منذ حوالي عشرين عامًا، والمغرب يواصل الصعود عبر تصنيفات الدول الناشئة في جميع القطاعات والمعايير الجيوسياسية.. فلقد كانت دولة نامية بسيطة تواجه صعوبات هيكلية مثل الفقر والديون والاقتصاد الهش وسيطرة الشركات المتعددة الجنسيات والمساعدات المالية من دول الخليج وانخفاض الجاذبية الاستراتيجية. ومع ذلك فإنها تتمتع بموقع جغرافي فريد باعتبارها ملتقى طرق بين ثلاثة كيانات جيوسياسية (إفريقيا والعالم العربي وأوروبا).

وقد تم تصميم العديد من المشاريع حول مفاهيم الارتقاء العالمية التي  تربط المغرب بالعولمة (الموانئ والمطارات والطرق السريعة والخدمات اللوجستية والاتصالات السلكية واللاسلكية، وما إلى ذلك).

وهناك بوادر ملموسة على المستوى الداخلي رغم المشكلات المتراكمة منذ استقلال البلاد؛ فقد تم إرساء استراتيجية وطنية تتمحور حول مفاهيم عملية تهدف إلى تعزيز قدرتها على الصمود والارتقاء بقطاعاتها المتعددة وجاذبية الاستثمار وتحديث الإدارة وذلك بالتوازي مع المشاريع الوطنية كما خصص المغرب الوقت الكافي للتفكير وتحليل الجانب الجيوسياسي القاري والدولي.. وهي اليوم موضع أطماع غير مسبوقة من قبل القوى الاقتصادية الكبرى؛ كيف يمكننا تحليل هذا الارتقاء المبهر خلال عقدين من الزمن؟

العلاقات والتوسع الاقتصادي 

"إنه يوم جيد نعود فيه إلى الوطن بعد غياب طويل"، هكذا جاءت العبارة البارزة في خطاب الملك المغربي ردًا على قرار قمة أديس أبابا الذي نتج عنه مفاوضات دبلوماسية مكثفة انطلقت في قمة كيجالي. وفي عام ٢٠١٥، صوتت ٣٩ دولة عضو في الاتحاد الأفريقي من أصل ٥٤ دولة لصالح إعادة انضمام المغرب إلى المنظمة القارية بعد غياب منذ عام ١٩٨٤. وتعكس هذه العودة الى المنظمة القارية استراتيجية المغرب التى تعتبر منبع العملية السياسية والتي استثمرت المجال الاقتصادي، وصعدت إلى المرتبة الخامسة، على مستوى الاستثمار الاقتصادي، بعد الصين وفرنسا وجنوب إفريقيا وتركيا واستهدفت القطاعات الاستراتيجية بروح المنفعة للجميع.

وفي الحقيقة، تغيير هيكلي في المنهج الدبلوماسي للمغرب وساهم في حضوره في جميع الهيئات الأفريقية الأخرى خاصة اللجنة الأمنية ولجنة حقوق الإنسان والهيئة الرمزية للجنة التنفيذية لكرة القدم الأفريقية..هذه العلامة الدبلوماسية والاقتصادية والتكتيكية سمحت لفوزي لقجع رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بإثبات نفسه كـ"بلدوزركرة القدم القارية".

يعتبر التعاون بين بلدان الجنوب من خلال نشر قوتها الاقتصادية الضاربة في القطاعات الحساسة وذات القيمة المضافة العالية (المصارف، اللوجستيات الجوية، البناء، الاتصالات، التعدين، السيارات...) هو بلا شك استراتيجية جيوسياسية مؤكدة. واليوم أصبح المغرب هو اللاعب الاقتصادي الخامس في أفريقيا لينافس فرنسا الأمر الذى يفسر في الخلفية الأزمة الصامتة بين باريس والرباط. وشهدت استثمارات المغرب تطورا هائلا، إذ ارتفعت من ١٠٠ مليون دولار سنة ٢٠١٤ إلى ١.٢ مليار دولار سنة ٢٠٢٢، أي ٤٣٪ من إجمالي الاستثمارات المباشرة في الخارج. وها هو مكتب الشريف للفوسفات (OCP) يتواجد بقوة في ١٦ دولة إفريقية. يواصل الغزو المغربي لأسواق جديدة بأفريقيا مسيرته على الرغم من التباطؤ الاقتصادي المرتبط بجائحة كوفيد-١٩ والتضخم العالمي والتوترات الجيوسياسية في أفريقيا. والنتيجة: تغييرات في الأنظمة السياسية ودخول روسيا إلى المجال العسكري والاقتصادي في منطقة الساحل، وتقلص منطقة نفوذ فرنسا بالكاد في بقايا الفضاء الناطق بالفرنسية.

