62.4 مليار درهم حجم سوق الصكوك والسندات والقروض الخضراء إنشاء «صندوق دبي الأخضر» بقيمة تصل إلى 100 مليار درهم

أبوظبي: «الخليج»

كثّفت دولة الإمارات جهودها في مواجهة تداعيات التغير المناخي وحماية البيئة، عبر عمل مؤسسي ممنهج شمل جميع المجالات، سعياً للوصول إلى متطلبات الاستدامة وتحقيق الحياد المناخي وتقليل الانبعاثات، ضمن سلسلة متواصلة من المبادرات والقرارات على مدى السنوات الماضية، حققت من خلالها الريادة في مجال العمل المناخي، لا سيما وهي تستعد لاستقبال العالم في مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «مؤتمر الأطراف COP28» الذي يُعقد خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر من العام الجاري في مدينة إكسبو دبي.

ويعد التمويل المستدام أحد أبرز المحطات في سجل الإمارات الهادف إلى ترسيخ الحلول الصديقة للبيئة، حيث حققت الدولة في هذا المجال إنجازات نوعية وقطعت شوطاً كبيراً على مدى سنوات طويلة، حتى أصبحت من أنشط دول المنطقة في عمليات إصدار الصكوك والسندات الخضراء، واضعة هدفاً استراتيجياً يتمثل في التحوّل إلى مركز عالمي للاستدامة عبر إيجاد حلول مبتكرة تسهم في تعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة، لضمان مستقبل أفضل للأجيال الحالية والقادمة.

وأظهرت دولة الإمارات التزامها الراسخ تجاه مبادرات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية المستدامة، من خلال استخدامها مجموعة متنوعة من الأدوات المالية المستدامة. وقد ساهمت الكيانات الرئيسية بشكل كبير في دفع إجمالي المساهمات المصنفة في مجال الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية في الإمارات حيث بلغت هذه المساهمات 9.45 مليار دولار، وهو ما يؤكد التزام المنطقة بالتمويل المستدام ودورها الحيوي في معالجة تحديات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية على المستوى العالمي، وذلك بالإضافة إلى العديد من المبادرات الأخرى.

وقد ظهرت آثار اهتمام حكومة دولة الإمارات بتعزيز الحلول التمويلية المستدامة في كثير من المبادرات عبر إصدار السندات والصكوك الخضراء وتشجيع القروض التمويلية الصديقة للبيئة حتى وصل حجم سوق الصكوك والسندات والقروض الخضراء في الدولة خلال السنوات الماضية إلى ما يقارب 17 مليار دولار أي ما يعادل 62.44 مليار درهم.

وتنسجم جهود الإمارات في مجال الحلول التمويلية المستدامة وإصدار الصكوك والسندات الخضراء مع أهداف محور «الطريق نحو تحقيق الحياد المناخي» ضمن حملة «استدامة وطنية» التي تم إطلاقها مؤخراً تزامناً مع الاستعدادات لاستضافة «مؤتمر الأطراف COP28».

مبادرات بطابع عالمي

و تعدّ جهود التمويل المستدام والصكوك الخضراء في دولة الإمارات سلسلة متصلة من المبادرات ذات الطابع العالمي التي تستشرف آفاق الحلول التمويلية الصديقة للبيئة، وتضع الاستراتيجيات والخطط التي تضمن استقطاب رأس المال لإيجاد حلول مبتكرة لمكافحة آثار التغير المناخي.

وخلال الأعوام الماضية رسخت دولة الإمارات مكانتها في ميدان حلول التمويل الخضراء، حيث بدأت بإحداث تغيير جوهري في قطاع التمويل وتأسيس شراكات استراتيجية مع أهم المؤسسات الوطنية العاملة في مجال الاستثمار والتمويل، علاوة على وضع السياسات والأطر التنظيمية الملائمة لتحفيز القطاع الخاص على المشاركة بصورة أكبر للاستثمار في المشاريع الخضراء.

وتنوعت المبادرات التي تبنتها دولة الإمارات خلال الفترة الماضية في مجال التمويل المستدام، وكان من أبرزها إعلان أبوظبي للتمويل المستدام في عام 2019، الذي أضاف دعامة أخرى إلى جهود دولة الإمارات الهادفة إلى تشجيع الاستثمار في الحلول المالية المستدامة من خلال الصكوك والسندات الخضراء، كما شكّل الإعلان منصّة رائدة لتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص لتطوير حلول مبتكرة لجذب وزيادة الاستثمارات الخضراء والمستدامة، وإتاحة المجال أمام تمويل المشاريع والمبادرات التي تدعم قطاع التمويل المستدام وتخدم رؤية الإمارات وأجندتها الخضراء، ومثّل منطلقاً للمبادئ الإرشادية حول التمويل المستدام لدولة الإمارات المنشورة في عام 2020 وهي المبادرة الأولى من نوعها في ضوء أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة والتي تهدف إلى دفع أولويات الاستدامة التي تشكل جوهر أجندة التنمية الاقتصادية للدولة.

