غالية آل سعيد: ما كنت أظن أن الرواية ستكون أداة كافية لنقل المتخيل عن علل المجتمع والأحداث وهموم الناس
تاريخ النشر: 13th, November 2023 GMT
أقام صالون سعيدة خاطر الثقافي مساء أمس في النادي الثقافي ندوة تقرأ في رواية "حارة العور" لصاحبة السمو السيدة الدكتورة غالية بنت فهر بن تيمور آل سعيد، شارك فيها عبدالرزاق الربيعي بورقة بعنوان "الآخر في روايات غالية آل سعيد"، والدكتورة عزيزة بنت عبدالله الطائية بورقة حملت عنوان "تمثلات الذات الأنثوية في رواية "حارة العور"، والشاعر هاشم الشامسي بورقة حملت عنوان "حارة العور ذاكرة المكان والطفولة"، وشيخة بنت عبدالله الفجرية بورقة حملت عنوان "الثراء المكاني في رواية حارة العور" والكاتب سلام الكندي متحدثا عن "ذكريات الطفولة والصبا في حارة العور"، وقد صاحب الندوة بيع روايات غالية آل سعيد يعود ريعها لجمعية العطاء الخيرية.
أنا وكتابة الرواية
ونيابة عن صاحبة السمو السيدة الدكتورة غالية آل سعيد ألقت الدكتورة سعيدة بنت خاطر الفارسية كلمة الكاتبة بعنوان "أنا وكتابة الرواية" جاء فيها: اسمحوا لي أن استهل مساهمتي هذه بتقديم الشكر والتقدير للدكتورة والشاعرة العمانية القديرة سعيدة خاطر لدورها الهام في تنظيم الفعاليات الثقافية عامة ومن ضمنها هذه الندوة ويسرني أن اجتمعنا هذا المساء ، في النادي الثقافي والهدف كما تعلمون، هو تقديم أوراق نقدية من قبل نخبة متميزة من المهتمين بالثقافة والأدب ، ولولا مثل هذا الجهد وهذه الندوات، لبقيت اعمال إبداعية كثيرة، لها أهميتها الثقافية ، غير معروفة ومعزولة ومهملة مجرد عناوين وصور مطبوعة على أغلفة كتب .
وأصدقكم القول، إن رواية حارة العور كانت ستلاقي المصير ذاته. أما عن تجربتي الروائية، فيجب أن أقول أنها لا تختلف عن تجربة الكثير من الروائيين، وأنها أتت بمحض صدفة. لم اخطط قط لكتابة الرواية أو أخوض عالمها .حقيقة الأمر، لم أكن أعرف الكثير عن عالم الرواية قبل البدء في كتابتها، ولم يهمني أمرها.
في الماضي وفي الأيام التي كنتُ فيها طالبة، قراءة الروايات لم تلق التشجيع في البيوت من قبل الآباء، وحتى المعلمين في المدارس. كانت قراءة الروايات تعتبر مجرد تسلية تافهة، لأن العمل الروائي، كما يظنون، قائم على التسلية والترفيه، مثل مشاهدة الأفلام السينمائية. يعتبرونه عملاً اغوائياً ومضيعة لوقت الطالب الثمين ولا أكثر من ذلك.
ولقد ظل عالم الأدب خارج إختصاصي طوال سنين دراستي العليا. وذلك لإن تخصصي وميولي وشغفي الكبير هو السياسة وتوابعها ، ولذلك درستها في الجامعة، وأكملت دراستي العليا في مجال العلاقات الدولية. ولنيل شهادتي التعليمية العليا، أنجزت بحثا عن معاهدة كامب ديفيد، التي أخذت العالم على حين غرة ، ولقد جلبت معاهدة كامب ديفيد كثيرا من الإهتمام من قبل محللي المشهد السياسي العالمي والعلاقات الدوليه عامة ولو أنها لم تعالج القضية الشائكة كما كان يجب أن تفعل.
لم ابدأ في كتابة الرواية فور إنتهائي من الدراسة الجامعية ولم أخطط او أسعى للكتابة الروائية عمداً ، فاهتماماتي كانت مختلفة ومحصورة في إتجاهات أخرى ، لا تركّز على معاناة الفرد في المجتمع، من عزلة وعوز، واغتراب، كنت أرى إن حقل السياسة هو المجرى الأفضل للتحدث عن هذه القضايا. ولم أر مجال الآداب، وبالأخص كتابة الرواية، منطلقا واسعا يكفي لإظهار هموم الناس وآمالهم وطموحاتهم . فالرواية، هنا، مجرد عمل تخيلي لا يمت للواقع بصلة ولا يستطيع عكس فواجع الشعوب وأحلامهم وما يصبون لتحقيقه من حرية التعبير وكرم المعيشة. في تلك الحقبة، لم أفكر في إحتمالية أن الرواية حبل رابط بين المتخيل والواقع. وأنها ستؤدي مهمة نقل ما يدور في الذهن من أمور، ولو بصورة متخيلة وذات بعد نظري وتجريدي. ما كنت أظن أن الرواية ستكون أداة كافية لنقل صور ولو متخيلة عن علل المجتمع و الأحداث وهموم الناس.
وكغيري من الناس، كنت أقرأ الروايات، لكن بشكل غير منتظم ومتواصل. حينها، اطلعت على إنجازات ونجاحات الروائيين، وشهرة بعضهم الواسعة، وفوز بعضهم بالجوائز المختلفة. وكنت أتعجب وأسال، كيف تدور دراسات وتحليلات مهمة وعميقة ونقاشات أكاديمية واسعة ومكثّفة، في أكبر وأهم الجامعات في العالم، حول عمل روائي يستند من بدايته الى نهايته على محض خيال. وأكثر غرابة، أن تجد طلاب العلم تدفع بهم لجان الدراسات العليا والأكاديمية في الجامعات وتشجعهم دراسة أعمال روائية ومسرحية معينة لنيل شهادات الماجستير أو الدكتوراة.
تعجبي من أمر الرواية وأهميتها في المشهد الثقافي حدث قبل أن التحق بركب كتابة الرواية نفسها، كفن منفرد وكأداة لطرح ما يدور في مخيلتي عن أمور وقضايا كثيرة. والآن، أمري مع الرواية مختلف، على الأقل الفكرة التي أعتقدتها عن عدم قدرة الرواية في توصيل هواجس الكاتب لم تعد موجودة ، إن الخيال الذي أتى بالجمال في أعمال روائية كثيرة هو هو نفسه الخيال الذي يقف خلف شتى الإبداعات والإنجازات التي نتمتع بها في عالمنا اليوم، علمياً وعملياً ومعمارياً. الخيال وراء شتى الإنجازات التي بنيت عليها الحضارات الإنسانية وتراث الأمم من صناعات وحرف وغيرها. وعليه نجد الرواية في قلب المعركة وفي صلب القضية بقدرتها ووسائلها وتقنياتها. وكلنا نعرف أن الأعمال الروائية لا تأتي من فراغ، بل نتيجة لإحتكاك الروائي بالواقع وفي الوسط الذي يعيش فيه.
يقوم الأديب بكتابة الرواية واختيارها من بين الوسائل التعبيرية الأخرى والمختلفة وأنواع الفنون التي في متناول يده. يأتي ذلك نتيجة إدراك ومعرفة تامة من أن الرواية ذات فضاء واسع وتكمن فيها مساحة كبيرة للتعبير، حول ما تتم مناقشته من قضايا محلية أو عالمية. والرواية تتحدى القيود المفروضة على كثير من وسائل التعبير الأخرى، فهي واسعة المجال ومرنة القوام.
أما أنا، فبدايتي مع الرواية ودخولي في عالمها أتى علي حين غرة. وكتابتها لم تأت من خلال منهج مدروس ،كتابة الرواية أتت بسبب ضرورة الإنطباعات وإلقاء الأضواء على الأماكن والناس والأحداث الكثيرة التي رأيتها أثناء مسيرتي. جاءت المسألة لي من زحام الحياة في البيئة الخارجية التي عشت فيها وتواصلت مع أناسها من مختلف الجنسيات ضمن المجتمع البريطاني. هؤلاء أتو إلى الوسط الجديد والبلاد الجديدة هرباً من ظروف بعيدة، من أفريقيا وأمريكا اللاتينية وغيرها من البلدان الأخرى، من المهم أن أشير إلى انه تكوّنت في مخيلتي صور عن المغتربين والمهاجرين، عبر سنين طويلة مليئة بالأحداث والتطورات. لذلك، من البديهي شعورياً أو لا شعورياً سيأتي يوم تظهر فيه تلك الإنطباعات وتخرج تلك الشحن من الأفكار والصور والتخيلات، عن المكان والناس، العمل الروائي الأول الذي نشر لي كان رواية أيام في الجنة بعدها أتت رواية صابرة وأصيلة، سنين مبعثرة، سأم الإنتظار، جنون اليأس وأخيراً حارة العور، والآن أعمل على رواية جديدة.
كثيراً ما يسألوني عن أعمالي الروائية، لماذا اغلبها كتبت عن مجتمع غربي وقليلاً ما كتبت عن المجتمع العماني الذي أنتمي إليه. ويأتي تفسير مرادف من قبل من يطرح مثل هذا السؤال، ربما من خلال الكتابة عن مجتمع غربي ومن يعيشوا فيه محاولة مني للتسلق إلى العالمية، الجواب على هذا السؤال بالنسبة لي يكمن في حقيقة، ربما لا يعرفها الكثيرون عن خلفياتي. أنا عشت لأكثر من ثلاثين سنة في المجتمع الذي يشيرون اليه والذي كتبت عنه، ومن وسط الأحداث التي ألمت بالناس الذين يعيشون فيه أتت رواياتي.
لقد سافرت ووصلت الى بريطانيا كغيري من الطلاب العمانيين والعرب والأجانب للدراسة وكان ذلك بإختيار أبوّي، فلم يكن أمامي غير قبول أوامرهم وتعليماتهم. وأخذت دراستي سنين طويلة. وكان عدم إجادتي للغة الإنجليزية والصعوبة التي واجهتني لتعلمها ومن ثم الإنخراط في الدراسة، هو السبب الذي وقف خلف طول المدة التي أخذتها دراستي. في هذا المجتمع الجديد والغريب كانت هناك صور ووقائع وأحداث تتعلق بالناس ونمط حياتهم. كلها رسخت في ذهني وتصوراتي، في البداية، تصورت أن تلك الإنطباعات ستظهر من خلال الكتابة الصحفية، ولا غيرها من الوسائل الأخرى. لكني وجدت ان الصحافة مجالها ضيق ومقيد ومحدود، لن تتسع لنقل الأحداث والتشعبات وأحاسيس الناس وهمومهم كما يجب وكما أريد.
لم أتخيل قط أني سأعتمد يوماً على الرواية لصياغة ونقل الأحداث وكل ما أحاط بي ورأيت من مشاهد في قالب روائي. في المقام الأول انا لا أنتمي إلى عالم الأدب ولا أنحدر من دوائره اذاً كيف أعتمد عليه وآخذه كأداة لنقل تلك الصور والأحداث، حتماً لن أنجح في ذلك.
عندما أتت كتابتي للرواية كان ذلك بمحض الصدفة ومن دون تخطيط. قلت لما لا أجرب تدوين التخيلات عن زوجين يعيشان في حيز شقة صغيرة في حارة وسط مدينة لندن الكبيرة. ربما الذي دفعني للتفكير في كتابة تلك الرواية، رواية أيام في الجنه، العزلة التي شاهدت كثيراً من الناس يعيشونها في لندن، وهي سمة العيش في معظم المدن الصناعية، وما تجلبه مثل تلك الإنعزالية من وحدة مرة وتأجج ذهني يؤدي الى كوارث إجتماعية.
بدأت حياة الزوجين منذ اليوم الأول من إرتباطهم داخل دائرة من العزلة ومثقلة بصراع يومي بينهما، لا نهاية له، أدى الى اضطرابات نفسية.
في باديء الأمر تصورت أنه لن تقبل بنشر تلك الرواية أي من دور النشر، ولكنها نشرت عن دار رياض الريس للنشر في بيروت، بعد رواية أيام في الجنة، قلت سأنسى أمر كتابة الروايات نهائياً. فتلك كانت مجرد تجربة واحده لكتابة رواية لا أكثر ولا أقل، من أين آتي بتخيلات وتصورات جديدة لعمل روائي جديد، والتصورات هي أهم ما في عالم كتابة الروايات، وإن لم لديك ما يكفي من تصورات فأنت في مشكلة. لم يكن لدي الكثير من التصورات، لكن لسبب ما، كتابة الرواية لم تتركني وفي المقابل لم أستطيع تركها. شيء خفي حثني لمحاولة كتابة رواية أخرى، وبعد رواية أيام في الجنة أتت رواية صابرة وأصيلة. المضحك في الأمر هو أن رواية صابرة وأصيلة لم تكن الرواية التي أنوي كتابتها بل كانت رواية سنين مبعثرة، بعد رواية صابرة وأصيلة، أتت رواية سنين مبعثرة والتي صوّرت حياة رجل فلتت من قبضته زمام أمور حياته، بسبب فقدان الهوية والانتماء.
بعد سنين مبعثرة، أتت رواية جنون اليأس. فيها تم لقاء ثلاث شخصيات، كونت محور الرواية الرئيسى واستندت تفاصيل الرواية على حياتهم. من ثم أتت رواية سأم الإنتظار في جزئين. آخر الأعمال الروائية التي صدرت لي الرواية التي أنتم بصدد مناقشتها رواية حارة العور. عكست رواية حارة العور حالة الغريب في وسطنا العماني وحالتنا معه. اغلب رواياتي تحمل قصائد للشاعر العراقي عدنان الصائغ. لم يبخل الشاعر عدنان بقصائدة عند ما تقدمت وطلبت منه السماح لي بوضع بعضها في سير احداث الروايات وكان ذاك فوز كبير. لم أتصور أن كتابة الرواية ستفتنني الى هذا الحد وأني لن أستطيع التوقف عن كتابتها بعد تكملة كتابة الرواية الأولى أيام في الجنة، وأنها ستكون المجال الرحب الذي من خلالة أعبّر عن ما تخالجني من أفكار، عما أرى من أحداث، وأعكس هموم الناس وأفراحهم وطموحاتهم وأحلامهم المنشودة. ربما لولا كتابة الرواية، ما كنت سأجد في متناول يدي وسيلة أخرى للتعبير والبوح والتواصل.
