يرصد فيلم "ابتعد أيها الأرنب" (Run Rabbit Run) للمخرجة الأسترالية دايان ريد الوحدة والعزلة وقد تحولتا إلى أرض خصبة لحضور أشباح الماضي، حيث يمكن تصفية الحسابات دون تدخل عوامل خارجية حتى لو كان الطرف المظلوم قد مات أو اختفى فسوف يعود بصورة لا يمكن توقعها.

وينتمي "ابتعد أيها الأرنب" إلى أفلام الرعب النفسي والغموض، ويحقق هذا المعنى عبر إيقاع بطيء يمنح كل لقطة إشباعا تاما، وخاصة لبطلتي الفيلم الأم وابنتها.

وقد تناولت أفلام الرعب اضطراب العلاقة بين الابنة وأمها، وحقق بعضها نجاحا كبيرا مثل فيلم "طفل روزماري" 1968 (Rosemary’s Baby) للمخرج رومان بولانسكي، وفيلم "بابادوك" 2014 (The Babadook). لذلك لا يمكن الزعم أن فيلم ريد الذي يعرض حاليا على نتفليكس يقدم تيمة أصيلة أو معالجة بزاوية مختلفة للتيمة الأصلية.

رغم ذلك فإن لكل عمل سينمائي شخصيته التي تظهر عبر عناصره، وفي هذا الفيلم فإن ثمة تميزا شديدا في الأداء الملهم والمخيف في آن واحد للبطلة "سارة " التي لعبت دورها الممثلة سارة سنوك، كما لعب التصوير السينمائي دورا هاما في إبداع منظومة بصرية عبرت باتساق كامل وجمال عن تفاعل المكان بسهوله وهضابه وتلاله التي بدت كأشباح في حالات الرعب وأرواح في حالات البهجة.

وتدور أحداث العمل حول طبيبة منفصلة عن زوجها وتعيش مع ابنتها، ومن أجلها، ومنذ اللقطة الأولى يظهر هوس الأم بالابنة والخوف المبالغ فيه عليها.

الطفلة "ميا" تثير حالة من القلق لدى مدرسيها، فيلجؤون إلى الأم التي تشاهد الرسوم الغريبة لصغيرتها، لكنها تنكر الأمر. غير أن تلك الرسوم تنعكس في صورة سلوك من "ميا" التي تتلقى من والدها هدية عبارة عن "أرنب" وتقرر الاحتفاظ به، بينما تحاول الأم التخلص منه، فتتعرض لإصابة في يدها، لتبدأ الصغيرة في الادعاء بأنها "أليس" وليست "ميا".

"أليس" هي الأخت الصغرى للأم، وقد اختفت وهي في السابعة من عمرها. وتبدو الأم وكأنها لم تتحرر بعد من مشاعرها تجاه شقيقتها التي اختفت من زمن بعيد، فثمة شعور بالذنب ناتج عن العلاقة المتوترة التي كانت تربطها وشقيقتها، إنه شعور يقترب من الاعتقاد بأنها أخفتها أو حتى قتلتها وتخلصت منها.

وتثور الأم على الطفلة وترفض ادعاء ابنتها بكونها شخصا آخر، لكن الطفلة ترفض بعنف، وتتحدث عن افتقادها لأشخاص لم يحدث أن رأتهم من قبل، وبينهم جدتها التي ما إن تراها حتى تناديها باسم "أليس".

نصر ساحق

لا ينبع الرعب في الفيلم فقط من أجواء التوتر والموسيقى التي جعلت العمل ينجح تماما كمحفز خفي للمشاعر، لكنه يتأتى من الفكرة نفسها، إذ يتخيل المشاهد -وخاصة الأمهات- فكرة سطو كيان آخر على الطفلة، ويصبح الأمر أكثر قتامة حين نعلم أن ثمة احتقانات لا حد لها بين ذلك الكائن الذي هو شقيقة راحلة وبين الأم.

والمخيف أن الجدة التي تعاني من الخرف تتخذ موقفا حاسما حين تطلب منها الأم "سارة" أن توافق على بيع المنزل القديم الذي عاشت فيه مع العائلة، حيث ترفض مؤكدة أنها تنتظر ابنتها "أليس" التي ستعود وتعيش بهذا المنزل، ليصبح الصراع في الفيلم أكثر اتساعا مما قدمه السيناريست.