وحسب إحصائيات نُشرت مطلع العام الجاري، وصل عدد الجهات التي انضمت إلى «إعلان أبوظبي للتمويل المستدام» منذ إطلاقه إلى أكثر من 117 عضواً، حيث يعمل الأعضاء على إنشاء قطاع تمويل مستدام مزدهر إضافة إلى عقد حوار بناء على مستوى القطاع محلياً ودولياً، الأمر الذي يرسي أسس قطاع التمويل المستدام بما يدعم جهود الدولة في تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.

وفي عام 2021 اتخذت سياسة السندات والصكوك الخضراء منحى بارزاً تجلّى في «الإطار الوطني للتمويل المستدام 2021» الذي يعد إطاراً تنظيمياً للصناديق والمحافظ الخضراء والخاصة بالتحوّل المناخي، والسندات والصكوك الخضراء المرتبطة بالاستدامة، الأمر الذي شكّل خطوة مهمة لتوجيه رؤوس الأموال لتمويل مشاريع التحول نحو الحياد المناخي، حيث أعلن سوق أبوظبي العالمي، خلال العام الجاري، عن بدء تطبيق الإطار التنظيمي للتمويل المستدام، والذي يعزز مكانة السوق كمركز رائد للتمويل المستدام وبيئة محلية لأنشطة التمويل المستدام.

وتعتبر استراتيجية دبي للطاقة النظيفة 2050، إحدى أبرز المبادرات التي تبنتها دولة الإمارات خلال الفترة الماضية في مجال التمويل المستدام، والتي تهدف لإنتاج 75 في المئة من احتياجات دبي من الطاقة من مصادر نظيفة بحلول عام 2050. وتضمنت الاستراتيجية خمس مسارات رئيسية هي البنية التحتية، والبنية التشريعية، والتمويل، وبناء القدرات والكفاءات، وتوظيف مزيج الطاقة الصديق للبيئة.

وقد ارتبط مسار التمويل بإيجاد حلول تمويلية للاستثمار في مجال البحث والتطوير المرتبط بالطاقة النظيفة وتطبيقاتها، حيث اندرج تحت هذا المسار إنشاء «صندوق دبي الأخضر» بقيمة تصل إلى 100 مليار درهم، والذي سيسهم من خلال موارده المالية في توفير قروض ميسرة وأدوات تمويلية لمستثمري قطاع الطاقة النظيفة في الإمارة وبنسب فائدة مخفضة.

وتم بعد ذلك إطلاق إعلان دبي للتمويل المستدام خلال اجتماع الطاولة المستديرة الرابع عشر لمبادرة التمويل لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP-FI، والذي عقد بدبي في أكتوبر 2016، بهدف إبراز جهود دولة الإمارات في مجال الاستدامة والتزامها بدعم تحوّلها نحو اقتصاد أخضر ومستدام من خلال إقامة شراكات إستراتيجية مع مؤسسات التمويل الهادفة لإحداث تغيير جذري، ومساعدة المنظمات التي تسهم بنشاط في إيجاد حلول مبتكرة لمواجهة آثار التغير المناخي.

وتعمل وزارة التغير المناخي والبيئة بالتعاون مع كافة الشركاء الاستراتيجيين على تعزيز الوعي المجتمعي لدى القطاعات الاستثمارية بأهمية السندات والصكوك الخضراء، كونها أحد حلول التمويل الفعّالة لتعزيز الاستدامة.

تشجيع الحلول المستدامة

تأتي أهمية التمويل المستدام في دولة الإمارات تأكيداً لالتزامها بدعم أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030، حيث استطاعت المنهجية الاستباقية لخطط حكومة الإمارات رسم ملامح هذا القطاع بأدوات مرنة قابلة للتطبيق، ومبادرات حققت في مجموعها مستهدفات الدولة في الوصول إلى الحياد المناخي، وتشجيع الاستثمار والتمويل في المشاريع الصديقة للبيئة، ضمن توجهات تركز على زيادة الالتزام بالتصدي للتغير المناخي، والاهتمام الحقيقي بالاستثمار في الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية والإفصاح عنها، وسد الفجوة من خلال التمويل المُبتَكر، وتشجيع البنوك والقروض الخضراء، والتركيز على أهمية المعلومات والبيانات، وسنّ القوانين والتشريعات اللازمة لتشجيع التمويل المستدام.

وشجعت دولة الإمارات على إصدار الصكوك والسندات الخضراء كونها تقدّم لمُصْدريها فوائد كثيرة تتمثل في تعزيز سمعة هذه المؤسسات وزيادة الثقة بهما عبر إبراز مدى اهتمامها بحماية البيئة والمساهمة في تحقيق الحياد المناخي، فضلاً عن تعزيز دور هذه الجهات في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، ويضاف إلى ذلك أيضاً أن الاستثمار في الصكوك الخضراء يقدم فائدة للمستثمرين ومشتري هذا النوع من الأوراق المالية، حيث تضمن لهم عوائد كبيرة نظراً لقوة الجذب التي يتمتع بها هذا النوع من الاستثمار، كما تحقق لهم مكانة إيجابية في الحراك المجتمعي الهادف لدعم العمل البيئي وحماية المناخ.

وأتاحت هيئة الأوراق المالية والسلع للشركات المساهمة العامة إصدار سندات وصكوك خضراء يتم استخدام حصيلة الاكتتاب بها بالكامل لتمويل أو إعادة تمويل مشروعات مستدامة صديقة للبيئة؛ مثل مشاريع الطاقة المتجددة، ومشاريع كفاءة الطاقة، ومشاريع منع التلوّث والسيطرة عليه، ومشاريع الإدارة المستدامة بيئياً للموارد الطبيعية الحية واستخدام الأراضي، ومشاريع الحفاظ على التنوّع البيئي البري والمائي، ومشاريع النقل النظيف، ومشاريع الإدارة المستدامة للمياه ومياه الصرف الصحي، فضلاً عن إصدار الشركات للسندات والصكوك المرتبطة بالاستدامة، وتماشياً مع «عام الاستدامة» 2023، أعفت الهيئة الشركات الراغبة بإدراج سنداتها أو صكوكها الخضراء أو المرتبطة بالاستدامة في أحد الأسواق المحلية من رسوم التسجيل عن عام 2023.

تسابق في الميدان الأخضر

تتسابق شركات وبنوك إماراتية في الميدان الأخضر للسندات والصكوك، وظهر ذلك بشكل ملحوظ خلال «عام الاستدامة» واستعداداً لاستقبال «مؤتمر الأطراف COP28» حيث جمعت شركتا «الدار العقارية» و«ماجد الفطيم»، بالإضافة إلى بنكي «دبي التجاري» و«أبوظبي الأول» خلال الأشهر الأخيرة من العام الحالي 2.1 مليار دولار «7.7 مليار درهم» من بيع سندات خضراء.

وفي مطلع العام الجاري أعلن بنك دبي الإسلامي، عن نجاحه في تسعير ثاني إصداراته من الصكوك المستدامة بقيمة مليار دولار، مع أجل استحقاق يمتد لخمس سنوات ونصف السنة، وقد اتسم بكونه أكبر إصدار مستدام على الإطلاق من قبل مؤسسة مالية في الشرق الأوسط.

الجدير بالذكر أن سوق السندات والصكوك الخضراء قد حظي بإقبال خليجي وعربي، فقد سجل سوق السندات والصكوك الخضراء والمستدامة في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي رقماً قياسياً جديداً خلال العام الماضي 2022، مع زيادة عدد الإصدارات بأكثر من الضعف، كما أظهرت بيانات جداول «بلومبيرغ» لأسواق رأس المال، أن إجمالي إصدارات السندات والصكوك الخضراء والمستدامة في دول مجلس التعاون بلغت 8.5 مليار دولار من 15 صفقة خلال العام الماضي، مقارنة بنحو 605 ملايين دولار من 6 صفقات خلال عام 2021.

وعربياً، أعلن صندوق النقد العربي أن إصدارات الدول العربية من السندات والصكوك الخضراء المُرتبطة بالأنشطة المُستدامة سواء السيادية أو التي يطرحها القطاع الخاص بلغت نحو 5.5 مليار دولار في عام 2022.

