الدكتور عوض سليمية الكراهية والتمييز العنصري سمة ظاهرة في جهاز الشرطة الفرنسي، وتطفو بين الحين والاخر لتظهر في اعلى درجاتها دون رادع قانوني، مع غياب كامل لمواقف الدول الغربية “الديموقراطية”، للتنديد بهذه الممارسات القمعية ضد المواطنين الغاضبين. ضمن هذا السياق، فإن القاعدة العامة التي ينطلق منها الغرب الجماعي في ديموقراطيته المزعومة، هي شيئ وواحد: عندما يتعلق الامر بإحدى دول الحلفاء يتم وصف احتجاجات المواطنين بالشغب غير المبرر.

بالمقابل، يتم وصف اعمال الفوضى واحراق الممتلكات العامة والخاصة في أي بقعة من دول العالم المناهضة لسياسات الغرب، باعمال بطولية ومقاتلون من اجل الحرية. في كلمتها تعقيباً على الاحتجاجات التي تجتاح المدن الفرنسية لليوم الخامس على التوالي، عقب اقدام احد افراد الشرطة الفرنسية على قتل مواطنه نائل (سبعة عشر ربيعاً) من اصول جزائرية، بزعم عدم امتثاله لتفتيش مروري. طالبت رافينا شمداساني– المتحدثة باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الامم المتحدة، باريس بالمعالجة الجدية لمشكلات العنصرية والتمييز المتجذرة في صفوف قواتها الامنية. وهو الامر الذي اكدته والدة الفتى نائل، بأن الحادثة لها دوافع عنصرية. واعتبرت أن الشرطي القاتل “رأى وجهاً عربياً، طفلاً صغيراً، وأراد أن يقتله”. حوادث العنف المفرط، والقتل العمد هذه، لم تكن الاولى من نوعها، فقد سبقها قيام الشرطة الفرنسية بقتل قرابة ثلاثة عشر شخصاً معظمهم من اصول مغاربية وافريقية، في ظروف مشابهة خلال العام 2022 فقط. من ناحية اخرى، تجلت ردة الفعل العنيفة من قبل الشرطة الفرنسية في احدث سلسلة مواجهات لاجهاض الاحتجاجات التي اطلقها العمال على قانون رفع سن التقاعد (من 62 الى 64 سنة)، الذي اقره الرئيس ماكرون مطلع شهر ايار/مايو من هذا العام، ورفضته نقابات العمال الفرنسية، باعلى مستويات من القمع والتنكيل. ايمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي قطع زيارته الى بروكسل وعاد الى عاصمة بلاده التي تغلي. في محاولة منه لتهدئة نار الغضب المشتعلة، ترأس خلية الازمة للبحث في الاجراءات المطلوب اتخاذها، بما فيها من بين امور اخرى، النظر في اعلان حالة الطوارئ لفرض الاستقرار واستتباب الامن. معلنا ان اعمال المحتجين الغاضبين “غير مبررة”. واضاف، ماكرون: ” نحن بحاجة إلى الهدوء للسماح للعدالة بالقيام بعملها. ونحن بحاجة إلى الهدوء في كل مكان ولا يمكننا السماح للوضع بأن يزداد سوءًا”. في الوقت الذي ارتفع فيه عدد المعتقلين الى قرابة الف متظاهر، مع استمرار تدفق قرابة اربعون الف رجل أمن من قوات الشرطة والدرك الى باقي المدن الفرنسية بما فيها العاصمة باريس -تم تحصينها بقرابة خمسة الاف رجل امن اضافي. في غضون ذلك، اتسعت رقعة الاحتجاجات لتشمل معظم المدن الفرنسية، ويهدد اليسار الفرنسي بالانخراط فيها تحقيقاً للعدالة الضائعة، في بلد تتخذ قيادته حقوق الانسان كمبرر للتدخل في شؤون دول العالم. على النقيض من هذا المشهد، تختفي مطالب ماكرون ودعواته للتهدئة عندما يتعلق الامر باحداث مماثلة خارج حدود جمهوريته. ويتم استدعاء شعارات حقوق الانسان وحرية التعبير اسرع من صاروخ فرط صوتي. على سبيل المثال، مع اندلاع اعمال الاحتجاجات في ايران، تقدم الرئيس ماكرون زملائه من قائمة رعاة الديموقراطية وحقوق الانسان في الغرب، وواصل هجومه على مدار عدة اسابيع – من اعمال الاحتجاجات والشغب في طهران وباقي المدن الايرانية، الى جانب اطلاق زخات من التحذيرات والتنديدات، بما اسماها القوة المفرطة واعمال القمع العنيفة التي تمارسها قوات الامن الايرانية تجاه المتظاهرين، وعبر عن دعمه الكامل لما اطلق عليه التطلعات المشروعة للشعب الايراني، وندّد بـما اسماه «القمع» الذي يُمارس ضدهم و«الانتهاكات المتعددة للحريات الأساسية». بالمثل، استخدم رعاة الديموقراطية الغربيون، الصيغة الخطابية المخادعة نفسها، لاسقاط الدول التي اجتاحتها ثورات “الربيع العربي” والثورات الملونة” والتي كانت عواقبها على الارض ظاهرة ولا تحتاج لمحللين بارعين لتحليل تداعياتها ونتائجها. من ناحية اخرى، اعتادت وسائل الاعلام الغربية الصاق عبارة “ارهابيون” و”قتلة” و”مرتزقة” لوصف قوات فاجنر الروسية شبه العسكرية، ولكن مع اعلان مالكها يفجيني بريغوجين تمرده الفاشل على القيادة الروسية، سارعت وسائل الاعلام الغربية نفسها، بوصفهم “مقاتلون من اجل الحرية” و”مقاتلون من اجل العدالة”، وتبنت روايتهم بشكل كامل، دون الاكتراث بحقيقة ان دعم التمرد سيقود الى مسار واحد مؤكد هو: اراقة الدم بين الاخوة الروس، ودفع البلد النووي الى جحيم حرب اهلية مدمرة. وكذلك يتكرر نفس الموقف تجاه الصين في قضية تايوان وحق الحزيرة في الانفصال عن الوطن الام. الممارسات الخارجة عن القانون من قبل بعض المحتجين في المدن الفرنسية، بما فيها مشاهد تحطيم وحرق الممتلكات العامة والخاصة، وتخريب مؤسسات الدولة الفرنسية، الى جانب عمليات النهب والسلب التي تتعرض لها المحال والمراكز التجارية والمصارف وغيرها من المؤسسات. بالتزامن مع استخدام القوة المميتة من قبل الشرطة الفرنسية ضد المحتجين. تعيدنا بالذاكرة الى مشاهد الدمار التي اجتاحت شوارع العواصم والمدن العربية، خلال فترة ما سمي “ثورات الربيع العربي”، والتي غذتها وشجعتها دول الغرب الجماعي بما فيها نظام الاليزيه. تحت مبررات نشر الحرية والديموقراطية وحق التعبير عن الرأي. فهل ستكون المانيا المحطة الثانية في مسار قطار الثورات على الانظمة الغربية وسياساتها. باحث في العلاقات الدولية مدير وحدة الابحاث والدراسات  الدولية زميل ابحاث ما بعد الدكتوراة مدرسة العلاقات الدولية  SOIS جامعة اوتارا ماليزيا University Utara Malaysia UUM