لقد تم التفاوض على تنظيم الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي من خلال سلسلة من المفاوضات من شانها أن تعيد تحديد نطاق التبادلات الاقتصادية والسياسية التى تم إرساؤها منذ عام ٢٠٠٨ عندما منحها الاتحاد الأوروبي وضعا متقدما (الأول من نوعه بالنسبة لدولة غير أوروبية). وقد فرض هذا الإصلاح تغيير النماذج في ضوء الاضطرابات الجيواستراتيجية والوعي المتبادل لدى المغرب والاتحاد الأوروبي لحقيقة أن الموقع الجغرافي والوزن الاقتصادي للمملكة أصبحا الآن من متغيرات المواجهة بين المغرب والاتحاد الأوروبي. إن ظهور قضايا استراتيجية جديدة مخبأة في العلاقات المعقدة بين أفريقيا والاتحاد الأوروبي (الأمن البحري، الهجرة، مكافحة الإرهاب، مساعدات التنمية، اختراق روسيا، وما إلى ذلك) هو بمثابة  أمور موضوعية صاغتها المملكة. كما أن المغرب وهو مفترق طرق لكيانات جغرافية حساسة (أفريقيا، أوروبا، البحر الأبيض المتوسط) يسلط الضوء على نقاط قوته ويفرض حوكمة اقتصادية واستراتيجية جديدة أكثر إنصافا ترفض الانحصار في دور المساعد أو الشرطي لجنوب أوروبا. وقد لخص المغرب على لسان وزير خارجيته ناصر بوريطة السياسة الخارجية للمملكة على النحو التالي: "مغرب اليوم لم يعد مغرب الأمس"، وضمنيًا، "يجب على الدول الأوروبية الخروج من منطقة الراحة الامنةالخاصة بها" ومواقف الهندسة المتغيرة والأبوية الماضية".

توترات مع الاتحاد الأوروبى

وتعكس التوترات الأخيرة بين المملكة والاتحاد الأوروبي هذا التغير في ميزان القوى بين الشريكين (قضية بيجاسوس، تصويت البرلمان الأوروبي بإدانة المغرب في موضوع حرية الصحافة، وتخفيض عدد التأشيرات الممنوحة إلى النصف للمواطنين المغاربة وشغر منصب سفير المغرب في باريس وزيارات الرئيس ماكرون للرباط المعلن عنها ثم الملغاة). ويصف المغرب المواقف السياسية للاتحاد الأوروبي بأنها إجراءات انتقامية أو ضغط عن بعد من فرنسا وذلك على خلفية التنافسية في إفريقيا والشرق الأوسط، خاصة منذ توقيع المملكة على اتفاقات أبراهام إلى جانب إسرائيل والولايات المتحدة. أما فرنسا، فهي تنتقد ضمنا المغرب على استراتيجيته المتمثلة في القطيعة والخروج من النفوذ الاقتصادي الفرنسي في سياق جيوسياسي حيث تسعى العديد من الدول الناطقة بالفرنسية نحو الخروج  من دائرة نفوذ باريس.

وفي هذا السياق قام نائب الرئيس الهندي بزيارة رسمية إلى المغرب سنة ٢٠١٦ كترجمة عملية للاتفاقيات المبرمة خلال القمة الهندية الإفريقية بنيودلهي. وهكذاو بعد روسيا والصين ودول الخليج تمكن المغرب من إقامة علاقات استراتيجية مع قوة ناشئة أخرى، خارج الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. والموضوع المشترك دائما هو تعزيز الحوار السياسي حول موضوع الطبيعة المغربية للصحراء وتعزيز الشراكات الاقتصادية. وأسفرت التبادلات الدبلوماسية بين البلدين عن إنشاء غرفة التجارة المغربية الهندية ومشاركة الملك بنيودلهي في المنتدى الأفريقي الهندي. ومن هذا المنطلق تأمل المملكة تعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع الهند التي تتمتع معها بفائض تجاري. وفي عام ٢٠٢٢، ستصل التجارة إلى ملياري دولار تشكل الصادرات والأسمدة ومشتقات الفوسفات نسبة ٤٠٪.