وشهدت ناسداك دبي ارتفاعاً كبيراً في القيمة الإجمالية لقوائم الديون المصنفة وفق أنظمة الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية. وقد بلغت القيمة الإجمالية لتلك الديون25.45 مليار دولار، في ظل نموّ ملحوظ لعدد الطروحات التي تشهدها ناسداك دبي، مسلّطة الضوء على مجموعة متنوّعة من الأدوات المالية المستدامة المتاحة في السوق.

وسجلت قوائم الدخل الثابت الخاصة بأنظمة الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية في «ناسداك دبي» نمواً ملحوظاً بنسبة 128% في العام الجاري (2023) مقارنةً بالعام السابق بأكمله. ويُعتبر هذا النمو بمثابة دلالة على الالتزام العالمي المتزايد بالتمويل المستدام والاستثمار المسؤول.

وجاء المساهمون الرئيسيون في الديون المصنفة وفق أنظمة الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية كالتالي: تصدرت حكومة إندونيسيا لائحة مُصدري الديون المصنفة في «ناسداك دبي»، بإجمالي طروحات قدره 3.75 مليار دولار. وتضم هذه اللائحة البنك الصناعي والتجاري الصيني (ICBC) بقيمة طروحات قدرها 6.93 مليار دولار والبنك الإسلامي للتنمية (IsDB) بقيمة 2.5 مليار دولار. وتلعب هذه المؤسسات دوراً حيوياً في تشكيل سوق سندات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية في الأسواق المالية ما يؤكد التزامها بتعزيز التمويل المستدام وممارسات الاستثمار المسؤول.

وتصدرت دولة الإمارات قائمة مُصدري سندات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، وأظهرت التزاماً بإصدار السندات الخضراء والاستدامة، حيث بلغ إجمالي قيمة سندات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية مجتمعة 8.6 مليار دولار. وتترأس قائمة الشركات التي تصدر هذه السندات شركة ماجد الفطيم للصكوك، بسندات خضراء قيمتها 1.7 مليار دولار. وتتلوها بفارق بسيط شركة «دي بي ورلد الهلال المحدودة»، بسندات خضراء قيمتها 1.5 مليار دولار. ثم فرع مركز دبي المالي العالمي، بمساهمة كبيرة بلغت قيمتها 1.18 مليار دولار من السندات الخضراء. وتجسد هذه المؤسسات المالية التزامها بالاستدامة، في حين تواصل دولة الإمارات جهودها لتكون مثالاً يحتذى به في الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية على مستوى العالم، وتأكيد التزامها بمستقبل مستدام.

المصدر: صحيفة الخليج

كلمات دلالية: فيديوهات كوب 28 الحوکمة البیئیة والاجتماعیة والمؤسسیة للتمویل المستدام التمویل المستدام السندات الخضراء الحیاد المناخی الصکوک الخضراء الصدیقة للبیئة التغیر المناخی مؤتمر الأطراف الأمم المتحدة دولة الإمارات من المبادرات العام الجاری حلول التمویل ملیار دولار حلول مبتکرة ملیار درهم ناسداک دبی فی مجال من خلال فی عام

إقرأ أيضاً:

اقتصاد أميركا في فخ الديون.. ما تداعيات أزمة السندات على العالم؟

في عالم المال، لطالما ارتبطت السندات الأميركية بمعاني الأمان والاستقرار، وكانت الخيار الأول للمستثمرين في أوقات الأزمات والتقلبات.

لكن مؤخرًا، تغيّر هذا المشهد بصورة لافتة.

فقد دفعت القرارات السياسية المثيرة للجدل، والمؤشرات الاقتصادية المتضاربة، إلى تآكل الثقة في هذا "الملاذ الآمن"، مما تسبب في موجات بيع واسعة في الأصول الأميركية وارتفاع في العوائد، وسط قلق متصاعد من مستقبل الاقتصاد الأميركي.

في هذا المقال، سنستعرض بشكل مبسّط ومركز أهم الأسباب التي تقف وراء هذا التحوّل اللافت في سوق السندات الأميركية، كما نسلّط الضوء على تداعيات استمرار هذا الاتجاه على الاقتصاد الأميركي والعالمي .

أسباب ارتفاع عوائد السندات؟

 1-التعريفات الجمركية… بداية الشرارة

شكّل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن فرض تعريفات جمركية جديدة نقطة تحوّل حاسمة في السوق، إذ اعتبره المستثمرون إشارة واضحة على التوجه نحو الانغلاق الاقتصادي، الأمر الذي يُنذر بارتفاع التكاليف وتسارع وتيرة التضخم.

2- استهداف ركائز استقرار الدولة 

منذ تولّي إدارة الرئيس دونالد ترامب الحكم، شهدت السياسة الأميركية تغييرات جذرية، خصوصًا على المستويين الاقتصادي والدولي فقد تم التراجع عن عدد من الثوابت والأعمدة التي طالما كانت الركائز الأساسية في تطور الدولة الأميركية وتوسّع نفوذها عالميًا، مثل حرية التجارة، واحترام الاتفاقيات الدولية، جذب الكفاءات والمهاجرين، وتعزيز التعاون مع الحلفاء التقليديين.

إعلان

وقد أثار هذا التحوّل المفاجئ في التوجهات الإستراتيجية قلقًا واسعًا في الأوساط الاستثمارية، حيث أرسل إشارات سلبية إلى الأسواق العالمية بشأن مدى قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على استقرارها الاقتصادي والسياسي.

وكان ضرب هذه الركائز مصدر قلق عميق للأسواق المالية وللمستثمرين، المحليين والدوليين على حد سواء، إذ ساهم في تعميق حالة عدم اليقين، وأضعف الثقة في استمرارية السياسات الأميركية على المدى البعيد.

وقد انعكست هذه المخاوف في تحرّك ملحوظ للمستثمرين نحو الخروج من سوق الأسهم والسندات الأميركية والدولار، مما أدى إلى ارتفاع كبير في عوائد السندات الحكومية، وهو ما يُعدّ مؤشرًا مباشرًا على تصاعد مستوى المخاطر، وتراجع الثقة في قدرة الولايات المتحدة على الوفاء بالتزاماتها المالية، حتى على المدى الطويل، في مشهد لم يتكرر منذ عقود.

 3- التضخم يطرق أبواب الاقتصاد

كل زيادة في التعريفات تؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع، ما يرفع تكاليف المعيشة، وهذا التزايد يضغط على المستهلكين والمستثمرين، مما يدفع المستثمرين في السندات للمطالبة بعوائد أعلى لتعويض خسارة القوة الشرائية بسبب التضخم.

4- رفع الفائدة والتأثير على السندات

عندما يرتفع التضخم، يتوقع السوق أن يتخذ الفدرالي الأميركي خطوة لرفع أسعار الفائدة بهدف احتواء هذا التضخم.

ومع زيادة الفائدة، تصبح السندات القديمة بعوائد منخفضة أقل جاذبية ولحل هذه المعضلة، تنخفض أسعار السندات القديمة في السوق لجعل عوائدها تتماشى مع الفائدة، مما يؤدي إلى زيادة في العوائد على السندات القديمة ورفع قيمة العائد على السندات التي سوف تطرح حديثا.

 5- ركود يلوح في الأفق

ارتفاع الأسعار، وتراجع القوة الشرائية وزيادة معدلات الفائدة نتيجة السياسات التجارية والتعريفات الجمركية، بالإضافة إلى احتمالية تراجع إيرادات الشركات وارتفاع تكلفة الاقتراض، كلها مؤشرات تهدد بحدوث ركود اقتصادي محتمل، وهذا التهديد يعزز المخاطر على السندات الأميركية، مما يدفع المستثمرين للمطالبة بعوائد أعلى، وهو ما يؤدي  أيضا إلى رفع تكلفة الاقتراض وزيادة الضغط على الاقتصاد الأميركي.

إعلان

6- فقدان الثقة في قرارات الإدارة الأميركية

فقد المستثمرون الثقة في استقرار السياسات الأميركية تحت إدارة الرئيس ترامب، حيث أصبح التغيير المفاجئ هو القاعدة، وهذا الشعور بعدم اليقين دفع العديد منهم إلى الخروج من سوق السندات، بل ومن الأصول الأميركية ، بحثًا عن أسواق أكثر استقرارًا وأقل تقلبًا.

7- بيع جماعي وتسييل للأصول الأميركية  

شهدت الأسواق الأميركية حالة من البيع الجماعي لم تقتصر على الأسهم فقط، بل امتدت لتشمل السندات، التي كانت تُعد ملاذًا آمنًا، وكذلك الدولار وهذا ينذر بفقدان الثقة في الاقتصاد الأميركي وزيادة المخاوف من المستقبل في ظل غموض المشهد الحالي.

  وهناك مفارقة مقلقة، فالعوائد ترتفع والدولار يتراجع، بينما في الظروف الطبيعية، ارتفاع عوائد السندات يعني عادة قوة الدولار. في الواقع الحالي، المشهد مختلف تمامًا.

