حميد عقبى المتأمل والمتابع للشاعرة الليبية الشابة آية الوشيش ، سيلاحظ التطورات المستمرة في كتابتها الشعرية وأنها في إطار تكوين تجربتها الشعرية الخاصة لتكن ذات ملامح خاصة أي تعبر عنها أولا، ثم عن واقعها المجتمعي المصاب بالخلل والمضطرب والخيبات والنكسات وأصبح الحل هو الهروب إلى الأحلام والأماني للشعور بالسلامة والأمان وكي يستمر أي إنسان أو كائن بالتنفس وممارسة لعبة الحياة فعليه أن يحلم ويتخيل ويهذي.

لا يستطيع المبدع الهروب النهائي من الواقع ولكن آية الوشيش تبتعد عن الكتل الأكليشية لتصور لنا عالمها من عدة زوايا ويمكن أن توقف في هذه التأملات مع عدة نماذج من ديوانها ”زيتونة مجعدة ”والصادر عن  دار شطيرة الكتب للنشر والتوزيع في أغسطس 2022م ولتكن البداية مع قصيدتها زيتونة مجعدة وإليكم النص: وانتظرتك ! حتي جف قلبي ! وصار زيتونة مجعدة انتظرت المواعيد التي حلفت بابتسامتك العريضة أنها حقيقية خلف تكات الساعة كان قلبي يركض كل ليلة أعد الثواني و أراقصها وأصنع من الصبر حجاباً لكنك لم تأتي أردد في محراب شوقي تنهيدات خلف صوت “وردة” “لو الأيام بتتكلم ” “لو الأيام بتتكلم” لأخبرتك أن عيناي لهما لون الحزن ووجهي سيدة في الأربعين وعمري يفوق سنوات ميلادي وعاث المشيب في شعري فساداً لم يضم رحمي جنيناً وضم حضني كل أطفال الحي بكت أمي كثيراً قبل المنية ورحل والدي مبكراً بسؤال مبهم ماذا عن مصيري ! أذكر يوم أخبرتني أن “تشاد قريبة” وأن الحروب لا تقضم سيقان الشجعان وأن المحب يعود ! تركت خاتمي في يميني وضعت فوق كفتي القبلات وقلت انتظريني ! وانتظرتك ! حتي جف قلبي وصار زيتونة مجعدة !. نحن هنا مع نص بوح أنثوي، يهمس، يغضب، يعاتب ويرصد ثم يصور، تصف قلبها الجاف ووجهها كأنه يتقدم في الأربعين وتذكر أحزانها وفقدان الأمل في أرض تهتز بالموت والصراعات حيث يولد الضياع والحرمان وهنا رغم كل الصفعات فهي تصبح الأرض والحاضن وتضم الأطفال في حضنها. قد تبدو نصوص آية لدى البعض تحافظ على توازنها وذات أهداف ورسائل اجتماعية ورمزية و… و…، لكني قد اختلف وأجد أن الشاعرة قد تسعى للتخلص والهروب من الشعرية وأي أثقال تأتي من صنعة الشعر، تتمسك بالسرد وتجدف في متاهاته لتُحدث بعض الارتباكات وهي هنا لا تجلس خلف نافذتها العالية لتحكي شوقها إلى فارس أحلامها الشجاع، هي وربما تحكي عن الآلاف من الفتيات اللاتي ينتظرن الحبيب وقد يكون هذا الحبيب أكلته تلك الحروب المستعرة أو أمتطى قواب الموت أو خلف زنزانة موحشة أو…، حيث تتعدد أساليب الموت أو لنقل الضياع، فهنا انتظارات متعددة وهنا شوق ولهفة وأسئلة عن هذا الواقع والذي يفوق في تفاصيله اللا معقول والفنتازيا، أنا مع أن يرتبك النص ويفقد كل أثقال الصنعة الشعرية ومع أن تتمادى آية في خلق رؤيتها الخاصة وبعدساتها الخاصة وأن تشوه أو تهدم أجزاء أو كل معمارية الرمز والدلالة. لنأخذ نص محاولات، وكأننا مع أعترافات جريئة وهي في هذا النص لا تدعي المثالية والفوقية وتقف مع نفسها أمام مرآة فاضحة لا تعرف الكذب كتبتُ أشياء كثيرة َ مشاعري في مسوّدة الهاتف وقصائدَ على ظهر حوض الاستحمام كلماتٍ من سبابي الحقيقي على وجوهِ من أكره وكثيرًا من الحديث المحبوس في مخيلتي كتبت كثيرًا بطريقة سريعة وبأخطاء إملائية وبوهمٍ شاعريّ وبنرجسية مبدع وبثقة أقل وبوجع أكبر كتبت ! أنني غير قادرة على الحديث وأنني تعيسة ضاحكة وأنني قوية وضعيفة وأفكر في الانتحار وأنتحر في طريقي إلى مشنقة الصمت كل يوم كتبت كثيرًا على الورق وعلى بريدي الإلكتروني وفِي جرائد محليّة ومواقع لا يقرأها أحد كتبت دون فائدة وبلا جدوي وكلها كانت محاولات لتفادي الجنون! …. ربما في هذا النص، تصوير يمسنا جميعًا ككتاب، لحظة مراجعة لهموم مبدعة، تسأل نفسها لماذا أكتب؟ كلها محاولات لتفادي جنون الواقع، ثمة الشعور بالعزلة والوحدة في بعض اللحظات، تظهر الأناء ونقد الذات، ففي مجتمعات مثل مجتمعاتنا نضطر أن نُخفي مشاعرنا في مسودة الهاتف وما يعج به الواقع من تراجيديا يجعلها كمبدعة تكتب وتكتب، تكتب للحفر في الداخل والذات وهي من الأمور باللغة التعقيد، كأنها هنا تمارس الكتابة الأتوماتيكية لا تأبه أن تفضح ما قد يلتصق بها من مشاعر، هذه النرجسية المتضخمة الزائفة تهددنا جميعًا وقد نقع ضحايا للتفاهة. تحاول آية الوشيش أن تتجنب التعقيدات والمبالغات وترسم كطفلة، كفتاة وعاشقة وقد تكون بعض نصوصها لقطات من هنا وهناك، تتعمد بعثرتها وقد تخضع لوحدة موضوعية، وتتأمل مجتمعها الذي يعج بالتناقضات وتعترف أنها تأثرت بهذا الواقع المرتبك وأنها متناقضة ومرتبكة كما في نصها متناقضة ، وتقول :ـ متناقضة في بلدٍ متناقض ! حدثتني وهي ت ُعول إثمها وتتأرجح على حبال الضمير قالت: أرقصُ أمام المرآيا وأحشر جسدي في ملابس ضيقةٍ في الخفاء َ أصنع الحب على سمّاعة الهاتف وأخشى أن تراني الجارة َ لكن كلّ بنات الحي يفعلن ذلك… وأنا ألعن ”الحجالة“ وأرتدي ملابس التقوى وأعير للخطوط الحمراء اهتماما ً ومبدأ أعيش قصص َ ”الغيّة“ لكني في النهاية أفضِّل ”تحجري“ ابن عمي َ ممتنّة لدستور الحياة عصفورٌ في اليد لا عشرة على الشجرة ! متناقضة في بلد متناقض تنام السيجارة بين شفتيها في ردهة دورة المياة وتساوم الشرفَ فوق منصة الخطابة تعير للمساء اهتمامَ بودفوار وتكتفي بأن تغدو كل صباح ملائكيةً كفيروز لأنها متناقضة في بلد متناقض السارق رجل أعمال والشريف تحت جناح الحاجة والذكيّ يرتعد من الوحدة والغبيّ يشبهها متناقضة في بلد متناقض ! في ليبيا أو اليمن والكثير من البلدان التي تعيش جحيم الحروب والصراعات، يصبح كل شيء متناقض، وثمة قوانين وطقوس وعادات جديدة. تتغير الأوضاع بسرعة وهذه التغيرات تؤثر على الرجال والنساء. يتسع الخوف من الحياة ويضطر الناس لارتداء الأقنعة الزائفة التي قد تفقدهم هويتهم الحقيقية. تلقي لعنات الحرب بظلالها على القلوب وتدمر الأرواح. لا يوجد حرية وغالبًا نُحاسب على مظهرنا وطريقة ارتداء الملابس، مما يؤدي إلى انحراف أرواحنا. يخشى الشاعر على روحه ويستنجد بالأماني، يتمنى أن يأتي حلم جديد ليبدد هذه الفوضى. تتذبذب الشاعرة بين الأحلام، تتمسك بالأحلام الصغيرة والبسيطة ولكنها غير ممكنة ولا تنفذ حاليًا. تهذي وتتلهف لرؤية غدٍ أجمل وتتمنى أن يصبح الحياة مشروعًا قابلاً للتحقيق.

