصمة تعمل كخلية نحل فى نشر سماحة الدين الإسلامى ووسطيته، والعمل على المشاركة فى مبادرة بداية لبناء الإنسان. وأضاف «صلاح»، فى حوار لـ«الوطن»، أن عملية التطوير فى مساجد آل البيت شهدت طفرة كبيرة، وأن وزارة الأوقاف لا تدخر جهداً فى خدمة المساجد ورفع كفاءتها وتطويرها.. وإلى نص الحوار: 

ما استراتيجية وزارة الأوقاف للعمل الدعوى؟

- نعمل فى إطار المحاور الاستراتيجية الأربعة التى أطلقها د. أسامة الأزهرى، وزير الأوقاف، التى تستهدف مواجهة التطرف، ومحاربة كل صور الإرهاب والتطرف والعنف، وتفكيك منطلقات وأفكار هذه التيارات، ومواجهة التطرف اللادينى، المتمثل فى تراجع القيم والأخلاق، ومواجهة شاملة لكل مظاهر التراجع القيمى والأخلاقى، وبناء الإنسان من خلال بناء شخصية قوية شغوفة بالعلم، واسعة الأفق، كذلك صناعة الحضارة من خلال الابتكار فى العلوم والمساهمة فى عالم الذكاء الاصطناعى.

وماذا عن تطبيق ذلك على أرض الواقع؟

- قدمنا أنشطة دعوية واجتماعية، فعلى سبيل المثال فى مديرية أوقاف القاهرة أقمنا خلال الأشهر الثلاثة الماضية 144 ندوة إفتاء وتثقيف فقهى، و48 ندوة علمية، و48 مجلس إقراء، و936 منبراً ثابتاً بمساجد المديرية المختلفة، و1656 درساً منهجياً للأئمة، و492 درساً منهجياً للواعظات، و48 مجلساً للإفتاء للواعظات، و33480 نشاطاً صيفياً للطفل، و2400 درس للسيدات، و36 «كرسى علمى»، و3480 ندوة عن مجالس الذكر، و32 أسبوعاً ثقافياً بالمساجد الكبرى، و324 مقرأة للأعضاء، و12 مقرأة للسيدات، و24 مقرأة نموذجية، و396 مقرأة لغير الأعضاء، و1464 مقرأة للجمهور، و264 مقرأة للجمهور للسيدات، و96 ندوة بقصور الثقافة لمناقشة الموضوعات العصرية، و90 ندوة بمراكز الشباب لمناقشة القضايا المتعلقة بالشباب، و120 درساً لمبادرة سكن ومودة للسيدات، و90 ندوة مشاركة فى مبادرة امرأة فى بيت النبوة، كما قدمنا سبع دورات تدريبية للسادة الأئمة والواعظات، و52 ندوة عن الصحة الإنجابية لنشر الوعى الصحى والصحة الإنجابية من خلال المساجد الكبرى، بواقع 13 ندوة كل أسبوع.

إلى أين وصلت خطة تطوير مساجد آل البيت؟

- خطة تطوير مساجد آل البيت من ضمن الخطة العامة لتطوير المنشآت ورفع كفاءتها فى الدولة، ففى مسجد مولانا الحسين تم الانتهاء من أعمال التطوير سواء داخل المسجد أو خارجه، كذلك تم تطوير وتحسين وتوسعة مسجد السيدة رقية، بواقع 5 أضعاف ما هو عليه، والمسجد أصبح تحفة معمارية وفخراً لوزارة الأوقاف والمصريين عموماً، كما تم تطوير المقامات المحيطة به، علاوة على تطوير ورفع كفاءة مسجد السيدة فاطمة النبوية وتغيير الفرش والمقصورة، كما تم تنفيذ أعمال تطوير مسجد سيدنا على زين العابدين سواء فى المقام أو فى المسجد نفسه، ومسجد السيدة زينب، ومسجد السيدة سكينة.

وماذا عن مشروع مسار آل البيت؟

- وزارة الأوقاف لا تدخر جهداً فى خدمة المساجد ورفع كفاءتها وتطويرها، خاصة مساجد آل البيت، وكل أسبوع هناك افتتاحات جديدة للمساجد سواء إنشاء جديد أو صيانة وترميم أو إحلال وتجديد فى كل ربوع المحافظات.

وماذا عن تطوير العمل الدعوى؟

- هناك طفرة غير مسبوقة على المستوى الدعوى أو الإدارى، وعلى مستوى الأنشطة الدعوية فى مساجد آل البيت، فهناك مثلاً فى مسجدى الإمام الحسين والسيدة نفيسة نموذج للأنشطة الدعوية، ففى مسجد الحسين، هناك النشاط الصيفى ودروس السيدات ومقرأة الأئمة ومقرأة السيدات ومجلس الإفتاء للسيدات ومجلس الإفتاء للرجال، ومقرأة الجمهور ومقرأة كبار القراء التى أبهرت العالم كله، وعودة الابتهالات مرة أخرى، ففى مسجدى الحسين والسيدة نفيسة يتم عقد أمسية ابتهالية بشكل مستمر وكان عليها إقبال كثيف جداً بحضور أكثر من 2000 شخص، وعبرت عن الدور الريادى لوزارة الأوقاف، كما أن لدينا 7 آلاف مسجد نظمت نشاطاً صيفياً للأطفال، بالتعاون مع وزارة الثقافة والهيئة العامة للكتاب.

وماذا عن المسابقات بين الأئمة؟

- هناك مسابقات ثقافية متعلقة ببعض الكتب الخاصة بكتب التراث، والمسابقة الأخيرة التى أعلنت عنها الوزارة للكتابة والمشاركة فى استراتيجية الوزارة، وهو جهد مشكور يُحسب لوزارة الأوقاف، خاصة أن تلك المسابقات كانت تتم بالواسطة والمحسوبية فى الماضى، لكن حالياً تتيح تلك المسابقات الفرصة للمتميزين الذين يشاركون فى هذا الحراك الدعوى لتكون لهم الأولوية بهدف تمكين الشباب فى المساجد الكبرى، وهو أمر جديد على وزارة الأوقاف، ففى مسجد الحسين هناك 4 أئمة من الشباب لا يتجاوز عمر أكبرهم 40 عاماً وكذلك فى السيدة نفيسة والسيدة زينب وعدد من المساجد.

مقالات مشابهة

  • مدير «أوقاف القاهرة»: نعمل على محاربة الإرهاب والتطرف والعنف وتفكيك منطلقات وأفكار التيارات المتشددة
  • وزيرالتموين يوجع بسرعة البت في طلبات النواب والمواطنين .. صور
  • « مسجد ابو مندور الأثرى برشيد » أجمل المساجد الاثرية القديمة ومقصدا للزوار والسياح بالبحيرة
  • انطلاق معرض التراث والفن الإسلامى القديم لطلاب البحيرة (صور)
  • وكيل «تعليم البحيرة» يفتتح معرض التراث والفن الإسلامي القديم
  • الأوقاف تعلن افتتاح 34 مسجدًا جديدًا الجمعة القادمة
  • الأوقاف تفتتح 34 مسجدًا جديدًا الجمعة القادمة
  • «الأوقاف» تفتتح 34 مسجدا جديدا الجمعة المقبل
  • الأوقاف تعلن افتتاح 34 مسجدًا جديدًا الجمعة القادمة ..بالأسماء
  • الأوقاف: تم إحلال وتجديد وصيانة وتطوير 1137 مسجدًا خلال عام 2024م