ماذا يعني هذا؟ يعني أن المستثمرين لم يعودوا يثقون في السندات أو حتى في العملة الأميركية نفسها.

إنه ليس مجرد بحث عن أرباح، بل هروب من خطر يلوح في الأفق"

8- ارتفاع التقلبات.. والسندات تدفع الثمن

تسببت التقلبات الكبيرة في الأسواق وحالة عدم اليقين في تحوّل ملحوظ في تقييم المستثمرين للاقتصاد الأميركي، حيث أصبحوا يطالبون بعوائد مرتفعة على السندات الأميركية لتعويض المخاطر المتزايدة.

لكن هذا الارتفاع في العوائد يفرض ضغطًا كبيرًا على الموازنة الأميركية، سواء في الوقت الحالي أو في المستقبل.

حالة خوف تُهيمن على الأسواق

الخوف في الأسواق معدٍ، ومع غياب قرارات حاسمة من الإدارة الأميركية، تصاعدت حالة الهلع، وتوسعت موجات البيع لتشمل الأسهم والسندات والدولار، مما عمّق الاضطراب المالي.

هل ما زالت هذه الأسباب قائمة؟

الإجابة "نعم"

ماذا يعني استمرار ارتفاع العوائد على السندات الأميركية؟
ارتفاع عوائد السندات الأميركية لا يُعد مكسبًا للمستثمرين، بل يُمثّل أيضاً عبئًا ماليًا متزايدًا على الحكومة الأميركية.

فكل نقطة ارتفاع في العوائد تُترجم إلى مليارات الدولارات الإضافية التي تُدفع كفوائد على الدين العام، الذي تجاوز 36.2 تريليون دولار حتى فبراير/شباط 2025.

التكلفة الحالية للديون الأميركية

تدفع الولايات المتحدة اليوم أكثر من تريليون دولار سنويًا كفوائد على ديونها، مع تسجيل زيادة سنوية تُقدّر بـ240 مليار دولار.

إعلان

ومع استمرار هذا الاتجاه التصاعدي في العوائد، يصبح تمويل الدين أكثر كلفة، ما يضغط على الميزانية الفدرالية ويهدد الاستقرار الاقتصادي في المدى القريب والمتوسط.

وإذا استمر هذا الاتجاه دون كبح، فإن النتيجة المتوقعة ستؤدي إلى:

ضغط هائل على الميزانية الفدرالية، مما سيجبر الحكومة على تقليص الإنفاق في قطاعات أساسية مثل التعليم، الرعاية الصحية، الدفاع، والضمان الاجتماعي. تهديد الاستقرار المالي الداخلي، فقد تزيد احتمالات إغلاق حكومي مطوّل نتيجة عجز في تمرير الموازنات، كما حدث في أزمات 2011 و2013. خفض محتمل للتصنيف الائتماني، فقد تعيد مؤسسات التصنيف النظر في الجدارة الائتمانية للولايات المتحدة، مما يرفع تكلفة الاقتراض أكثر. تأثير مباشر على المواطن الأميركي؛ إذ ارتفاع العوائد يُترجم إلى ارتفاع في أسعار الخدمات التي تقدمها الدولة وارتفاع أسعار الفائدة على القروض العقارية، وتمويل السيارات، وحتى البطاقات الائتمانية، مما يُضعف القدرة الشرائية للأميركيين. ما حجم سوق السندات الأميركية وأهم حامليها؟

بلغ حجم سوق السندات الأميركي 8.5 تريليونات دولار وهو يمثل 23.5% تقريبا من إجمالي الدين الأميركي.

 أهم 10 حملة للسندات الأميركية

حسب بيانات وزراة الخزانة الأميركية هذه قائمة بأهم حملة السندات الأميركية في العالم:

اليابان يناير/كانون الثاني 2024:  1140.6 مليار دولار يناير/كانون الثاني 2025:  1079.3 مليار دولار الصين يناير/كانون الثاني 2024:  797.7 مليار دولار يناير/كانون الثاني 2025:  760.8 مليار دولار المملكة المتحدة يناير/كانون الثاني 2024:  701.8 مليار دولار يناير/كانون الثاني 2025:  740.2 مليار دولار لوكسمبورغ يناير/كانون الثاني 2024:  348 مليار دولار يناير/كانون الثاني 2025:  409.9 مليارات دولار جزر الكايمان يناير 2024:  327.9 مليار دولار يناير 2025:  404.5 مليارات دولار بلجيكا يناير 2024:  293.1 مليار دولار يناير 2025:  377.7 مليار دولار كندا يناير 2024:  351.3 مليار دولار يناير 2025: 350.8 مليار دولار إعلان فرنسا يناير 2024:  256.4 مليار دولار يناير 2025:  335.4 مليار دولار أيرلندا يناير 2024:  334.6 مليار دولار يناير 2025:  329.7 مليار دولار سويسرا يناير 2024:  284.2 مليار دولار يناير 2025:  301.1 مليار دولار

أهم حملة للسندات الأميركية من الدول العربية

حسب وزارة الخزانة الأميركية ووكالة رويترز تتربع السعودية وبعدها الإمارات ثم الكويت على قائمة أكبر مالكي السندات الأميركية من الدول العربية:

السعودية: 126.9 مليار دولار الإمارات: 92.6 مليار دولار الكويت: 49.2 مليار دولار معلومة مهمة عن السندات الأميركية يجب على الولايات المتحدة إعادة تمويل سندات بـ8 تريليونات دولار وطرحها في السوق قبل نهاية 2025. كما يجب عليها إصدار سندات جديدة بـتريليونيْ دولار لتمويل عجز الموازنة قبل نهاية 2025.  كم يبلغ الدين الأميركي؟ بلغت قيمة الدين العام الأميركي 36.2 تريليون دولار بنهاية فبراير/شباط 2025 ارتفع الدين الأميركي بنسبة 85.5% خلال آخر 10سنوات تقريبا. قيمة السندات الأمريكية تشكل ما يقارب من 32% من الناتج المحلى الإجمالي. تصل قيمة الدين الأميركي العام إلى 123% من الناتج المحلى الإجمالي.

هيكل الدين الأميركي وفقًا للجهات الدائنة مستثمرون أميركيون ومستثمرون آخرون وهم :البنوك التجارية وشركات التأمين وشركات إدارة الأصول والمستثمرون الأفراد وصناديق التقاعد والشركات الكبرى والهيئات المحلية وحكومات الولايات، ويستأثرون بـ19.7 تريليون دولار وتمثل 56% من إجمالي الدين الأميركي. مستثمرون خارجيون (أجانب):  ويستأثرون بـ8.5 تريليونات دولار وتمثل 24% من إجمالي الدين الأميركي. وكالة التأمين الاجتماعي والجهات الحكومية الأخرى: وتستأثر بـ2.4 تريليون دولار وتمثل 7% من إجمالي الدين الأميركي. البنك المركزي الأميركي: ويستأثر بـ4.7 تريليونات دولار وتمثل 13% من إجمالي الدين الأميركي. تداعيات أزمة السندات الأميركية على الاقتصاد العالمي خسائر لحملة السندات من الدول و المستثمرين ماذا يحدث؟

عند انخفاض قيمة السندات الأميركية نتيجة اضطرابات السوق، فإن هذه الدول والمستثمرين سيتكبّدون خسائر خصوصًا مع تراجع ثقة الأسواق في الاقتصاد الأميركي.

كيف يؤدي تراجع قيمة السندات الأميركية إلى تقليص احتياطيات بعض الدول الأجنبية؟ أولًا: ما علاقة السندات بالاحتياطي النقدي؟

كثير من الدول، تحتفظ بجزء كبير من احتياطاتها الأجنبية في شكل سندات خزانة أميركية، لأنها تعتبر أصلًا آمنًا وسهلا للتسييل (التحويل إلى نقد عند الحاجة).

إعلان ثانيًا: ماذا يحدث عند انخفاض قيمة السندات؟

عندما ترتفع عوائد السندات الأميركية، فإن أسعار السندات القائمة تنخفض (علاقة عكسية)، وهذا يعني:

لو كانت دولة ما تمتلك سندات تم شراؤها سابقًا بعائد منخفض، فقيمتها السوقية الآن أصبحت أقل. إذا قامت الدولة بإعادة تقييم قيمة محفظة السندات الخاصة بها، فستظهر خسارة في القيمة. هذه الخسارة تُسجّل انخفاضًا في الاحتياطي الأجنبي الكلي، لأن السندات تُحتسب ضمن الأصول الأجنبية. سيقيد قدرة الدولة حاملة السند في إمكانية البيع بسبب انخفاض قيمة السند إن رغبت في البيع قبل موعد الاستحقاق. تقليص الاحتياطيات الأجنبية في تلك الدول. احتمال تخفيف حيازتها من السندات الأميركية مستقبلا كما قد يفاقم الأزمة. مثال عملي

إذا كانت الصين تمتلك سندات أميركية بقيمة تريليون واحد (دولار)، وعانت من انخفاض بنسبة 5% في قيمتها السوقية نتيجة لارتفاع العوائد، فإن ذلك سيؤدي إلى خسارة تقدر بحوالي 50 مليار دولار في احتياطاتها من النقد الأجنبي لو حاولت تسييل سنداتها في نفس الوقت. هذه الخسارة ليست خسارة نقدية مباشرة، وإنما خسارة في القيمة السوقية (market value) لأصول الاحتياطي، لكن لو احتفظت الصين بالسندات حتى تاريخ استحقاقها، فإنها لن تخسر القيمة الاسمية.

