أبوظبي: سلام أبوشهاب

أكد الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السموّ رئيس الدولة، أن مؤتمر «كوب 28» يمثل أحد الأمثلة عن التزام الإمارات بالعمل المتعدد الأطراف – لإقامة شراكات مع الدول الأخرى لمواجهة التحديات المشتركة. مشيراً إلى أنه مبدأً أساسي في علاقات الإمارات الدولية. ودولة الإمارات وضعت خطة واضحة تسعى إلى تحقيق نتائج طموحة لتسريع مسار انتقال عادل ومنظّم للطاقة، ومواصلة تطوير تمويل المناخ.

كما أنها تركز على الحياة وسبل العيش، وتعزيز الإدماج.

وقال في الكلمة الرئيسة التي ألقاها صباح الإثنين في «ملتقى أبوظبي الاستراتيجي» العاشر بعنوان: «سياسة قديمة في عصر جديد»، فيما يتصل بالتعامل مع التحديات في المنطقة والعالم، إن الركيزة الرئيسة تتمثل في جهود دول الإمارات بالعمل على خطة من الاستقرار والازدهار المشترك في المنطقة، والأدوات التي تمتلكها لخفض التصعيد والشراكات وبناء الجسور والدبلوماسية والتركيز على الآفاق الجيو اقتصادية.

وأضاف أن التصعيد منذ هجوم «حماس» في السابع من أكتوبر الماضي، والأزمة التي تلت ذلك أديا إلى إدخال المنطقة في مرحلة أخرى من العنف والفوضى، لافتاً إلى أن دولة الإمارات التي تعدّ الممثل العربي الوحيد في مجلس الأمن، حاولت ولا تزال، تواصل المساعدة في التخفيف من حدة المعاناة الحتمية في مثل هذه الأحداث المأساوية.

وقال إن المستوى غير المسبوق للهجمات على المدنيين الإسرائيليين التي أشعلت هذه الأزمة، يمثل تصعيداً خطراً في الصراع، وأن لا شيء يمكن أن يبرّر الهجمات التي تستهدف المدنيين. معبراً في الوقت نفسه عن قلق عميق إزاء الرد العسكري غير المسبوق من جانب الحكومة والجيش الإسرائيليين. ولا يمكن تبرير الهجمات غير المتناسبة على المدنيين وأن الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي يستحقّان الاستقرار والازدهار.

وعن النزاع في أوكرانيا، أكد أن دولة الإمارات تنظر إلى النزاع في أوكرانيا من موقف مبدئي يتماشى مع القانون الدولي، واحترام السيادة الوطنية، وتؤكد دوماً أن من مصلحة النظام الدولي التوصل إلى حل سياسي للحرب في أوكرانيا.

وقال إنه على مدار عقد كامل قدم الملتقى فرصة كبيرة لتعزيز تبادل الأفكار عن كيفية إمكانية التقدم باتجاه الوصول إلى منطقة مستقرة ومزدهرة. وهناك أهمية لوجود منتديات حوارية مثل ملتقى أبوظبي الاستراتيجي، تجمع الخبراء وتبحث كيفية تجاوز الأزمات الراهنة، وتسعى لوضع مسار أكثر إيجابية للمضي قدماً.

نهج إيجابي

وأكدت الدكتورة ابتسام الكتبي، رئيسة مركز الإمارات للسياسات في كلمتها، أنّ نهج دولة الإمارات في سياستيها الداخلية والخارجية يقوم على تبنّي الإيجابية والتفاؤل والمرونة وسرعة التكيّف؛ وكانت الإمارات في كثيرٍ من الملفات والقضايا تمتاز بالاستباقية والجرأة في اتخاذ الخطوة الأولى فكانت واضحةً في توقيع شراكاتٍ استراتيجيةٍ واسعةٍ مع قوى دوليةٍ كبرى واقتصاداتٍ صاعدةٍ، وتدشين المصالحات الإقليمية مع إيران وتركيا، والخروج من اليمن، وتوقيع الاتفاق الإبراهيمي، والانفتاح على سوريا، والاستعداد لما بعد النفط، بترسيخ التنافسية الإماراتية في التجارة والاستثمارات واللوجستيات والبنية التحتية وجودة الحياة، وقد كانت حصيلة هذا النهج اليوم حجم اقتصادٍ إماراتي بنحو نصف تريليون دولار، ونجاحاً في الوصول إلى أسواق عالم، والاستمرار في تقديم نموذجٍ تنموي متطورٍ في منطقةٍ ملتهبةٍ.

