قيادة الجيش المرتبكة أجهضت فرصة اكتساب بضعة من ثقة مضيّعة بإصدار بيان يعلن تدمير جسر شمبات بدوافع استراتيجية.. الأبقى من تبادل الإتهامات مع الجنجويد دخول دكّ معالم الخرطوم في الحرب الكارثية مرحلة ضرب الجسور.. فللعاصمة عشرة جسور تربط بين ضفافها الست. بغض النظر عن الجدوى العسكرية من شل الحركة على جسر شمبات ،فإن أحد أبرز مضار الضربة بالإضافة إلى هد أعمدة البنى التحتية يطال هتك النسيج الحياتي الاجتماعي الممزق تحت القصف اليومي على ضفتي النيل .
*****
فجسر موستار مثل شمبات لا يشكل فقط واصلا بين ضفتي نهر (نير يتقا). بل هو كذلك يحمل عابريه كما على شمبات ألى بطن واحدة من أعرق المدائن تلاقحا إجتماعيا وثقافيا وهندسة حضرية. فموستار مدينة متعددة الاعراق ، الديانات والثقافات ،إذ يموج فيها المسلمون ،المسيحيون واليهود .لذلك استهدف تدمير الجسر ضرب تلك اللوحة الموزاياكية للتعايش والتسامح . مع ذكر أم درمان يرد إلى الذاكرة والبال معنى التخالط الديني ،القبلي والثقافي في أبهى الصور السودانية
*****
بغداد مثل عاصمتنا مدينة متعددة الضفاف والجسور .ربما يبلغ تعدادها اثني عشر جسراً لعل جسر الصرافية المقام فوق نهر دجلة أحد أعرقها واكبرها .ربما هو اقرب إلى كوبري النيل الأزرق (بحري ) منه إلى شمبات إذ يتضمن معبرا لخط السكة الحديدية.لكنه مثل شمبات يحملك إلى حيث التمازج الاجتماعي الخصيب في العاصمة .فتجار الموت خصوم التقدم استهدفوا عند تفجير ه في العام 2007 عزل الرصافة عن الكرخ ،من ثم تمزيق النسيج الاجتماعي المطرز بالسنة ،الشيعة العرب والأكراد.هكذا يتلاقى صناع الكنتونات الإثنية - الطائفية على الأهداف والوسائل رغم تباين الأزمنة أ و الأمكنة و الألسنة أو السحنات.
*****
هم كذلك يستهدفون ضرب الذاكرة الاجتماعية والمكتنزة بثراء من التجارب الفردية والجمعية .فجسر شمبات مثل العديد من الجسور الواصلة بين ضفاف المدن شاهد على ذكريات نبيلة مطرزْزة بالمشاعر الوطنية والعاطفية الجيْاشة. فما امحت بعد من الذاكرة مسيرات الشباب الهادرة من ام درمان إلى بحري (وبالعكس) طوال التحشّد في سياق الثورة البازخة. جسر شمبات ظل كذلك منذ افتتاحه في العام 1966 منصة لشباب وشيبة من الساكنين في الجوار لإطلالة من فوقه على فتنة الطبيعة وافتنان بعضهم ببعض .
*****
العاصمة وقتذاك وادعة .الحياة ناعمة تحفها وفرة .الجنيه يوازي ثلاثة دولارات يزيد قرشا .تمشي عبر شوارعها سيارت فارهة أميركية كاديلاك وبونتياك،ألمانية أوبل ومرسيدس ،انجليزية هيلمان وروفر ،فرنسية من سلالة بيجو وايطالية من طراز فيات تقل أناسا ذوي وجوه ناضرة ،عاليهم ثياب فاخرة .هناك كنا قبيل غروب شمس ذات يوم ؛ مع عبد الهادي الصديق -عطْر الله مرقده- ودار ته على مقربة من الجسر وشاعر العامية المطبوع الراحل حدربي محمد سعد، .من على الجسر التقط الدبلوماسي الناقد الشفيف احتفاء السودانيين بجمال(وقت الأصيل ) مع انه أوان موت اليوم! لله درك يا هادي رحلت مبكرا فتركت حركة النقد باهتة من الفكرة المبتكرة والمفردة الأنيقة. من المفارقة الباقية في الذاكرة توصيف الاحتفاء بالأصيل على لسان الاستاذ الفنان الراحل د. احمد الزين صغيرون بينما عبد الهادي وانا في صحبته داخل سيارته الاوبل في شارع الجامعة قبيل غروب شمس ذات يوم مغاير !
*****
تدمير جسر شمبات عمل عسكري بربري يشكل فوق بعده اللانساني امتدادا لاستهداف البنى التحتية للمدينة مثل المطار الدولي والشواهد الحضارية كالجامعات والمكتبات. لتوقيت هذا العمل دلالات تعكس اصرار اطراف الحرب على إهالة مزيد من الركام على درب السلام وتحميل الأجيال مزيدا من كلفة اعادة بناء مداميك المستقبل. هذا الإختباء الخجول وراء الارتباك يلقي على كاهل القيادة فاقدة الجرأة على المكاشفة والشجاعة على المواجهة مسؤولية كل الخراب العام والخاص في العاصمة وكل بقاع الوطن. ربما حان أوان أصيل صنعة الموت والدمار. فتدمير الجسور يعكس دوما شعورًا باليأس .
aloomar@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: جسر شمبات
إقرأ أيضاً:
متاريس مفضوحة
محلية شرق النيل تدخل (ضل) الوطن، وبذا تكون جميع كباري العاصمة تحت سيطرة الجيش ماعدا كبري جبل أولياء، ونقصت جغرافية المرتزقة من أطرافها في العاصمة، ولم يبقَ لها إلا جنوب الخرطوم، ودار السلام والصالحة بأمبدة، وعليه سوف يكون هناك تطبيق خطة (الكماشة) لكنس ما تبقى من الأوباش في مقبل الأيام إن شاء الله.
في كردفان الكبرى تمدد الجيش واستولى على مناطق كثيرة، وبناءً على ذلك هناك (موجة) من الاستسلام في كردفان والعاصمة، وفي شمال دارفور وصلت طلائع القوات القادمة من الدبة بالشمالية لفاشر السلطان. والشعب يعيش مع أفراح تلك الانتصارات الممزوجة بروحانيات شهر الجهاد، إذ يطل علينا عبر قناة الحدث (الخائندوك) في رسالة موجه لدوائر داخلية وإقليمية ودولية كما يتهيأ له، القصد منها تعطيل مسيرة معركة الكرامة، وإيجاد (نفاج) للدخول في العملية السياسية المقبلة، والمتابع لخطاب الرجل يجده لم يأتِ بجديد، اللهم إلا استبداله لربطة العنق الحمراء بالزرقاء. فالخطاب حلقة من حلقات مسلسل (أوشين)، وإن جاز التعبير يمكن تلخيصه في جملة: (دخلت نملة شالت حبة وخرجت، ودخلت تاني وشالت حبة وخرجت).
وخلاصة الأمر نؤكد بأن تلك الخطابات الممجوجة عبارة عن متاريس مفضوحة تحاول الأمارات عبر (عبيد درهمها) قطع خط سير معركة الكرامة التي قطعت أشواطًا (متقدمة) عسكريًا وأمنيًا، وأشواطًا (مقدرة) سياسيًا ودبلوماسيًا. ولكن مَنْ يجرؤ على الوقوف في وجه سيل الوادي المنحدر؟؟؟؟.
د. أحمد عيسى محمود
عيساوي
الأربعاء ٢٠٢٥/٣/٥
إنضم لقناة النيلين على واتساب