رأي اليوم:
2025-02-21@13:59:27 GMT

د. عبد الحق العاني: محكمة الجنايات العربية

تاريخ النشر: 8th, July 2023 GMT

د. عبد الحق العاني: محكمة الجنايات العربية

د. عبد الحق العاني لا يمكن لدارس التأريخ إلا أن يخرج بنتيجة واحدة مفادها أن الأمة العربية منذ استباح هولاكو عاصمة الدولة العباسية في بغداد عام 1258 م فقدت كرامتها وأصبحت لثمانية قرون ألعوبة بيد كل قوة وطأت أرض العرب من أتراك متخلفين إلى أوربيين من كل من هب ودب امتلك سلاحا ففرض سيطرته عليها، فأذلوا أهلها وسلبوا خياراتها وزرعوا بينهم الفرقة واستعلوا منهم بيتا على بيت، ثم قسموهم وجعلوهم قبائل متحاربة تسعى كل قبيلة فيها إرضاء السيد الأجنبي كي يبقي عليها في السلطة.

ففي الوقت الذي اتحدت فيه أقوام لم يكن يربطهم رابط تمكن العثمانيون والأوربيون من بعدهم من تفتيت الأمة العربية، واحتجوا أن في أرض العرب اقواماً أخرى غير عربية وكأنّ الولايات المتحدة ولدت من قوم جاؤا من جذر واحد، وليست خليط شذاد كل أهل الأرض! وخلال مسيرة الأمة العربية وبشكل خاص في القرن العشرين، ارتُكِبتْ جرائم كبرى بحقها. ولم يتمكن قادة الأمة، إما بسبب كونهم أجراء للسيد الأجنبي أو لعدم مقدرتهم على فعل شيء، من حماية الأمة أو الانتصار لها.  ولا يمكن أن تكون أمة عانت ما عانته الأمة العربية في القرن العشرين من جرائم من حيث عددها ونوعها وديموميتها أو تكرارها. والقضاء الوطني في أرض العرب لا يمتلك الحرية ولا الجرأة الأخلاقية أن يقاضي المجرمين الذين اعتدوا على الأمة. وخير مثال على ذلك القضية الحية في تلويث العراق باليورانيوم المنضب والتي يعرفها الجميع. لكن قاضيا واحدا من العراقيين الذين يعيشون البيئة الملوثة، والتي قد تشوه أجيالاً من نسلهم، لم يتحرك كي يستدعي المسؤولين عن هذا الثلوث للمثول أمامه كما تقضي قوانين العراق، للإجابة عن أسباب الجريمة والزامهم بتطهير العراق والتعويض عن الضرر! وحين حاول عدد من العراقيين التوجه للقضاء في الغرب (أوربا والولايات المتحدة) بموجب القوانين السائدة هناك فإنهم ووجهوا بتسييس القوانين ورفض القضاة السماح لهم حتى برفع الدعاوى. فهل يصح أن تقف الأمة العربية متفرجة على الجريمة لمجرد أن المجرم يرفض تطبيق القانون الذي شرعه هو؟ لا شك عندي أن الجواب يجب أن يكون بالنفي. وهنا يكون السؤال: ما العمل إذن؟ وجواب ذلك هو أن على الأمة العربية أن تثبت تلك الجرائم وتدينها. فالعالم يتحرك بشكل مستمر وما لا يمكن أن يتحقق اليوم لا بد أن يتحقق في المستقبل وقد أثبتت حرب أوكرانيا الأخيرة معنى هذا التحرك والتغير السريع الذي وقع بشكل لم يكن يتوقعه كثيرون من المراقبين. فالروس والأمريكيون والصينيون كلهم لم يعترفوا بسلطة محكمة الجنايات الدولية والتي لم تقاض أحدا سوى الأفارقة المساكين الذين لا يحميهم أحد. وعلة عدم اعتراف هؤلاء بسلطة محكمة الجنايات الدولية واضحة في أنهم يعرفون جيدا أن سياساتهم سوف تقود لجرائم تنتهي بهم أمام تلك المحكمة لو أنهم اعترفوا بها وشاركوا في إجراءاتها. ولعل الأهم من كل ذلك أن دولا كبرى كهذه تعد نفسها فوق المحكمة لأنها تحسب نفسها فوق القانون كما حدث في تأسيس منظمة الأمم المتحدة حين اتفق الخمسة الكبار على سلب “محكمة العدل الدولية” كل سلطة قضائية وجعلوها منصة استشارية. وقد تميز البريطانيون عن أولاء حيث إنهم شاركوا في محكمة الجنايات الدولية ليس لأنهم حريصون على القانون، بل من اجل التحكم بها وإدارتها وهكذا كان فالمدعي العام بريطاني وأكثر العاملين في إدارة المحكمة بريطانيون أو موالون لها. وهكذا مرة أخرى نجح الإنكليز حين عجز الآخرون! وقد سكت الروس لعقود عن تحكم الصهيونية العالمية بالمسرح السياسي والعسكري والقضائي والذي تمثل في تشكيل محاكم خاصة باسم مجلس الأمن، والذي لا يمتلك سلطة تشكيلها بموجب القانون الدولي، لمحاكمة من تشاء الصهيونية تأديبه كما حدث في قضية رئيس صربيا “ميلوسوفيتش” على سبيل المثال. وقد يحاول الروس اليوم