وقالت، تطمح الإمارات إلى أن يكون «كوب 28»، الذي تستضيفه بعد نحو أسبوعين، هذا العام «فرصةً لتسريع الانتقال (العادل)، عبر بناء نظامٍ مستقبلي للطاقة مع إزالة الكربون بسرعةٍ، لكي يبقى هدف 1,5 درجة مئوية في متناول اليد. وهذا يتطلب بناء توافقٍ عالمي عريضٍ لمعالجة تحديات الانتقال وتوفير التمويل وإشراك القطاع الخاص، والتضامن الحقيقي مع الدول النامية.

وضوح الملامح

وأكدت أنّ العصر الجديد، ما يزال غير مكتمل الملامح، والجدل بين الخبراء والباحثين والدبلوماسيين مستمرّ في النظام الدولي، وسْط مرحلةٍ انتقاليةٍ يسودها تشتت القوى العظمى وترددها، وعدم مقدرتها على توظيف قواها الكامنة في حل كثيرٍ من الصراعات والأزمات المتفجرة والتحديات العالمية.

وقالت في حرب غزة المشتعلة، نحن أمام أزمةٍ معقدةٍ تتجاوز المحلّي إلى الإقليمي والدولي، وتتجاوز الأمني والعسكري إلى الإنساني والحقوقي والسياسي وما هو أبعد، لقد وجدنا طيْفاً من القطبية الأحادية في عصرٍ جديدٍ تؤدي فيه القوى المتوسطة وقوى ما دون الدولة دوراً مؤثّراً في تشكيل الوقائع والأحداث، وإنّ حرب غزة لا تقلّ تأثيراً عن حرب أوكرانيا في أهمية تساؤل المراقبين عن إعادة ضبط الحقائق عن طبيعة التحوّل في النظام الدولي الناشئ، والتحديات وعن المخاطر التي تواجهها مقولة «خفض التّصعيد».

عشوائية وانتقائية

وأوضحت أن ثمة عشوائيةً وانتقائيةً في مدى التزام الدول الكبرى بمسؤوليتها على الساحة الدولية، وفي حفظ الأمن والسلام، وحيث المطلوب إعادة الأهمية للسياسة والدبلوماسية والمواثيق الدولية والعيش المشترك، ما نزال نتساءل عن تصاعد تأثير القوى المتوسطة في تشكيل المشهد العالمي وخفض التصعيد.

خمس جلسات

وعقدت أمس خمس جلسات تناولت الأولى «الإمارات وكوب 28 نحو توافق عالمي في مواجهة تغير المناخ»، والثانية عن «الشرق الأوسط منطقة متغيرة»، والثالثة «حرب غزة والمآلات الإقليمية والدولية»، والرابعة «الحرب الروسية الأوكرانية.. فهم المشهد الاستراتيجي العالمي»، والخامسة «التنافس الجيو اقتصادي العالمي.. الموارد والفاعلون والتكنولوجيا الفائقة والاتجاهات».

وأجمع الباحثون في الجلسة الأولى، على أن التغير المناخي لم يعد موضوعاً مرتبطاً بالبيئة فقط، بل بالاقتصاد والأمن والتكنولوجيا أيضاً، ولا يمكن لدولة واحدة أن تجابه مشكلة الاحترار، بل لا بدّ من تضافر الجهود الجماعية ومتعددة الأطراف للوفاء بالالتزامات، وتحقيق خطوات متقدمة في المسألة المناخية.

وقال زاهر فاكير، المستشار لشؤون المفاوضات في فريق دولة الإمارات لمؤتمر «كوب 28» إن هناك طموحاً بأن يحقق المؤتمر إنجازات في التمويل وتخفيف الديون. وخطة المناخ لا تعمل بشكل منفصل عن خطط التنمية ومحاربة الفقر والبطالة. وهناك ضرورة خلق فرص اقتصادية لدعم حياة السكان.

وقالت الدكتورة عائشة السريحي، الباحثة في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية: إن منطقة الخليج تتعايش بشكل جيد مع التغير المناخي، بالرغم من ضعف القطاع الزراعي للوفاء بشكل كامل بالحاجات الوطنية. وهناك حاجة للاستفادة من فرصة «كوب 28» وتعزيز تبادل الخبرات العلمية والتكنولوجية والإدارية وإشراك الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني.

وأوضح الدكتور برايان مانتلانا، مدير البرنامج الإقليمي عن الأثر الكلي لتغير المناخ في مجلس البحوث العلمية والصناعية في جنوب إفريقيا، أنه خلال السنوات الماضية، ظهرت مكانة المجتمع المدني في تعزيز العمل المناخي، وهناك طموحات في تحقيق «كوب 28» إنجازاً في صندوق الخسائر والأضرار.

وناقش خبراء دوليون في الجلسة الثانية الديناميات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، وأجمعوا على أنه يجب على القوى العظمى إعادة النظر في سياستها الراهنة تجاه المنطقة، والنأي بها عن دائرة الاستقطاب الحاد الناتج عن تنامي التنافس بين القوى العالمية الكبرى.

وقال د.بريان كاتوليس، نائب الرئيس لشؤون السياسات في معهد الشرق الأوسط في واشنطن: إن هجوم السابع من أكتوبر وما خلّفه من تداعيات مثل لحظة فارقة على مسار النزاع، وإقليمياً أيضاً. وإن الهجوم لم يأت مصادفة، بل كان مقصوداً لأنه أتى بعد التطورات الحاصلة على مسار التطبيع بين إسرائيل وكثير من الدول الفاعلة في المنطقة. كما أنه أعقب إعلان إنشاء الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا.

وأوضح د. كيليتش بوجرا كانات، مدير الأبحاث في مؤسسة سيتا للبحوث السياسية والاقتصادية والاجتماعية،أنه يتعين العمل على إنشاء نظام أكثر كفاءة في الأمم المتحدة، لحل النزاعات في الشرق الأوسط، وفي غيرها من مناطق العالم. ولإحداث تقدم حقيقي في الشرق الأوسط يجب أن تسعى القوى العالمية العظمى على اجتراح سياسات جديدة تجاه المنطقة وقضاياها.

وقال الدكتور بهجت القرني، مدير منتدى الجامعة الأمريكية في القاهرة: إننا نحتاج لسياسات جديدة لإدارة النزاعات القديمة في منطقة الشرق الأوسط، وهذا يتطلّب التفكير في البدائل الممكنة، وليس تشخيص النزاعات القائمة فقط.

وقالت الدكتورة لينا الخطيب، مديرة معهد الشرق الأوسط في جامعة لندن: إننا نرى شرق أوسط جديداً، آخذاً في الظهور، ولهذا يتعين على المجتمع الدولي أن يتعاطى بجدية أكبر مع هذه المنطقة وصراعاتها الممتدة.

وأوضح الدكتور عبد العزيز الغشيان، من جامعة لانكستر أنه من بين الطرائق الممكنة لمعالجة المعضلات الإقليمية، إيجاد قاعدة للعمل المشترك من أجل التنسيق والاتفاق على الاتجاه الذي يتعين أن تمضي إليه المنطقة.

وقال الباحث الدكتور محمد زغول: إن أسباب الهشاشة الإقليمية القائمة في الشرق الأوسط تعود إلى تداخل إشكالات عدة، يعمل كل منها على تأزيم المنطقة, كما أنها باتت تدعم أثر بعضها في بعض، محوّلةً المنطقة إلى بؤرة أزمات متواصلة، تهدد مسيرة التنمية الطموحة لدى بعض أطرافها الإقليمية عبر توسع نطاق الأزمات، ما يعني أن معالجة هذه الإشكالات يجب أن تتم بالتزامن.

المصدر: صحيفة الخليج

كلمات دلالية: فيديوهات أنور قرقاش فلسطين إسرائيل دولة الإمارات الشرق الأوسط

إقرأ أيضاً:

منير أديب يكتب: مخطط محكم.. خريطة الشرق الأوسط الجديد ودور التنظيمات الإسلاموية في رسمها

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق  أحداث 7 أكتوبر الحلقة الثانية لمشروع الشرق الأوسط الجديد.. الولايات المتحدة تحقق أهدافها فى المنطقة من خلال الحركات المتطرفة بدلًا من الأذرع الإيرانية

لا أحد يستطيع أن يُنكر أن ثمة خريطة جديدة يتم رسمها للشرق الأوسط؛ خاصة أنه تعرض لزلزال كبير من خلال سقوط أنظمة وقيام أخرى، كانت بدايته في عام ٢٠١١، وربما قبل ذلك، بعد احتلال العراق، وصولا إلى أحداث ٧ أكتوبر عام ٢٠٢٣، الذي شهد هجوم حركة المقاومة الإسلامية «حماس» على إسرائيل؛ فمنذ ذلك الهجوم وبدأت ملامح هذا الشرق تتحدد، حتى أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي أن ثمة شرق أوسط جديد في المنطقة العربية.

السهم الذي أطلقته حركة حماس، فرع الإخوان المسلمين في فلسطين، هو البداية الحقيقية لهذا الشرق وشرارة الإعلان عنه؛ فتحت وقع المواجهة التي قامت بها حماس، قُتل إسماعيل هنية وحسن نصر الله وصالح العاروري وآخرون، حتى أن هذه الضربات طالت يحيى السنوار، الذي اتخذ قرار المواجهة مع إسرائيل، وهو ما يتناغم مع ما أرادته إسرائيل فيما بعد.

فقد نجحت إسرائيل في كسر إرادة حزب الله وإعادة احتلال الجنوب اللبناني بعد أن دمرته، وربما تراجعت قوة إيران كثيرًا، وما بين هذا وذاك تم إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، وهنا تم إطلاق الصافرة للتنظيمات الإسلاموية الراديكالية وتحديدًا هيئة تحرير الشام الموجودة في محافظة إدلب، ومنها خرجت للسيطرة على حمص وحماة حتى وصلت إلى دمشق دون أي مقاومة تذكر، وباتت هي القوة الحاكمة في سوريا.

فقد نجحت إسرائيل في إضعاف إيران ومحورها بالكامل في العراق ولبنان واليمن، بينما سقط المحور في سوريا، سقط نظام بشار الأسد وأزيل من الخارطة بعد خمسين عامًا من الحكم، وهنا تم إعطاء الضوء الأخضر لهيئة تحرير الشام والجماعات المنضوية تحت لوائها، فالأخيرة لم يكن لديها مشكلة في أن تكون جزءا من المشروع الإسرائيلي طالما حقق ذلك هدفها، وهنا تبدو العلاقة غير المباشرة والمصلحة المشتركة بين المشروعين.

وهنا يمكن أن نربط بين أحداث ٧ أكتوبر التي وصفها البعض بأنها كانت مفتعلة أو سهلت إسرائيل لها من أجل تحقيق هدف أكبر في مشروعيها السياسي والأمني في المنطقة العربية، وما نجحت في تحقيقه بالفعل بعد أكثر من عام من الصراع، حيث أسقطت أنظمة سياسية في المنطقة من خلال التنظيمات الإسلاموية الراديكالية وهنا نتحدث عن الحالة السورية على وجه الخصوص، ليس هذا فحسب بل استبدلت بعض هذه الأنظمة بهذه التنظيمات، وما زالت تُحاول في تحقيق أهدافها بنفس هذه الطريقة.

ملامح التغيير في الشرق الأوسط والتنظيمات الراديكالية

التغيير الذي شهده الشرق الأوسط مؤخرًا كانت إيران الشيعية والتنظيمات الإسلاموية الراديكالية السنية في القلب منه أيضًا؛ ولكن واشنطن استبدلت التنظيمات السنية بأذرع إيران الشيعية، وهنا يمكن أن نفهم طبيعة الأنظمة والتنظيمات المؤدلجة وخصوصية توظيفها في الصراع الدولي.

الشرق الأوسط الجديد ألمحت إليه وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق، كونداليزا رايس، أثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان يوليو عام ٢٠٠٦، وكانت إيران وهيئة تحرير الشام طرفًا فيه، وربما شرعت تل أبيب هذا المشروع على خلفية هجمات حماس على إسرائيل، وهنا يبدو التوظيف للجماعات الإسلاموية المتطرفة بحسن أو بسوء نية، ولكن يبقى في النهاية أنهما أداة حقيقية لرسم الشرق الأوسط.

أعلنت هيئة تحرير الشام في ٨ ديسمبر عام ٢٠٢٤ سقوط العاصمة السورية دمشق، ومن ثم أدارت الهيئة التي ينضوي تحت جناحها ٥ تنظيمات إسلاموية أنها من تُدير المشهدين السياسي والأمني الحاليان في سوريا؛ فنتاج الزلزال هو صعود التنظيمات الإسلاموية سلم السلطة في المنطقة العربية، وهذا لم يكن عفويًا وإنما كان مخططًا له.

وهنا تبدو خطورة المشروع وتلاقي الأهداف بين تل أبيب وواشنطن من جانب وبين التنظيمات الإسلاموية السنية من جانب آخر، فما كان لهذه التنظيمات أن تصل للسلطة في سوريا إلا بموافقة أمريكية وتخطيط إسرائيلي؛ فأرادت كلا الدولتين أن تحتل هذه التنظيمات الأماكن التي سبق واعتلتها إيران بمحورها.

التنظيمات الإسلاموية فشلت في تجربتها في منطقة الشرق الأوسط بعد العام ٢٠١١، نفس هذه التنظيمات تحاول أن تعيد هذه التجربة وأن تطل على المشهد السياسي في المنطقة العربية ولكن من خلال الشرفة الأمريكية وبرعاية إسرائيل، التي تبدو الراعي الرسمي لهذه التنظيمات، التي ما زالت تتنفس الصعداء بعد أن سيطرت على المشهدين السياسي والأمني في سوريا.

رهان واشنطن وتل أبيب

الولايات المتحدة الأمريكية لها تاريخ طويل في استخدام الجماعات المتطرفة سواء القاعدة أو داعش أو حتى الإخوان المسلمين، التي ترفض وضعهم على قوائم الإرهاب، رغم أنها تعلم أنهم الحاضنة الفكرية لكل التنظيمات المتطرفة، وهو ما يؤكد أن واشنطن لا رغبة لديها لمواجهة هذه التنظيمات، بل تعتبرها ضمن قوى التمرد التي تستخدمها أمريكا للضغط على أنظمة الشرق الأوسط أو لرسم سياستها فيه.

وبالتالي لا توجد لدى واشنطن أي حساسية في التعامل مع التنظيمات الإسلاموية الراديكالية، بل تستثمر في هذا الملف، واتجاهها لمواجهة هذه التنظيمات ليس الهدف منه القضاء عليه ولكن الحد من قدراته فقط، فهذه التنظيمات لها أهمية في رسم سياسات واشنطن.

فعلت واشنطن ذلك في العام ١٩٧٩ كمثال وتحديدًا في الحرب الأفغانية، حيث دعمت المقاتلين العرب أو المجاهدين العرب، هؤلاء هم من شكلوا فيما بعد تنظيم القاعدة أو قاعدة الجهاد، وظل دعم واشنطن لهم حتى نجحوا في اختراق أمن الولايات المتحدة الأمريكية ونفذوا هجمات ١١ سبتمبر عام ٢٠٠١، وهنا اضطرت أمريكا لمواجهة التنظيم.

حتى هذه المواجهة التي أعقبت هذا الهجوم لم تكن على المستوى، باستراتيجية واشنطن لمواجهة الإرهاب والقاعدة وداعش بعد العام ٢٠٠١ ما زالت محل نظر وعلى أفضل تقدير يمكن وصفها بالاستراتيجية الفاشلة، ورغم ذلك دعمت واشنطن التنظيمات المتطرفة في دول أخرى، وربما تساهلت كثيرًا في مواجهة داعش، الابن الشرعي للقاعدة بما يُشكك في استراتيجية أمريكا.

وهنا أرادت واشنطن وتل أبيب استخدام التنظيمات الإسلاموية في منطقة الشرق الأوسط بهدف إعادة رسم خرائطه؛ فواجهت بعض هذه التنظيمات بتنظيمات أخرى، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أرادت أن تُحقق أهدافها وترسم حدود أمنها، وكان البطل في هذه القصة التنظيمات الإسلاموية الراديكالية، التي لم يكن لديها مانع من القيام بهذا الدور.

التنظيمات الإسلامية تُراهن على خريطة إسرائيل التي تُعيد رسمها، كما تُراهن الأخرى في تنفيذ هذه الخريطة على التنظيمات المتطرفة ذات الخلفية السنية، وهذا قد يُفكك المشهد ويزيل الالتباس عن السيطرة السريعة والدعم المتواصل للتنظيمات الإسلامية في سوريا.

وهذا يبدو واضحًا من لغة خطاب أحمد الشرع الملقب بأبو محمد الجولاني، والذي يتغزل من خلاله في أمن إسرائيل، ومطالبته للولايات المتحدة الأمريكية أكثر من مرة أن تكون وسيطًا مع تل أبيب، فضلًا عن التصريحات الأخرى التي يتحدث فيها قيادات الهيئة بأنهم باتوا منكفئين على بناء دولتهم ولا يسعون لزعزعة استقرار أي بلد حدودي!

واشنطن لن تفك ارتباطها بالتنظيمات الإسلاموية؛ فهي ساعدها الأيمن في المواجهة مع بعض الأنظمة العربية وغير العربية، كما أنه بديل يستخدم العنف، وبالتالي قادر على تحقيق أهدافه وأهدافها وبسرعة وبطريقة تبدو آمنة، وهو ما تُدركه هذه التنظيمات وتستخدمه في معركتها مع خصومها.

الأنظمة الوطنية ومواجهة التنظيمات الراديكالية

هناك صراع بين مشروعين في المنطقة، مشروع وطني هدفه الإبقاء على تماسك الدول والحفاظ على مكوناتها، ومشروع آخر مرتبط بمواجهة التنظيمات المتطرفة، التي تسعى لتفكيك هذه الأنظمة وبناء مشروعها القائم على الإرهاب والتطرف.

المجتمع الدولي غير معني بمشروع الحفاظ على الدول، بل يسعى لاستخدام التنظيمات الإسلاموية من أجل تفكيك وتقسيم المنطقة العربية، وهنا تبدو أهميته في تحقيق هذا الغرض، خاصة أن هذه التنظيمات مسلحة وتستخدم العنف، وبالتالي قادرة على تحقيق أهدافها سريعًا، وهنا تبدو شكل العلاقة وقوتها وربما يُفسر ذلك استمراريتها.

هناك رغبة أمريكية في تفكيك المنطقة العربية من أجل تحقيق أمن إسرائيل، وتستخدم التنظيمات الإسلاموية الراديكالية التي تدعي أنها تُحارب إسرائيل في هذه المهمة، وهناك مشروع وطني هدفه تماسك الدول وبقاءها قوية؛ وهنا تقع هذه الدول بين سندان الرغبة الإسرائيلية والإرادة الأمريكية وحلف التنظيمات الإسلاموية التي ترغب في الصعود بأي صورة.

دول المنطقة العربية تقف أمام المشروع الأمريكي وأمام رغبة إسرائيل في تفكيك بعض الدول معتقدة أن ذلك سوف يُحقق أمنها، كما أن دول المنطقة تواجه أدوات كلا الدولتين في المنطقة ممثلة في التنظيمات الإسلاموية الراديكالية التي لم تبدي أي ممانعة من التماهي مع هذا المشروع؛ ويبدو هذا واضحًا بصورة كبيرة مع الحالة السورية.

صحيح واشنطن تُحاول أن تضغط من أجل تنفيذ مشروعها وتُعطي مساحة أكبر للتنظيمات الإسلاموية وتُطالب دول المنطقة العربية أن تُعلن تأيدها ودعمها لهذه التنظيمات، تارة بهدف الحفاظ على أمنها هي! وتارة أخرى بادعاء أن هؤلاء يحملون رياح التغيير التي لا بد منها، والحقيقة أن هؤلاء يحملون الشرور والسموم للمنطقة العربية بأكملها، لأنهم جزء من مشروع التقسيم والتفتيت.

في النهاية لابد أن ينتصر المشروع العربي على المشروع الأمريكي أو على مشروع تمكين التنظيمات الإسلاموية الراديكالية في المنطقة العربية؛ لأنه مشروع تخريبي لكل المنطقة، وقائم على أيديولوجيا سامة مستقاة من أفكار هذه التنظيمات ومن رغبة أمريكية هدفها الأساسي تحقيق مصالحها ومصالح إسرائيل ولكن على حساب المشروع الوطني العربي.

