لي صديق يدَّعي أنَّه عقلاني وأنَّه يتمتع بسمات شخصيَّة؛ من عيِّنة الثَّبات الانفعالي وتغليب منطق المصلحة والواقعيَّة وإعمال العقل، ويتَّهمني بأنَّني رومانسي حالم يحلِّق في عالَم من الأوهام والخيال، ويغلب على مواقفي الانفعال، وتحرِّكني العاطفة الَّتي تتنافى مع العقل والمنطق.
عِندما حدَث «طوفان الأقصى» لَمْ أستطعْ منْعَ نَفْسي من الفرحة والاحتفال، فأنا من جيل تربَّى ونشأ على كُره «إسرائيل»، ولَمْ تغيِّرْ «كامب ديفيد» ولا معاهدات السَّلام من موقفي شيئًا، والسَّبب في رأيي منطقي؛ فهناك ثأر ودم بَيْنَ مُعْظم المصريِّين وهذا الكيان، فلا تجد منزلًا ولا عائلة في مُدُن وقُرى مصر إلَّا وفيها شهيد أو أسير أو مصاب أو جندي شارك في حرب ضدَّ «إسرائيل»، فهناك أكثر من (300) ألف مصري، عسكري ومَدني استشهدوا في هذا الصراع الممتدِّ منذ (75) سنة، بدايةً من نكبة 1948، والعدوان الثلاثي على مُدُن القناة في 1956م، مرورًا بنكسة 1967 الَّتي سقَطَ فيها العدد الأكبر من الضحايا ووقع الآلاف في الأسْرِ، وتعرضت بورسعيد والإسماعيليَّة والسويس للتدمير وتهجير أهلها للقاهرة والأقاليم، انتهاءً بنصر أكتوبر 1973م الَّذي أعاد الروح للجيش والشَّعب المصري؛ حيث كانت أوّل حرب تُهزم فيها «إسرائيل».


نظَرَ إليَّ صديقي العقلاني، وقال لي مستنكرًا: تحتفل اليوم بالنَّصر وغدًا تبدأ سيمفونيَّة «الشحتفة» والبكائيَّات على دماء الأطفال والأُمَّهات الثكالى والمَدنيِّين الأبرياء، رددتُ عَلَيْه: لا أستطيعُ التعاطف مع «إسرائيل»، ولا منْعَ نَفْسي من الاحتفاء بما حقَّقته المقاومة، واستمرَّ الجدال و»النقار» بَيْنَنا طوال الـ40 يومًا الماضية، أنتظرُ ظهور أبو عبيدة كُلَّ ليلة لِيحدِّثَنا عن بطولات المقاومة والخسائر الَّتي كبَّدتها لـ»إسرائيل»، بَيْنَما يصفُه صديقي الواقعي، بأنَّه امتدادٌ للخِطاب الإعلامي العربي المُضلِّل؛ منذ زمن أحمد سعيد مذيع «صوت العرب» الَّذي تحدَّث عن وصول الجيش المصري لضواحي تل أبيب، بَيْنَما كان الجنود المصريون هائمين على وجوههم في صحراء سيناء، ومحمد سعيد الصحاف وزير إعلام صدام حسين، الَّذي كان يسخر ويتهكَّم على الجنود الأميركان ويصِفُهم بالعلوج، بَيْنَما كانت الدبَّابات الأميركيَّة تُعربد في وسط بغداد.
عِندما أستعير المنطق الَّذي يدَّعيه صديقي، أجدُ تاريخًا من الأكاذيب والغطرسة والإجرام الإسرائيلي، الَّذي يُبرِّر موقفي الكارِه له، بدايةً من اتِّهام الفلسطينيِّين بأنَّهم باعوا أرضهم لليهود، والَّذي اعترف الصهاينة أنْفُسهم بارتكاب عصابات «الهجانا» و»شتيرن»، مجازر وحشيَّة ضدَّ سكَّان القُرى الفلسطينيَّة لإجبارهم على تركِ منازلهم والخروج للمجهول، وما زال كثير مِنْهم يحتفظون بمفاتيح منازلهم حتَّى اليوم على أمَل العودة الَّتي خدعوهم بها.
حتَّى اتِّفاق أوسلو الَّذي أعاد ياسر عرفات ومنظَّمة التحرير الفلسطينيَّة إلى الضفَّة وغزَّة، انتهى بمقتل إسحاق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي الَّذي أبرمه على يد متطرف يميني، وحصار ياسر عرفات داخل مقرِّه برام الله وتسميمه عقابًا له على مدِّ يدِه بالسَّلام مع «إسرائيل».
ولا أجدُ تفسيرًا لموقف «إسرائيل» من فلسطينيي الضفَّة، فهي تقتلُهم وتحاصرهم وتهدم منازلهم على رؤوسهم، دُونَ سببٍ واضح، فلَمْ تنطلق صواريخ ولَمْ تهاجم حماس من مناطقهم، ومحمود عباس (أبو مازن) الَّذي يُتَّهم بالتطبيع والانبطاح من جهات فلسطينيَّة وعربيَّة عديدة؛ بسبب مواقفه الرافضة للمقاومة المسلَّحة، وتبنِّيه نهج الحلِّ السِّلمي والمفاوضات، ماذا فعل نتنياهو معه؟! إهانة وتضييق، ورفض التفاوض معه بحجَّة أنَّه ليس شريكًا ولا موثوقًا فيه.
حتَّى حلُّ الدَّولتيْنِ، الَّذي يتردَّد على ألسنة زعماء أميركا والدوَل الغربيَّة، كيف يتحقق في ظلِّ استيلاء «إسرائيل» على مُعْظم أراضي فلسطين التاريخيَّة؟! فلَمْ يتبقَّ سوى غزَّة المنكوبة وجزء يسير من الضفَّة الغربيَّة، كيف يُمكِن لهذه الدَّولة الممزقة الحياة، وبعد كُلِّ ذلك أسمع لماذا قامت حماس بالهجوم على «إسرائيل» يوم 7 أكتوبر الماضي.
محمد عبد الصادق
Mohamed-abdelsadek64@hotmail.com
كاتب صحفي مصري

المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

خبير: مصر تعزز وحدة الشعب الفلسطيني في مجابهة العدوان الإسرائيلي بغزة

أكد الدكتور أحمد سيد أحمد، خبير العلاقات الدولية، أن مصر تعمل على ترتيب البيت الفلسطيني وتحقيق وحدة الصف الفلسطيني تعزيزا للقضية الفلسطينية ودعما للشعب الفلسطيني.

صندوق النقد الدولي يزف بشرى سارة للمصريين زيادة النمو وانخفاض الدين والتضخم.. كيف يرى صندوق النقد الدولي الاقتصاد المصري؟ صندوق النقد الدولي: مصر تشهد انخفاضا في التضخم مقارنة بالعام الماضي


وأضاف «أحمد»، خلال مداخلة هاتفية عبر قناة «إكسترا نيوز»، أنّه في هذا الإطار، استضافت مصر عددا كبيرا من اللقاءات بين الفصائل والمكونات الفلسطينية، من أجل بلورة مواقف موحدة وتوحيد الصفوف لمواجهة التحديات غير المسبوقة في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة.

وتابع، أن الاحتلال الإسرائيلي يحاول أن يهدد ويصفي القضية الفلسطينية، ومن ثم، فإنه يتم العمل على إنهاء انقسام فلسطيني، لأن هذا الأمر يضر القضية الفلسطينية ويمنح الاحتلال ذريعة وفرصة لتنفيذ مخططاته الخبيثة، مشددًا، على أن الدولة المصرية تحرص على خلق بيئة توافقية ورؤى فلسطينية موحدة في مجابهة الاحتلال.

مقالات مشابهة

  • حوار مع صديقي الChat GPTالحلقة (35)
  • فعاليات تضامنية مع الشعبين الفلسطيني واللبناني
  • وزير الحكم المحلى الفلسطيني: 50مليون طن مخلفات سببها العدوان الإسرائيلى على غزة
  • بالأرقام| الرئيس الفلسطيني يفضح إبادة جيش الاحتلال للشعب الفلطسيني
  • هذي مش إسرائيل يا زلمة!.. حوار مع منير شفيق
  • حوار مع صديقي الChat GPT الحلقة (34)
  • نتنياهو يحدد 3 مفاتيح لاستعادة الأمن في شمال إسرائيل
  • خبير: مصر تعزز وحدة الشعب الفلسطيني في مجابهة العدوان الإسرائيلي بغزة
  • حوار مع صديقي الChat GPT الحلقة (33)
  • كاتب صحفي: إسرائيل تواصل عدوانها الوحشي على قطاع غزة