لجريدة عمان:
2025-02-07@01:02:21 GMT

حسم مستقبل غزة.. لم يحن بعد!

تاريخ النشر: 13th, November 2023 GMT

في الوقت الذي تواصل فيه القوات الإسرائيلية الهمجية أعمالها العدوانية ضد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، وعلى نحو تتسع إدانته ويتعاظم التنديد به من جانب شعوب العالم التي هالتها همجية السلوك الإسرائيلي، وعدم التزامه بقواعد الحرب والقتال حسبما حددتها قواعد القانون الدولي، ومن أبرزها اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، أي في العام الأول لقيام إسرائيل، فإنه كان من المنتظر أن تكون إسرائيل التي أنشئت وفق قواعد القانون الدولي أكثر التزاما واحتراما للمنظمة التي أفسحت لها مكانا بين دول العالم ووفاء لشرعيتها وميثاقها، إذ لولاها لما قامت إسرائيل في الواقع.

وإذا كان يهود أوروبا تعرّضوا في أربعينيات القرن الماضي لاضطهاد الأوروبيين لهم بما في ذلك الهولوكوست على يد النازي، فإنهم قد اعتنقوا ما تعرّضوا له بل وعملوا على تطبيقه عمليا وبشكل أكثر عنفا واضطهادا ضد الفلسطينيين الذين اغتصبوا أرضهم، ووصل الأمر إلى حد دعوة وزير التراث في حكومة نتانياهو إلى ضرب غزة بالقنبلة النووية، ما أجبر نتانياهو على وقف مشاركته في اجتماعات الحكومة والتنديد بتصريحاته التي أدانها العالم كدليل على تطرّف وعنصرية إسرائيل واستهانتها بالقانون الدولي وبحياة البشر وبحقهم في الحياة الآمنة وعلى قدم المساواة مع الشعوب الأخرى وفي الأرض التي عاشوا فيها على مدى التاريخ ودون انقطاع حتى الآن.

وإذا كان الاحتلال، حتى ولو كان احتلالا استيطانيا عنصريا، كالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، لا ينشئ حقا ولا يقيم دولة ولا ينفي الحق الأصيل للفلسطينيين، مهما طال الزمن، فإن تمسُّك الفلسطينيين بأرضهم وإرادتهم القوية في استعادتها وتحريرها جيلا وراء جيل يشكّل في الواقع الصخرة الأساسية التي سيتكسر عليها الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما بدأت ملامحه في الظهور وتجسده الحرب الدائرة في قطاع غزة أكثر من أي وقت مضى حيث تشكّل حرب السابع من الشهر الماضي مرحلة جديدة مختلفة نوعيا عن المراحل والمواجهات الفلسطينية الإسرائيلية السابقة وتشير نوعية وخسائر الحرب إلى ذلك بوضوح. وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة إلى عدد من الجوانب من أهمها ما يلي:

أولا، أنه في حين تشكّل الحرب ضد الفلسطينيين غطاء لموقف إسرائيل ورئيس وزرائها نتانياهو الذي حاول التنصل من مسؤوليته في اندلاع الحرب واضطر إلى التراجع عن تصريحاته السابقة في هذا الخصوص، حفاظا على علاقته بالعسكريين الإسرائيليين الذين يزداد تبرُّمهم من إدارته للحرب، فإن انتقاد قراراته وخسارته لدى الرأي العام الإسرائيلي تزداد بشكل كبير حيث تراجعت نسبة مؤيديه إلى 29% بين الإسرائيليين مقابل 56% يؤيدون زعيم المعارضة جانتس، ويزداد الأمر تعقيدا إذا وضعنا في الاعتبار الخلافات بين نتانياهو ووزير الأمن القومي في حكومته بن غفير الذي يعمل لدعم موقعه داخل الحكومة ومع المتطرفين الإسرائيليين.

وإذا كان نتانياهو يعمل على إطالة أمد الحرب، أملا في تحقيق ما يمكن أن يقدمه للرأي العام الإسرائيلي مع مضي الوقت وإنهاك حماس، إلا أن الواقع لا يسير في صالح القوات الإسرائيلية، حتى الآن على الأقل، خاصة بعد تعثّر مفاوضات الإفراج عن بعض الأسرى المحتجزين لدى حماس وفشل حكومة نتانياهو في العثور على أماكنهم حتى الآن على الأقل، وهو ما يزيد الضغوط الداخلية على الحكومة والصعوبات التي تتعرّض لها، خاصة أن واشنطن تستخدم إمكاناتها في البحث عن أماكن احتجازهم في قطاع غزة الذي يكاد يتحوّل في معظمه إلى أنقاض تزيد في الواقع من صعوبات العثور عليهم وسط الركام مع كل ساعة ويوم يمر في ظل القصف الإسرائيلي العشوائي والمتواصل الذي يزيد من احتمالات تعرّضهم للقتل بسبب ذلك، وهو ما تخشاه أُسرهم.

ثانيا، أنه في الوقت الذي تزداد فيه خطورة الحرب بالنسبة لإسرائيل بسبب ازدياد خسائر قواتها، بشرا ومعدات، بعد توغل قوات متزايدة لها داخل غزة وصعوبة قتال قواتها داخل القطاع، ومع ازدياد وطأة الخسائر المالية والاقتصادية مع نفقات كل يوم من الحرب برغم التعويض المالي الأمريكي -أكثر من عشرة مليارات دولار- طلبها نتانياهو من بايدن وزادها بايدن من جانبه تأكيدا لدعمه غير المحدود للحرب الهمجية، وهو ما سبب له انتقادات متزايدة داخل الولايات المتحدة؛ فإن كثافة السكان في قطاع غزة وحجم الدمار الذي حدث منذ بداية الحرب وزيادة صعوبات التحرك داخل القطاع يزيد في الواقع من صعوبات تنفيذ المهمات القتالية ويحوّلها إلى مجرد تنفيذ لأوامر القصف والقتل بعد هدم نسبة كبيرة من المباني والمؤسسات واتباع سياسة الأرض المحروقة وهو ما يجعل الحرب في غزة نموذجا بشعا للانتقام والقتل العشوائي للمدنيين والأطفال والنساء، أما وصف نتانياهو للحرب بأنها نموذج «للحرب العادلة» وللحرب ضد الإرهاب و«حرب الخير ضد الشر» على حد زعمه، فهو هراء ومزاعم لا يمكن لأحد أن يأخذها مأخذ الجد إذا توفر له أي قدر من العقلانية، وبالتالي لا يمكن لأحد أن يصدّقها على أي نحو، وتكفي المظاهرات التي تخرج في كبريات مدن العالم منددةً بالحرب سواء حول مسألة التهجير القسري وانتقال الفلسطينيين إلى سيناء ومطالبة بوقفها ولتعبّر عن إدانة العالم لها. وليس من المبالغة في شيء القول بأن الخسارة الإعلامية لإسرائيل ولسمعة جيشها وكذلك للولايات المتحدة ولمصداقيتها في العالم هي بالفعل خسارة كبيرة ومؤثرة ولن تنتهي آثارها سريعا لا سياسيا ولا أخلاقيا، فضلا عن تأثيرها على النظام الدولي والأوضاع في المنطقة ككل أيضا.

