جوليان أوبير يكتب: ذكريات قديمة.. أشقاؤنا فى الإنسانية الذين يعيشون بعدنا!.. الذنب الغربى دفع الأوروبيين إلى دعم إنشاء دولة إسرائيل رغم العواقب التى يعرفها العالم
تاريخ النشر: 13th, November 2023 GMT
إنه حقًا قرار مزعج في حد ذاته وحدوث ذلك في ألمانيا يزيد من الحيرة كما أن تناوله في سياق معاداة السامية في أوروبا يجعله أمرًا غير مقبول.. أنا أتحدث بالطبع عن قرار إحدى الحضانات الألمانية بتغيير علامتها التجارية بحثا عن اسم أكثر انفتاحًا، واسمها الحالي: آن فرانك! ولدت آن فرانك في ألمانيا.. يهودية فرت عائلتها من اضطهاد هتلر، واستقرت في هولندا، وفي ١ سبتمبر ١٩٣٩، كانت «آن» قد بلغت من العمر ١٠ سنوات حين هاجمت ألمانيا النازية بولندا.
وبعد فترة وجيزة وفي ١٠ مايو ١٩٤٠، قام النازيون أيضًا بغزو هولندا واستسلم الجيش الهولندي بعد خمسة أيام. ببطء ولكن بفعالية شديدة بدأ الغزاة في جعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة لليهود. اختبأ والدا آن فرانك، في ٢٤ يوليو وتلقت «مارجويت» شقيقة «آن» والبالغة من العمر ١٦ عامًا دعوة للعمل في ألمانيا: هذه الدعوة لم تخدع أحدًا بشأن المصير الذي ينتظر المرأة التعيسة.
لجأت آن فرانك، مع والديها إلى شقة سرية مُلحقة بشركة والدها، ومع عيد ميلادها الثالث عشر، تتلقى «آن» جريدة ستحتفظ بها بجد لأنها الجريدة المفضلة لديها، وبعد أن علمت أن «راديو أورانج»، محطة الإذاعة السرية في هولندا يحتاج إلى شهادات صوتية من السكان الذين عاشوا المعاناة ليذيعوها بصوتهم، قررت «آن» إعادة صياغة يومياتها في رواية بعنوان «Het Achterhuis» أو الملحق.
لكن لسوء الحظ تم اكتشاف مخبأها وتم ترحيل «آن»، مع عائلتها بأكملها إلى أوشفيتز، ثم إلى بيرجن بيلسن، حيث توفيت في فبراير ١٩٤٥ بسبب التيفود، تمامًا مثل أختها مارجويت، ولم ينج أحد من الترحيل سوى الأب الذى سيقوم بنشر مخطوطة «آن» التي تم العثور عليها في مخبئها السابق تحت عنوان «مذكرات آن فرانك» في عام ١٩٤٧ وتكتسب شهرة عالميًة كشهادة لا تقدر بثمن ضد العنصرية ومعاداة السامية.
إنها قصة لا يمكن لأي شخص أن يشرحها على الإنترنت أو يحصل عليها مقابل بضعة يوروهات في أي مكتبة، وفي مقابلة مع صحيفة «ماجديبرجر فولكستيم» المحلية، أوضحت مديرة حضانة آن فرانك، ليندا شيشور، من مدينة تانجيرهوت «ساكسونيا أنهلات، في شمال شرق ألمانيا»، أن هذه القصة وجدت صعوبة في الفهم بالنسبة للأطفال الصغار، وخاصةً أولئك الذين ينحدرون من أصول مهاجرة، موضحة أن هذا الطلب جاء من الآباء ومن الموظفين، الذين يرغبون في اسم مؤسسة أكثر مناسبة للأطفال، ومع ذلك، تستضيف ولاية ساكسونيا أنهلات معسكر الاعتقال النازي السابق ميتلباو دورا «١٩٠ كم من تانجيرهوت» أو معسكر ليشتنبورج «٢٣٠ كم».
قد نعتقد أن كل هذا تاريخ قديم، أو نتذكر أن هذه الأرض تجسدت في عام ٢٠١٨ من خلال الشعارات النازية «الاشتراكية القومية، الآن، الآن، الآن!» التي تم التلفظ بها خلال مظاهرة في كوتن، وهي بلدة تقع على بعد ساعة بالسيارة من الحضانة، ردًا على مقتل شاب بطريقة عنيفة خلال شجار مع اثنين من الأفغان.. ألم يُحذر «تشرشل» من أن الشعب الذي لا يعرف تاريخه محكوم عليه أن يعيشه من جديد.
من الواضح أن هذا لم يخطر ببال عمدة المدينة التي يبلغ عدد سكانها ١٠٠٠٠ نسمة، أندرياس بروم، وهو رجل أعمال من عالم الإنتاج الموسيقي وهو الذي برر هذا الخيار السياسي من خلال الرغبة في إحداث تطور فى الرعاية النهارية وهو مفهوم تعليمي جديد، بعد أن شهدت هذه الرعاية بعض الصعوبات الداخلية في الماضي، وبذلك ستصبح الرعاية النهارية الآن أكثر انفتاحًا من ذي قبل وستعزز حق الأطفال في تقرير المصير والتنوع بقوة أكبر. أخلص إلى أن آن فرانك «منغلقة» كى لا نقول يهودية في مدينة تعتبر ألمانيا المتعددة الجنسيات المدركة لمسئوليتها التاريخية ورسالتها التعليمية، علي حد قول رئيس البلدية.
وفي الحقيقة، يبدو أن أهداف هذا المبدأ التعليمي ضعيفة بعض الشيء. فلماذا يفرض هذا المبدأ اسمًا جديدًا؟ خاصةً عندما ننظر إلى دور الحضانة الأخرى في المدينة وتدنى المفهوم التربوي فيها، لذلك نرى أنه لا يوجد منطق لما يحدث.
ووفقًا لما تراه الصحافة، كان الاسم الجديد هو «مستكشف العالم»، إنه اسم لا يذكر تاريخ أو جذور بلد ما، بل الرحلة؛ اسم لا يشير إلى أي شيء أو أي شخص ولكنه يُنسب إلى سفينة سياحية برتغالية فاخرة من «Rivages du Monde» أو إلى علامة تجارية «Gin Golf India» أو حتى إلى ساعة يتم التحكم فيها عن طريق الراديو ومعروضة للبيع على الإنترنت!
وقضية «تانجيرهوت» ليست مثالًا مُنفردًا، في عام ٢٠٢١، قررت حضانة آن فرانك في إلكسليبن «تورينجيا، وسط ألمانيا» عدم تغيير اسمها في مواجهة الاحتجاجات. لقد مر عام على الزلزال السياسي الذي وقع عام ٢٠٢٠، عندما تم انتخاب رئيس وزراء ليبرالي في هذه الأراضي السابقة لجمهورية ألمانيا الديمقراطية، بفضل أصوات المحافظين من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزب البديل من أجل ألمانيا وهو الحزب اليميني المتطرف في ألمانيا، ومع ذلك فإن ولاية تورينجيا لها تاريخ يجب أن نتذكره، حيث تأسست جمهورية فايمار هناك، والتي انهارت بعد ذلك بعد تعاون البرجوازية المحافظة مع المتطرفين اليمينيين. والأمر المثير للاهتمام في هذه القضية، أن هناك نتيجتين مهمتين من نتائج المحرقة التي تعتبر بمثابة الصدمة التي أثرت بشكل دائم على النفس الأوروبية؛ النتيجة الأولى هى المعاناة التي تحملها اليهود، وهو ما يعني أن المحرقة أصبحت من المقدسات التي تحظى بالاحترام والقوة مثل ذكرى القديسين والشهداء في العصور الوسطى. هذا ما حاولت هذه الحضانة أن تفعله بطريقة خرقاء: أن تحرر نفسها من الوصاية الثقيلة لقديسها الراعي، دون أن تضطر إلى حمل المأساة على أكتافها.
وقد دفع هذا الذنب الغربي الأوروبيين أيضًا إلى دعم إنشاء دولة إسرائيل مع العواقب التي نعرفها، واحترام واجب الذاكرة حرفيًا: التدريس والتذكير بلا كلل بما تمكنت النازية من ارتكابه وخاصة للأجيال الجديدة.
أما النتيجة الثانية وهى الأكثر ضررًا للمحرقة فكان الخوف من إمكانية سحق الأقليات باسم النموذج الوطني، وقد ولّد هذا الخوف عدة أمور: الرغبة في تنظيم سلطة الدول بموجب القانون من خلال تأليه حقوق الإنسان «CEHR»، والإيمان بالمشروع الأوروبي فوق الوطني لتجاوز الأمم، والنسبية الثقافية وفقدان الثقة في التفوق الغربي، أي التنوع كعلاج للقومية.
وهكذا وُلدت ديانة ثانية من أنقاض ألمانيا النازية: العولمة ثم التنوعية، وهو الذي دفع أوروبا إلى الشعور بالذنب عندما أغلقت أبوابها أمام المهاجرين. إن هؤلاء الآباء القادمين من خلفيات مهاجرة والذين يرفضون الاعتراف بأنفسهم في الماضى الألماني هم في النهاية النتيجة المنطقية لعصر تسود فيه الرغبة الراديكالية في تفكيك نموذج يعتبر في الأساس أبويًا واستعماريًا وعنصريًا وفاسدًا.
من خلال هذه الحالة الملموسة الصغيرة لحضانة تانجرهوت تظهر التناقضات الأوروبية، وتتصادم منطقتان مقدستان، ذكرى المحرقة وتأليه الانفتاح. إنها مشكلة تابو في جوهرها. إذ أنه من الصعب دعم النسبية التي تفرزها أيديولوجية التنوع بشكل طبيعي.
