حسم مستقبل غزة.. لم يحن بعد!
تاريخ النشر: 13th, November 2023 GMT
في الوقت الذي تواصل فيه القوات الإسرائيلية الهمجية أعمالها العدوانية ضد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، وعلى نحو تتسع إدانته ويتعاظم التنديد به من جانب شعوب العالم التي هالتها همجية السلوك الإسرائيلي، وعدم التزامه بقواعد الحرب والقتال حسبما حددتها قواعد القانون الدولي، ومن أبرزها اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، أي في العام الأول لقيام إسرائيل، فإنه كان من المنتظر أن تكون إسرائيل التي أنشئت وفق قواعد القانون الدولي أكثر التزاما واحتراما للمنظمة التي أفسحت لها مكانا بين دول العالم ووفاء لشرعيتها وميثاقها، إذ لولاها لما قامت إسرائيل في الواقع.
وإذا كان الاحتلال، حتى ولو كان احتلالا استيطانيا عنصريا، كالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، لا ينشئ حقا ولا يقيم دولة ولا ينفي الحق الأصيل للفلسطينيين، مهما طال الزمن، فإن تمسُّك الفلسطينيين بأرضهم وإرادتهم القوية في استعادتها وتحريرها جيلا وراء جيل يشكّل في الواقع الصخرة الأساسية التي سيتكسر عليها الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما بدأت ملامحه في الظهور وتجسده الحرب الدائرة في قطاع غزة أكثر من أي وقت مضى حيث تشكّل حرب السابع من الشهر الماضي مرحلة جديدة مختلفة نوعيا عن المراحل والمواجهات الفلسطينية الإسرائيلية السابقة وتشير نوعية وخسائر الحرب إلى ذلك بوضوح. وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة إلى عدد من الجوانب من أهمها ما يلي:
أولا، أنه في حين تشكّل الحرب ضد الفلسطينيين غطاء لموقف إسرائيل ورئيس وزرائها نتانياهو الذي حاول التنصل من مسؤوليته في اندلاع الحرب واضطر إلى التراجع عن تصريحاته السابقة في هذا الخصوص، حفاظا على علاقته بالعسكريين الإسرائيليين الذين يزداد تبرُّمهم من إدارته للحرب، فإن انتقاد قراراته وخسارته لدى الرأي العام الإسرائيلي تزداد بشكل كبير حيث تراجعت نسبة مؤيديه إلى 29% بين الإسرائيليين مقابل 56% يؤيدون زعيم المعارضة جانتس، ويزداد الأمر تعقيدا إذا وضعنا في الاعتبار الخلافات بين نتانياهو ووزير الأمن القومي في حكومته بن غفير الذي يعمل لدعم موقعه داخل الحكومة ومع المتطرفين الإسرائيليين.
وإذا كان نتانياهو يعمل على إطالة أمد الحرب، أملا في تحقيق ما يمكن أن يقدمه للرأي العام الإسرائيلي مع مضي الوقت وإنهاك حماس، إلا أن الواقع لا يسير في صالح القوات الإسرائيلية، حتى الآن على الأقل، خاصة بعد تعثّر مفاوضات الإفراج عن بعض الأسرى المحتجزين لدى حماس وفشل حكومة نتانياهو في العثور على أماكنهم حتى الآن على الأقل، وهو ما يزيد الضغوط الداخلية على الحكومة والصعوبات التي تتعرّض لها، خاصة أن واشنطن تستخدم إمكاناتها في البحث عن أماكن احتجازهم في قطاع غزة الذي يكاد يتحوّل في معظمه إلى أنقاض تزيد في الواقع من صعوبات العثور عليهم وسط الركام مع كل ساعة ويوم يمر في ظل القصف الإسرائيلي العشوائي والمتواصل الذي يزيد من احتمالات تعرّضهم للقتل بسبب ذلك، وهو ما تخشاه أُسرهم.