ويبدو طرفا الصراع في العمل هما الأم "سارة " والابنة "ميا" أما الموضوع فهو ادعاء الابنة بكونها شخصية أخرى، لكن الحقيقة أن تلك الشخصية الأخرى "أليس" تمثل كل ما لا تحبه الأم في ماضيها، ولا ترغب في استعادته، فكيف إذا تجسد أمامها في أعز مخلوق في حياتها وهو ابنتها، والأنكى أن "أليس" الصغيرة تعلن انتصارها الساحق وحضورها القاهر من خلال رفض الجدة لبيع المنزل انتظارا لها رغم غيابها من أكثر من 20 عاما.

ويبدو الأرنب بلونه الأبيض الذي يشير إلى البراءة، ودوره الذي يشبه طليعة جيش جاء خلسة ليهاجم، هو نفسه تلك الطفلة البريئة التي اختفت منذ سنوات طويلة، وهي هنا تتجلى في صورة الأرنب الذي أرادت الأم التخلص منه -كما حدث من قبل حين كان في صورته الأصلية كطفلة- لكنه يرفض بعنف ويجرح الأم.

 جنون تدريجي

يتسرب الشعور بالوحدة والسكينة إلى المشاهد من البداية، والمشهد الوحيد للأم الطبيبة أثناء قيامها بعملية توليد جاء ليخبرنا بطبيعة مهنتها فقط، ولم يتم توظيفه في العمل، وهو ما يشير إلى أجواء العمل باعتبارها عادية جدا.

وفي المنزل يبدأ الأمر بذلك الأرنب الأبيض الذي تتمسك به الابنة، وتصنع له بيتا في الحديقة، لكن الأم ودون سبب واضح تضيق به وتحاول التخلص منه. وهنا تبدأ أولى قطرات الدم في الظهور بعد أن جرحت، لكن الدماء تتكرر كثيرا في العمل، حيث تصاب الأم و والابنة "ميا" لكن لا سبب واضحا للجروح وما يظهر هو الدماء فقط.

وبعد الهدوء النسبي الذي انطلق به الصراع، تبدأ الطفلة في التصعيد، وتتفاعل الأم التي تبدأ رحلتها في الجنون التدريجي، وتقرر الذهاب إلى منزل الأسرة بمنطقة شبه صحراوية تكسو بعض تلالها الخضرة نتيجة وجود أماكن لتجمع مياه الأمطار، وتغلب عليها ألوان الأصفر والترابي الباهت.

وتستعرض الكاميرا بشكل منتظم جماليات المنطقة في كادرات بديعة تتسق تماما مع حالة العلاقة بين الأم وطفلتها، وحين تبدأ العلاقة في التوتر، تبدأ العاصفة في المنطقة المحيطة بالمنزل وتظهر الغيوم التي تبدو كأنها انعكاس للتلال في الوادي، وكلما انكشفت أسرار الماضي اتسعت كادرات الفيلم واستعرضت المشاهد مساحات أكبر من الحدائق والتلال والجبال المحيطة.

وقد بدأت الأم بالإنكار والاستنكار معا، واتهمت الأب الذي انفصل عنها وتزوج أخرى وبدأ في تكوين أسرة جديدة أنه تحدث إلى "ميا" في الأمر، وبحثت كثيرا عمن يمكن أن يكون قد أسر إلى الابنة بخبايا طفولة أمها، وهي محاولة لإلقاء اللوم على آخر، وكأن كشف الحقيقة هو الذنب الأكبر، لا الحقيقة نفسها.

وحين أقامت في منزل الأسرة، كان الجد الذي مات حديثا يظهر في رؤى للأم التي بدأت في التحول إلى حالة تشبه الجنون، فيما يشبه إعلان النصر النهائي من قبل الشقيقة "أليس" في معركة بدأت من الطفولة.