والسؤال الذي يطرح نفسه علينا بسيط للغاية: هل ينبغي لأوروبا أن تذهب إلى أبعد من ذلك وتقطع ماضيها وتُعيد كتابة كل شيء للتكفير عن المحرقة أي أن تتنحى جانبًا لإصلاح خطأها؟ بمعنى آخر، كيف يمكننا تحليل هذه التصرفات ضد اليهود فى أوروبا: هل كانت مرضًا وراثيًا منيعًا ولا يمكن فصله عن حضارة مفتونة بالتكنولوجيا والهيمنة؟ أو مجرد حادث تاريخي، نتيجة لحضارة قابلة للجراحة والانفصال عن العالم الحديث لأنها ظهرت فقط في ألمانيا؟
وفي الحقيقة.. القدماء الذين صدمتهم الحرب لم يجيبوا عن هذا السؤال! لذلك فقد ارتدت هذه المشكلة إلينا!.
جوليان أوبير: سياسى فرنسى انتخب نائبًا عن الجمهوريين خلال الانتخابات التشريعية لعام 2012، ثم أُعيد انتخابه عام 2017، ولم يوفق فى انتخابات 2022، وهو حاليًا نائب رئيس الحزب الجمهوري ورئيس الحركة الشعبية «أوزيه لافرانس»، يكتب عما تعرض له اليهود فى ألمانيا النازية، ولعل تلك الذكريات القديمة يتم إحياؤها مُجددًا من خلال تلك المحرقة التي تجري في قطاع غزة على يد إسرائيل وبدعم أمريكى صريح وصمت غربى متواطئ.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: جوليان أوبير الأوروبيين إسرائيل فلسطين فی ألمانیا من خلال
إقرأ أيضاً:
مصر والسعودية وقطر تدين إنشاء الاحتلال وكالة لتهجير الفلسطينيين من غزة
رام الله - دنيا الوطن
أدانت كل من مصر والسعودية وقطر، إعلان الاحتلال الإسرائيلي عن إنشاء وكالة لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة ومصادقته على شرعنة 13 مستعمرة جديدة بالضفة الغربية.
وقالت وزارة الخارجية المصرية في بيان صدر عنها، مساء اليوم الاثنين، "تعرب جمهورية مصر العربية عن إدانتها الشديدة لإعلان إسرائيل عن إنشاء وكالة تستهدف تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، والمصادقة على الاعتراف بـ 13 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية".
وأضافت: "تؤكد مصر على انتفاء أساس ما يسمى (المغادرة الطوعية)، والتي يدعي الجانب الإسرائيلي استهدافها من خلال تلك الوكالة، مشددة على أن المغادرة التي تتم تحت نيران القصف والحرب وفي ظل سياسات تمنع المساعدات الإنسانية وتستخدم التجويع كسلاح تعد تهجيراً قسرياً، وجريمة ومخالفة بموجب القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني".
وتابعت: "تدعو جمهورية مصر العربية المجتمع الدولي ومجلس الأمن لتبني وقفة حازمة تجاه تلك الخروقات والاستفزازات الإسرائيلية المستمرة، والتحلي بالجدية والحسم اللازمين لتطبيق مقررات الشرعية الدولية واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على خطوط الرابع من حزيران/يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية".
بدورها، أعربت وزارة الخارجية السعودية في بيان صدر عنها، اليوم الاثنين، عن "إدانة المملكة إعلان سلطات الاحتلال الإسرائيلية عن إنشاء وكالة تستهدف تهجير الفلسطينيين من قطاع غزّة، والمصادقة على فصل (13) حيًّا استيطانيًّا غير قانوني في الضفة الغربية، تمهيدًا لشرعنتها كمستوطنات استعمارية"، مجددةً رفضها القاطع للانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
وأكدت السعودية، أن السلام الدائم والعادل لا يمكن تحقيقه دون حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وفقًا لقرارات الشرعية الدولية، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية.
من جهتها، قالت وزارة الخارجية القطرية في بيان، مساء اليوم الاثنين: " تدين دولة قطر، بأشد العبارات، إعلان الاحتلال الإسرائيلي عن إنشاء وكالة تستهدف تهجير الأشقاء الفلسطينيين من قطاع غزة، ومصادقته على فصل 13 حياً استيطانياً غير قانوني في الضفة الغربية، تمهيداً لشرعنتها كمستوطنات استعمارية".
وأضافت أن دولة قطر "تشدّد في هذا الصدد على أن تهجير الفلسطينيين بأي صورة من الصور يشكّل انتهاكاً سافراً للقانون الإنساني الدولي، كما أن توسيع المستوطنات يمثّل استهتاراً بقرارات الشرعية الدولية، خاصة قرار مجلس الأمن رقم 2334".
وشددت "الخارجية القطرية" على "ضرورة تضامن المجتمع الدولي بقوة من أجل إلزام الاحتلال بالامتثال لإرادة السلام وإنهاء الحرب الوحشية على قطاع غزة فوراً".
وجددت التأكيد على "موقف دولة قطر الثابت والدائم في دعم القضية الفلسطينية وصمود الشعب الفلسطيني الشقيق، المستند إلى قرارات الشرعية الدولية وحل الدولتين، بما يضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية".