جريدة الوطن:
2025-03-07@01:28:21 GMT

عتبات غير مسبوقة

تاريخ النشر: 13th, November 2023 GMT

عتبات غير مسبوقة

منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزَّة أوائل الشهر الماضي ونحن نسجِّل كُلَّ يوم عتبة غير مسبوقة في الوحشيَّة البربريَّة الَّتي تسجّل في تاريخ الشعوب للصهاينة وعلى صُعد مختلفة وسط صَمْتٍ أو تساهل أو تخاذل دوَلي مريب وبتشجيع من الحكومات الغربيَّة الَّتي سارعت إلى إرسال شحنات مرعبة من الأسلحة لقتل المزيد من الأطفال والأُمَّهات وهدم البيوت على ساكنيها في غزَّة.

ولإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح والبدء من البداية فالقضيَّة هي بَيْنَ شَعب أعْزَل تمَّ احتلال أرضه وتهجيره بقوَّة السِّلاح فحاول من أمكنة لجوئه ومُخيَّماته وسجونه المفتوحة والمحاصَرة أن يصرخَ صرخة ألَمٍ محاولًا إثبات حقٍّ ووجود. فتحرَّكت حاملات الطائرات والغوَّاصات النوويَّة الأميركيَّة وتمَّ شحن المزيد من الطائرات والدبابات وسمح الغرب، الَّذي يدَّعي حماية حقوق الإنسان، للصهاينة باستخدام القنابل الفوسفوريَّة المحرَّمة دوليًا ضدَّ المَدنيِّين في غزَّة وجنوب لبنان هادفًا إلى قتل أكبر عدد من الفلسطينيِّين الَّذين يدافعون عن أرضهم بلحمهم الحي وإيمانهم بأرضهم. وبدأ فرض هذه المعادلة اللامتوازنة على الإطلاق كسر عتبة تلو الأخرى من عتبات الوحشيَّة الَّتي حرَّمتها الشرعيَّة الدوليَّة والقانون الدولي الإنساني وقوانين الحروب حيث تمَّ قتل الجرحى بقصف المشافي ودُور الصحافة ومخازن الطعام والمدارس والكنائس والمساجد وكُلِّ ما له علاقة بحياة الإنسان في ظروف العدوان من جهة والدِّفاع عن النَّفْس من جهة أخرى.
فهذه هي المرَّة الأولى الَّتي أشهد فيها حربًا تجعل من المشافي والجرحى ومراكز الإيواء للنازحين والمراسلين هدفًا أساسيًّا دُونَ أن يحرِّكَ العالَم ساكنًا ودُونَ أن تقومَ دُنيا الإعلام الغربي الَّذي أقام الدُّنيا ولَمْ يقعدها حَوْلَ ما حدَث في أوكرانيا بَيْنَما التزم الصَّمت حيال أبشع جرائم تُرتَكب بحقِّ مَرضى وجرحى وعُزَّل وأطفال ونساء وشيوخ لا حَوْلَ لَهُمْ ولا قوَّة. بَيْنَما تستمرُّ وسائل الإعلام الغربيَّة بالصدور وهي تعبِّر عن تأييدها المُخزي لقيام جيش الاحتلال العنصري بارتكاب جرائم الحرب الَّتي تزهق كُلَّ هذه الأرواح وتستهدف كُلَّ مَنْ يتجرَّأ في الغرب على قول كلمة حقٍّ أو اتِّخاذ موقف ضدَّ الظلم ولو كان مجرَّد موقف إعلامي لا يغيِّر من معادلة الميدان شيئًا لصالح ضحايا الغرب من المَدنيِّين العُزَّل.