وبعيدًا عن قارة آسيا يعمل المغرب على تعزيز علاقاته السياسية والاقتصادية مع أمريكا الجنوبية والبرازيل. وبلغت حجم التجارة ٦٤١ مليون دولار في الربع الأول من عام ٢٠٢٣، بارتفاع قدره ٣٧٪ مقارنة بنفس الفترة من العام السابق. وبلغت صادرات المغرب ٣٤٠ مليون دولار أي ارتفاع بنسبة ٤٩.٣٪ مقارنة بسنة ٢٠٢٢. أما وارداته فقد استقرت عند حوالي ٣٠٧ ملايين دولار بارتفاع بنسبة ٢٦٪. وهكذا ولأول مرة في المغرب اصبح الميزان التجاري لصالحه لينتقل من عجز قدره ٢٠ مليون دولار إلى فائض تجاري قدره ٢٦ مليون دولار.

مما يسجل حجم تجارة قياسي يتجاوز ٣ مليارات دولار خاصة فيما يتعلق بالمنتجات المشتقة من الفوسفات والأغذية الزراعية. وقد بدأ هذا التقدم السريع منذ زيارة الملك محمد السادس إلى البرازيل عام ٢٠٠٤ خلال رئاسة لولا دا سيلفا الذي أعيد انتخابه في يناير ٢٠٢٢. وعلى هامش الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية بين البلدين وفي مايو ٢٠٢٣ وافق مجلسا البرلمان البرازيلي (البرلمان ومجلس الشيوخ) على اتفاقية إطار الدفاع الاستراتيجي. اتفاقية تنص على التعاون العسكري والحصول على المنتجات والخدمات الدفاعية ومناورات التدريب المشترك. وفي المجمل تم التوقيع على سبع اتفاقيات تتراوح بين الاستثمارات والتجارة ومجال قضايا الدفاع والتسليح، بما في ذلك النقل البحري والجوي والتعاون القضائي.

ومع  الربيع العربي وآثاره الجانبية على الأمن في الشرق الأوسط انضم المغرب في البداية إلى تحالف دول الخليج كرد فعل على سقوط الأنظمة المتنازع عليها وصعود قوة تنظيم الدولة الإسلامية في دول الشام بإرسال سرب من الطائرات المقاتلة بين عامي ٢٠١٥ و٢٠١٩ لنجدة أشقائه الذين يواجهون تهديد ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران. ورغم أنها مشاركه رمزية إلا أنها أثارت غضب الشارع المغربي خاصة بعد سقوط طائرة مغربية ومقتل الطيار. إلا أن المغرب أكد على علاقاته وواجبه في حماية وطنه الذي يحتضن أقدس الحرمين الشريفين والحفاظ على مصالحه الحيوية في المنطقة، والرد على الهيمنة الإيرانية ودعمها العسكري لميليشيات حزب الله. وفي هذا السياق، قطع المغرب علاقاته الدبلوماسية مع نظام طهران عام ٢٠١٨.

وقد تم التنديد بهذا الهجوم الذي راح ضحيته المدنيون اليمنيون حيث بلغ عدد القتلى ٢١٠٠٠ شخص وحوالي ثلاثة ملايين نازح بالإضافة إلى ٨٥٪ من السكان الذين يتلقون مساعدات إنسانية. وانتهت العملية العسكرية إلى إحداث أزمة داخل أزمة. وفي هذا السياق الجيوسياسي القابل للاشتعال اضطر المغرب إلى الانسحاب من التحالف. وفي الوقت نفسه استخدم المغرب دبلوماسيته ووساطته للتوصل إلى حل سياسي مع موازنة الأمور خاصة بالنظر إلى المخاطر المحتملة المتمثلة فى  فقدان الدعم في قضية الصحراء.

لقد تعلمنا العديد من الدروس من الأزمات المتعاقبة التي هزت المصفوفة الجيوسياسية للعالم العربي. لقد أصبح المغرب واعيًا بالزلزال والتقلبات السياسية الناجمة عن الربيع العربي (تغير الأنظمة في تونس وليبيا والعراق وسوريا واليمن ولبنان ومصر والانقسام الداخلي الفلسطيني)، وبالخطر الكبير الذي يتجسد في تصاعد النزعة المتطرفة في المنطقة. قوة الهيمنة الإيرانية، واستئناف القاعدة، وتوسع داعش. ولذلك قرر إجراء شامل وهيكلى  في دبلوماسيته العربية وسعي إلى إيجاد مساحات جيوسياسية جديدة مستقرة من خلال إنشاء أو التعاقد مع تحالفات جيواستراتيجية جديدة.

