حرب الإبادة الإسرائيلية الغربية تُجدّد صراع الحضارات
تاريخ النشر: 13th, November 2023 GMT
حرب الإبادة الإسرائيلية الغربية تُجدّد صراع الحضارات
التطهير العرقي هو السمة الجوهرية لـ«دولة اليهود» قبل أيٍّ من سماتها الأخرى، كممارسة التمييز العرقي والفصل المكاني، الأبارتهايد.
المعطيات تشي بغلبة العامل الأيديولوجي في أذهان صنّاع القرار في الغرب عند تعريفهم لمصالحهم وصياغة السياسات الكفيلة بحمايتها وتعظيمها.
«كُتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبّوا شيئاً وهو شرّ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون» [البقرة: 216]
الجديد أن الغرب أي القطيع الذي يضم إسرائيل والدول الأوروبية واليابان، هو الذي يتعامل مع «الآخرين» غير الغربيين باعتباره معسكراً موحداً وحضارة متفوقة.
نحن أمام حرب إسرائيلية غربية على أهل غزة والأمة يعتبرها الغرب حربه وبتموضع غير مسبوق في تاريخه حيال الصراع بين الكيان الصهيوني وشعوب المنطقة.
الإبادة في اعتقاد قطعان الصهاينة، حكومة ومعارضة، وبين نخبهم السياسية والثقافية، ومجتمعهم، هي الطريق الأقصر لاستكمال التطهير العرقي الذي بدأ في 1948.
سياسة الغرب العدوانية المتغطرسة دفعت دولاً لم تكن متفاهمة كروسيا والصين وإيران وتركيا وغيرها، للشراكة والتنسيق، أو السعي لتفاهمات الحد الأدنى مقابل الصلف الغربي.
* * *
أن يباشر الوحش الصهيوني الجريح، بعد عملية «طوفان الأقصى» البطولية، اعتماد سياسة المجازر المتواصلة، في مسعى مكشوف إلى إبادة أهل غزة، هو ما يتسق مع طبيعته وتاريخه.
يؤكد ما يُرتكب بحق أهل قطاع البواسل، مرة جديدة، أن التطهير العرقي هو السمة الجوهرية لـ«دولة اليهود» قبل أيٍّ من سماتها الأخرى، كممارسة التمييز العرقي والفصل المكاني، الأبارتهايد، مثلاً.
الإبادة، الجزئية أو الشاملة، في اعتقاد قطعان الصهاينة، في الحكومة والمعارضة، وبين نخبهم السياسية والثقافية، ومجتمعهم «المدني»، هي الطريق الأقصر لاستكمال التطهير العرقي الذي بدأ في 1948.
نتنياهو قال صراحة إنها حرب «الاستقلال» الثانية، وجهر لواء الاحتياط غيورا ايلاند بأن هدفها تحويل غزة مكاناً غير صالح للحياة، ودعا وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، الوفي حقاً لهذا التراث، إلى التفكير جدياً بقصفها بقنبلة نووية.
من المفترض ألّا يثير ما يحدث، حتى في 2023، أو ربما خاصة في 2023، أدنى استغراب. لعل الأوان قد آن، بالنسبة إلى المثاليين المغفّلين الذين آمنوا بسرديات الغرب وخرافاته، عن حقوق الإنسان والأقليات والحيوانات الأليفة، وعن «الإنسانية السائرة نحو الأفضل»، لكي يراجعوا قناعاتهم.
ففي غزة، سيُحدد مصير فلسطين والفضاء العربي الإسلامي وحتى جنوب العالم إلى حد ما. منذ انسحابهم منها في 2005، أراد الصهاينة، ومعهم الغربيون الذين شاركوا في حصارها وفرض العقوبات عليها، أن تصبح «أكبر سجن في الهواء الطلق».
لكنّها أضحت معقلاً للمقاومة، فقرروا تحويلها إلى «أكبر مسلخ بشري في الهواء الطلق» عقاباً لها، وكي تكون عبرة للـ«آخرين». ولكن، بمعزل عما ستؤول إليه المنازلة المحلية - الإقليمية - الدولية الدائرة فيها، فإنها، بالنسبة إلى من يريد أن يرى، أعادت تثبيت جملة حقائق أساسية متعلقة بخلفياتها وأبعادها وتبعاتها على مستقبل الإقليم برمّته والعالم.