ثالثا، أنه بغض النظر عما يجري في الكواليس حول صفقة إطلاق سراح المدنيين الإسرائيليين في المرحلة الأولى مقابل إدخال إسرائيل كميات من الوقود إلى قطاع غزة، وذلك تخفيفا للضغط الذي يتعرّض له نتانياهو من عائلات الأسرى ولتشغيل المستشفيات والمرافق التي توقفت في قطاع غزة بسبب نفاد الوقود، فإن قيام نتانياهو بالحديث عن مستقبل قطاع غزة وقيام واشنطن بالحديث عن المسألة نفسها يثير الدهشة ليس فقط لأن ذلك من قضايا ما بعد الحرب والتي ستستغرق بالضرورة وقتا طويلا حتى لو بدأت مفاوضات ما في هذه المرحلة المبكرة جدا، ولكن أيضا لأن طرح هذه المسألة الآن من شأنه شغل الرأي العام في إسرائيل وفلسطين والمنطقة ومحاولة خلط الأوراق من ناحية فضلا عن استكشاف ردود فعل مختلف الأطراف حول ما يطرح من أفكار بشأن خيارات ومواقف لم تتحدد بشكل رسمي أو متكامل حتى الآن على الأقل من ناحية ثالثة، ومنها على سبيل المثال مسألة التهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء وفق خيارات مختلفة ولا تزال موضع أخذ ورد، ولعل ما يساعد على ذلك أن الجدل لا يزال قائما ومتواصلا وأن المواقف وردود الفعل لا تزال أقرب إلى جس النبض والتعرّف على حدود المواقف واحتمالاتها وهو ما يفسّر في الواقع ما حدث ويحدث من تغيرات في الصيغ التي تطرح حتى تتبلور المواقف بشكل أكثر جدية خاصة من جانب واشنطن وباريس ومن ثم استهلاك قدر من الوقت حتى تتبلور مواقف يمكن التحرّك والبناء عليها. وعلى ذلك فإن الحديث عن ترحيل الفلسطينيين قسريا إلى سيناء قد واجه معارضة مصرية وفلسطينية وأردنية وعربية عامة تجسّدت في قمّة الرياض الأخيرة مما أدّى إلى تعديلات أمريكية ملموسة لمواقف كانت واشنطن قد أيّدتها في بداية الحرب. وعلى أي حال فإن مسألة التهجير القسري لمواطني غزة هي مسألة تخالف قواعد القانون الدولي بل تعد جريمة من جرائم الحرب ولا يمكن القبول بها؛ إذ إن الفلسطينيين هم من لهم الحق النهائي في ذلك باعتبارهم أصحاب الأرض وأصحاب الكلمة الأخيرة فيها، أما إذا أرادت إسرائيل السيطرة على غزة أو جزء منها فإنها بذلك تهيئ المناخ لسنوات من عدم الاستقرار وتأجيل فرص التسوية العادلة للقضية الفلسطينية وفق حل الدولتين إلى سنوات لاحقة ولا يخدم ذلك مصلحة أي من الأطراف المعنية لا اليوم ولا في المستقبل ويظل من المبكر الحديث الآن عن صيغ حكم غزة والأولوية هي لوقف القتال والتوافق على السلام وحل الدولتين فالسلام للفلسطينيين هو ضرورة للإسرائيليين.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی قطاع غزة فی الواقع حتى الآن وهو ما

إقرأ أيضاً:

ضياء الدين بلال يكتب: القوة الخفية التي هزمت حميدتي (2-2)

سألني كثيرون عن عدم ذكر شرائح مجتمعية مهمة كان لها إسهام كبير في هزيمة مشروع حميدتي الانقلابي.

لكن القائمة التي أوردتها لم تكن حصرية لمصادر القوة الخفية الناعمة في الدولة السودانية، بل كانت مجرد نماذج، دون أن يعني ذلك امتيازها على الآخرين.

بدأت أشعر بالقلق من أن معارك جديدة ستنشب بعد الحرب الحالية، محورها: من صنع النصر؟ ومن كانت له اليد العليا فيه؟!
لا شك أن هناك من لعبوا أدوارًا مركزية في هزيمة مشروع الميليشيا بعيدًا عن الأضواء، وسيأتي ذكرهم في يوم ما.

بعض الأصدقاء والقراء لاموني على عدم ذكر مشاركة السلفيين وجماعة أنصار السنة، وآخرون تساءلوا عن عدم الإشارة إلى دور الشعراء وكبار المغنيين، مثل الرمز والقامة عاطف السماني.
أما اللوم الأكبر فجاء من عدد كبير من القراء، بسبب عدم التطرق لدور الإعلاميين، لا سيما في الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي.

نعم، لم تكن الحرب التي اندلعت في السودان يوم 15 أبريل 2023 مجرد مواجهة عسكرية تقليدية بين جيش نظامي ومجموعة متمردة، بل كانت حربًا شاملة استهدفت الدولة والمجتمع معًا.
فبينما كانت الرصاصات والقذائف تحصد الأرواح، كانت هناك معركة أخرى، لا تقل ضراوة، تدور في ميدان الوعي والمعلومات، حيث لعب الإعلام الوطني الحر دورًا محوريًا في التصدي لهذا المشروع الغاشم.