الحديث عن التجاوزات الصهيونية لكل القواعد خلال العقود الثلاثة المنصرمة لكنهم لا يجيبون عن سبب سكوتهم حين ارتكبت تلك التجاوزات، بل إنهم لم يسكتوا فقط بل ساهموا في التصديق على قرارات مجلس الأمن التي استند لها الصهاينة في الاستهتار بكل شيء من غزو العراق إلى نزع سلاح ايران الى  ادانة كوريا الشمالية اذا اطلقت قمرا صناعيا حين يمكن لأية شركة صهيونية أن تفعل ذلك. وسبب مشاركة الروس في الوصول لهذا الحال هو جهدهم المستمر في إرضاء الصهيونية العالمية لقبولهم في ناديها الرأسمالي. وهي محاولة مازالت قائمة وتتجلى في الإصرار على تسمية حربهم في أوكرانيا على أنها حرب ضد النازية أو الفاشية. وكل العالم يعرف أنه ليس في الغرب حكومة أو حركة فاشية أو نازية. وكل العالم يعرف أن روسيا تحارب الغرب كله. وكل العالم يعرف أن الغرب الذي يحارب روسيا اليوم هو حلف شمال الأطلسي. وكل العالم يعرف أن حلف شمال الأطلسي هو الأداة العسكرية للصهيونية العالمية! فأين هي الفاشية التي يحاربها الروس؟ لكن الروس غير قادرين على الاعتراف بأنهم يحاربون الصهيونية العالمية لأن ذلك سوف يلزمهم باتخاذ قرارات مصيرية هم غير قادرين على اتخاذها حيث إن أكثر من ثلثي سكان إسرائيل هم من أصول روسية! فكيف يمكن للعرب أن يستفيدوا من الوضع الدولي الجديد؟ إن الفوضى القضائية التي تفجرت في أعقاب حرب أوكرانيا وخرجت للسطح تكاد تعدم دور محكمة الجنايات الدولية، أو تجعل قراراتها في أفضل حال ليست أكثر من إعلانات لا قيمة لها من حيث الفعل أو التنفيذ. فاذا لم يتمكن العرب من عرض الجرائم التي ارتكبت بحقهم خلال قرن من الزمن على محاكم دولية تمتلك سلطة قضائية حقيقية لأن الكبار لم يتفقوا، فليس هناك ما يمنع العرب من أن يقيموا محكمة جنايات عربية تتولى مقاضاة اولئك الذي اعتدوا على الأمة العربية. فاذا قال قائل: ما الفائدة من محكمة لا يعترف بها العالم ولا يمكن تنفيذ أحكامها؟ ونجيب على ذلك بما يلي: إن اعتراف الأمة العربية بها حتى إذا أنكرها العالم كله يكفي من باب اثبات كرامة الأمة وانتصارها لنفسها. إن محكمة “نورمبرغ” التي حاكمت الألمان في اعقاب الحرب العالمية الثانية لم تكن تمتلك شرعية قضائية أكثر من شرعية محكمة الجنايات العربية. إن ضعف المسوغ القانوني لا يلغي قيمة المسوغ الأخلاقي والذي هو بدوره أساس كل قانون. إن رفض اي متهم أمام محكمة الجنايات العربية الاعتراف بها أو الرد على التهم الموجهة له منها لا يختلف كثيرا عن رفض الرئيس الروسي “بوتين” الاعتراف بسلطة محكمة الجنايات الدولية والإستدعاء الموجه منها له. إن عدم مقدرة محكمة الجنايات العربية من تنفيذ أي من أحكامها لا يمنع قيامها بواجبها في تثبيت الجريمة في أقرب وقت من وقوعها وذلك أمانة للتأريخ وانصافا للضحية، مما قد يمكن لاحقا من تنفيذ تلك الإحكام حين يتغير الوضع الدولي والذي لا بد سيحدث. إن هناك نتيجة أخلاقية مهمة في أضعف الأحوال تتحقق من قيام محكمة الجنايات العربية وهي تعرية المتهمين وكشفهم أمام العالم. فلو لم يقم مسوغ آخر لقيامها لكان هذا وحده كافياً. إن محكمة الجنايات العربية سوف تعتمد الجرائم التي أقرها العالم خلال القرن الماضي أساسا لدستورها. كما إنها سوف تتبع الإجراءات التي اتبعتها محاكم الجنايات العالمية ولن تبتدع جديدا في ذلك. لذلك نعلن اليوم للأمة العربية وللعالم أجمع تأسيس محكمة الجنايات العربية لمحاكمة من اعتدى على الأمة العربية. *  كاتب عربي – عراقي (بريطاني) يحمل الدكتوراه في القانون الدولي ودكتوراه في الهندسة الإلكترونية

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: لا یمکن

إقرأ أيضاً:

أمين العربي للكوادر الشبابية: الموقف المصري من قضايا الأمة العربية ثابت وراسخ

كتب- عمرو صالح:

أكد إبراهيم ضيف، الأمين العام للمجلس العربي للكوادر الشبابية، على أهمية فهم التاريخ المصري العريق، مشيراً إلى أن "مصر هي التاريخ، ومن لم يقرأ التاريخ لن يفهم الحاضر ولن يشعر بالمستقبل".

