حميدتي: وأخرجت القبيلة أثقالها، وقال مالها! (2-2)
تاريخ النشر: 13th, November 2023 GMT
كتب الصحافي عبدالحفيظ مريود أن "الدعم السريع" تهاجم القوات المسلحة "عشائر وعقداء". والعبارة مجاز لنظم قبلية تقليدية. فالعقداء هم قادة أيام البادية السودانية، من حقهم لدى النصر مثلاً أن يعزلوا ما طاب لهم مما غنموه حرباً قبل أي أحد آخر.
فالقبيلة، كوحدة سياسية، زلقة غير مأمونة. وجرب دقلو بنفسه بوليتيكا القبائل فأسقمته حتى صرخ في جمع من زعمائها: "اخرجوا الجراثيم التي بينكم وتقتل في أهلكم".
فورد في الأخبار منذ أيام قليلة أن ثمة نذر هجوم من "الدعم السريع" على مدينة النهود، حاضرة قبيلة حمر بغرب ولاية كردفان، وأن زعماء الجماعة يبحثون سبل صده، وأن هذه المواجهة ستكون بين قبيلة "المسيرية" وحمر وكأن "المسيرية" و"الدعم السريع" شيء واحد.
إذا صح الخبر فلهذه المواجهة المنتظرة بين حمر و"المسيرية" تاريخ يعود أقله إلى 2021. فتعدى وقتها شباب من حمر على سعية "المسيرية" الزرق بالخطف وعلى دورهم بالحريق. وكان ذلك بمثابة احتجاج منهم على إرخاص المسيرية، صاحبة الدار التي يقيمون عليها، بهم. فساءهم أن تفرض عليهم إيجاراً للأرض وتعريفة على المياه أعلى مما يطلبون من غيرهم. وقاد "المسيرية" الحمر، بني عمومة "المسيرية" الزرق، وفداً للصلح مع حمر باسم "أهلك أسيادك" اتفقوا فيه على وجوب ترسيم الحدود بين القبيلتين وفرض هيبة الدولة بارتكاز للقوات المشتركة (الجيش و"الدعم السريع" والحركات المسلحة والاحتياط المركزي) على الشريط العازل بينهما. وتدخل محمد حمدان دقلو، قائد "الدعم السريع"، لاحتواء النزاع في سبتمبر 2022 بالصلح، لكن تكررت المواجهة في ديسمبر (كانون الأول) 2022 بخسائر فادحة في الأرواح والثروة اشتكى بعدها حمر من تحيز القوات المشتركة، التي كان بعث بها حميدتي للمنطقة، لـ"المسيرية"، وطالبوا بقوة عسكرية أمنية من خارج الولاية. ومرة أخرى تواثقت الجماعتان على وقف العدائيات في مايو (أيار) 2023. فإذا صح الخبر الذي بدأنا به بدا منه أن "المسيرية" جاءت لحمر هذه المرة بطاقية "الدعم السريع" الذي يعمل حالياً للسيطرة على كردفان.
وعقدة المسألة من الجانب الآخر هي مطلب حمر منذ 2011 بقيام ولاية جديدة خاصة تجتمع فيها محلياتها الموزعة بين ولايتي شمال كردفان وغرب كردفان. وتريد من ذلك أن تخرج من ولاية غرب كردفان التي تجمعها مع "المسيرية" والتي اصطرعتا فيها حول حتى ما تكون حاضرتها: النهود لحمر أم الفولة لـ"المسيرية".
والبادية حبلى لا تنقضي جراثيمها في قول حميدتي.
وفي خبر آخر صدر بيان من مجلس شورى قبيلة دار بتي في الأول من نوفمبر 2023، والحرب قائمة، عن نزاع بين قبيلة الحوازمة، المعدودة في حلف العطاوة الذي تقدم ذكره، وقبيلة دار بتي من جهة وقبيلة الكواهلة وكنانة لإصرار الأخيرين قفل مرحال (وهو الطريق المتعين لرحيل البادية) تقليدي لظعن الحوازمة ودار بتي البادية. ويعود هذا الصراع إلى يونيو 2020 وفشلت مساعي الصلح في احتوائه حتى تلك التي جمعت قادة الإدارة الأهلية من ولايات الخرطوم، ودارفور وشمال كردفان وغربها، كما لم يستمع أحد حتى إلى نداء من عبدالله حمدوك رئيس الوزراء آنذاك، الذي ينتمي لنفس المنطقة. وتكرر القتل وحرق المنازل والتمثيل بالجثث.
أما دور دار بتي في المواجهة فقد حدث في أغسطس (آب) 2023 لدى عودتها من المصايف التي تقضيها جنوباً طلباً للماء والكلأ. وكانت الحركة الشعبية لتحرير السودان، عبدالعزيز الحلو، التي تسيطر على منطقة جبال النوبة في جنوب كردفان، قد أغلقت المرحال الغربي بوجه البادية. فاتصل الحوازمة بقيادة الجيش في المنطقة لتعديل المسار لتجنب المرور بمناطق الحركة الشعبية. وأخطر كل من الكواهلة وكنانة والحوازمة بالمسار المعدل والضوابط التي تقررت لتأمين سالكيه، لكن في أول نوفمبر منعت قوة مسلحة في منطقة للكواهلة ظعن الحوازمة من الحركة. ووقع اشتباك دموي بين المسلحين والحوازمة. ونصب الكواهلة كميناً لظعن دار بتي. واتهمت الحوازمة ودار بتي عسكريين من القوات النظامية من الكواهلة بالمشاركة في الصدام إلى جانب أهلهم.