التحول الاقتصادي 

على صعيد الطاقة خاصة موارد الغاز يبدو أن المغرب يتجه نحو إصلاح شامل لجغرافيا الطاقة في البلاد. وقد أدى حدثان رئيسيان إلى تسريع استراتيجية تنويع الموردين. بداية إغلاق خط الغاز الجزائري الذي يربطها بإسبانيا عبر المغرب كإجراء انتقامي من جانب السلطات الجزائرية والذي تفاقم بسبب إغلاق المجال الجوي أمام الملاحة المدنية والعسكرية أمام الطائرات المغربية. وانقطعت العلاقات الدبلوماسية بين الرباط والجزائر في أغسطس ٢٠٢١، ثم اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية التي أثرت بقوة على أسواق الغاز العالمية. وفي مواجهة تأثير التكاليف المالية المتزايدة التي تفاقمت ورفعت من فاتورة الطاقة، اختار المغرب خيارات مسكنة بهدف الحد من اعتماده الهيكلي على الأسواق غير المستقرة والمتقلبة. وقد وقع اتفاقيات مع كبرى شركات التنقيب عن الغاز، بما في ذلك Sound Energy وGas Oil  وSdx. شركات بريطانية للتنقيب عن حقول الغاز واستغلالها بالمنطقة الممتدة من تندرة إلى الحدود الجزائرية المغربية وفي حوض سيبو قرب العرائش غرب البلاد. كما أنها اتخذت خيارًا متقدمًا من خلال بناء منصات بحرية قبالة سواحلها الأطلسية. وتشير التوقعات إلى إمكانية استغلال ٤٠ بئرًا من أصل ٦٧ بئرًا في عام ٢٠٢٥، وضمان وجود ما يقرب من ٩٩٣ مليار متر مكعب من الاحتياطيات. الأمرالذي يسمح  بتحقيق الاكتفاء الذاتي للمغرب في الغاز الطبيعي في عام ٢٠٢٨، وبدء الصادرات إلى سوق الاتحاد الأوروبي بحلول عام ٢٠٣٥.

يبدو أن طلب المغرب للانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) في عام ٢٠١٧ هو جزء من استراتيجية التعزيز الاقتصادي والتعاون المعمول بها بالفعل منذ عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي في عام ٢٠١٦. ووقعت الإيكواس والمملكة على إعلان العيون في عام ٢٠٢٢ رغم أنها  لم تكن عضوًا قانونيًا. ومع ذلك فإن الاتفاقية لا تزال في وضع الإيقاف المؤقت، وربما يعوقها الوضع القانوني النهائي لنزاع الصحراء والذي يبدو أنه يؤخر هذا الانضمام. وتستخدم دول الطرف الثالث ثقلها لإبطاء انضمام القوة الاقتصادية القارية الخامسة. ويبدو أن فرنسا والجزائر وجنوب أفريقيا تعرقل هذه العضوية لأن المغرب هو الشريك الرئيسي (الاستثمارات، الصادرات، البنوك، الاتصالات، إلخ) للمنظمة الإقليمية.

ومع ذلك وخلف الكواليس لدبلوماسية المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا يؤكد بعض رؤساء دول المنظمة صعوبة الرجوع عن عملية الانضمام كعضو. ويبرز إعلان العضوية القانونية على مدى السنوات الخمس المقبلة في ضوء الاضطرابات الجيوسياسية في المنطقة الخاصة بالبلدان الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.

إن أهم ما يميز الكعكة هو أن المغرب حصل  على التنظيم المشترك لكأس العالم لكرة القدم ٢٠٣٠ إلى جانب إسبانيا والبرتغال بعد خمس محاولات منفردة في مواجهة القوى العالمية. انتصار دبلوماسي يندرج في إطار عقيدة التوسع والزعامة والشهرة الجديدة في عهد الملك محمد السادس.

