عنوانها العنصرية والتهور.. سلسلة أخطاء تطيح بوزيرة الداخلية البريطانية
تاريخ النشر: 13th, November 2023 GMT
لندن- كما كان متوقعا، أعلن رئيس الوزراء البريطاني إقالة وزيرة الداخلية سويلا برافرمان، بعد أن نفد صبره ومعه فئة كبيرة من قادة حزب المحافظين، بسبب ما اعتبره البعض "الأخطاء الكثيرة" للوزيرة المثيرة للجدل، على خلفية مواقفها العنصرية، والتي وصلت حد اتهام الشرطة بمحاباة المسيرات المؤيدة لفلسطين في البلاد.
وراكمت برافرمان سجلا من الأخطاء التي دفعت الكثيرين للتوقع بأنها لن تستطيع البقاء في منصب حساس ومهم لمدة طويلة. في المقابل رأى محللون أن الوزيرة تنحو نحو مغازلة اليمين المتطرف وداخل حزب المحافظين لتقوية حظوظها في المنافسة على زعامة الحزب خلال العام المقبل، بعد إجراء الانتخابات العامة والتي من المتوقع أن يخسرها المحافظون لصالح حزب العمال.
واختارت برافرمان منذ البداية الدخول في معارك صدمت الكثيرين، خصوصا ضد الأقلية المسلمة في بريطانيا وضد اللاجئين والمهاجرين، واتفقت الكثير من التوصيفات على اعتبارها من أكثر الوزراء عنصرية في تاريخ وزارة الداخلية، وهذه بعض الأخطاء التي ارتكبتها هذه الوزيرة المثيرة للجدل.
التحريض ضد مسيرات تأييد فلسطينمنذ أول مسيرة تم تنظيمها بالعاصمة لندن لتأييد فلسطين، دخلت وزيرة الداخلية في حرب طاحنة للتحريض ضد هذه المظاهرات، ووصفتها بأنها "مسيرات الكراهية" وهو الوصف الذي صدم كثيرين بمن فيهم قائد الشرطة نفسه الذي اعتبر أن هذا التوصيف "لا معنى له".
وحاولت برافرمان، بكل ما أوتيت من قوة أن تمنع هذه المسيرات، وإقناع الشرطة بمنعها بدعوى أنها مسيرات "معادية للسامية" وتدعو لزوال إسرائيل، في حين أن مطالب المسيرة هي وقف إطلاق النار على غزة، وظلت الوزيرة مصرة على وصفها بأنها مسيرات "كراهية" رغم تبرؤ كل الوزراء وحتى رئيس الوزراء من هذا التوصيف.
كان المقال -الذي كتبته وزيرة الداخلية بصحيفة "تايمز" خلال الأسبوع الماضي- بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس في علاقتها مع مؤسسات الدولة وخصوصا مع جهاز الشرطة.
واتهمت الوزيرة، في مقالها، عناصر الأمن بمحاباة المسيرات المؤيدة لفلسطين، مقابل التشديد على أي مسيرة لليمين المتطرف.
ومما زاد الطين بلة أن الوزيرة نشرت المقال دون موافقة رئاسة الوزراء، وهو أمر مخالف للقواعد، ذلك أن الوزراء عليهم الحصول على موافقة مكتب رئيس الوزراء قبل نشر أي مقال بالصحف.
وهذا الاتهام لجهاز الشرطة -الذي يتمتع بالاستقلالية عن الداخلية- صدم الكثيرين، خصوصا بعد نزول أنصار اليمين المتطرف للشارع لأول مرة منذ سنوات، تحت مبرر حماية احتفالات "يوم العرفان" أو "يوم إطلاق النار" الذي يخلد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وبالفعل، حدثت مواجهات عنيفة بين الشرطة وأنصار اليمين المتطرف، وكل أصابع الاتهام توجهت لوزيرة الداخلية التي حرضت ضد الشرطة.
اتهامات عنصرية للباكستانيينمن بين التصريحات العنصرية -التي استهدفت فيها برافرمان الأقلية المسلمة- كان حديثها عن "عصابات باكستانية" متورطة في تكوين شبكات للاتجار بالبشر.