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

حميد الشاعري : "في سكوت" قصة أغنية بدأت بلعبة كوتشينة

في لقاء استثنائي عبر بودكاست "للجميع أقوال أخرى"، احتفل الموسيقار حميد الشاعري بالعام الجديد 2025 كضيف مميز.

 

تحدث الكابو حميد الشاعري، عن تأثير السوشيال ميديا على صناعة الموسيقى، واصفًا إياها بأنها سبب حقيقي للحرية الموسيقية، حيث منحت الأجيال الجديدة الفرصة لاكتشاف الأغاني القديمة وإعادة انتشارها.

 

أكد الشاعري على أهمية التعاون مع الفنانين الشباب، مشيرًا إلى أن نجاحهم يُضيف قيمةً له ولهم، ويستفيدوا من خبراته.

 

وبسؤاله عن بعض الانتقادات التي وجهت له، أضاف الشاعري أنه رغم الانتقادات التي تلقاها خلال مسيرته، لم يتخلّ عن تقديم ما يحب، لأن هذا هو مفتاح النجاح.

 

عن احتفالاته برأس السنة، أشار حميد إلى تقديم حفلاته ثم قضاء الوقت مع عائلته، متمنيًا أن يشهد العام الجديد حالة من الهدوء العالمي، بعيدًا عن الأزمات التي تؤثر نفسيًا على الجميع.

 

كشف حميد عن تفاصيل أغنيته الشهيرة "في سكوت"، موضحًا أنها كانت مخصصة لمصطفى قمر، ولكنه فاز بها في لعبة كوتشينة، لتصبح واحدة من أشهر أغانيه.

 

أكد حميد الشاعري أن حقوق الملكية الفكرية أصبحت أكثر حماية اليوم، مشيرًا إلى أن حصول المبدعين على حقوقهم يشجع على الإبداع دون قيود أو منع.

 

وعن خبر وفاة الملحن محمد رحيم، عبّر حميد الشاعري عن صدمته الكبيرة بفقدانه، وأضاف أن رحيم كان موسيقارًا مميزًا وصاحب بصمة لا تُنسى في عالم الموسيقى، وأن رحيله ترك فراغًا كبيرًا في الوسط الفني.

 

حميد الشاعري

حميد الشاعري  مغني وموسيقار، ولد لأب ليبي وأم مصرية ويحمل الجنسيتين المصرية والليبية، حيث نشأ في أسرة تشمل خمسةَ عشرَ أخاً وأخت، إضافةً إلى ثلاثِ زوجات للأب -خلافاً لأمِه، توفيت أمه وهو لم يتجاوز الثالثة عشر من العمر.

كان في أول مراحله هاوياً حيث اعتاد إقامة الحفلات بمدينة بنغازي. وفي الثلث الأخير من السبعينيات انضم حميد الشاعري إلى فرقة الإذاعة الليبية كعازف أورج ولكن لم يدم انضمامه إلى فريق الإذاعة طويلاً فقد فارق الشاعري الفريق إثر خلافات حادة في وجهات النظر نشبت فيما بين الجانبين. شارك أيضاً حميد الشاعري في إنشاء فريق غنائي تحت اسم أبناء أفريقيا يضم عدد من المغنيين الأفريقية والعربية، ولكن لم يستمر الفريق.

كان حميد طالباً في معهد الطيران حيث أرسله والده لاستكمال دراسته في بريطانيا، قام هناك بتأجير الساعات في الاستوديهات الإنجليزية لأجل تسجيل أوائل أعماله الموسيقية والغنائية.

من أهم المنتجين الذين تعامل معهم حميد الشاعري كلٌ من المنتجَين هاني ثابت وكمال علما، أصحاب شركة سونار والتي من خلالها قدم حميد أول أعماله الغنائية والموسيقية بعد فترة من انتقاله إلى مصر وبالتحديد إلى مدينة الإسكندرية حيث يستقر أبيه وأقاربه من جهة الأم، ولكن كان والده يرفض عمل ابنه في المجال الموسيقيِ.

فشل حميد الشاعري في أول تجاربه الموسيقية في مصر، حيث لم يحقق ألبومه الأول ألبوم عيونها والذي أطلقته شركة سونار أي نجاح علي الإطلاق، ثم تم إصدار ألبوم ثانٍ لحميد الشاعري وهو ألبوم رحيل وليحقق هذا الألبوم نجاحً مدويً خاصةً على الساحة المصرية، وسرعان ما تلاها بألبوم ثالث ألبوم سنين، ثم ألبومات أخرى من أمثال ألبوم جنة وألبوم شارة وألبوم حكاية.

حميد الشاعري متزوج وله أربعة أبناء نديم، نوح، نبيلة، ونورة. ألّف عدة أغاني بعد نشوب الاحتجاجات الليبية سنة 2011 تغنى بها بالمعارضين لنظام القذافي.

مقالات مشابهة

  • موعد ومكان عزاء الشاعرة عبير الرزاز
  • بعد فوات الأوان
  • تفسير حلم الحديقة الخضراء في المنام .. وعلاقته بالاستقرار العاطفي والمهني
  • تفسير حلم اسم بشيرة في المنام للرجل والمرأة والعازب والحامل والمتزوجة
  • مصر.. خطوة جديدة على طريق الحلم النووي
  • نهيان بن مبارك يعزّي حميد الظاهري بوفاة زوجته
  • حميد الشاعري : "في سكوت" قصة أغنية بدأت بلعبة كوتشينة
  • تامر حسني ينعى عبير الرزاز
  • وفاة الشاعرة عبير الرزاز وتشييع جثمانها بعد صلاة الجمعة
  • محافظ بورسعيد يستعرض مع نائبي رئيس نادي المصري مشروع الحلم