باختصار في ظرف عقدين من الزمن فإن  المغرب تحت ولاية عاهله وجيشه ووزير خارجيته وكذلك زميله المسئول عن كرة القدم الثنائي بوريطة لقجع وعبر شبكته الدبلوماسية وأداء مؤسساتها الاستراتيجية، تمكنت المغرب  من نشر وتكثيف شبكتها وتوطيد مصالحها وتنويع شركائها في القارات الأربع على أساس مبدأ المنفعة العادلة، لجعل المملكة الشريفة ملتقى طرق التقارب والأداء والجاذبية. ووفقا للأنجلوسكسونيين، فإن صعود المغرب مستوحى من المفهوم الذي حدده بيل كلينتون: “دبلوماسية القوة الناعمة الناشئة”، بعيدًا عن الصراعات الجيوسياسية والتوترات العسكرية.

د. يوسف شهاب: أستاذ من أصل مغربى بجامعة باريس السوربون الشمالية متخصص فى الجغرافيا السياسية للعالم العربى ومدير الأبحاث فى CNRS وCF2R.. يكتب عن بلده "المملكة المغربية" والتطورات التى تشهدها على المستويين السياسى والاقتصادى وغيرهما من المستويات.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: د يوسف شهاب المملكة المغربية الاتحاد الأوروبي المغرب القوة الناعمة الملك محمد السادس التوترات العسكرية والاتحاد الأوروبی الاتحاد الأوروبی ملیون دولار أن المغرب من خلال فی عام

إقرأ أيضاً:

جيش موريتانيا يناور ويتسلّح لمواجهة التوترات بالساحل الأفريقي

بعد سنوات من أزيز الطائرات الروسية في سماء مالي وضجيج قذائفها في مناطق أزواد، وفي ظل العودة القوية للحركات المسلحة وارتفاع "مؤشر الإرهاب" في الساحل الأفريقي، أعلنت رئاسة موريتانيا عن تعزيز قدرات قواتها الجوية والبرية والبحرية بأنواع متطورة من العتاد العسكري.

وشملت الترسانة الجديدة طائرات مسيرة للهجوم والاستطلاع تتمتع بالكفاءة والقدرة على تغطية كامل أراضي الدولة، وشمل العتاد الحديث وحدات مدرعة ومدفعية وأخرى مضادة للدروع والصواريخ.

وكعادته في التحفظ على الأخبار المتعلقة بقدراته، لم يذكر الجيش الموريتاني تفاصيل عن الجهات التي تعاقد معها في شراء الأسلحة.

وزير الدفاع الموريتاني في زيارة لمواقع العتاد العسكري الذي تم اقتناؤه مؤخرا (صفحة الجيش الموريتاني على فيسبوك) السياق والسباق

وقد جاءت خطوة الجيش الموريتاني بتعزيز قدراته القتالية في سياق إقليمي متوتر تمر به دول الساحل، وخاصة مع جارتها الشرقية مالي التي شهدت الحدود المشتركة معها في الفترة الأخيرة الكثير من الاحتكاكات التي وقع ضحيتها عدد من المدنيين الموريتانيين، وهو ما بررته السلطات في باماكو بأن قواتها كانت تطارد مسلحين فروا باتجاه الأراضي الموريتانية.

وفي بداية مايو/أيار الماضي قام جيش موريتانيا بمناورات عسكرية في ولاية الحوض الشرقي قرب الشريط الحدودي المشترك بين الجارتين، وكشفت نواكشوط من خلال تلك العروض العسكرية عن قاعدة للطيران المسيّر في المدينة نفسها.

واعتبر بعض المراقبين تلك المناورات بمثابة استعراض للجاهزية التي قالت السلطات الموريتانية أكثر من مرة إن جيشها يتمتع بها، كما تزامنت مع تحذيرات للناطق الرسمي باسم الحكومة في نواكشوط الناني ولد اشروقة، الذي أكد -في رده على ما قيل إنه دخول لقوات مجموعة فاغنر الروسية والجيش المالي للأراضي الموريتانية- أن بلاده قادرة على حماية حدودها وسترد الصاع صاعين لمن حاول دخول حوزتها الترابية عن قصد.

وفي السنوات الثلاث الأخيرة، شهدت دول الساحل -التي يحكمها انقلابيون- سباقا نحو التسلح مع التركيز على الصناعات الروسية، ففي عام 2022 تسلمت باماكو دفعة من السلاح الروسي تضم 5 طائرات ومروحيات عسكرية والكثير من الصواريخ المتنوعة، كما استعان المجلس العسكري الحاكم بمجموعة فاغنر التي تقول بعض التقارير إن مالي تنفق عليها شهريا ما يربو على 10 ملايين دولار.