ثانيا، أنه في الوقت الذي تزداد فيه خطورة الحرب بالنسبة لإسرائيل بسبب ازدياد خسائر قواتها، بشرا ومعدات، بعد توغل قوات متزايدة لها داخل غزة وصعوبة قتال قواتها داخل القطاع، ومع ازدياد وطأة الخسائر المالية والاقتصادية مع نفقات كل يوم من الحرب برغم التعويض المالي الأمريكي -أكثر من عشرة مليارات دولار- طلبها نتانياهو من بايدن وزادها بايدن من جانبه تأكيدا لدعمه غير المحدود للحرب الهمجية، وهو ما سبب له انتقادات متزايدة داخل الولايات المتحدة؛ فإن كثافة السكان في قطاع غزة وحجم الدمار الذي حدث منذ بداية الحرب وزيادة صعوبات التحرك داخل القطاع يزيد في الواقع من صعوبات تنفيذ المهمات القتالية ويحوّلها إلى مجرد تنفيذ لأوامر القصف والقتل بعد هدم نسبة كبيرة من المباني والمؤسسات واتباع سياسة الأرض المحروقة وهو ما يجعل الحرب في غزة نموذجا بشعا للانتقام والقتل العشوائي للمدنيين والأطفال والنساء، أما وصف نتانياهو للحرب بأنها نموذج «للحرب العادلة» وللحرب ضد الإرهاب و«حرب الخير ضد الشر» على حد زعمه، فهو هراء ومزاعم لا يمكن لأحد أن يأخذها مأخذ الجد إذا توفر له أي قدر من العقلانية، وبالتالي لا يمكن لأحد أن يصدّقها على أي نحو، وتكفي المظاهرات التي تخرج في كبريات مدن العالم منددةً بالحرب سواء حول مسألة التهجير القسري وانتقال الفلسطينيين إلى سيناء ومطالبة بوقفها ولتعبّر عن إدانة العالم لها. وليس من المبالغة في شيء القول بأن الخسارة الإعلامية لإسرائيل ولسمعة جيشها وكذلك للولايات المتحدة ولمصداقيتها في العالم هي بالفعل خسارة كبيرة ومؤثرة ولن تنتهي آثارها سريعا لا سياسيا ولا أخلاقيا، فضلا عن تأثيرها على النظام الدولي والأوضاع في المنطقة ككل أيضا.
ثالثا، أنه بغض النظر عما يجري في الكواليس حول صفقة إطلاق سراح المدنيين الإسرائيليين في المرحلة الأولى مقابل إدخال إسرائيل كميات من الوقود إلى قطاع غزة، وذلك تخفيفا للضغط الذي يتعرّض له نتانياهو من عائلات الأسرى ولتشغيل المستشفيات والمرافق التي توقفت في قطاع غزة بسبب نفاد الوقود، فإن قيام نتانياهو بالحديث عن مستقبل قطاع غزة وقيام واشنطن بالحديث عن المسألة نفسها يثير الدهشة ليس فقط لأن ذلك من قضايا ما بعد الحرب والتي ستستغرق بالضرورة وقتا طويلا حتى لو بدأت مفاوضات ما في هذه المرحلة المبكرة جدا، ولكن أيضا لأن طرح هذه المسألة الآن من شأنه شغل الرأي العام في إسرائيل وفلسطين والمنطقة ومحاولة خلط الأوراق من ناحية فضلا عن استكشاف ردود فعل مختلف الأطراف حول ما يطرح من أفكار بشأن خيارات ومواقف لم تتحدد بشكل رسمي أو متكامل حتى الآن على الأقل من ناحية ثالثة، ومنها على سبيل المثال مسألة التهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء وفق خيارات مختلفة ولا تزال موضع أخذ ورد، ولعل ما يساعد على ذلك أن الجدل لا يزال قائما ومتواصلا وأن المواقف وردود الفعل لا تزال أقرب إلى جس النبض والتعرّف على حدود المواقف واحتمالاتها وهو ما يفسّر في الواقع ما حدث ويحدث من تغيرات في الصيغ التي تطرح حتى تتبلور المواقف