وكان استهداف برافرمان للبريطانيين من أصول باكستانية مستغربا، حيث تشير أرقام الداخلية إلى أن جرائم الاغتصاب وتكوين عصابات الاتجار بالبشر لا علاقة لها بهذه الفئة، بل إن أكبر المتورطين في الأمر أشخاص من أصول بيضاء، ومع ذلك لم تعتذر الوزيرة عن هذا التصريح العنصري.
حلم ترحيل اللاجئينرحَلت وزيرة الداخلية دون أن تحقق ما تسميه حلمها في ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا، وهي الخطة المثيرة للجدل، والتي كانت تسابق الوقت من أجل تطبيقها، لدرجة أنها قالت مرة إن حلم حياتها هو مشاهدة أول طائرة تقل طالبي اللجوء إلى رواندا.
ورغم التحذيرات القانونية والحقوقية من خطورة هذه الخطة، فإن وزيرة الداخلية كانت من أشد المدافعين عنها، لدرجة التلويح بالانسحاب من محكمة حقوق الإنسان الأوروبية التي كانت وراء تأجيل تنفيذ هذه الخطة.
طالت معارك وزيرة الداخلية البريطانية حتى المشردين بلا مأوى، حيث اعتبرت أن النوم في خيام بالشارع "نمط في العيش" وليس سببه الفقر، ولهذا وجهت عناصر الشرطة والمجالس المحلية لشن حملة لجمع كل الخيام التي يستعملها أشخاص بدون مأوى من أجل المبيت ليلا.
وبالفعل بدأت الكثير من المجالس المحلية جمع هذه الخيام التي تنتشر بالشوارع وخصوصا موسم البرد حيث يلجأ لها الأشخاص المشردون، وهو الأمر الذي فتح عليها موجة انتقادات سياسية، ومنحت لحزب العمال فرصة ذهبية لانتقاد الحكومة.
فشل نموذج التنوع الثقافي
رغم أن الوزيرة برافرمان -ذات الأصول الهندية- وصلت لهذا المنصب المهم بسبب نموذج بريطانيا في احترام التنوع الثقافي، إلا أنها ألقت خطابا صادما بالأمم المتحدة تعلن فيها فشل هذا النموذج، وأنه لم يعد قادرا على الصمود، واقترحت على كل من يريد الوصول إلى البلاد الالتزام بالقيم البريطانية وبأسلوب العيش البريطاني.
وهذه التصريحات أحرجت حتى رئيس الوزراء الذي اعتبر أن نموذج التنوع الثقافي ما يزال ناجحا في بريطانيا، وعلى الجميع احترامه وحمايته.
كل هذه المواقف -التي تحمل أفكارا عنصرية- جعلت من وزيرة الداخلية تثير الكثير من الجدل، إلى أن انتهى الأمر بإقالتها من منصبها بعد أشهر قليلة من توليه.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: وزیرة الداخلیة رئیس الوزراء
إقرأ أيضاً:
العنصرية.. ظاهرة تاريـخية مـركَّـبَـة
ليست العنصريـة نـزعـةً خاصّـةً بمجتمع بعيـنه، أو بـأمّـةٍ محـدّدة أو زمـنٍ تاريـخيّ معيّـن كما قـد يُـظَـنّ، أو كمـا قد يوحي بذلك طـوفانُها الرّهيب في العالم الحديث والمعاصر، وفي بلدان الغرب تحـديداً: دُولاً ومجتمعاتٍ على السّواء. هي، بالعكس من هذا الاعتقاد الخاطئ، ملازمةٌ للتّاريخ الإنسانيّ: تاريخ الحضارات والأمم والدّول ومتفاوتةُ الأثر تبعاً لاختلاف شروط حضورها في المكان والزّمان. هي، بهذا المعنى، ظاهرة تاريخيّـة وظاهرة لها تاريخٌ ممتـدٌّ في الماضي؛ عابرةٌ للأزمنة وبالتّالي، فهي أفـقـيّـةُ الهيـئة عابرةٌ للأمم والحضارات والمجتمعات. قـد تـقِـلّ أشكالُ الإفصاح عنها في حضارةٍ مّـا أو لدى أمّـةٍ ومجتمع، لكنّ ذلك لا يحصـل سوى في شروطٍ من التّاريخ طارئة أو انتقاليّـة ولا يكون - على القطع - تعبيرًا عن انعدامها أو غيابها؛ ذلك أنّـها تكاد أن تكون نزعـةً جِبِـلّيّة أو، قُـلْ، جزءاً من الطّبيعة الإنسانيّـة الأمر الذي يقضي بانْوجادها في قـلب نسيج الاجتماع الإنسانيّ أنّى تَمَـظْهَـر واتّـخـذ وجوداً وكيانـيّـةً.
لدى كـثيـرين اعتـقادٌ بأنّ العنصريّـة تـنشـأ، في العادة، في المجتـمـعات والأمـم ذاتِ التّـاريخ العريق والتّـجربة الطّـويلة في البناء الحضاريّ، أكـثر ممّا هي ملحوظة الوجود والتّـفاقُـم في مجتمعاتٍ غيـرِ ذاتِ رصيـدٍ حضاريّ كبـير. أمّا مبْنى الاعتـقاد هذا فعلى الافـتـراض الذي يقول إنّ المجتمعات والأمم الحضاريّـة متـشـبّعةٌ بـفكـرة التّـفوُّق، وشـديدةُ الاعتزاز بذاتِـيّـتها التي تَـنْسُب إليها ميِّـزات وسمات متفـرّدةً مثـل الذّكـاء والعبقريّـة وتعتـقـد بأنّـها مَفْـذوذة لا تضاهيها في المَلَكـات أمّـة. والحـقّ أنّـه، وإن كان القـولُ هذا صحيحاً في المُجـمـل، لا يجوز القطـعُ بأنّ الحـكمَ فيه دقيق؛ ذلك أنّ تجارب التّـاريخ تعلّـمنا بأنّ الأمم التي ما كـانت ذات حـظٍّ كبـيرٍ من المساهمـة الحضاريّـة - على الأقـلّ مقارنـة بمن هي أوْفـر نصيبٍ منها، ما كانت لِـتَـعْرى من العنصريّـة. ومع أنّ انسكانها بها قد لا يضاهي نظيرَهُ عند غيرها، إلاّ أنّـه لا يَعْـدَم وجوداً عندها. آيُ ذلك أنّ المجتمعات التي تشعر بأنّ نقـصاً في الثّـقة بذاتها يعتريها، إمّـا لضَعـفٍ في الإنجاز أو لهزيمةٍ لحقت بها أو ما شابه هذا من الأسباب، تحاول أن تقاوِم مثـل هذا الشّـعور بالاعـتياض عنه بشعورٍ نقيضٍ يتولّـد لديها من أَسْطـرة ماضيها والارتـفاعِ به إلى مقامٍ مثاليّ تَـتَـبَرّرُ بـه مكانتُـها المتداعيـة في الحاضـر.
على أنّ ظاهرةً في هذا الباب ينبغي أن لا تَـعْـزُب عن البال؛ وهي تتـعلّق بالأحوال التي يقع فيها الاندفاع نحو الإفصاح عن عنصريّـة مجـتمـعٍ أو أمّـةٍ تجاه غيرها. وهذه ظاهرةٌ عامّـة في الزّمان؛ حصلت في أزمنة الماضي وتحـصُل في الأزمنـة الحديثة والحاضرة، وظاهـرةٌ شاملة للمجتمعات والأمم كـافّة: مَـن كان منها ذا حـظٍّ كبـيرٍ من المدنيّـة أو من كان دون الأوّل نصيـباً. الظّاهرة التي نعني هي الاقـترانُ شبهُ المتـكرّر بين انـدفاعة التّـعبير عن العنصريّـة في مجتمعٍ مّـا ومرورِ المجتمع ذاك بحالة تـأزّمٍ تُـفْـقِـدُهُ الكـثير من التّوازن وتدفع سلوك قسمٍ منه إلى إتيان أفعالٍ تَـنُمّ عن الاضطراب. ربّما نشأتِ الأحوالُ الطّارئـاتُ تلك من هـزائمَ عسكريّـة، أو من خـوفٍ على المجتمع من استفحالِ مشكلات الدّاخـل، أو من خـوفٍ من آخَـر متربّـص وربّـما من آخَر في الدّاخل مخالِـفٍ للجماعة الكبرى في المِـلّـة أو في العِـرق أو في المذهب... إلخ. ولقـد تسمح لنا هـذه الظّاهـرة باستنتاج مؤقّـت - يظلّ، مع ذلك، فرضيّـةً للدّرس والتّمحيص والبحث - مفادُه أنّ المجتمعات لا تنزلق إلى الإفصاح عن نزعةٍ عنصريّـة تجاه الآخرين حين تكون في لحظةٍ من التّوازن ومن الثّـقة بالذّات، وإنّما هي تصير إلى تلك الحال من العنصريّـة حين يَـعْـرِض لها تراجُـعٌ أو كَـبْـو.