آلية مواجهة المشاريع الاستعمارية وخرائط التفتيت

لا بد بداية من الانتباه إلى خطورة المشروع الأمريكي ودور التنظيمات الإسلاموية الراديكالية في هذا المشروع، وبالتالي مواجهة كل هذه المشاريع مجتمعة من خلال عدة نقاط أهمها وأبرزها:

الاتفاق على مواجهة التنظيمات الإسلاموية الراديكالية التي تمثل خطرا على أمن المنطقة العربية، والوقوف أمام محاولات دعم هذه التنظيمات أو استخدامها سواء من قبل المجتمع الدولي أو من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

وضع رؤية عامة للمواجهة تكون مبنية على الاتفاق على الأهداف والنتائج معًا، بمعنى يكون هناك مشروع عربي موحد، أو الحفاظ على هذا المشروع أمام مشاريع التغريب والاحتلال والتفكيك.

وضع رؤى استشرافية للخطط التي يتم وضعها لتمكين التنظيمات المتطرفة، كما لا بُد من قراءة هذه التنظيمات قراءة دقيقة تنتهي بمواجهتها وفق ما وصلت إليه من تحولات حقيقية.

لا يمكن النجاح في مواجهة خطط إعادة رسم الشرق الأوسط أو بمعنى أحرى العبث بأمن هذا الشرق دون مواجهة التنظيمات الإسلاموية أو وضع خطة لذلك، وألا يكون ذلك مرتبطًا باستخدام هذه التنظيمات برسم حدود الشرق الأوسط الجديد، وإنما يكون مبعثه خطورة هذه التنظيمات في أمن المنطقة العربية.

مواجهة التنظيمات الإسلاموية الراديكالية لا بُد أن تكون شاملة لكل التنظيمات المتطرفة سواء المحلية أو الإقليمية أو عابرة الحدود والقارات وألا يتم التفريق بين كل هذه التنظيمات، لخطورة مشروعها، ولأنها جميعًا قائمة على هدم الدول، وكل منها قائم على خدمة غيرها في تحقيق الهدف، حتى ولو كانت بينها جميعًا خصومة معلنة.

لا بُد من احتضان الأهداف العربية لمواجهة كل المشاريع القائمة على التفتيت والتجزئة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية من خلال التصالح مع التنظيمات الإسلاموية الراديكالية، وأن تتحمل القاهرة وأبوظبي والرياض، دورها في مواجهة هذه المشاريع والحفاظ على وحدة المشروع العربي.

أخذ هذه التوصيات بعين الاعتبار من خلال احتضانها من قبل جامعة الدول العربية، التي تضم في عضويتها كل الدول العربية، على اعتبار أن هدف المشروع هو تفكيك المنطقة العربية وتجزئتها وإعادة رسم حدودها من جديد، وبالتالي لا بُد أن يكون لها دور في المواجهة.

مقالات مشابهة

  • الغرفة التجارية: كينيا تدرك دور مصر كشريك موثوق في منطقة الشرق الأوسط
  • بويدن الشرق الأوسط.. 25 عاماً من التميز القيادي في منطقة الشرق الأوسط
  • القطاع المصرفي الإماراتي الأكبر في الشرق الأوسط بإجمالي أصول 4.457 تريليون درهم
  • قرقاش: منطقتنا بحاجة إلى تفكير عقلاني معتدل يركز على الحلول السياسية
  • قرقاش: "رايسينا الشرق الأوسط" منصة معرفية ترسخ مكانة أبوظبي
  • اقتراح ترامب لتطهير غزة يذهل كل الأطراف ويربك دبلوماسية الشرق الأوسط
  • منير أديب يكتب: مخطط محكم.. خريطة الشرق الأوسط الجديد ودور التنظيمات الإسلاموية في رسمها
  • الاتحاد الأوروبي: نلتزم بحل الدولتين كإطار لتحقيق سلام مستدام في الشرق الأوسط
  • تيك توك تكرم المواهب والإبداعات المتميزة في المنطقة
  • برلماني: ندعم «بوصلتنا الوطنية» ونرفض المخططات التي تتعرض لها منطقة الشرق الأوسط