بعد أن ارتكب المعتدون الإسرائيليون مئات المجازر بحقِّ الفلسطينيِّين وقتلوا عشرات الآلاف من الأطفال ومِثلهم من الأُمَّهات والنِّساء يبدأ المسؤولون الغربيون بالحديث الخجول عن ضرورة عدم استهداف المَدنيِّين والدَّعوة إلى هدنة لمدَّة ساعات فقط!! والسؤال الَّذي يلحُّ على خاطري اليوم: لماذا نقرأ بعد اليوم أو نشاهد إعلامًا غربيًّا لا كلمة ولا موقفًا لدَيْه سوى دعم جرائم الحرب والوقوف بعدَّته وعديده إلى جانب المُجرِمين ضدَّ حقوق وإنسانيَّة الإنسان؟ ولماذا نسمع من يُعدُّون أنفُسَهم زعماء ومسؤولين غربيِّين بعد أن برهنوا ألَّا قِيمة لِمَا يتشدقون به من تقارير عن حقوق الإنسان ولِمَا ينافقون به في خُطبهم وتصريحاتهم عن الحُرِّيَّة؛ إذ لا موقف لدَيْهم سوى الانسياق وراء مَنْ يضْمن لَهُمْ استمرارهم في مراكزهم، ولا ضمير لدَيْهم لنصرة مظلوم أو ردع الظالم عن تماديه طالما أنَّ الظالم مُجرِم حرب صهيوني تدعمه أموال اللوبيَّات في الانتخابات، بل ويمدون الظالم بكُلِّ أسباب وأدوات القتل الوحشيَّة؛ لأنَّهم لا يجرؤون على فعل شيء مخالف للصهيونيَّة المتحكِّمة بمراكز القوَّة في الغرب من مال وإعلام ومخابرات كَيْ لا يخرجوا من دوائر القرار والسُّلطة.
والعتبة الأخرى غير المسبوقة هي أنَّ الرأي العامَّ العالَمي لا وجود له على أرض الواقع؛ إذ لا يستطيع أن يحرِّكَ ساكنًا أو يتَّخذَ قرارًا وحتَّى حين التوصل إلى قرار في الجمعية العامَّة؛ لأنَّ مجلس الأمن عمليًّا مشلول، فلا مرتسمات لهذا القرار على أرض الواقع؛ لأنَّ قصف الطائرات والدبَّابات لا يُقيم وزنًا لرأي دوَل أو لكُلِّ المماحكات والحوارات ومسوَّدات القرارات، سواء رأت النور أم لَمْ ترَه.
والسؤال إذًا: أين نعيش نحن اليوم وفي أيِّ عالَم؟ ما شهدناه في العدوان الإسرائيلي الآثم والخطير وحرب الإبادة ضدَّ الشَّعب الفلسطيني والتطهير العِرقي والعنصري للفلسطينيِّين يُري أنَّنا نعيش في عالَم متوحِّش تحكُمه شريعة الغاب الغربيَّة، وأنَّ البقاء هو لِمَن يمتلك كُلَّ وسائل القهر والتدمير وأنَّ الأسلحة واستعراض القوَّة نجح في إرهاب الآخرين حتَّى عن قول كلمة حقٍّ لأنَّ القنابل الفوسفوريَّة اليوم، وليس السَّيف فقط، مسلطة على رؤوس مَنْ يتجرَّأ ويعلن موقفًا مساندًا للمظلومين والضحايا.
والعتبة الأخرى هي أنَّ المعتدين يعملون جاهدين لِقتلِ أسراهم هُمْ كَيْ لا تتمَّ مبادلتهم بأسرى فلسطينيِّين لدَيْهم مسجونين ومقهورين بغير وَجْه حقٍّ منذ عشرات السِّنين وأنَّ أحَد الوزراء الإسرائيليِّين من أبناء جلدة الأسرى المعتدين يدعو إلى قصف غزَّة بالقنبلة النوويَّة، وحين سُئل عن الأسرى قال إنَّه ثَمَن يجِبُ دفعه، أي أنَّنا نسمع مرَّة أخرى مادلين أولبرايت تتحدث عن قتل آلاف الأطفال العراقيِّين وتقول: «كان الثَّمَن جديرًا أن يُدفعَ».
