ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال عن حكم استطلاع الهلال عن طريق الطائرات على ارتفاع أحد عشر كيلو مترًا فوق سطح الأرض فوق السحاب، وتكون رؤية الهلال في منتهى الصفاء والوضوح.

صحة دعاء رؤية الهلال .. كلمات رددها سيدنا النبي.. احرص عليها دعاء رؤية هلال شهر جمادى الأولى .. سُنة عظيمة لا تغفلها اليوم استطلاع الهلال عن طريق الطائرات

وأجابت دار الإفتاء، عن استطلاع الهلال عن طريق الطائرات، بأن استطلاع الأهِلَّة عن طريق الطائرات -مع صعوبة تنفيذه عمليًّا- لا يحكي الرؤية الحقيقية المطابقة لرؤية البلد الذي تطير فوقه الطائرة؛ إذ من المقرر في الفقه الإسلامي أن هناك فارقًا في العلامات الشرعية بين الأماكن المرتفعة الشاهقة والأماكن المنخفضة، حتى لو تقاربت في خطوط الطول والعرض.

وذكرت دار الإفتاء، أنه قد نصَّ الفقهاء على أن ذلك من اختلاف المطالع المؤثر في اختلاف الأحكام الشرعية، ولا شك أن الفرق في المسافة بين الطائرة وسطح الأرض أشد منه تباينًا بين الأماكن المرتفعة والمنخفضة.

وأشارت إلى أن الأصل في مواقيت العبادات الشرعية وعلاماتها أن يجري حسابها وضبطها على ما يناسب عموم الناس وتكثر فيه سكناهم وحواضرهم، وهو مستوى سطح البحر، فإذا اختلف هذا المستوى اختلافًا تتغير معه هذه العلامات أو شيء منها، كان ذلك مستوجبًا لإعادة النظر في توقيت العلامات حسب التغير الحادث.

ففي هذه الحالة المقتَرَحة مثلًا عندما تطير الطائرة على ارتفاع أحد عشر كيلو مترًا فوق سطح الأرض يتأخر غروب الشمس بالنسبة لمن هم في الطائرة حوالي ثلاث عشرة دقيقة ونصف الدقيقة عن أهل البلد الذي تطير فوقه الطائرة، وذلك طبقًا للمعادلة الرياضية التي يُحسَب ذلك من خلالها على جهة الدقة، كما سيأتي ذلك في كلام المتخصصين. والسبب في ذلك: انحناء سطح الأرض وكرويتها، وهذا يؤدي إلى ما يُسَمَّى بالأفق الظاهري أو الأفق التُّرْسي؛ حيث تزداد سعة أفق الرؤية كلما زاد الارتفاع، فإذا صعد الإنسان ارتفاع مائة متر كانت سعة أفق رؤيته دائرةً نصف قطرها ستة وثلاثون كيلومترًا، فإن ارتفع أربعمائة متر صار نصف قطر دائرة أفق الرؤية ثمانية وسبعين كيلومترًا، فإن صعد كيلو مترًا واحدًا صار امتداد نصف قطر الدائرة مائةً واثني عشر كيلو مترًا، وهكذا.

رؤية الهلال

ونص الفقهاء على أن الارتفاع عن سطح البحر كما يتغير به وقتُ شروق الشمس وغروبها، فإنه يؤثر كذلك في رؤية الهلال؛ نظرًا لتأثيره في اختلاف المطالع: قال الشيخ عبد الرحمن شيخي زاده الإمام الحنفي في "مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر" (1/ 237، ط. دار إحياء التراث العربي): [وفي الأقضية صحح رواية الطحاوي واعتمد عليها لقلة الموانع، فإن هواء الصحراء أصفى، فيجوز أن يراه دون أهل المصر، وكذا إذا كان على مكان مرتفع في المصر؛ لاختلاف الطلوع والغروب باختلاف المواضع في الارتفاع والانخفاض.

قال في خزانة الأكمل: أهل إسكندرية يفطرون إذا غربت الشمس، ولا يفطر من على منارتها؛ فإنه يراها بعد حتى تغرب له، هذا على رواية الطحاوي، وأما في ظاهر الرواية فلا عبرة به] اهـ.

وقال الشيخ أبو بكر الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (2/ 82، ط. دار الكتب العلمية): [مطالع البلاد عند المسافة الفاحشة تختلف، فيعتبر في أهل كل بلد مطالع بلدهم دون البلد الآخر، وحُكي عن أبي عبد الله بن أبي موسى الضرير أنه استُفتي في أهل إسكندرية أن الشمس تغرب بها ومن على منارتها يرى الشمس بعد ذلك بزمان كثير؛ فقال: يحل لأهل البلد الفطر، ولا يحل لمن على رأس المنارة إذا كان يرى غروب الشمس؛ لأن مغرب الشمس يختلف كما يختلف مطلعها، فيُعتَبَر في أهل كل موضع مغربُه، ولو صام أهل مصر تسعةً وعشرين وأفطروا للرؤية وفيهم مريض لم يصم، فإن علم ما صام أهل مصره فعليه قضاء تسعة وعشرين يومًا؛ لأن القضاء على قدر الفائتِ، والفائتُ هذا القدر، فعليه قضاءُ هذا القدر] اهـ.

وقال العلامة الإمام محمد بخيت المطيعي الحنفي في "إرشاد أهل الملة" (ص: 279، ط. مطبعة كردستان العلمية): [المدار في ذلك -أي رؤية الهلال بعد الغروب- على اختلاف المطالع؛ فإنه ليس المراد باختلاف الناس في الرؤية أن هذا يرى وهذا لا يرى، بل المراد أن رؤية هذا للهلال بعد الغروب لا تعتبر رؤيةً للآخر؛ لأنه لا غروب ولا هلال في بلده، وهذا إنما يكون باختلاف المطالع، فليكن عليه المعول] اهـ.

وقال العلامة الحطاب المالكي في "مواهب الجليل" (1/ 392، ط. دار الفكر): [قال ابن بشير: ووقت المغرب إذا غاب قرص الشمس بموضع لا جبال فيه، فأما موضع تغرب فيه خلف جبال فينظر إلى جهة المشرق، فإذا طلعت الظلمة كان دليلًا على مغيب الشمس. انتهى.

وقال في "الجواهر": والمُرَاعَى غيبوبةُ جِرمها وقرصها دون أثرها وشعاعها، وقاله ابن الحاجب، قال ابن فرحون: ولا عبرة بمغيب قرصها عمن في الأرض حتى تغيب عمن في رؤوس الجبال] اهـ.

وقال العلامة البجيرمي الشافعي في "حاشيته على مغني المحتاج للشيخ الخطيب الشربيني" (1/ 391، ط. دار الفكر) عند قوله: (والمراد تكامل الغروب، ويُعرَف في العمران بزوال الشعاع عن رؤوس الجبال وإقبال الظلام من المشرق)؛ قال: [بزوال الشعاع هذا فيما فيه جبال أو فيه بناءٌ؛ فعلامته زوال الشعاع من رؤوس الجبال وأعالي الحيطان، وأما الصحاري فيكفي فيها تكامل سقوط القرص وإن بقي الشعاع] اهـ.

وقال العلامة أبو بكر الدمياطي الشافعي في "إعانة الطالبين" (2/ 246-247، ط. دار الفكر): [وفي حاشية الكردي ما نصه: معنى اختلاف المطالع: أن يكون طلوع الفجر أو الشمس أو الكواكب أو غروبها في محل متقدمًا على مثله في محل آخر، أو متأخرًا عنه، وذلك مسبَّبٌ عن اختلاف عروض البلاد؛ أي بعدها عن خط الاستواء وأطوالها] اهـ.

وقال الشيخ ابن تيمية الحنبلي في "الفتاوى الكبرى" (2/ 464، ط. دار الكتب العلمية): [الرؤية ليست مضبوطةً بدرجات محدودة؛ فإنها تختلف باختلاف حدة النظر وكلاله، وارتفاع المكان الذي يتراءى فيه الهلال، وانخفاضه، وباختلاف صفاء الجو وكدره] اهـ.

فدل ذلك كله على أن استطلاع الهلال من الطائرة ليس استطلاعًا لهلال البلد الذي تطير فوقه، وأنه لو رآه من في الطائرة فستكون هذه الرؤية معبرةً عمن يكون على هذا الارتفاع وحده، لا عمن هو على سطح الأرض تحته.

وأكدت دار الإفتاء، أن هذا الذي قرَّرناه هو ما أيده المتخصصون في علم الفلك بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزقية؛ حيث أفاد الأستاذ الدكتور/ محمد أحمد سليمان، أستاذ الفيزياء الشمسية المتفرغ بالمعهد بما يأتي: بالنسبة لموضوع رؤية الهلال من خلال طائرة، فقد قمنا بهذه التجربة تقريبًا في عام 1990م، أيامَ أن كان المرحوم الدكتور/ محمد سيد طنطاوي مفتيًا.

وكانت الحسابات تحدد مكثًا معقولًا، ولكننا لم نتمكن من رؤية الهلال للأسباب التالية:
1- زجاج الطائرة كان مزدوجًا، وهذه هي الحالة العادية في الطائرات، ولذلك حدث تداخل وتشتت ضوئي انعكس على الزجاج المزدوج متحللًا إلى ألوان الطيف، مما عاق صفو الرؤية، وكما ذكر السائل في خطابه يجب تجهيز زجاج الطائرة بحيث لا يكون هناك تداخل ضوئي في مجال الرؤية.
2- الطائرة بالنسبة لهذه الظاهرة بطيئة؛ يمكن أن تعبر المجال الجوي لمصر مثلًا من الشرق إلى الغرب ربما في أكثر من ساعة، وهذا لا ينسجم مع طبيعة المكث حينما لا يقل عن 10 أو 15 دقيقة.
3- وبالنسبة لهذا المشروع المقترح من صاحب الرسالة، يجب أن يكون لكل بلد طائرة خاصة تعبر مجالها الجوي من الشرق إلى الغرب، أو تكون في مكان غربي البلد بعد الغروب مباشرةً.
4- أهم ما في هذه المحاولة النبيلة أن ارتفاع الطائرة يؤخر زمن غروب الشمس تبعًا للمعادلة: (t = 0.129 (√h حيث (h√) هو الجذر التربيعي للارتفاع h بالمتر عن سطح البحر، وبذلك يكون تأخير الغروب نتيجةً للارتفاع بالطائرة 11كم حوالي 13.5 دقيقة.
وبهذا لا تتحقق الأهداف من استخدام طائرة؛ لأن هذا الوقت يفوق زمن المكث في كثير من الحالات وفي كثير من الشهور. اهـ.
 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: رؤية الهلال دار الإفتاء السحاب رؤیة الهلال دار الإفتاء کیلو متر ا استطلاع ا سطح الأرض اختلاف ا

إقرأ أيضاً:

الزعاق يوضح مراحل ضوء الشمس .. فيديو

الرياض

أوضح خبير الأرصاد الجوية والمناخ، الدكتور خالد الزعاق، مراحل ضوء الشمس، مؤكدًا أن الشمس عنصر أساسي في حياة الإنسان.

وأضاف الزعاق، بفقرته المُذاعة عبر قناة «العربية»، أن حياة الإنسان مترتبطة بالشمس والتي تبدأ مراحل ضوئها بالحمرة ثم الصفرة ثم الانتشار.

وأشار خبير الأرصاد الجوية إلى أن الفترة الزمنية بين الحمرة والصفرة والانتشار تعادل ربع ساعة، وهو ما يعادل ارتفاعها قيد رمح أو بالصفرة قبيل غروبها، وهو نهاية وقت العصر.

https://cp.slaati.com//wp-content/uploads/2024/11/q1sTLphScXbo_Sxf.mp4

مقالات مشابهة

  • تفاصيل اقتحام شاب سوري معسكرًا إسرائيليَا في ليلة الطائرات الشراعية - صور
  • الزعاق يوضح مراحل ضوء الشمس .. فيديو
  • "الرؤية" تشارك في ندوة "التعاون الصيني العربي.. آفاق ورؤى".. 15 ديسمبر
  • تقرير سري للبنتاغون يكشف الأعطال التقنية والعملية للمقاتلة إف-35
  • «التوطين»: يجوز للعامل المساعد العمل لدى أقارب صاحب العمل
  • خبير: تصرفات موسكو تصعب مهمة ترامب لوقف الحرب الروسية الأوكرانية
  • تهديدات من الفضاء تقلق الأرض!
  • كيف يقبض ملك الموت عدة أرواح في وقت واحد؟..دار الإفتاء توضح
  • حكم من يكذب في سرد الحلم أو الرؤية.. هل مصيره النار؟
  • هل يجوز قراءة القرآن على الماء والغسل به؟.. الإفتاء توضح