في بدايات الحرب، أصيبت مؤسسات الدولة بالشلل، وغابت الأجهزة التنفيذية والإعلام الرسمي.
أما القوات المسلحة، فكانت محاصرة بين الهجمات الغادرة ومحاولات التمرد فرض واقع جديد بقوة السلاح.

وفي تلك اللحظة الحرجة، برز الإعلام كسلاح أمضى وأشد فتكًا من المدافع، يخوض معركة الوعي ضد التزييف والخداع، ويقاتل بالحجة والمنطق لكشف الحقائق ودحض الأكاذيب.
راهن المتمردون ومناصروهم على التلاعب بالسردية الإعلامية، فملأوا الفضاء الرقمي بالدعاية والتضليل، محاولين قلب الحقائق وتقديم أنفسهم كقوة منتصرة تحمل رسالة الحرية والديمقراطية.

لكن الإعلام الوطني الحر كان لهم بالمرصاد، فكشف فظائعهم، وفضح انتهاكاتهم، وعرّى أكاذيبهم.
لم تعد جرائمهم مجرد روايات ظنية مبعثرة، بل حقائق موثقة بالصوت والصورة، شاهدة على مشروعهم القائم على النهب والدمار وإشاعة الفوضى.

لم يكتفِ الإعلام بتعرية التمرد، بل حمل لواء المقاومة الشعبية، فكان منبرًا لتحفيز السودانيين على الصمود، وحشد الطاقات، وبث روح الأمل.

اجتهد الإعلام الوطني في رفع معنويات الجيش، مؤكدًا أن هذه ليست نهاية السودان، وأن القوات المسلحة ستنهض مهما تكالبت عليها المحن، وأن الشعب ليس متفرجًا، بل شريك أصيل في الدفاع عن وطنه.
لم يكن هذا مجرد تفاعل إعلامي عابر، بل كان إعادة تشكيل للوعي الجمعي، وصناعة رأي عام مقاوم يحمي السودان من السقوط في مستنقع الفوضى.

ومع مرور الوقت، استعاد الجيش أنفاسه، وعاد أكثر تنظيمًا وقوة، والتحم بالمقاومة الشعبية التي بشّر بها الإعلام.

وهكذا، تحولت الحرب من مواجهة بين جيش ومتمردين إلى معركة وطنية كبرى ضد مشروع تدميري عابر للحدود.

لقد أثبت الإعلام الوطني أن الكلمة الصادقة، حين تكون في معركة عادلة، تملك من القوة ما يعادل ألف طلقة، وأن الوعي، حين يُدار بذكاء وصدق، يصبح درعًا لا يخترقه التضليل، وسيفًا يقطع أوهام الباطل من جذورها.

هكذا انتصر السودان في معركة الوعي، وهكذا هُزم التمرد قبل أن يُهزم في ميادين القتال.

ضياء الدين بلال

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • ترامب: إسرائيل ستسلم غزة لأمريكا بعد الحرب
  • ترامب : إسرائيل ستسلمنا قطاع غزة بعد انتهاء الحرب
  • ضياء الدين بلال يكتب: القوة الخفية التي هزمت حميدتي (2-2)
  • وزير الدفاع الأمريكي: سنجهز إسرائيل بالذخائر التي لم تُمنح لها سابقًا
  • وزير الدفاع الأمريكي: سنزود إسرائيل بكل الاسلحة التي تحتاجها
  • رئيس تيار الاستقلال الفلسطيني: نتنياهو يريد أن يصبح ملك إسرائيل المتوج
  • هل تقلل الأسواق المالية من خطورة الحرب التجارية التي أشعلها ترامب؟
  • «ترامب» يستقبل «نتنياهو».. ماهي «إسرائيل الصغيرة» التي تحدّث عنها؟
  • المعارضة الإسرائيلية: وقف إطلاق النار لن يسقط حكومة نتانياهو
  • ماذا يحمل معه نتانياهو؟