كما أبرمت دولتا النيجر وبوركينا فاسو صفقات للسلاح مع موسكو بهدف تعزيز قدراتهما العسكرية خاصة بعد خروج القوات الفرنسية والأممية من المنطقة.

الكفاءة رغم ضعف التجهيز

ويتبنى الجيش الموريتاني إستيراتيجية التعتيم ولا ينشر الكثير من التفاصيل المتعلقة بقدراته، وتفيد التقارير المهتمة بأخبار التسليح والدفاع بأنه يعاني من نقص التجهيزات.

وحسب إحصائية موقع "غلوبال فاير بور" الأميركي عام 2020 حول القوة العسكرية لمجموعة دول الساحل الخمس (جي 5)، فإن جيش موريتانيا يقع في المرتبة الأخيرة لجيوش منطقة الساحل الأفريقي، ويحتل المرتبة 124 بين أقوى 138 جيشا في العالم.

وحسب بيانات الموقع نفسه، فإن عدد القوات العسكرية العاملة في حدود 16 ألف جندي، في حين يصلح للخدمة العسكرية نحو مليون فرد، لكن التشكيلات العسكرية الأخرى التي تضم الحرس والدرك والشرطة ترفع عدد الأفراد العاملين حتى 30 ألف جندي.

ويتألف الجيش الموريتاني من 4 أركان رئيسية: الجيش البري، والجيش الجوي، والبحرية الوطنية، وأركان قيادة القوات الخاصة المشتركة، ويمتلك 28 طائرة و35 دبابة و95 مدرعة و224 مدفعا ميدانيا، ويضم الأسطول البحري 5 سفن حربية كبيرة متعددة المهام.

أما دولة مالي التي تشترك مع موريتانيا في حدود برية شاسعة وتنشط فيها الجماعات المسلحة، فإن جيشها يقع في المرتبة الثانية من بين جيوش منطقة الساحل، والثالثة في منطقة غرب أفريقيا، ويأتي في المرتبة 110 على مستوى دول العالم، ويبلغ حجم الإنفاق العسكري على الجيش 590 مليون دولار سنويا.

ووفقا لتصريحات المجلس العسكري الحاكم في مالي، فقد اشترت باماكو عام 2023 عددا من طائرات بيرقدار المسيرة التي تنتجها تركيا.

ورغم القدرات المتواضعة لوسائل تسليح الجيش الموريتاني، فإنه يوصف بالكفاءة وقدرات أفراده الذين يتمتعون بتدريب جيد، ويضم كتائب محترفة استطاعت أن تحقق ما عجزت عنه مجموعة دول الساحل مجتمعة، وفق تصريحات رسمية موريتانية وإشادات من الدول الغربية.

فمنذ عام 2012 لم تسجل موريتانيا أي حادث إرهابي على كامل حوزتها الترابية، إذ قامت قواتها المسلحة بشن حرب استباقية على الحركات المسلحة بين عامي 2010 و2011 وطاردتها في داخل الأراضي المالية.

وتقول موريتانيا إن قواتها الخاصة "جي إس آي" شنت حربا استباقية على الجماعات المسلحة وأبعدتها عن أراضيها، حيث نفذت معركتي "حاسي سيد أحمد" و"واغادو" في مالي قبل 10 سنوات.

والقوات الخاصة في الجيش الموريتاني هي مجموعات متعددة من فصائل القوات المسلحة، تأسست عام 2009، وتتمتع بتدريب جيد ولها كفاءات عالية، وتمتلك أحدث الأجهزة العسكرية للجيش، وتتولى مهام مراقبة الحدود والتصدي للجماعات المسلحة ومتابعة تحركاتها في المنطقة.

وفي بيانات أصدرتها عام 2013 قالت السفارة الأميركية في نواكشوط إن الجيش الموريتاني يتمتع بكفاءة عالية وتدريب جيد وله جاهزية للتدخل.

وحول حربها على الحركات الإرهابية، قال وزير الداخلية الأسبق محمد ولد ابيليل عام 2013 إن بلاده طهرت أرضها من الجماعات المسلحة بمفردها دون مساعدة من أي جهة باستثناء تبادل بعض المعلومات الاستخباراتية مع بعض الأصدقاء.

مسار تحديث سلاح الجيش الموريتاني بدأ بعد انقلاب 2005 حيث كانت القوات المسلحة تعاني من ضعف كبير (الفرنسية) مسار التحديث

وتفيد ورقة نشرها مركز الجزيرة للدراسات بأن مسار تحديث سلاح الجيش الموريتاني بدأ بعد الانقلاب على الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد الطايع عام 2005، حيث كانت القوات المسلحة تعاني من ضعف كبير، مما جعلها تتعرض لهجمات الجماعة السلفية للدعوة والقتال في قاعدة لمغيطي في الرابع من يونيو/حزيران 2005، تكبّد فيها الجيش خسائر كبيرة راح ضحيتها 15 قتيلا كانوا يتمركزن في قاعدة مرابطة على الحدود مع الجزائر.

ومنذ عام 2008 بدأت الحكومة في نواكشوط في التوجه نحو استعادة مكانة الجيش عبر زيادة المكافآت لأفراده وبناء القواعد والمقرات وشراء العتاد العسكري، وبين عامي 2009 و2018 تضاعفت الموازنة العامة للجيش 4 مرات حيث وصلت عام 2018 إلى 169 مليون دولار.

واستمرت الموازنة العامة في الارتفاع لتصل عام 2023 إلى 184 مليون دولار، بالإضافة إلى ذلك، تصرف ميزانيات خاصة مرتفعة لباقي التشكيلات المسلحة كالحرس والدرك تقترب نسبتها من 100 مليون دولار.

وفي سعيها لتحديث قواتها الجوية، اشترت طائرات "سوبر توكانو آي إم بي 314" البرازيلية المصممة للطيران في أجواء عالية الحرارة والرطوبة.

وفي منتصف 2021 وقعت موريتانيا اتفاقية عسكرية مع روسيا لزيادة قدراتها العسكرية، كما دخلت في شراكات وصفت بالقوية مع حلف شمال الأطلسي (ناتو).

ورغم التقارب مع حلف الناتو والاهتمام الذي يوليه لموريتانيا، فإن جيش نواكشوط لا يزال يحافظ على إستيراتجيته الرافضة لبناء القواعد الأجنبية في أرضه، ولا يرغب إلا في شراكة تقف عند التعاون وبناء القدرات، حسب ما تؤكده السلطات من حين لآخر.

(الجزيرة) تحديات إقليمية

وكانت نواكشوط وراء فكرة إنشاء مجموعة دول الساحل الخمس (جي 5) عام 2014 بهدف تعزيز قدرات جيوش المنطقة في تحدي الإرهاب والسعي لخلق جو من الأمن والاستقرار يلائم طموحات الدول في التحول إلى أعتاب التنمية التي بدأت طلائعها تقترب من التحقق وخاصة في موريتانيا التي ستدخل نادي الدول المصدرة للغاز بعد شهرين.

ولكن موجة الانقلابات التي عرفتها منطقة الساحل الأفريقي منذ عام 2021 ساهمت في القضاء على الكثير من العمل العسكري والتنسيق الأمني المشترك، إذ انسحبت النيجر ومالي وبوركينا فاسو من قوة الساحل المشتركة بحجة أن فرنسا تقف وراءها.

ورغم أن الجيش الموريتاني ما زال يحافظ على أمن بلاده من خطر الجماعات المسلحة، فإن المؤشرات تقول إن خطرها تضاعف في الدول المحيطة والمجاورة.

وتعدّ منطقة الساحل الأفريقي بؤرة للعنف والتطرف، حيث تضاعفت الأحداث المرتبطة بالحركات المسلحة إلى 7 أضعاف منذ عام 2017، ووفقا لمؤشر الإرهاب العالمي الصادر عام 2023، فإن 53% من ضحايا الإرهاب عالميا تقع في مالي وبوركينا فاسو.

وتحتل بوركينا فاسو المرتبة الثانية بعد أفغانستان في "معضلة الإرهاب"، في حين تقع مالي والنيجر ضمن الدول 10 الأسوأ في العالم.

وكل هذه العوامل تجعل الجيش الموريتاني أمام تحديات يعتبر الصمود أمامها أمرا بالغ التعقيد وخاصة في دولة ذات أراض شاسعة تبلغ مساحتها مليونا و30 ألفا و700 كيلومتر مربع.