العنصريّـةُ، من حيث صورتُها، متعدّدةُ المستويات والتّمظهرات وآلياتِ التّعبير عن نفسها. لذلك تختلف درجاتُ الأثـر الماديّ والمعنويّ الذي تُحدثُـه في مَـن تـقع عليه باختلاف تلك المستويات والتّمظهرات. هي، مـن وجْـهٍ، حـالةٌ ثـقافـيّـة في مجتمعٍ وثـقافـة؛ أعنى نمطـاً من الإدراك يبالغ في تعليـة الذّات والنّزول بالآخَـر إلى درجةٍ محطوطة. وحين يتـشرّب النّـاسُ، كـثرةً، هـذه الثّـقافةَ العنصريّـة وتُصبح جمْـعيّـة تـتحوّل، في وجْـهٍ ثـانٍ منها، إلى ظاهرة اجتـماعيّـة، من دون أن نـنفيَ إنْ كان سريان هـذه النّـزعة في المجتمع سبباً لانتـقالها إلى الثّـقافة وصيرورتها ظاهرةً ثـقافـيّـة. أمّـا الوجـه الثّالث لها فهـو الذي تكون به ظاهـرةً سيـاسيّـة. من البيّـن أنّ وجهها الأخيـرَ هـذا هـو الأسوأ والأشـدُّ أثـراً مؤذيـاً وفـتـكاً؛ حيث تـتحوّل به من وعـيٍ ومن سلوكٍ - فـرديّ وجماعيّ - إلى سياسة ذات تبعاتٍ ضـارّة على مَـن تـتـناوله. مع ذلك، يظلّ من غير الممكـنِ الجـدلُ في الخطـورة البالغـة لنشوء ثـقافـةٍ عـنصريّـة في أيّ مجتمع، أو لدخـول نزعة العنصريّـة رحابَ ثـقافـةٍ مّـا، وطنيّـة أو شعبـيّـة، والتّـوطُّـنِ فيها والتّـبـرُّرِ بمبادئ الثّـقـافة على نحـوٍ يُشَـرعِنُها ويـبتـدِهُـها ابـتـداهـاً؛ إنّ ذلك ما يـوفّـر للعنصريّة بنيةً تحتيّـة ثـقافيّـة عميقة تصبح مقاومتُها، مع كـرور الزّمـن ورسوخِها، مهـمّـةً شاقّـة وربّما ممتـنعةَ الإمكان.
على أنّ تَـعـدُّد تمـظـهُـراتها ومستوياتها يـرتّب مهـمّـةً علميّـةً مـركَّـبـة لفـهـمهـا ينبغي أن تـتضافـر للقيام بها علـومٌ وميادين دراسيّـة متعـدّدة يمكن أن يتنـاول كـلّ ميـدانٍ منها جـانباً - أو بُـعْـداً - من جوانب ظاهرة العنصريّـة وأبعادها. هكـذا يمكن الدّارسَ أن يقاربها من مـوقع نظر علم الاجتماع، حين النّـظر إليها بوصفها ظاهرة اجتماعيّـة؛ أو أن يتناولها بمفاهيـم علم الاجتماع السّياسيّ حين يُـنْـظَـر إليها بما هي ظاهرة سياسيّـة. وقـد تُـدْرَس، من حيث هي ظاهرة ثـقافيّـة، فيكون على دارسها أن يتوسّـل أدوات التّحليل الثّـقافيّ ومنها مفاهيم الأنـثـروپـولوجيا الثّـقافيّـة؛ كما يمكن أن يُـبْحَث فيها بمفاهيـم علم النّـفس والتّحليل النّفسيّ إنِ اختير التّـعاملُ معها بوصفها ظاهرة مَـرَضيّـة. بالجملة، تنتمي ظاهرة العنصريّـة إلى فـئة الظّواهر المركَّـبَـة؛ أي التي تدخـل عـوامل عـدّة في تكوينها. لذلك لا يمكن بناء معرفة دقيقة بها إلاّ من طريق تحليلٍ مركَّب يتناولها في أبعادها المتعـدّدة.