استعمل حميدتي القبيلة كقاعدة سياسية وجهادية لمشروعه. ورأينا كيف وجدها حاقنة جراء توظيف مركز الحكم لها في غير ما خلقت له. فصارت بالضرورة حاضنة سياسة في نظم الديكتاتوريات المتعاقبة لأنها، خلاف الأحزاب والنقابات والاتحادات، لا تنحل بقرار منها. فكانت القبيلة (بل فروعها وأفخاذها) هي المنظمة الباقية في الساحة للتحشيد السياسي للانتخابات المغشوشة التي تجريها تلك النظم، كما وظفتها بسياسة "فرق تسد" التي تؤلب طرفاً منها ضد طرف تمرد عليها. واستثمرت القبيلة من جهتها دنو المركز منها بنفوذه الكبير لتحقيق مكاسب لها في السياسة المحلية. وصار "النزاع القبلي"، في وصف صحف المركز له، واقعة يومية فادحة في حياة هذه القبائل. وبلغت هذه النزاعات من التواتر والكلفة حتى سماها حميدتي نفسه بـ"الجراثيم".
وبلغت هذه النزاعات حداً من التواتر والفظاظة تصارخت به البادية لعقود تطلب "بسط هيبة الدولة" حتى تأمن إلى حياتها. وجاء حميدتي لا ليجعل القبائل مبلغ سياسته وحربه فحسب، بل ليحل أيضاً الدولة، التي كانت هيبتها ما رغبت فيه القبائل، نفسها. وما لبث أن أخرجت له أثقالها كما رأينا من الحروب القبلية الناشبة من وراء حربه وبإمكاناتها. وقال مالها!
IbrahimA@missouri.edu
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
مقتل 18 مدنيا في هجوم لقوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة
قتل 18 مدنيا وأصيب آخرون جراء هجوم لقوات الدعم السريع على قرى في ولاية الجزيرة وسط السودان.
وقالت شبكة أطباء السودان (غير حكومية) أمس الاثنين في بيان إن 13 شخصا قتلوا وأصيب آخرون جراء هجوم للدعم السريع على قرية البروراب بمجمع قرى الشيخ مكي شرقي ولاية الجزيرة.
وأشارت الشبكة إلى أن الهجوم أسفر عن نزوح عشرات الآلاف إلى عدد من الولايات المتاخمة، مما تسبب في كارثة إنسانية.
من جانبها، أفادت منصة "نداء الوسط" السودانية بأن قوات الدعم السريع هاجمت أمس الاثنين القرية 50 في منطقة أم القرى شرق الجزيرة وقتلت 5 أشخاص.
استنكار أممي
وقال مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الأسبوع الماضي إن 25 امرأة على الأقل تعرضن لعنف جنسي، من بينهن فتاة تبلغ من العمر 11 عاما لقيت حتفها نتيجة لذلك.
وأضاف المكتب أن تقارير وصلته تقول إن قوات الدعم السريع صادرت أجهزة إنترنت في 30 قرية على الأقل، وأحرقت محاصيل زراعية.
وقالت كليمنتاين نكويتا سلامي ممثلة الأمم المتحدة في السودان "أشعر بصدمة وانزعاج شديدين إزاء انتهاكات حقوق الإنسان في ولاية الجزيرة، والمماثلة للمستوى الذي شهدناه في دارفور العام الماضي"، في إشارة إلى إقليم دارفور غرب السودان.
طرد وقتل وسلب
وفي سياق متصل، قالت إحدى الناجيات لوكالة رويترز -وهي أم لرضيع يبلغ من العمر شهرا واحدا- إن قوات الدعم السريع اقتحمت منازل المواطنين في ولاية الجزيرة أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وطردتهم خارج القرية بالسياط، ثم أطلقت عليهم النار.
بدوره، قال هاشم بشير -الذي بُترت إحدى ساقيه قبل الحرب- إن قوات الدعم السريع طردته من منزله في قرية النايب، كما قالت ابنة أخيه فائزة محمد إن القوات نزعت منها مجوهراتها وسرقت هاتفها ولم تسمح لهم بأخذ أي شيء معهم، حتى وثائق الهوية.
وتتعرض ولاية الجزيرة منذ أسبوعين لهجمات عنيفة استهدفت 65 قرية وبلدة على الأقل زادت حدتها بعد انشقاق قائد قوات الدعم السريع في الولاية أبو عاقلة كيكل وإعلان انضمامه إلى الجيش.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023 يخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل، وما يزيد على 11 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة.