قضايانا في القمة السعودية-الافريقية
تاريخ النشر: 13th, November 2023 GMT
لم يكن الجنرال عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للقوات المسلحة، موفقا في طرح قضايا السودان في القمة السعودية-الافريقية، التي استضافتها الرياض، يوم الجمعة الماضي.حيث اهتم بالتركيز على ماهو آني وتكتيكي وعرضي، مما يتصل بالحرب، التي وصفها يوما بالعبثية، بدلا من استثمار الفرصة الثمينة المتاحة ،لعرض رؤية استراتيجية لشراكة سودانية - سعودية ،تاخذ في الحسبان ،بجانب وقف الحرب ،مستلزمات اعادة البناء والاعمار في مرحلة مابعد الحرب ،والتي قد ترقى لما يكافيء خطة مارشال ،بجانب اعادة تاسيس شراكة سودانية-افريقية،تستند للمعطيات الجيوسياسية ،لا تقتصر على "الجسر الرابط بين الجنوب والشمال "،وانما تتسع لاستيعاب دوائر الانتماء و العلاقات الافريقية ،مع غرب وشرق افريقيا ،بما في ذلك القرن الافريقي،خاصة.
فمثلما فعل - دون جدوى، تذكر - في خطابه في الامم المتحدة ،حاول البرهان تعبئة الرأي العام العالمي ضد قوات الدعم السريع ،التي وصفها بالمتمردة واتهمها بارتكاب جرائم بحق المدنيين،والتحريض على تصنيفها كقوة ارهابية، وهو مما لا يتناسب مع واقع المفاوضات الجارية بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع ،في جدة ،برعاية اقليمية ودولية.
لقد حان الوقت لتقنين الشراكة بين المملكة السعودية والسودان، وترقيتها، وهي شراكة لا تنهض من فراغ ،فلها جذورها في التعاون المتصل بين البلدين في شتى المجالات،وفي مختلف العهود.
فقد اهتمت السياسة السودانية ،بالعلاقة الازلية مع مصر ،في مختلف الحقب. وحاولت ،في الازمنة الحديثة، صياغتها في العديد من قوالب الشراكة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ،بدء من وحدة وادي النيل حتى اتفاق الحريات الاربع.وتفسح القمة الافريقية-السعودية المجال،امام تأطير العلاقة الازلية،ايضا، مع السعودية ، وكذلك مع بلدان شرق وغرب افريقيا .
بهذا التجمع غير المسبوق،عربيا، والذي سبقته ملتقيات مماثلة، نظمتها قوى دولية، منها : فرنسا وروسيا والصين ،لغرض تعزيز فرص التعاون مع القارة ،تبرز السعودية كقوة اقليمية مؤثرة في منطقة الشرق الاوسط ،بجانب تركيا وايران، وتتطلع للقيام بدور اكبر،لا على مستوى القارة الافريقية ،حسب ،وانما على الصعيد العالمي،ايضا.
ومنذ 25 اكتوبر 2021 ،تلعب السعودية ،في اطار تحالف دولي،دورا متزايدا في مساعي تفكيك الازمة السودانية الناتجة من الانقلاب، والتي بلغت ذروتها في حرب 15ابريل 2023.وتستضيف السعودية منبر جدة التفاوضي،كاحد الميسرين بجانب الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الافريقي ومنظمة ايغاد،حيث تتكثف الجهود من اجل انهاء الحرب .في هذا الاطار ،اكد ولي العهد السعودي،الامير محمد بن سلمان اهتمام بلاده باستقرار وسلام السودان.
يشترك السودان مع العديد من البلدان الافريقية في معاناة جملة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية،حيث ينتظر- في اطار الشراكة مع السعودية،قيد التكوين - ايجاد معالجات جذرية لها.
لقد اصبح السودان ،مثل بلدان اخرى في شرق وغرب القارة ،بلدا طاردا لاهله ،ويكاد لا يصلح للسكنى، بسبب تفشي الفساد والقهر والفقر والعنف الاثني والطائفي. وتمثل تفاقم ظاهرة الانقلابات العسكرية ،التي لم ينج منها السودان، احدث حلقات ازمات التطور السياسي في القارة. وفيما تكابد العديد من دول القارة ،لا سيما دول الساحل ،ويلات الارهاب المموه بالدين،انجز السودان ثورة عظيمة اطاحت باهم ركن من اركان الطغيان والاستبداد الديني والسياسي، في العالم، ويسعى السودان بعزم شعبه ودعم اصدقائه للانتقال الى حكم مدني ديموقراطي،يعزز الاستقرار والسلام والحرية والعدالة. ويشكل مثل هذا الحكم المدني الديموقراطي اطارا ملائما للشراكة في التنمية مع السعودية، ومع دول القارة الافريقية، حيث ينتظر احداث طفرة كبيرة في التنمية في العديد من المجالات ،تمكن من تحقيق الاستقرار وتعزيز السلام،والتغلب على الاضطرابات الاجتماعية والسياسية، بتحسين الاوضاع المعيشية للمواطنين ،وتحقيق العدالة الاجتماعية كقاعدة للاستقرار السياسي.
لقد اظهرت الحرب ضعف كيان السودان،وهيأت - بالتالي - المجال لتنامي وتصاعد دعوات التقسيم ونزعات الانفصال.الامر الذي يحتم على دول الجوار والاقليم ودول العالم كافة، العمل على دعم وحدة السودان وسيادته.يلفت الانتباه في هذا السياق،تصريح ولى العهد السعودي،باعتبار وحدة السودان خطا احمر للمملكة.وهو تصريح مهم ويجيء في وقته تماما.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: العدید من
إقرأ أيضاً:
حرب خفية في أفريقيا.. كيف تنافس روسيا فرنسا على السيطرة؟
في سياق التوترات الجيوسياسية المتزايدة بين باريس وموسكو، أطلق برونو ريتايو، وزير الداخلية الفرنسي، تصريحات قوية اتهم فيها روسيا بشن "حرب غير تقليدية" لطرد بلاده من القارة الأفريقية.
ووفقا له، فإن موسكو لم تكتفِ بمجرد منافسة النفوذ الفرنسي، بل اتبعت إستراتيجية عدائية تهدف إلى إعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية في المنطقة، مستخدمة أدوات سياسية وعسكرية، واقتصادية، لتحقيق أهدافها.
في تصريحاته لإذاعة "آر تي إل" (RTL) الفرنسية، أكد ريتايو، أن روسيا تستخدم "أشكالا جديدة من الحرب"، تعتمد على التضليل الإعلامي والتحركات العسكرية غير المباشرة، والدعم السياسي للحكومات الأفريقية المناهضة لباريس.
إضعاف النفوذوأوضح وزير الداخلية الفرنسي، أن هذه الإستراتيجية ساعدت موسكو على إضعاف الوجود الفرنسي في مناطق حيوية مثل مالي، وبوركينا فاسو، وجمهورية أفريقيا الوسطى، حيث شهدت السنوات الأخيرة إلغاء اتفاقيات عسكرية مع باريس واستبدالها بشراكات أمنية مع روسيا.
وتحدث عن حملة دعاية منظمة قادتها موسكو لإقناع الرأي العام الأفريقي بأن فرنسا تستغل موارد القارة دون تقديم فوائد حقيقية لشعوبها، وهو ما ساهم في تأجيج المشاعر المعادية لباريس، ودفع بعض الدول إلى البحث عن بدائل أمنية واقتصادية، أبرزها روسيا.
إعلانإحدى أبرز الأدوات الروسية التي سلط عليها وزير الداخلية الفرنسي الضوء هي مجموعة فاغنر، القوة العسكرية الخاصة التي عملت كذراع غير رسمية لموسكو في أفريقيا. حيث قدمت هذه المجموعة، المرتبطة بالكرملين، خدمات أمنية لحكومات أفريقية مقابل حصولها على امتيازات اقتصادية، أبرزها استغلال الموارد الطبيعية كالذهب واليورانيوم.
وحسب ريتايو، فإن وجود فاغنر في أفريقيا لم يكن مجرد تعاون أمني، بل إستراتيجية متكاملة تهدف إلى إضعاف فرنسا، بتأليب الأنظمة الحاكمة عليها، وتقديم بدائل أمنية أكثر مرونة، دون فرض شروط دبلوماسية كما تفعل الدول الغربية.
تحدٍ متصاعدأمام هذا التحدي المتصاعد، تجد فرنسا نفسها مضطرة إلى إعادة النظر في إستراتيجيتها الأفريقية. فمنذ عقود، شكلت المستعمرات الفرنسية السابقة ركيزة أساسية في السياسة الخارجية لباريس، حيث اعتمدت على تحالفات عسكرية ودبلوماسية لضمان استمرار نفوذها، إلا أن التغيرات السياسية في أفريقيا، وظهور لاعبين دوليين جدد مثل روسيا والصين، قلص من هيمنة باريس التقليدية.
ووفقا لوزير الداخلية الفرنسي، فإن فقدان بلاده مراكز نفوذها في أفريقيا لم يكن لمجرد أخطاء سياسية داخلية، بل كان بفعل "حرب هجينة" قادتها روسيا، مستفيدة من التراجع الغربي العام في المنطقة، خاصة بعد التحولات التي شهدتها مالي وبوركينا فاسو.
هل خسرت فرنسا معركتها الأفريقية؟
من الواضح أن النفوذ الفرنسي في أفريقيا لم يعد كما كان، في ظل صعود قوى جديدة مثل روسيا والصين وتركيا. ومع تصاعد المنافسة الجيوسياسية، سيكون على باريس إعادة تشكيل إستراتيجيتها بعيدا عن إرثها الاستعماري، وإلا فقد تجد نفسها خارج اللعبة في هذه القارة.
ما هو مؤكد حتى الآن، أن أفريقيا لم تعد ساحة نفوذ فرنسي خالص، وأن التحدي الروسي أثبت قدرة موسكو على زعزعة التوازنات التقليدية في القارة، في معركة نفوذ لا يبدو أنها ستنتهي في القريب العاجل.
إعلان