تنشط تركيا بكثافة في دول آسيا الوسطى مدفوعة بأربع دوافع، ما جعلها "لا غنى عنها" في هذه المنطقة المهمة، لكن دون أن تشكل تحديا لروسيا أو الصين، إذ لا تملك النفوذ المالي ولا الجيوسياسي اللازم، بحسب إيكاترينا زولوتوفا في تحليل بمركز "جيوبوليتيكال فيوتشرز" الأمريكي (Geopolitical Futures).

زولوتوفا أردفت، في تحليل ترجمه "الخليج الجديد"، أنه في الأسبوع الماضي، زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان آسيا الوسطى مرتين، إذ ذهب أولا إلى أوزبكستان لحضور قمة منظمة التعاون الاقتصادي، ثم إلى كازاخستان للمشاركة في قمة الذكرى السنوية العاشرة لمنظمة الدول التركية.

وأضافت أن "الرحلة كانت جزءا من التزام تركيا المتجدد مع آسيا الوسطى، والذي شهد زيادة نشاط أنقرة في التجارة والتعاون العسكري والاستثمار والتصالح السياسي مع حكومات المنطقة. وعلى مدى السنوات الثلاثين الماضية، عززت أنقرة بشكل مطرد تعاونها مع آسيا الوسطى ضمن سعيها لتصبح قوة إقليمية".

وتابعت: "وبالنسبة للحكومة التركية، فإن هذا يتطلب إحياء وتوحيد الشعوب التركية وتسخير الموارد الطبيعية العديدة في آسيا الوسطى، لكن كانت المسافة تعوق التواصل، وعدم كفاية البنية التحتية للنقل، ومحدودية الاستثمار، وانخفاض التجارة، ولهذا عززت تركيا دورها خلال العام الماضي".

لكن توجد دوافع عديدة تفسر تحول تركيا نحو الشرق، أولا، أعطت التوترات بين روسيا والغرب أنقرة شعورا جديدا بإلحاح الأمر، ومنحت الأعمال العدائية تركيا فرصة لتكون وسيطا بين روسيا والغرب وفتحت طريقا تجاريا جديدا بين الصين والغرب يتجاوز روسيا عبر آسيا الوسطى، كما أردفت زولوتوفا.

وزادت بأنه "من شأن زيادة العبور على طول الطريق بين أوروبا والصين أن يجلب بعض الأموال التي يحتاجها الاقتصاد التركي بشدة. وتراهن تركيا على جدوى الممر الأوسط، حتى مع توقيع أوزبكستان وتركمانستان وإيران على بروتوكول لتشكيل ممر نقل متعدد الوسائط سيتم استخدامه لتسليم البضائع من منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى أوروبا".

وأضافت: "وثانيا، أدى انخفاض صادرات الطاقة من روسيا إلى جعل الطاقة في آسيا الوسطى أكثر جاذبية مع سعي أوروبا إلى تنويع مورديها".

ولفتت إلى أن "المحاولات السابقة لاستغلال الطاقة في المنطقة، مثل خط أنابيب الغاز عبر قزوين، وهو مشروع مخطط له لنقل الغاز الطبيعي من تركمانستان عبر أذربيجان وجورجيا إلى تركيا ومنها إلى الاتحاد الأوروبي، باءت بالفشل بسبب التكلفة أو التعقيد".

وقالت إن "النفط الكازاخستاني يتدفق بالفعل إلى أوروبا عبر أذربيجان وتركيا. وفي يوليو/تموز (الماضي)، بدأ شحنه عبر خط أنابيب باكو-تبليسي-جيهان. وهذا يوضح نية أنقرة في أن تصبح مركزا للطاقة الأوراسية التي ستتلقى أوروبا من خلالها الغاز من روسيا وآسيا الوسطى".

اقرأ أيضاً

روسيا منشغلة وإيران مأزومة.. تركيا تعيد نفوذها في جنوب القوقاز من بوابة أذربيجان

العلاقة مع أوروبا

وثالثا، لعبت عضوية تركيا المحتملة في الاتحاد الأوروبي دورا في تحولها نحو الشرق. وقبل بضعة أشهر، ذكّرت أنقرة بروكسل بحالة الطلب التركي للعضوية عندما وافقت أنقرة على وقف عرقلة عملية طلب السويد لعضوية (حلف شمال الأطلسي) الناتو، كما تابعت زولوتوفا.

واستدركت: "لكن بعد أن نشر البرلمان الأوروبي تقريرا في سبتمبر/أيلول (الماضي) حول وضع تركيا، والذي قالت أنقرة إنه مليء باتهامات لا أساس لها وأحكام مسبقة ومعلومات مضللة، وصلت التوترات إلى ذروتها".

وأضافت أن "تركيا هددت بالانسحاب من هذه العملية، لكن في الحقيقة، يشتري الاتحاد الأوروبي حوالي 40% من الصادرات التركية، لذلك ليس من المنطقي بالنسبة لأنقرة أن تقطع العلاقات، خاصة إذا كانت تطمح إلى أن تصبح مركزا إقليميا للطاقة، وأفضل ما يمكن أن تفعله تركيا هو تنويع أسواق صادراتها".

زولوتوفا قالت إنه "لكل هذه الأسباب، سعت تركيا إلى إيجاد سبل للقيام بمزيد من الأعمال التجارية في آسيا الوسطى، وقد ارتفعت حصة حجم التجارة التركية مع المنطقة".

وتابعت: ورابعا، تسببت الحروب في أوكرانيا وغزة في تحويل انتباه روسيا وإيران، وبالتالي سمحت لتركيا بتوسيع وجودها العسكري في منطقة تقع تاريخيا في مناطق نفوذهما، وقد يسمح هذا لأنقرة بضمان الأمن بشكل مستقل لمشاريع النقل المستقبلية.

وزادت بأن "دول آسيا الوسطى من جانبها ترحب باهتمام تركيا، فهذه الدول بحاجة إلى تركيا كسوق للتصدير، فهي لا تحتاج إلى الاستثمار فحسب، بل تحتاج أيضا إلى تنويع الاستثمار؛ إذ جفت الأموال الروسية (جراء العقوبات الغربية)، وتخاطر الأموال الصينية بسياسات لا تريدها حكومات وشعوب آسيا الوسطى، بينما تسمح لها تركيا بسياسة خارجية متعددة الاتجاهات مع الكثير من الفوائد المالية واللوجستية".

و"من المؤكد أن تركيا تستفيد من هذه اللحظة، ولكن من المهم أن نلاحظ أنه على الرغم من أن أنقرة أصبحت لا غنى عنها لآسيا الوسطى، إلا أنها لا تشكل تحديا مشروعا لروسيا أو الصين، فهي لا تملك النفوذ المالي أو الجيوسياسي للقيام بذلك، ومع تزايد أهمية المنطقة، ستدخل المزيد من البلدان إلى المنافسة"، كما ختمت زولوتوفا.

((3))

المصدر | إيكاترينا زولوتوفا/ جيوبوليتيكال فيوتشرز- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: تركيا آسيا الوسطى روسيا الصين الطاقة تجارة فی آسیا الوسطى

إقرأ أيضاً:

جديد الذكاء الاصطناعي.. يمكنه اكتشاف المشاعر!

بدأ الذكاء الاصطناعي في التغلغل في العديد من جوانب التجربة الإنسانية، وهو ليس مجرد أداة لتحليل البيانات، إنه يحول الطريقة التي نتواصل بها ونعمل ونعيش بها، من ChatGP إلى مولدات الفيديو بالذكاء الاصطناعي، أصبحت الخطوط الفاصلة بين التكنولوجيا وأجزاء من حياتنا غير واضحة بشكل متزايد، ولكن هل تعني هذه التطورات التكنولوجية أن الذكاء الاصطناعي يمكنه تحديد مشاعرنا عبر الإنترنت؟.

في بحث جديد، قام موقع "ذا كونفيرسيشن"، بفحص ما إذا كان الذكاء الاصطناعي قادرًا على اكتشاف المشاعر البشرية في المنشورات على X .

وركز البحث على كيفية تأثير المشاعر المعبر عنها في المنشورات حول بعض المنظمات غير الربحية على الإجراءات، مثل قرار التبرع لها في وقت لاحق، استخدام المشاعر لدفع الاستجابة تقليديًا، واعتمد الباحثون على تحليل المشاعر، الذي يصنف الرسائل على أنها إيجابية أو سلبية أو محايدة.
 وفي حين أن هذه الطريقة بسيطة وبديهية، إلا أنها محدودة، فالمشاعر البشرية أكثر دقة، وعلى سبيل المثال، الغضب وخيبة الأمل كلاهما مشاعر سلبية، لكنهما يمكن أن يثيرا ردود فعل مختلفة جدًا، وقد يتفاعل العملاء الغاضبون بقوة أكبر بكثير من العملاء المحبطين في سياق الأعمال.


