النُّظم الغذائية المستدامة كحلٍّ للتغيرات المناخية
تاريخ النشر: 13th, November 2023 GMT
اتجاهات مستقبلية
النُّظم الغذائية المستدامة كحلٍّ للتغيرات المناخية
تحظى النُّظم الغذائية المستدامة بأهمية خاصة في سياق الاهتمام العالمي بالتغير المناخي، فالنُّظم الغذائية مسؤولة عن أكثر من ثلث انبعاثات الغازات الدفيئة على مستوى العالم، وهي أيضًا محرك رئيسي لإزالة الغابات، وفقدان التنوع البيولوجي، وتلوث المياه.
ومع ذلك، فإن النُّظم الغذائية يمكن أن تكون أيضًا حلًّا، أو من ضمن الحلول القوية والفاعلة لأزمة المناخ؛ لذا فهي ضرورية لمواجهة التحديات البيئية والاجتماعية والاقتصادية، حيث تهدف في النهاية إلى إنتاج الغذاء بطريقة تُقلّل من التأثيرات السلبية على البيئة، وتدعم المجتمعات المحلية، وتضمَن الأمن الغذائي لسكان العالم الذي يشهد زيادة كبيرة.
وتشمل النُّظم الغذائية المستدامة العديد من المكونات الرئيسية؛ ومن أهمها: أولًا، ما يسمّى الزراعة “الإيكولوجية”، حيث تشجّع الممارسات الزراعية التي تعمل مع النُّظم البيئية الطبيعية، وتعزز التنوع البيولوجي، وتقلّل الاعتماد على المدخلات أو المنتجات الاصطناعية. وثانيًا، الزراعة العضوية، حيث يمكن أن يؤدي دعم هذه الزراعة إلى تقليل البصمة البيئية لإنتاج الغذاء، وتزويد المستهلكين بخيارات صحية وصديقة للبيئة في الوقت ذاته. وثالثًا، الحدُّ من هدر الطعام، حيث يتم إهدار جزء كبير من الغذاء في العالم؛ ما يسهم في التدهور البيئي. وتهدف النُّظم الغذائية المستدامة إلى تقليل هدر الطعام من خلال ممارسات إنتاج وتوزيع واستهلاك أفضل. رابعًا، الزراعة “الذكية” مناخيًّا، والتي تنطوي على تنفيذ أو تطبيق تقنيات زراعية قادرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ والمساهمة في التخفيف من آثاره؛ ويشمل ذلك على سبيل المثال ممارسات مثل الحراثة المحافِظة على البيئة، والحراجة الزراعية. وأخيرًا وليس آخرًا، فإن من أهم مكون للنُّظم المستدامة ما يسمّى “الاقتصاد الدائري”، والذي يتضمّن تنفيذ تدوير المواد وإعادة استخدامها، وتقليل النفايات، وإنشاء ما أصبح يُعرف بـأنظمة “حلقة مغلقة”.
هذا الموضوع كان في الواقع محور حديث معالي مريم بنت محمد المهيري، وزيرة التغير المناخي والبيئة، خلال مشاركتها في الحلقة النقاشية بعنوان “كوب28 وأهمية تعزيز النُّظم الغذائية المستدامة”، والتي نَظّمها مركز تريندز للبحوث والاستشارات، بمعرض الشارقة الدولي للكتاب، حيث أشارت معاليها إلى أن النُّظم الغذائية التقليدية تتسبّب في نحو 33% من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة عالميًّا، وفي حدوث التغيرات المناخية التي تنتج عنها تحديات زراعية وغذائية هائلة، مؤكدةً أن فقْد الأغذية وهدرها يُعدّان من القضايا العالمية التي تتطلب تغييرات سلوكية على مستوى المستهلك؛ لذا أَطلقت دولة الإمارات الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2051، والتي تمثل رؤية طموحة لتحويل الإمارات إلى مركز عالمي رائد في مجال الأمن الغذائي القائم على الابتكار؛ كما أكدت معاليها أيضًا أن الإمارات تضع التحول العالمي إلى نُظم زراعة وغذاء مستدامة على رأس أولوياتها خلال مؤتمر الأطراف28.
وتُمثل قمة المناخ التي تستضيفها الإمارات، نهاية نوفمبر الحالي، فرصة حاسمة لتسريع التحول إلى النُّظم الغذائية المستدامة؛ حيث يُنتظر من الحكومات والشركات والجهات المعنية بالمناخ والبيئة، العمل معًا من أجل وضع أهداف طموحة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة من النُّظم الغذائية، والاستثمار في الممارسات الزراعية المستدامة والبنية التحتية، ودعم صغار المزارعين والمجتمعات الريفية، وتعزيز النُّظم الغذائية الصحية والمستدامة.
والخلاصة، فإن النُّظم الغذائية المستدامة متطلّب أساسي، بل حاسم في مواجهة التحديات المترابطة المتمثلة في تغير المناخ، واستنزاف الموارد، والأمن الغذائي، والعدالة الاجتماعية، والصحة العامة؛ حيث يُعدّ اعتماد الممارسات المستدامة في الزراعة وتعزيزها أمرًا ضروريًّا لبناء نظام غذائي مرن ومسؤول بيئيًّا للأجيال الحالية والمستقبلية.