الرئاسة والسياسة

ويتميز جيش موريتانيا عن باقي جيوش منطقة الساحل الصحراوي بأنه قد حسم أمر الحياة السياسية منذ فترة ولم تصبح مسألة خلاف تستدعي المواجهة داخل الجيش، أو بين الجيش والمدنيين.

فمنذ أن نفذت القوات المسلحة أول انقلاب في العاشر من يوليو/تموز 1978 ضد الرئيس المدني المختار ولد داداه أصبح أمر السلطة السياسية في يد أصحاب السلاح.

وبعد عدة انقلابات عرفتها البلاد، ظهر الجيش في العقدين الأخيرين وكأنه حسم أمر السلطة بين أعضائه، إذ كرس السلطة التنفيذية والتشريعية في قبضته، ولكن في ثوب من الديمقراطية والتبادل السلس بين أعضائه.

فمنذ عام 2008 حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز البلاد لولايتين، وعندما انتهت فترته الدستورية سلم السلطة للجنرال محمد ولد الغزواني.

وعندما تم تغيير الدستور الموريتاني وإلغاء مجلس الشيوخ، وأصبح رئيس البرلمان هو من يتولى الحكم في حالة شغور منصب رئيس الجمهورية، صار رئيس البرلمان أيضا منصبا ثابتا للجنرالات المتقاعدين.

ولد الغزواني حذر من محاولة اختبار ردة فعل الجيش إذا تم الاعتداء على الوطن (صفحة الجيش الموريتاني على فيسبوك)

وفي الحملات الانتخابية الجارية، يرفع جميع المرشحين شعارات الدعاية بتحديث الجيش وزيادة مخصصاته وقدراته العسكرية.

ومن ولاية آدرار في الشمال الموريتاني حيث توجد المدرسة العسكرية لمختلف الأسلحة، قال الرئيس الموريتاني الذي يترشح لولاية ثانية إن كل شيء يمكن أن يتغاضى عنه إلا زعزعة الاستقرار الذي تنعم بلاده.

وأضاف ولد الغزواني أنه لا ينصح أي جهة داخلية أو خارجية بمحاولة اختبار ردة فعل جيشه في حالة ما إذا تم الاعتداء على الأمن الوطني.

وتشير دراسة أعدها مركز الجزيرة للدراسات حول طبيعة الجيش الموريتاني إلى أنه وجد سندا مدنيا في كل مرحلة من مراحل التفافه على الحكم وسحب السلطة من النظام القائم.

وحسب الكثير من البيانات والتقارير التي تنشر عن القوات المسلحة الموريتانية، فإن هذه القوات شهدت في السنوات العشر الأخيرة نقلة نوعية في مسار التكوين وتحديث العتاد.

ولعل التطورات الأمنية التي تمر بها منطقة الساحل ستزيد من حاجة الجيش للاستمرار في تحديث الترسانة العسكرية ليكون قادرا على الصمود أمام التغيرات الجيوسياسية، ويحافظ على الاستقرار الذي تحتاجه البلاد في ظل التحولات الاقتصادية التي تعول عليها الحكومة في التخفيف من آثار الفقر المتعدد الأبعاد.

مقالات مشابهة

  • القيادة تعزي ملك المغرب في وفاة والدته
  • المغرب يعزز أسطول مقاتلات إف 16 بأنظمة الحرب الإلكترونية
  • كتلة الحوار: نموذج التعاون الاقتصادي المصري الأوروبي شهادة جودة للإدارة المصرية الاقتصادية
  • قبل حفلة السبت.. النجم محمد رمضان يوجه رسالة خاصة للجمهور المغربي ويعدد أفضال المملكة عليه
  • منصة TripAdvisor : معالم المغرب وتجاربه السياحية تستحوذ على المراكز الأولى أفريقياً
  •  إقبال كبير على التصويت في الانتخابات الرئاسية الإيرانية داخل البلاد وخارجها
  • «القاهرة للدراسات»: الاستثمارات الأوروبية داخل مصر تجاوزت 41 مليار دولار
  • المغرب يزود مقاتلات F16 بنظام الحرب الإلكترونية
  • دول تخصص 240 مليار دولار من المساعدات العسكرية لأوكرانيا
  • جيش موريتانيا يناور ويتسلّح لمواجهة التوترات بالساحل الأفريقي