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

4 آلاف شرطي ومسيرات لتأمين مباراة إسرائيل وفرنسا في باريس

وضعت شرطة باريس ترتيبات أمنية مشددة في جميع أنحاء العاصمة الفرنسية، اليوم الخميس، قبل مباراة كرة القدم في كأس الأمم الأوروبية بين فرنسا وإسرائيل.

 

وتأتي هذه الترتيبات الأمنية، بعد أسبوع من اندلاع العنف في أمستردام بعد مباراة الدوري الأوروبي التي ضمت نادي مكابي تل أبيب الإسرائيلي.

 

 4000 من رجال الشرطة وضباط الأمن

قال رئيس شرطة باريس لوران نونيز لقناة فرانس إنفو المحلية إنه سيتم نشر حوالي 4000 من رجال الشرطة وضباط الأمن في وحول ملعب كرة القدم ستاد دو فرانس وعلى وسائل النقل العام في جميع أنحاء باريس، وأن وحدة تكتيكية من نخبة الشرطة الوطنية الفرنسية RAID قد تم تكليفها بأمن المنتخب الإسرائيلي الزائر.

وأضاف نونيز لإذاعة "آر تي إل" يوم الأربعاء: "إنه إجراء استثنائي، أكبر بثلاث إلى أربع مرات مما نحشده عادة"، بحسب وكالة رويترز للأنباء، ولن يُسمح إلا برفع الأعلام الفرنسية والإسرائيلية داخل الملعب، وهو ما يعني فعليا منع وجود الأعلام الفلسطينية في المباراة.

تشير تقارير وسائل الإعلام الفرنسية إلى أن إقبال المشجعين على مباراة يوم الخميس سيكون منخفضًا، حيث من المتوقع أن يشاهد المباراة 20 ألف مشجع فقط في الملعب الذي يتسع لـ 80 ألف متفرج.

سترافق الشرطة نحو 150 مشجعا إسرائيليا جاءوا لمشاهدة المباراة، في حين ورد أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيحضر المباراة أيضا إلى جانب سلفيه فرانسوا هولاند ونيكولا ساركوزي.

في منشور على موقع إكس، أعلنت الشرطة الفرنسية أنها حصلت على إذن بنشر طائرات مسيرة مزودة بكاميرات في جميع أنحاء المدينة لمراقبة الحشود يومي الخميس والجمعة، على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كانت الطائرات المسيرة ستكون موجودة في جميع أنحاء باريس.

ومن المقرر أن تقام احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين في ساحة سان دوني في باريس قبل ساعات من مباراة ليلة الخميس، والتي قال نونيز إن هناك مناقشات لنقلها إلى مكان أبعد.

 

 

 

 

مقالات مشابهة

  • الحكومة الفرنسية تستأنف قرارا يسمح بوجود شركات الاحتلال بمعرض عسكري في باريس
  • الرئاسة الفرنسية: ماكرون سيزور السعودية ديسمبر المقبل
  • انعقاد الاجتماع الثاني للجنة الوزارية السعودية الفرنسية بشأن تطوير العلا في باريس
  • برئاسة وزير الثقافة.. اللجنة الوزارية السعودية الفرنسية تعقد اجتماعها الثاني في باريس
  • بحضور «ماكرون».. تفاصيل ليلة مؤلمة في باريس وفرار الإسرائيليين خلال مبارة كرة قدم
  • 4 آلاف شرطي ومسيرات لتأمين مباراة إسرائيل وفرنسا في باريس
  • مسؤول برئاسة النيابة العامة: جميع المنشورات الرقمية التي لا تتوفر فيها شروط الصحافة تخضع للقانون الجنائي
  • وزير خارجية السعودية يصل العاصمة الفرنسية باريس
  • الشرطة الفرنسية تستخدم الغاز المسيل للدموع لتفريق مظاهرة مؤيدة لفلسطين
  • خالد الجندي: الجنة التي كان فيها سيدنا آدم لم تكن جنة الآخرة