سلوك الناس

ولمعالجة هذه القيود، طبق البحث نموذجًا للذكاء الاصطناعي يمكنه اكتشاف مشاعر معينة - مثل الفرح والغضب والحزن والاشمئزاز - المعبر عنها في التغريدات.
 وجد البحث أن المشاعر المعبر عنها على X يمكن أن تكون بمثابة تمثيل للمشاعر العامة للجمهور حول منظمات غير ربحية محددة.
وكان لهذه المشاعر تأثير مباشر على سلوك التبرع.
واكتشاف المشاعر استخدم البحث نموذج "تعلم نقل المحول" لاكتشاف المشاعر في النص، فالمحولات، المدربة مسبقًا على مجموعات بيانات ضخمة من قبل شركات مثل Google وFacebook، هي خوارزميات ذكاء اصطناعي متطورة للغاية تتفوق في فهم اللغة الطبيعية (اللغات التي تطورت بشكل طبيعي على عكس لغات الكمبيوتر أو الكود).
وقام البحث بضبط النموذج على مجموعة من أربع مجموعات بيانات للعواطف المبلغ عنها ذاتياً (أكثر من 3.6 مليون جملة) وسبع مجموعات بيانات أخرى (أكثر من 60000 جملة)، وسمح هذا برسم خريطة لمجموعة واسعة من المشاعر المعبر عنها عبر الإنترنت.
وعلى سبيل المثال، سيكتشف النموذج الفرح باعتباره العاطفة السائدة عند قراءة منشور X مثل، إن بدء صباحنا في المدارس هو الأفضل! كل الابتسامات لأطفال، وعلى العكس من ذلك، سيلتقط النموذج الحزن في تغريدة تقول، أشعر أنني فقدت جزءًا من نفسي،  لقد فقدت أمي منذ أكثر من شهر، وأبي منذ 13 عامًا،  أنا ضائع وخائف.
وحقق النموذج دقة مذهلة بنسبة 84٪ في اكتشاف المشاعر من النص، وهو إنجاز جدير بالملاحظة في مجال الذكاء الاصطناعي، ثم نظر البحث إلى تغريدات حول منظمتين مقرهما نيوزيلندا - مؤسسة فريد هولوز وجامعة أوكلاند. لقد وجد أن التغريدات التي تعبر عن الحزن كانت أكثر عرضة لدفع التبرعات لمؤسسة فريد هولوز، في حين ارتبط الغضب بزيادة التبرعات لجامعة أوكلاند.
ومفهوم تكنولوجيا التعلم الآلي ChatBot الرقمية تمكن النموذج الجديد من تحديد المشاعر المختلفة المعبر عنها في  منشورات. عدة.


الأسئلة الأخلاقية

إن تحديد المشاعر المحددة له آثار كبيرة على قطاعات مثل التسويق والتعليم والرعاية الصحية، والقدرة على تحديد الاستجابات العاطفية للأشخاص في سياقات محددة عبر الإنترنت يمكن أن تدعم صناع القرار في الاستجابة لعملائهم الفرديين أو سوقهم الأوسع، وتتطلب كل عاطفة محددة يتم التعبير عنها في منشورات وسائل التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت رد فعل مختلف من الشركة أو المنظمة.
وأظهر البحث أن المشاعر المختلفة تؤدي إلى نتائج مختلفة عندما يتعلق الأمر بالتبرعات. 
 إن معرفة الحزن في الرسائل التسويقية يمكن أن تزيد من التبرعات للمنظمات غير الربحية تسمح بحملات أكثر فعالية وعاطفية، ويمكن للغضب أن يحفز الناس على التصرف استجابة للظلم المتصور، وفي حين يتفوق نموذج التعلم عن طريق نقل المحول في اكتشاف المشاعر في النص، فإن الاختراق الكبير القادم سيأتي من دمجه مع مصادر بيانات أخرى، مثل نبرة الصوت أو تعبيرات الوجه، لإنشاء ملف تعريف عاطفي أكثر اكتمالاً.
 تخيل الذكاء الاصطناعي الذي لا يفهم فقط ما تكتبه ولكن أيضًا كيف تشعر، و من الواضح أن مثل هذه التطورات تأتي مع تحديات أخلاقية، فإذا كان الذكاء الاصطناعي قادرًا على قراءة مشاعرنا، فكيف نضمن استخدام هذه القدرة بشكل مسؤول؟ كيف نحمي الخصوصية؟ هذه أسئلة حاسمة يجب معالجتها مع استمرار تطور التكنولوجيا، وفق البحث.
وما نحتاج إلى معرفته لفهم كيفية تعلم الآلات الذكاء الاصطناعي يحمل جانبًا إيجابيًا كبيرًا، ولكن الأضرار المحتملة يجب إدارتها، حيث الذكاء الاصطناعي يغذي أزمات عدة، وما وراء ذلك، وكيفية إصلاحه مسألة بالغة الأهمية.

مقالات مشابهة

  • طقس العراق.. امطار بالمنطقة الوسطى وارتفاع نسبي بدرجات الحرارة
  • نتائج اجتماع مجلس الأمن القومي التركي
  • بخطوات سهلة وبسيطة.. طريقة عمل صوص الكراميل المكثف
  • رنين خرجت من منزلها ولم تَعُد لغاية تاريخه.. هل تعرفون شيئاً عنها؟
  • جديد الذكاء الاصطناعي.. يمكنه اكتشاف المشاعر!
  • مزاعم عن نشاط لكتائب حزب الله العراقية في وسط آسيا والقوقاز
  • عمدة أنقرة يعلق على احتمال ترشحه للرئاسة
  • الحركة القومية يتقدم ببلاغ ضد والدة زعيم “الذئاب الرمادية”
  • ولاء “محور المقاومة”.. دوافع إيران ورسائلها من الهجوم الصاروخي على إسرائيل
  • إسرائيلي يعتدي على مراسل تلفزيون تركي.. أنقرة تصف اعتقال الشرطة الإسرائيلية للفريق بـ"الجنون التام"