أزمة سيولة في الأسواق الناشئة

اندفاع المستثمرين نحو العوائد الأميركية المرتفعة يُفجّر أزمة سيولة في الأسواق الناشئة:

يرفع تكاليف الاقتراض يجمّد المشاريع التنموية يزيد من خطر التعثر المالي والاضطرابات الاقتصادية في هذه الدول. تقلبات في أسعار العملات بشكل يسبب ضررا للعديد من الدول تسارع انتشار العدوى الاقتصادية

إذا انهارت ثقة المستثمرين في قدرة الولايات المتحدة على التعامل مع ديونها، فإن:

الأسواق العالمية ستعاني من سحب سريع للأموال تراجعات حادة في الأسواق المالية ستواجه مؤسسات مالية أخطارا كبيرة نتيجة انكشافها على السندات الأميركية. مستقبل الاقتصاد وسوق السندات الأميركي؟

لم تعد تحركات سوق السندات الأميركية تُفسَّر فقط عبر المؤشرات الاقتصادية التقليدية، بل أصبحت رهينة مباشرة لقرارات البيت الأبيض، وتوجهات الإدارة الأميركية في ملفات شائكة كالتجارة، الضرائب، والدين العام والسياسة الدولية بالإضافة إلى ردود أفعال الدول على السياسات الأميركية وهو عامل لم يكن موجودا في السابق.

إعلان

ومع استمرار هذه السياسات دون تغيير، ومع غياب إصلاحات مالية جذرية، وغياب عوامل الاستقرار عن الأسواق الأميركية تبقى العوائد في مسار تصاعدي، وسط عمليات بيع واسعة للأصول الأميركية، مما يضاعف التقلبات في السوق ويضع ضغوطًا هائلة على الميزانية الفدرالية.

هذا المشهد يُنذر بأزمة دين داخلي أكثر تعقيدًا من سابقاتها، مع احتمالات واقعية لإغلاق حكومي مطوّل كما حدث في أزمات 2011 و2013، لكن في ظرف أكثر هشاشة.

كما يوجد الآن لاعبون على الساحة الدولية يتحينون الفرصة للحصول على نصيبهم من النفوذ الأميركي في عالم جديد تتشكل قواعد وأسسه الآن.

وما لم تقم الإدارة الأميركية بتغيير توجهاتها الاقتصادية والتجارية والسياسية، فستواجه خسائر وتكاليف جسيمة ولن تكون ارتدادات هذه الأزمة محصورة في نطاق الاقتصاد الأميركي فقط، بل ستطال الاقتصاد العالمي الذي دخل مرحلة الخوف والضبابية.

مقالات مشابهة

  • هارفارد ترفض إملاءات ترامب وتدفع الثمن.. تجميد 2.2 مليار دولار من التمويل الفيدرالي
  • 154 مليون دولار لدعم المشروعات الخضراء في مصر عبر برنامج تمويل الاقتصاد الأخضر
  • اقتصاد أميركا في فخ الديون.. ما تداعيات أزمة السندات على العالم؟
  • إطلاق أول نشرة دورية خاصة لجهود الاستدامة وأسواق الكربون محليا وعالميا.. تفاصيل
  • التمويل مقابل الولاء.. ترامب يجمد 2.2 مليار دولار لجامعة هارفارد عقابا على موقفها من القضية الفلسطينية
  • التمويل المستدام
  • السيسي وأمير قطر يبحثان جهود دعم الأشقاء بقطاع غزة وإرساء الأمن والسلام المستدام
  • تمويل 33 ألف مشروع للشباب بـ 3.2 مليار جنيه من «مشروعك» في البحيرة
  • الرقابة المالية تطلق أول نشرة دورية بشأن جهود الاستدامة وأسواق الكربون محليا وعالميا
  • عُمان تشارك في "منتدى الشباب الدولي" بنيويورك