بشكل أكثر جدية خاصة من جانب واشنطن وباريس ومن ثم استهلاك قدر من الوقت حتى تتبلور مواقف يمكن التحرّك والبناء عليها. وعلى ذلك فإن الحديث عن ترحيل الفلسطينيين قسريا إلى سيناء قد واجه معارضة مصرية وفلسطينية وأردنية وعربية عامة تجسّدت في قمّة الرياض الأخيرة مما أدّى إلى تعديلات أمريكية ملموسة لمواقف كانت واشنطن قد أيّدتها في بداية الحرب. وعلى أي حال فإن مسألة التهجير القسري لمواطني غزة هي مسألة تخالف قواعد القانون الدولي بل تعد جريمة من جرائم الحرب ولا يمكن القبول بها؛ إذ إن الفلسطينيين هم من لهم الحق النهائي في ذلك باعتبارهم أصحاب الأرض وأصحاب الكلمة الأخيرة فيها، أما إذا أرادت إسرائيل السيطرة على غزة أو جزء منها فإنها بذلك تهيئ المناخ لسنوات من عدم الاستقرار وتأجيل فرص التسوية العادلة للقضية الفلسطينية وفق حل الدولتين إلى سنوات لاحقة ولا يخدم ذلك مصلحة أي من الأطراف المعنية لا اليوم ولا في المستقبل ويظل من المبكر الحديث الآن عن صيغ حكم غزة والأولوية هي لوقف القتال والتوافق على السلام وحل الدولتين فالسلام للفلسطينيين هو ضرورة للإسرائيليين.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی قطاع غزة فی الواقع حتى الآن وهو ما
إقرأ أيضاً:
مهندس خطة الجنرالات: إسرائيل فشلت فشلا ذريعا في غزة
نقلت صحيفة معاريف عن رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق الجنرال المتقاعد غيورا آيلاند قوله إن "إسرائيل فشلت فشلا ذريعا في حرب غزة".
وأضاف آيلاند وهو -مهندس خطة الجنرالات لتهجير شمال غزة- أن هزيمة إسرائيل بحرب غزة يمكن قياسها من خلال معرفة من حقق أهدافه وأي جانب فرض إرادته على الآخر.
وأردف قائلا "بالنظر إلى اتفاق غزة فإن إسرائيل فتحت معبر رفح وانسحبت من محور نتساريم بينما عاد آلاف الفلسطينيين إلى الشمال".
وطُرح اسم خطة الجنرالات في وسائل الإعلام الإسرائيلية أول مرة مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، وهي خطة عسكرية تتألف من مرحلتين، وفق ما أعلنه منتدى الضباط والمقاتلين في الاحتياط.
وقضت المرحلة الأولى من الخطة بتهجير السكان المتبقين حينها في شمال القطاع الذي كان من المفترض إعلانه منطقة عسكرية خلال المرحلة الثانية، على أن تعمم التجربة لاحقا على كامل أنحاء القطاع.
كما قضت الخطة بتحويل المنطقة الواقعة شمال محور نتساريم إلى منطقة عسكرية مغلقة وإرغام نحو 300 ألف فلسطيني في شمال القطاع على النزوح خلال أسبوع.
وتهدف الخطة إلى القضاء بشكل كامل على أي وجود لحماس في شمال القطاع من خلال إفراغ المنطقة من سكانها وتحويلها إلى منطقة عسكرية مغلقة ومنع دخول المساعدات.
إعلان
3 أخطاء إسرائيلية
وقبيل اتفاق وقف إطلاق النار، نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، مقالا لآيلاند انتقد فيه الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية في الحرب على غزة، مشيرا إلى أن الضغط العسكري وحده لم يكن كافيا لتحقيق أهداف إسرائيل، معددا جملة أخطاء وقعت فيها إسرائيل في سياق حربها على غزة.
