سودانايل:
2024-09-09@10:19:18 GMT

على جسر شمبات

تاريخ النشر: 13th, November 2023 GMT

قيادة الجيش المرتبكة أجهضت فرصة اكتساب بضعة من ثقة مضيّعة بإصدار بيان يعلن تدمير جسر شمبات بدوافع استراتيجية.. الأبقى من تبادل الإتهامات مع الجنجويد دخول دكّ معالم الخرطوم في الحرب الكارثية مرحلة ضرب الجسور.. فللعاصمة عشرة جسور تربط بين ضفافها الست. بغض النظر عن الجدوى العسكرية من شل الحركة على جسر شمبات ،فإن أحد أبرز مضار الضربة بالإضافة إلى هد أعمدة البنى التحتية يطال هتك النسيج الحياتي الاجتماعي الممزق تحت القصف اليومي على ضفتي النيل .

كذلك استهدف ضرب جسر موستار إبان حرب الكروات على البوسنيين على عتبة تسعينيات القرن الأخير. كما تكبد البغداديون العنت نفسه حينما تعرض جسر الصرافية في سياق حمى الاصطراع الطائفي الإثني في العراق عند منحنى العقد الأول من القرن الجاري.
*****

فجسر موستار مثل شمبات لا يشكل فقط واصلا بين ضفتي نهر (نير يتقا). بل هو كذلك يحمل عابريه كما على شمبات ألى بطن واحدة من أعرق المدائن تلاقحا إجتماعيا وثقافيا وهندسة حضرية. فموستار مدينة متعددة الاعراق ، الديانات والثقافات ،إذ يموج فيها المسلمون ،المسيحيون واليهود .لذلك استهدف تدمير الجسر ضرب تلك اللوحة الموزاياكية للتعايش والتسامح . مع ذكر أم درمان يرد إلى الذاكرة والبال معنى التخالط الديني ،القبلي والثقافي في أبهى الصور السودانية
*****

بغداد مثل عاصمتنا مدينة متعددة الضفاف والجسور .ربما يبلغ تعدادها اثني عشر جسراً لعل جسر الصرافية المقام فوق نهر دجلة أحد أعرقها واكبرها .ربما هو اقرب إلى كوبري النيل الأزرق (بحري ) منه إلى شمبات إذ يتضمن معبرا لخط السكة الحديدية.لكنه مثل شمبات يحملك إلى حيث التمازج الاجتماعي الخصيب في العاصمة .فتجار الموت خصوم التقدم استهدفوا عند تفجير ه في العام 2007 عزل الرصافة عن الكرخ ،من ثم تمزيق النسيج الاجتماعي المطرز بالسنة ،الشيعة العرب والأكراد.هكذا يتلاقى صناع الكنتونات الإثنية - الطائفية على الأهداف والوسائل رغم تباين الأزمنة أ و الأمكنة و الألسنة أو السحنات.
*****

هم كذلك يستهدفون ضرب الذاكرة الاجتماعية والمكتنزة بثراء من التجارب الفردية والجمعية .فجسر شمبات مثل العديد من الجسور الواصلة بين ضفاف المدن شاهد على ذكريات نبيلة مطرزْزة بالمشاعر الوطنية والعاطفية الجيْاشة. فما امحت بعد من الذاكرة مسيرات الشباب الهادرة من ام درمان إلى بحري (وبالعكس) طوال التحشّد في سياق الثورة البازخة. جسر شمبات ظل كذلك منذ افتتاحه في العام 1966 منصة لشباب وشيبة من الساكنين في الجوار لإطلالة من فوقه على فتنة الطبيعة وافتنان بعضهم ببعض .
*****

العاصمة وقتذاك وادعة .الحياة ناعمة تحفها وفرة .الجنيه يوازي ثلاثة دولارات يزيد قرشا .تمشي عبر شوارعها سيارت فارهة أميركية كاديلاك وبونتياك،ألمانية أوبل ومرسيدس ،انجليزية هيلمان وروفر ،فرنسية من سلالة بيجو وايطالية من طراز فيات تقل أناسا ذوي وجوه ناضرة ،عاليهم ثياب فاخرة .هناك كنا قبيل غروب شمس ذات يوم ؛ مع عبد الهادي الصديق -عطْر الله مرقده- ودار ته على مقربة من الجسر وشاعر العامية المطبوع الراحل حدربي محمد سعد، .من على الجسر التقط الدبلوماسي الناقد الشفيف احتفاء السودانيين بجمال(وقت الأصيل ) مع انه أوان موت اليوم! لله درك يا هادي رحلت مبكرا فتركت حركة النقد باهتة من الفكرة المبتكرة والمفردة الأنيقة. من المفارقة الباقية في الذاكرة توصيف الاحتفاء بالأصيل على لسان الاستاذ الفنان الراحل د. احمد الزين صغيرون بينما عبد الهادي وانا في صحبته داخل سيارته الاوبل في شارع الجامعة قبيل غروب شمس ذات يوم مغاير !
*****

تدمير جسر شمبات عمل عسكري بربري يشكل فوق بعده اللانساني امتدادا لاستهداف البنى التحتية للمدينة مثل المطار الدولي والشواهد الحضارية كالجامعات والمكتبات. لتوقيت هذا العمل دلالات تعكس اصرار اطراف الحرب على إهالة مزيد من الركام على درب السلام وتحميل الأجيال مزيدا من كلفة اعادة بناء مداميك المستقبل. هذا الإختباء الخجول وراء الارتباك يلقي على كاهل القيادة فاقدة الجرأة على المكاشفة والشجاعة على المواجهة مسؤولية كل الخراب العام والخاص في العاصمة وكل بقاع الوطن. ربما حان أوان أصيل صنعة الموت والدمار. فتدمير الجسور يعكس دوما شعورًا باليأس .

aloomar@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: جسر شمبات

إقرأ أيضاً:

رأي.. بشار جرار يكتب عن حادثة جسر الملك حسين: من يقطع الجسر؟

هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

ثمة مقولة أمريكية مفادها عندما نصل الجسر نقطعه بمعنى نعبره. المراد من ذلك ترك المهمة لأوانها، فإن حصل، تم إنجازها على أكمل وجه. أكثر ما يتردد هذا المثال بين العسكريين وخاصة فرقة المشاة.

لم تغب عن بالي هذه الصورة وأنا أتابع الصور والأخبار الشحيحة التي توالت سحابة نهار الأحد من الشريان الرئيسي، من الجسر المعروف بثلاثة أسماء: الملك حسين والكرامة واللنبي، وهو ذلك الجسر الضيق القصير العابر فوق المنسوب الضحل لنهر الأردن بين ضفتي النهر المقدس لدى المسيحيين، شرقا المملكة الأردنية الهاشمية وغربا بين أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية (أريحا بحسب اتفاق "غزة-أريحا أولا") ودولة إسرائيل التي تحكمها الآن أكثر حكومة يمينية في تاريخ البلاد، تجاهر بأن عينها على وادي الأردن -وادي عربة- حيث لا حدود مشتركة مع الأردن سوى إسرائيل، بصرف النظر عن مآلات "رؤية الدولتين".

رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو اعتبر مقتل ثلاثة إسرائيليين برصاص سائق شاحنة أردنية بأنه مواجهة مستمرة مع ما سماها "أيديولوجية قاتلة" متهما إيران بالوقوف خلفها. تصريحات عززت ما قاله وزير خارجيته قبل يومين إن إيران تريد "تسليح" الضفة الغربية لتكرار "سيناريو غزة"، في إشارة إلى العمليات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية التي بدأت عمليا بعيد اندلاع حرب السابع من اكتوبر.

مقالات مشابهة

  • الإعصار "ياغي" يتسبب في كارثة على جسر في فيتنام
  • 4 معابر بين فلسطين والأردن.. شاهدة على همجية الاحتلال
  • رأي.. بشار جرار يكتب عن حادثة جسر الملك حسين: من يقطع الجسر؟
  • مؤسسة شمبات الثقافية الاجتماعية: نواجه أزمة صحية خطيرة
  • رسائل الحرب والحرف
  • جسر اللنبي.. اسمه وأهميته وتاريخه
  • وزير الأمن القومي الإسرائيلي: الحرب التي نخوضها ليست في لبنان وغزة فقط إنما في الضفة الغربية كذلك
  • الأردن.. إطلاق نار بجسر الملك حسين والسلطات تحقق في الواقعة
  • نصوص في الذاكرة .. وصف لندرة وكشف المُخبَّا عن فنون أوروبا لأحمد فارس الشدياق
  • الحكاية في التراث الشعبي العربي.. مصدر إلهام وإنعاش الذاكرة الجماعية