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة: الشعوب الأصلية تواجه أزمة المناخ لكن دون دعم
كشف تقرير للأمم المتحدة أن الشعوب الأصلية التي لا تمثل سوى 6% من سكان العالم، تحمي 80% من التنوع البيولوجي المتبقي على كوكب الأرض. ورغم ذلك، لا تحصل إلا على أقل من 1% من التمويل الدولي المخصص لمواجهة تغير المناخ.
ووصف التقرير الوضع الحالي للعمل المناخي بأنه لا يفتقر فقط إلى الإلحاح، بل يعاني أيضا من نقص العدالة. فبينما تعتمد الحلول البيئية بشكل كبير على الأراضي والخبرات التقليدية للشعوب الأصلية، غالبا ما يتم استبعادهم من طاولات صنع القرار، بل وأحيانا يتعرضون للتشريد نتيجة تنفيذ مشاريع "خضراء" دون استشارتهم.
وأصدرت الأمم المتحدة التقرير بعنوان "حالة الشعوب الأصلية في العالم" الخميس الماضي ووصفت نتائجه بأنها "تكشف عن مفارقة صادمة".
وأبرز التقرير أهمية ما تسمى بـ"أنظمة المعرفة الأصلية" التي تطورت عبر آلاف السنين، مشيرا إلى أن هذه المعارف لا ينبغي اعتبارها مجرد تقاليد أو فولكلور، بل أنظمة علمية وتقنية متكاملة.
ففي بيرو، على سبيل المثال، أعادت جماعة كيتشوا في أياكوتشو إحياء ممارسات بذر وحصاد المياه التقليدية للتكيف مع الجفاف وتراجع الأنهار الجليدية. وحاليا، تُنقل هذه التجربة إلى مزارعين في كوستاريكا لتعزيز التعاون المناخي عبر بلدان الجنوب.
وفي الصومال، لا تزال القوانين البيئية تُنقل شفهيا عبر الأجيال، من خلال أمثال وقصص تحظر قطع أنواع معينة من الأشجار أو الإفراط في استخدام الموارد الطبيعية.
إعلانكما أظهر التقرير كيف تُشفّر قبائل الكومكا في المكسيك معرفتها البيئية والبحرية داخل لغتها، إذ تحمل أسماء الأماكن معلومات دقيقة عن تجمعات السلاحف أو مواقع تكاثر الطيور، مما يجعلها ضرورية لبقاء المجتمع.
رغم هذا الثراء المعرفي، أشار التقرير إلى أن السياسات المناخية الدولية نادرا ما تستفيد فعليا من هذه الخبرات المحلية. بل في كثير من الأحيان، تُفرض مشاريع كبرى للطاقة المتجددة على أراضي الشعوب الأصلية دون أخذ موافقتهم، مما يؤدي إلى فقدان أراضيهم وسبل عيشهم.
أضرار "المشاريع الخضراء"وذكر التقرير أنه بينما يُروّج للتحول نحو الطاقة المتجددة كخطوة نحو مستقبل مستدام، فإن هذا التحول قد يهدد الشعوب الأصلية إذا تم دون إشراكهم.
فمن أفريقيا إلى الأميركيتين، أدى الطلب المتزايد على معادن مثل الليثيوم والكوبالت، المستخدمة في تقنيات الطاقة النظيفة، إلى مشاريع استخراجية كبرى غالبا ما تفتقر إلى موافقة المجتمعات المحلية. وفي بعض الحالات، أدت خطط تعويض الكربون إلى استبعاد السكان الأصليين من إدارة أراضيهم أو جني الفوائد الاقتصادية.
وحذر التقرير من أن استمرار تجاهل هذه المجتمعات قد يؤدي إلى تكرار أنماط الاستغلال والإقصاء التي غذت الأزمات البيئية في الأصل.
وشدد التقرير على ضرورة تحول جذري في السياسات المناخية العالمية، ليس فقط عبر زيادة التمويل الموجه إلى الشعوب الأصلية، بل من خلال تمكينهم من التحكم الكامل في كيفية إدارة هذا التمويل وتنفيذه.
كما أبرز التقرير أهمية البعد الصحي لتغير المناخ. فارتفاع درجات الحرارة، وتغير مواسم الهجرة الحيوانية، وزيادة الكوارث الطبيعية تؤثر بشكل خاص على صحة النساء والشباب في مجتمعات السكان الأصليين، ما يزيد من هشاشة أمنهم الغذائي والاقتصادي.
إعلانويختتم التقرير بتحذير واضح "ما لم يتم إشراك الشعوب الأصلية بوصفهم قادة حقيقيين في العمل المناخي، فإن الجهود الدولية ستظل مهددة بتكرار الأخطاء نفسها التي قادت العالم إلى أزماته الحالية".