وأنا أنظر إلى وجوه النَّازحين من العوائل من شمال غزَّة إلى جنوبها يتراكضون بالآلاف قَبل أن تلحقَ بهم آلَةُ الموت ويغطون وجوههم من الكاميرات أقول لَهُمْ ليس عَلَيْكم أن تخجلوا من الكاميرات، بل العار الأبدي الَّذي يسجِّله تاريخ وذاكرة الشعوب على الَّذين يقومون بكُلِّ هذه الأعمال الوحشيَّة ضدَّ إنسانيَّتكم وعلى السَّاسة في الغرب أن يخجلوا ممَّا اقترفت أيديهم وبدعم نظام الأبارتيد المتوحِّش، وأن يخجلوا من افتقارهم إلى أدنى درجات الإنسانيَّة.
والسؤال الآخر المُلِحُّ: لماذا الاجتماعات والنقاشات والقرارات والتصريحات والإدانات إذا كانت غير قادرة على إنقاذ حياة طفل فلسطيني أو امرأة أو جريح أو لاجئ إلى المشفى من قصف لا يرحم ولا يبقي؟!! كُنَّا دائمًا نعْلَم أنَّ المشافي والكنائس والمساجد هي المأوى الَّذي يلجأ إليه النَّاس في أوقات الحرب والعدوان، ولكنَّ هذا العدوان قَدْ كسَر كُلَّ المُحرَّمات الإنسانيَّة والدوليَّة وما زال يحظى بعبارة لا يخجل المسؤولون الغربيون من ترديدها وهي «الدِّفاع عن النَّفْس» الَّتي يمنحونها لقوَّة متغطرسة قرَّرت إبادة شَعب بكامله أمام أعيُن وأنظار العالَم الغربي المتصهين. هذا العالَم الَّذي برهن عن عجز مطلق وأنَّه عمل على تدمير النِّظام الدوَلي كَيْ يبقى القطب الأوحد الَّذي لا يحترم أيَّ قانون دولي ولا مؤسَّسات قادرة على اتِّخاذ موقف وضمان احترام هذه القوانين.
في غمرة كُلِّ هذا الظلم والعجز وشريعة الغاب عمل صحفيون وأطبَّاء وممرضون وعاملون وعاملات في الليل والنَّهار وتحت القصف لإنقاذ طفل أو امرأة أو رجل عجوز، ودفعوا حياتهم وحياة عوائلهم أثمانًا لمواقفهم النبيلة، وبقيَ مسؤولو المشافي المنكوبة للحظات الأخيرة يحاولون إنقاذ حياة هنا وأخرى هناك، كما استمرَّ المقاومون الأشدَّاء بالاشتباك مع قوَّة غاشمة لدَيْها أضعاف أضعاف ما لدَيْهم من عتاد وقوَّة، ولكنَّ هؤلاء استمروا في الإنقاذ والعمل والقتال جميعًا كَيْ يبرهنوا أنَّ المروءة الإنسانيَّة لَمْ تمُتْ عِند أبطال غزَّة، وأنَّ الشَّرف ليس كلمة جوفاء، بل هو مثال لصمود سكَّان غزَّة، وأنَّ قلوب الفلسطينيِّين ما زالت تنبض بالإنسانيَّة والشهامة رغم كُلِّ هذه المأساة الَّتي طالت البَشَر والشجر والحجر ورغم الوهن والعجز في عالَم غربي متصهين يدَّعي الحداثة والتقدُّم والابتكار. هؤلاء الجنود المجهولون في غزَّة الَّذين ضحوا بأنْفُسهم لإنقاذ الآخرين هُمُ الوحيدون الَّذين يستحقون احترامنا واهتمامنا وعرفاننا. أمَّا الألقاب الرسميَّة والأساطيل والمراكز العالَميَّة الجوفاء فقَدْ سقَطَ عَنْها القناع وظهرت حقيقتها البائسة المُخجِلة.
أ.د. بثينة شعبان
كاتبة سورية