"ابتعد أيها الأرنب" عبارة عن ساعتين من التوتر والتوقع لما هو أسوأ، لكن هذا الأسوأ لم يأت في صورة دبابة أو زلزال أو رصاص، لكنه تسرب مثل نسيم ناعم في لقطات الفيلم، فطرح السؤال الصعب -حول ذلك الماضي الذي قد ينتمي للطفولة- يعود لانتزاع الحق وتطبيق العدالة الشاعرية مهما تطلب ذلك من أثمان فادحة.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

الطفلة ألما في مسلسل «نور» تفاجئ جمهورها بعد 16 سنة.. كيف تغيرت ملامحها؟

رواج واسع حققه المسلسل التركي «نور» في الوطن العربي، واستحوذ على نسبة مشاهدات عالية طوال السنوات الماضية، وعلى الرغم من مرور سنوات طويلة، إلا أنه ما زال يحظى بالشعبية ذاتها حينما يعرض على الشاشات العربية، وخاصة مع ملاحظة تغير أشكال الأبطال.

الطفلة ألما في مسلسل نور

صدمة كبيرة سيطرت على رواد وسائل التواصل الاجتماعي، ومحبي مسلسل «نور»، أو كما عرفه الوطن العربي بمسلسل «نور ومهند»، حينما انتشرت صور الطفلة «ألما»، التي حظيت بشعبية واسعة طوال عرض المسلسل، الذي استمر قرابة الـ5 أشهر على الشاشات.

عرفت الطفلة «ألما» التي أدت شخصيتها كايرا سيمور، بملامحها السمراء الجميلة، إذ اعتبرها الجمهور العربي أشهر طفلة تركية، في ذلك الوقت، وبعد مرور 16 عامًا، نشرت على صفحاتها الشخصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، صورًا كثيرة، وتداولها الجميع وسط صدمة كبيرة من تغير ملامحها.

تغير ملامح ألما.. وردود الفعل

على الرغم من مفاجأتهم الكبيرة في تغير ملامحها، إلا أن صورها لاقت إعجاب متابعيها بشدة، وانهالت التعليقات عليها: «قمر ما شاء الله.. اتغيرتي أوووي»، «بقت حلوة حلوة جدا لما كبرت»، «عايزين نشوفك مع دانا في مسلسل تاني.. كنتوا حلوين»، «أكتر واحدة كانت محلية المسلسل بخفة دمها».

على الرغم من أنها كانت تبلغ من العمر 8 سنوات، حينما شاركت في مسلسل «نور»، إلا أنها استطاعت لفت نظر الجمهور العربي، خاصة بعد دبلجة المسلسل، إذ كانت حركاتها تلقائية، فهي أدت دور الحفيدة ووالدتها هي شقيقة «مهند» الكبرى، وكان لها دور بارز خلال أحداث المسلسل، منذ حلقاته الأولى.

ووفق حسابها الشخصي على موقع تبادل الصور والفيديوهات القصيرة «إنستجرام»، فإن كايرا سيمور، التي تبلغ من العمر 25 عامًا، ابتعدت عن التمثيل، رغم احترافها فيه من الطفولة واتجهت لدراسة الموسيقى، وخاصة العزف على الكمان، في جامعة اسطنبول.

مقالات مشابهة

  • أم ألمانية تنهي حياة طفلتها لسبب أغرب من الخيال.. «خايفة تأثر على شغلها»
  • هل الأتراك حزينون على الطفلة السورية لهذه الدرجة؟
  • مكتب أبوظبي للاستثمار يوقع اتفاقيات مساطحة لتطوير مشاريع مجتمعية
  • طفل شجاع ينقذ شقيقته من أنياب كلب مفترس
  • الطفلة ألما في مسلسل «نور» تفاجئ جمهورها بعد 16 سنة.. كيف تغيرت ملامحها؟
  • بدء الدورة غير العادية للجامعة العربية لبحث سبل مواجهة الجرائم الإسرائيلية
  • 7 صفات غير مُحببة في شريك الحياة.. «ابتعد عنها أحسن لك»
  • برج الجوزاء: ابتعد عن الكبرياء.. توقعات الأبراج وحظك اليوم الخميس 4 يوليو 2024
  • الجرائم داخل الاسرة الاردنية في ظل العولمة كيف تقرأ علميا..؟
  • أمي.. ظل لا يغيب