وفي مقاله الذي حمل عنوان "استنتاجات حرب غزة: الضغط العسكري لا يكفي"، أكد الجنرال الإسرائيلي المتقاعد أن أحد أكبر الأخطاء كان تبني الرواية الأميركية التي تساوي بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وتنظيم الدولة الإسلامية.
ووفقا لآيلاند، فإن حماس ليست مجرد "تنظيم إرهابي فرض نفسه على سكان غزة"، بل هي "دولة غزة" التي أعلنت الحرب على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، مشيرا إلى أن الحروب بين الدول عادة ما تتضمن فرض حصار اقتصادي على العدو.
وبحسب هذه الرؤية، فإن إسرائيل لم تكن ملزمة بتزويد غزة بجميع احتياجاتها الأساسية في هذه الحرب، بل كان بإمكانها تشديد الحصار بشكل أكبر، على حد زعمه.
أما الخطأ الثاني الذي أشار إليه آيلاند هو فشل إسرائيل في استغلال نقاط ضعف "العدو"، حيث قال "تهدف الحروب إلى إجبار الطرف الآخر على التصرف ضد إرادته"، وإن هناك 3 طرق رئيسية لتحقيق هذا الهدف، حسب رأيه:
تطبيق عقوبات اقتصادية على العدو، مما يخلق غضبا ومرارة بين السكان، وهذا هو جوهر خطة الجنرالات التي اقترحها، وتم تطبيقها في شمال غزة. دعم حكومة بديلة داخل غزة، وهو ما رفضته إسرائيل طوال فترة الحرب. التهديد بفقدان الأراضي (التهجير بمعنى آخر)، وهي إستراتيجية لم تجربها إسرائيل بعد، على حد زعمه.وبحسب الجنرال، فإن إسرائيل قد اختارت إستراتيجيات تقليدية تركز على الضغط العسكري فقط، وهو ما كان خطأ فادحا لأنها لم تأخذ في الاعتبار أن حماس أعدت نفسها لمدة 15 عاما لمواجهة هذا النوع من الضغوط.
إعلان
أما الخطأ الثالث الذي ذكره آيلاند، فكان فشل إسرائيل في وضع خطة سياسية واضحة بشأن مستقبل غزة بعد الحرب.
وأشار إلى أنه في زيارة الرئيس الأميركي حينها جو بايدن إلى إسرائيل عقب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، سُئل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن خطط إسرائيل للمرحلة التالية من الحرب، وكانت إجابة نتنياهو خالية من أي مضمون أو خطة محددة، حيث قال "عندما نصل إلى اليوم التالي، سنتحدث عن اليوم التالي".
ويرى آيلاند في تصريح نتنياهو إهانة وتخليا عن الحاجة إلى رؤية سياسية لإدارة مرحلة ما بعد الحرب. وعلى حد تعبيره، كان من الأفضل لو أن الحكومة الإسرائيلية أوضحت موقفها بأن إسرائيل ليس لها مصلحة إقليمية أو سياسية في غزة، بل لها مصلحة أمنية تتلخص في نزع السلاح الكامل للمنطقة. وكان يجب على إسرائيل أن تكون مستعدة لمناقشة أي خطة مع الدول العربية أو الغربية تتعلق بتوفير بديل سياسي يمكن أن يضمن نزع السلاح بشكل دائم.
وختم آيلاند مقاله بالتأكيد على أن إسرائيل بحاجة إلى إعادة تقييم إستراتيجياتها العسكرية والسياسية في الحروب القادمة. فالضغط العسكري وحده لا يكفي لتحقيق الأهداف الكبرى في الصراعات، بل يتطلب الأمر التفكير العميق في الوسائل الاقتصادية والسياسية التي يمكن أن تؤدي إلى انهيار النظام المعادي وتحقيق الأهداف الأمنية والسياسية على المدى البعيد.
وبحسب الجنرال، فإن الفشل في تبني هذه الإستراتيجيات قد يؤدي إلى نتائج غير مضمونة ويطيل أمد الحرب على القطاع دون تحقيق الانتصار الشامل.