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: العال م

إقرأ أيضاً:

أبو عبيدة: المقاومة جاهزة ومستعدة لكافة الاحتمالات.. وأعين الغرب "عوراء"

 

غزة- الوكالات

قال أبو عبيدة المتحدث العسكري باسم كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في كلمة مصورة، إن المقاومة التزمت أمام العالم والوسطاء ببنود اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في غزة، متهما إسرائيل بالتنصل من الاتفاق سعيا للحصول على غطاء أميركي للعودة إلى العدوان.

وردا على تهديد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالعودة إلى القتال، قال أبو عبيدة "نحن في حالة جهوزية استعدادا لكافة الاحتمالات، والمقاومة لديها ما يؤلم العدو في أي مواجهة مقبلة وتهديداته علامة ضعف وشعور بالمهانة، ولن يدفعنا ذلك إلا للعودة لكسر ما تبقى من هيبته".

وأضاف أن "أقصر الطرق هو إلزام العدو بما وقّع عليه، وما لم يأخذه بالحرب لن يأخذه بالتهديدات والحِيَل"، محذرا من أن "أي تصعيد للعدوان على أهلنا سيؤدي لمقتل عدد من أسرى العدو". وذكر أن الاحتلال هو الذي يتسبب بمقتل أسراه فضلا عن معاناتهم وتنصله من التفاهمات.

وخاطب أبو عبيدة عائلات أسرى الاحتلال وقال إن "لدينا إثبات حياة حتى اليوم لمن تبقى من الأسرى الأحياء، وتهديدات العدو بالحرب لن تحقق سوى الخيبة له ولن تؤدي للإفراج عن أسراه".

وأكد أن العالم شاهَد الحالة الصحية الجيدة للأسرى رغم صعوبة الحفاظ على حياتهم في ظل ما سماها الحرب الهمجية، كما أن "العالم شاهد كيف حرصت المقاومة على حسن معاملة الأسرى التزاما بأدبيات ديننا". 

ومقابل ما ذكره بشأن معاملة المقاومة للأسرى الإسرائيليين، قال أبو عبيدة إن "العالم شاهد كيف نكّل العدو ولا يزال بأسرى شعبنا الذين يروون شهادات فظيعة عن المعاملة الإجرامية"، داعيا "كل المنصفين ودعاة حقوق الإنسان لفضح الجريمة التي تقترف ضد الأسرى الفلسطينيين".

وفي كلمته المصورة الجديدة، قال أبو عبيدة إن "الأعين العوراء لأنظمة الغرب لا ترى فارقا بل تتباكى على عشرات من أسرى العدو ولا تعتد بسلامة أسرانا"، متهما "قيادة العدو بمحاولة التنصل من الاتفاق سعيا منها لتغليب المصلحة الحزبية على حياة أسراه".

وتوجه المتحدث باسم القسام بالتحية لإخواننا باليمن على موقفهم الذي أعلنوا فيه استمرار قرار الإسناد والجهوزية لضرب العدو"، في إشارة إلى جماعة أنصار الله (الحوثيين) الذين توعدوا إسرائيل بتجديد ضرباتهم في حال نكثت بالاتفاق مع المقاومة.

وبمناسبة الشهر الفضيل، بارك أبو عبيدة للمسلمين حلول شهر رمضان الذي وصفه بشهر الفتوحات، قائلا "لأمة المليارين، ماذا أنتم فاعلون للدفاع عن كرامتكم قبل أن تطالكم يد الظالمين في عقر داركم".

وفي السياق ذاته، قال "نذكر أمة المليارين أن هذا الشعب العربي المسلم يتعرض على مرآكم للإبادة والتجويع ومحاولة التهجير".

وأضاف "لن تقوم قائمة لأمة الإسلام ولن يصبح لها شأن بين الأمم حتى تطهر هذه الأرض المقدسة من دنس المحتلين، نقول لمليارين من إخواننا المسلمين إن إخوة لكم بالدين قد زكوا صيامهم بتقديم سيل من الدماء الزكية".

مقالات مشابهة

  • نصر عبده يكشف عن السبب الحقيقي للحرب الروسية الأوكرانية
  • نصر عبده: أوكرانيا تحارب بالوكالة نيابة عن الغرب وأمريكا
  • من أساطير التعامل مع الخارج، وبالذات العالم الغربي وأمريكا
  • أبو عبيدة: المقاومة جاهزة ومستعدة لكافة الاحتمالات.. وأعين الغرب "عوراء"
  • إصابة 12 شخص في حادث انقلاب سيارة ميكروباص بالصحراوي الغربي
  • قضايا وأسرار خلف الأسوار
  • الضرائب تطلق حملة «نقطة ومن أول السطر» لتوعية الممولين بالتسهيلات الجديدة
  • قتلى جراء العواصف في ولاية مسيسيبي الأميركية
  • برلماني: مصر تواصل جهودها لإنقاذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وضمان تدفق المساعدات
  • ارتباط النظام الغذائي الغربي أثناء الحمل باضطراب فرط النشاط