وأضاف "ضيف"، في تصريحات له، أن مصر دولة مؤسسات وقيادتها الحكيمة تمتد لأكثر من سبعة آلاف عام، وتعي جيداً تحديات الحاضر وتستشعر مستقبل الوطن والمنطقة.

وأشاد الأمين العام للمجلس العربي للكوادر الشبابية، بدور الرئيس السيسي الذي سجله التاريخ بحروف من ذهب في دعم مصر الثابت للأشقاء الفلسطينيين، وحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، خاصةً حقه في تقرير المصير واستقلال دولته على خطوط الرابع من يونيو عام 1967، وعاصمتها القدس الشريف.

وشدد على أن الموقف المصري من قضايا الأمة العربية والإسلامية ثابت وراسخ، ويؤكد دعم مصر الدائم لأشقائها في كل زمان ومكان.

وفي ختام تصريحاته، بعث ضيف برسالة دعم إلى القيادة المصرية، والشعب المصري، والأشقاء، ليؤكد للعالم أجمع أن مصر بتاريخها وحاضرها ومستقبلها هي قلب المنطقة النابض.

اقرأ أيضًا:

7000 جنيه شهريًا.. ضوابط تطبيق الحد الأدنى للأجور بالقطاع الخاص -خاص

رئيس الوزراء: مشروعات تطوير الأهرامات ستجعلها أكثر جذبًا للسائحين

لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا

لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا

إبراهيم ضيف مصر التاريخ المصري المجلس العربي للكوادر الشبابية الرئيس السيسي القدس

تابع صفحتنا على أخبار جوجل

تابع صفحتنا على فيسبوك

تابع صفحتنا على يوتيوب

فيديو قد يعجبك:

الأخبار المتعلقة خبير استراتيجي: واشنطن لو كانت تعلم مكان الأسرى لأنهت الحرب من بدايتها أخبار الرئيس السيسي يشكر ملك إسبانيا على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة أخبار الرئيس السيسي يصل الرياض لحضور اجتماع حول القضية الفلسطينية أخبار مصر وإسبانيا تصدران بيانًا مشتركًا: نرفض التهجير وندعم استقرار إفريقيا أخبار

إعلان

إعلان

أخبار

أمين "العربي للكوادر الشبابية": الموقف المصري من قضايا الأمة العربية ثابت وراسخ

أخبار رياضة لايف ستايل فنون وثقافة سيارات إسلاميات

© 2021 جميع الحقوق محفوظة لدى

إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك برودة شديدة واضطراب الملاحة.. تنويه عاجل من الأرصاد بشأن حالة طقس الجمعة بالفيديو.. انفجار هائل يضرب موقف حافلات في تل أبيب بعد 6 أشهر من نشر تحقيق مصراوي "الفخ الروسي".. مصريون في الأسر الأوكراني يستغيثون المركزي يبقي على سعر الفائدة دون تغيير للمرة السابعة للإعلان كامل للإعلان كامل 19

القاهرة - مصر

19 13 الرطوبة: 46% الرياح: شمال غرب المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار bbc وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك

مقالات مشابهة

  • الأمين العام للمنظمة البحرية الدولية: أزمة البحر الأحمر لا يمكن السيطرة عليها
  • أمين العربي للكوادر الشبابية: الموقف المصري من قضايا الأمة العربية ثابت وراسخ
  • برعاية منصور بن زايد.. بطولة أبوظبي الدولية لجمال الخيل العربية تنطلق اليوم
  • حين يزأر الحق؛ يرتجفُ عرشُ الطغيان
  • وزير الأوقاف لـ(أ ش أ): مصائر المسلمين مترابطة ولا يمكن عزل مستقبلهم عن باقي الأمة
  • صوت الحق في زمن الانكسار
  • في قضية مخدرات.. إحالة "دكتور فود" إلى محكمة الجنايات
  • «أبوظبي الدولية لجمال الخيل العربية» تكشف تفاصيل «النسخة 17»
  • شيخ الأزهر: لابد من اتحاد دول العالم الإسلامي لمصلحة الأمة
  • عبدالعزيز عبدالشافي لـ«كلمة أخيرة»: لقاء القمة لا يمكن التنبؤ بنتيجته