الحقيقة الأولى هي أننا أمام «حرب حضارية» إسرائيلية - غربية تُشنّ على أهل غزة وعلينا. لم يكن التشبيه الإسرائيلي - الغربي لـ«طوفان الأقصى» بعملية 11 أيلول 2001 نابعاً فقط من توجه لتصنيفها عملاً إرهابياً، وتبرير ما سيليها من توحّش صهيوني بذريعة ضرورات «مكافحة الإرهاب».
هذا التشبيه يعكس كذلك التصور الراسخ والمشترك في أذهان القطاع الأعظم من النخب الإسرائيلية والغربية الحاكمة و/أو المُسيطرة عن المحركات الفعلية والدوافع الكامنة للاعبين السياسيين على الساحة الدولية، بما هي ساحة للتدافع والتنازع.
قد يكون أوضح تعبير عن هذا التصور هو ذلك الوارد في رسالة لصديق لريجيس دوبريه، نشرها الأخير في كتابه المهم «مرسوم كركلا» الصادر في 2004. يقول صديق دوبريه، وهو موظف فرنسي كبير قرر بعد عمليات 11 أيلول الهجرة إلى الولايات المتحدة والحصول على الجنسية الأميركية، أن رد الفعل على هذه العمليات، بين الذين ابتهجوا سرّاً أو علناً، ومن ذُعروا، يرسم الحد الفاصل على نطاق المعمورة بين الـ«نحن» والـ«هم»، بين ديار الغرب وديار الآخرين.
المنطق نفسه ينسحب على ردود الفعل على «طوفان الأقصى»: «الغرب الجماعي» ذُعر وهرع لنجدة إسرائيل، مرسلاً حاملات طائراته وسفنه الحربية وغواصاته حاملة الصواريخ النووية لهذه الغاية، بينما توزّع بقية العالم بين مبتهج وبين متفهم لأسباب العملية من دون تأييدها بالضرورة.
التماهي الكامل مع الموقف الإسرائيلي، بما في ذلك بالنسبة إلى إبادة سكان غزة عبر رفض الوقف لإطلاق النار بحجة عدم إتاحة فرصة التقاط الأنفاس لـ «حماس»، إضافة إلى ما ذكرناه من مشاركة عسكرية واستخبارية وسياسية - إعلامية في الحرب، تعني ببساطة أن «الغرب الجماعي» يعتبرها حربه.
هذا المستوى من التماهي الكامل والمعلَن، غير المسبوق في تاريخ تموضع الغرب حيال الصراع بين الكيان الصهيوني وشعوب المنطقة، مع ما يترتب على ذلك من استعداءٍ لـ 500 مليون عربي وحوالى 1,8 مليار مسلم، ناهيك عن بقية شعوب الجنوب العالمي، ومن تداعيات على مصالح الغرب ونفوذه، وسط خوضه لمواجهات كبرى مع «منافسين إستراتيجيين»، هي معطيات تشي بغلبة العامل الأيديولوجي في أذهان صنّاع القرار في الغرب عند تعريفهم لمصالحهم وصياغة السياسات الكفيلة بحمايتها وتعظيمها.
الحقيقة الثانية، المرتبطة بالأولى، هي أن الغرب المنحدر، لا عقلاني ومتخبّط وخطر. أين العقلانية في الانجرار إلى نزاع جديد محتمَل في الشرق الأوسط رغم كل التجارب المريرة السابقة بالنسبة إلى الأميركيين في العراق وأفغانستان، وبالنسبة إلى الأوروبيين، وهم «العدوّ الأقرب» جغرافياً لمسرح المعركة، وربما عليهم ألا ينسوا ذلك؟
ألا تتطلب المواجهة الشاملة مع الصين، والحرب بالوكالة مع روسيا في أوكرانيا، تفرغاً كاملاً من القوى الغربية المتراجِعة القدرات العسكرية والاقتصادية والسياسية بمجملها، كما سبق أن حضّت على ذلك وثائق الأمن القومي والدفاع الوطني الأميركية والغربية المختلفة، وأهم الخبراء الإستراتيجيين الغربيين، بدلاً من التورط في الشرق الأوسط؟
اعتقد البعض، ونحن منهم، أن النخب الحاكمة في المركز الأميركي قد عادت إلى رشدها مع إعلان أوباما عن «الاستدارة نحو آسيا» وأولوية التصدي لصعود الصين. لكن الحرب الراهنة على غزة، وقبلها، وإن بدرجة أقل، حرب أوكرانيا، أظهرتا أنّ الغرب المنحدر، وبمجرد اندلاع نزاع، يرى فيه تحدياً رمزياً وسياسياً لهيمنته، يشيح النظر عن أولوياته الرسمية وينجر إليه كما يفعل اليوم في غزة، في سياق صراع قد يتوسع ليشمل كل الإقليم.
إسرائيل من بقايا رموز حقبة الريادة الغربية المنحسرة، والغرب يأتي لنجدتها وإن على حساب أولوياته الراهنة. وعندما تطغى العصبية واعتباراتها كالهيبة واستعراض الوحدة والقوة على الحساب البارد للمصالح والأرباح والخسائر قبل اعتماد أي سياسة، فإننا نكون أمام سيادة منطق القبيلة لا المنطق العقلاني الذي لا يتوقف الغرب عن التغني به.
الحقيقة الثالثة هي أن السياسة باتت استمراراً للحرب لا العكس. عندما كتب صموئيل هنتغتون مقاله الرؤيوي في «فورين أفيرز» منذ 30 سنة عن «صدام الحضارات»، تصدى له كثيرون باسم الواقع الذي ستنتجه العولمة، من تداخل في المصالح وتلاقح وتمازج بين الشعوب وغيرها من بلاهات أسطورة العولمة السعيدة التي سادت في حقبة كلينتون.
نقد أكثر جدية لفت إلى أن الحضارات ليست فاعلاً إستراتيجياً على النطاق العالمي بل الدول، وأن عدداً من الدول التي تنتمي إلى الفضاء الحضاري نفسه متخاصمة سياسياً وتفضل التحالف مع لاعبين من خارج فضائها ضد بعضها بعضاً.
الجديد راهناً هو أن الغرب الجماعي، أي القطيع الذي يضم إسرائيل والدول الأوروبية واليابان، هو الذي يتعامل مع «الآخرين» غير الغربيين باعتباره معسكراً موحداً وحضارة متفوقة.
سياستهم العدوانية المتغطرسة دفعت دولاً لم تكن متفاهمة مع بعضها بعضاً كروسيا والصين وإيران وتركيا وغيرها، للشراكة والتنسيق، أو السعي إلى التوصّل إلى تفاهمات في الحد الأدنى، في مقابل الصلف الغربي.
وعندما ينظر المرء إلى أساطيلهم المحتشدة في المتوسط للسماح للإسرائيليين بإبادة أهل غزة، كيف لا يستعيد شريط ذكريات الغزوات الطويل، من الحملات الصليبية إلى الحملات الاستعمارية الحديثة في مشرق العالم العربي ومغربه؟ لم يتعلموا دروس التاريخ المعاصر والقديم وسيندمون.
*وليد شرارة كاتب وباحث في العلاقات الدولية
المصدر | الأخبارالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الغرب غزة الإبادة صراع الحضارات التطهير العرقي الكيان الصهيوني التطهیر العرقی بالنسبة إلى أهل غزة
إقرأ أيضاً:
صراع البرهان والإسلاميين: استنزاف متبادل ومواجهة محتومة
في سياق الصراع المتصاعد، وجه الرئيس السابق لحزب المؤتمر الوطني، أحمد هارون، اتهاماً للبرهان بتعمد إضعاف الإسلاميين من خلال الزج بشبابهم في الخطوط الأمامية للمعارك
كمبالا: التغيير: تقرير
ما أن تخبو حدة التوترات بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان والتيار الإسلامي حتى تعود لتتصاعد مجدداً، وسط تبادل مستمر للاتهامات وسعي كل طرف لتقويض نفوذ الآخر، مما يعكس طبيعة العلاقة المضطربة والهشة بينهما.
التوترات
رغم ما بدا في البداية كتحالف تكتيكي بين البرهان والتيار الإسلامي، إلا أن المصالح المتضاربة سرعان ما ظهرت إلى السطح. البرهان، الذي يسعى لتعزيز قبضته على السلطة، ظهر وكأنه يتعامل مع هذا التيار كوسيلة لتحقيق أهدافه، بينما يسعى الإسلاميون لاستعادة نفوذهم الذي فقدوه عقب سقوط نظام البشير.
مثالاً لهذه الاستراتيجية، قرار البرهان الأخير بحل لجنة الاستنفار الشعبي في ولاية القضارف، التي تُعد من أبرز أدوات الحشد والتنظيم للإسلاميين، الذين اعتبروا أن الخطوة تهدف إلى تقليص نفوذهم وقطع أذرعهم التنظيمية.
وفي سياق الصراع المتصاعد، وجه الرئيس السابق لحزب المؤتمر الوطني، أحمد هارون، اتهاماً للبرهان بتعمد إضعاف الإسلاميين من خلال الزج بشبابهم في الخطوط الأمامية للمعارك.
الإسلاميون ينظرون إلى أي محاولة صلح مع الإمارات على أنها تهديد حتى إن كان الوسيط أردوغان
التوترات لم تتوقف عند هذا الحد، إذ أطلق قائد كتائب “البراء”، المصباح أبوزيد طلحة، التي تقاتل إلى جانب الجيش، تصريحات حادة عبر صفحته في “فيسبوك” قبل يومين، أكد فيها رفض الإسلاميين القاطع لأي تفاوض مع الأطراف الإقليمية، في إشارة إلى التفاهمات المحتملة التي يجريها البرهان مع تركيا والإمارات.
تحليل سياسي للصراع
بحسب أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، د. إبراهيم كباشي، يعود الصراع بين البرهان والإسلاميين إلى مرحلة ما قبل الحرب، إذ يتعامل الإسلاميون مع اللجنة الأمنية التي تمثل السلطة الانتقالية على أنها “خائنة” بسبب دورها في الإطاحة بنظام البشير وخلق واقع سياسي جديد في البلاد. ويشير خلال حديثه مع (التغيير) إلى أن الإسلاميين، منذ البداية، اتخذوا موقفاً استراتيجياً يقوم على التخلص من جميع المجموعات التي شاركت في التغيير بعد 2019، معتبرين الحرب وسيلة رئيسية لتحقيق هذا الهدف.
القط والفأر
المفكر والباحث د. النور حمد وصف العلاقة بين البرهان والإسلاميين بأنها لعبة القط والفأر. ويرى في مقابلته مع (التغيير) أن البرهان، الموصوف بأنه “مهووس بالسلطة”، استخدم الإسلاميين كوسيلة لتحقيق طموحاته في السيطرة الكاملة على الدولة. لكنه يشير إلى أن فشل خطة “الضربة الخاطفة” التي اتفق عليها الطرفان للقضاء على قوات الدعم السريع، أدى إلى إطالة أمد الحرب وتعقيد العلاقة بينهما.
وهو ما ذهب إليه د. كباشي، إذ يرى أن تمدد الحرب جغرافياً وزمنياً، ودخول أطراف إقليمية ودولية إلى المشهد، عقد الواقع بشكل لم يكن في حسابات الطرفين. فبدلاً من الحسم السريع، دخل الصراع في مرحلة طويلة الأمد تُوظف فيها المصالح المؤقتة لتأمين النفوذ.
الإخوان منذ البداية اتخذوا موقفاً استراتيجياً يقوم على التخلص من جميع المجموعات التي شاركت في التغيير بعد 2019
ويؤكد كباشي في تحليله أن الصراع بين البرهان والإسلاميين سيظل يلقي بظلاله السلبية على أي مبادرة سلمية. فمع استمرار الحرب وتحولها إلى أداة استراتيجية لكل طرف، يصبح تحقيق السلام في السودان أمراً بعيد المنال، ما لم تحدث متغيرات سياسية كبرى تُعيد ترتيب الأولويات وتفرض مساراً جديداً للحل.
تكتيكات متبادلة وتناقض في المواقف
اتفق د. النور حمد ود. إبراهيم كباشي على أن العلاقة بين البرهان والإسلاميين تتسم بالاستغلال المتبادل، حيث يعتمد الطرفان على تكتيكات مرحلية لتحقيق أهداف مؤقتة، في ظل تناقض واضح في الرسائل والمواقف.
يوضح كباشي أن الإسلاميين يفضلون توزيع الأدوار بين شخصيات بارزة مثل المصباح وآخرين، في محاولة للحفاظ على نفوذهم، بينما يسعى البرهان ومجموعته إلى الاستفادة من هذا التكتيك لإطالة أمد الحرب كوسيلة لإضعاف الإسلاميين وتعزيز سيطرتهم على السلطة.
من جهته، يُبرز د. حمد جانباً آخر من الصراع، مشيراً إلى أن التناقض في الرسائل التي يوجهها الإسلاميون إلى البرهان والتى تدل على تخوفهم منه. ويرى أن هذا التناقض يظهر جلياً في مواقف شخصيات مثل الانصرافي، والطاهر حسن التوم، وسناء حمد، ورسائلهم المتباينة بين السخرية والانتقاد الحاد والثناء المؤقت.
ويضيف حمد أن الإسلاميين يثورون على البرهان كلما أبدى ميلاً للتفاوض أو أظهر انفتاحاً على حل سلمي للأزمة. ويذهب المفكر، الذي يعد أبرز قيادات الفكر الجمهوري، إلى أن الإسلاميين أصبحوا أسرى لدى البرهان والعكس صحيح، حيث يعتمد كل طرف على الآخر مرحلياً.
التناقض الصارخ بين الطرفين يؤكد أن انفجار الأزمة بين البرهان والإسلاميين أصبح مسألة وقت
ويوضح أن الاتهامات المتبادلة بين الطرفين، مثل اتهام أحمد هارون وسناء حمد للبرهان باستنزاف شباب الإسلاميين، تحمل اتهاماً واضحاً للبرهان بأنه يتعمد إضعاف التيار الإسلامي عبر الزج بشبابهم في الخطوط الأمامية للمعارك المستمرة.
ويواصل قائلاً: الإسلاميون يعتبرون قرار البرهان بحل لجنة الاستنفار الشعبي في القضارف تأكيداً لاستراتيجية تهدف إلى القضاء على كتائب التنظيم المقاتلة.
ويشير إلى تصريحات سابقة لقيادات إسلامية مثل علي عثمان محمد طه، الذي تحدث عن أهمية “ادخار القوة”، في إشارة إلى ضرورة أن يقاتل الإسلاميون باستخدام الآخرين بدلاً من زج أنفسهم في المعارك.
ومع تمدد الحرب وفشل الحسم السريع، يوضح حمد أن الإسلاميين لجأوا إلى استنفار المواطنين لتعويض خسائرهم، إلا أن هذه الدعوات لم تحقق النتائج المتوقعة. ونتيجة لذلك، تحملت كتائبهم العبء الأكبر من القتال، مما أدى إلى خسائر كبيرة في صفوفهم. وعلى الرغم من هذه الخسائر، يرى حمد أن الإسلاميين ما زالوا متمسكين بخطتهم لتحقيق نصر حاسم على قوات الدعم السريع والعودة إلى السلطة منفردين دون أي شريك.
فرصة ضائعة للإسلاميين
الصحفي والمحلل السياسي علاء الدين بشير يؤكد أن الحرب استنزفت كادر الإسلاميين المتبقي ولم تُكسبهم ثقلاً في مراكز صنع القرار. زمام الأمور بات بيد العسكريين، الذين يدركون أن الإسلاميين يخوضون هذه الحرب بأجندتهم الخاصة لاستعادة النفوذ الذي فقدوه بعد سقوط نظام البشير في ثورة ديسمبر. ويُعتبر هذا الطموح، كما يقول بشير (للتغيير)، من الخطوط الحمراء للعسكريين، الذين يلتزمون أمام القوى الإقليمية والدولية التي دعمتهم للوصول إلى مركز القرار في السودان.
معارضة أي مصالحة إقليمية
ويعتبر بشير أن الإسلاميون ينظرون من جانبهم إلى أي محاولة للصلح مع الإمارات أو غيرها من القوى الإقليمية على أنها تهديد مباشر لمصالحهم، حتى إذا كان الوسيط هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حليفهم الأيديولوجي. ويرجع بشير ذلك الى أن السودان يختلف عن بقية دول المنطقة العربية والإسلامية، حيث قامت الثورة ضد حكم الإسلاميين، مما يجعل من الصعب إعادة إنتاج نفوذهم خصوصاً مع استمرار المطالب الشعبية للخلاص من سياساتهم وأيديولوجياتهم.
مواجهة حتمية
ذهب د. النور حمد وعلاء الدين بشير إلى أن الصراع بين البرهان والإسلاميين يتجه نحو مفاصلة حتمية. يقول د. حمد إن التناقض الصارخ بين الطرفين يؤكد أن انفجار الأزمة بين البرهان والإسلاميين أصبح مسألة وقت. فالطرفان يلعبان على أوتار الوقت والمصالح المشتركة، لكن نية الإقصاء متبادلة، مما يجعل الصراع بينهما أمراً حتمياً طال الزمن أم قصر.
ويؤكد بشير أن تقلص هامش المناورة بين الطرفين يجعل من الصعب تأجيل هذه المواجهة، خاصة في ظل استمرار العسكريين في التزامهم بإبعاد الإسلاميين عن مراكز القرار.
الوسوماحمد هارون الاسلاميين البرهان سناء حمد كتيبة البراء