نتاج لم يقرأ جيدا
من جانبه أشار عبدالرزاق الربيعي إلى أهمية الالتفاتة لهذا النتاج الذي لم يقرأ بشكل جيد، لأسباب عديدة، ربما من بينها وضعها الخاص، وإقامتها الطويلة في لندن وابتعادها عن الأوساط الثقافية العربية رغم متابعتها المستمرة لها من خلال ما ينشر في الصحافة، وقال: إنه من المبهج أن هذا النتاج يلقى اهتماما من الباحثين العرب ومؤخرا نوقشت في جامعة البصرة رسالة دكتوراة عن نتاجها، تقدّمت بها الباحثة أماني جميل جاسم بإشراف الدكتور لؤي حمزة عباس ونالت عليها درجة امتياز.
ثم انتقل إلى ورقته "الآخر في روايات غالية آل سعيد" وقال: "الرواية عمل ملحمي تتشعب فيه الأحداث والشخصيات ولما كانت الروائية د. غالية آل سعيد عاشت الاختلاف، وعبّرت عنه في رواياتها ارتأينا أن نقف عند تمثلات الآخر في مجمل رواياتها بمرجعيتها الثقافية المتعددة، إذ يبدو عالمها الروائي غنيا بالشخصيات المعبّرة عن مختلف وجهات النظر، ونستطيع أن نرصد تمظهر الآخر وتشكله اللغوي وعلاقته بالذات، من خلال الوضع الاجتماعي الذي عاشته الكاتبة وتجلى في جوهر الصراع بين الأنا وآخرها، وما له من انعكاسات على علاقة الرجل بالمرأة في مجتمع منغلق.
مختتما ورقته بقوله:" إن الكاتبة لم تقف بعيدة عن منطقة التابوهات في (حارة العور) وسواها و تبقى للآخر نظرته الخاصة والزاوية التي يقيس الأمور من خلالها.
تمثلات الذات
وحول تمثلات الذّات الأنثوية في روايتي «صابرة وأصيلة» و«حارة العور» قالت الدكتورة عزيزة الطائية: إن أبرز ما يميز روايات "غالية آل سعيد: تجاوز الطرح المعتاد، وتراتبية القضايا حول صراع المرأة مع الرجل جسديا ونفسيا، والتركيز على البنية النفسية للمرأة وما تحمله من ألم وخوف وقلق بخلاف الرجل، والحذر من الولوج بنية الجسد مما جعل الكتابة تفرض عوالم أخرى عن طبيعة الجسد، وتشكل المرأة اجتماعيا وتناميها وتصالحها وتجاوزها هيمنة الذكورة، وتبدو التطلعات والأحلام عن شخوصها أكثر قدرة على مغايرة المألوف.
ذاكرة الطفولة
وعرف الشاعر هاشم الشامسي بداية في ورقته حول "ذاكرة المكان والطفولة في حارة العور" بحارة العور" معرجا على التسمية التي قال: إن تسميتها قديمًا بسبب تجمع بعض فاقدي البصر في هذه المكان، نظرًا لقربه من المؤسسات الحكومية وأعيان المدينة طلبًا للحصول على المساعدة، "ويوجد بين باب المثاعيب ومسجد الخور مجرى وادٍ كانت الأودية تنساب فيه متجهةً نحو السد الصغير والسد الكبير في منطقة الطويان، وتنتهي في وادي العور الذي تعود تسميته بهذا الاسم؛ لأن السيد محمد بن هلال البوسعيدي جمع كفيفي البصر في هذا المكان وكان يرعاهم وينفق عليهم "مشيرا إلى أن المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه - أمر بتغيير مسمى حارة العور إلى حارة العود، ولكن المسمى القديم بقي عالقًا في ذاكرة الناس، و الحارة بموقعها الجميل والمهم نظراً لقربها من المؤسسات الحكومية وغيرها من المعالم التاريخية.
الثراء المكاني في الرواية
وأشارت الكاتبة شيخة الفجرية في ورقتها "الثراء المكاني في رواية حارة العُور" إلى أن نصوص روايات الدكتورة غالية آل سعيد تنطلق من ذاتيتها في التعبير عن الواقع، الذي هي في تماسٍّ معه، والذي كوَّنت منه فكرها، ونقلت عنه تراكماتها المعرفية، والتي ضمنتها سرديّاتها(رواياتها) الست، التي أتت في إطار السردانية، وانمازت رواية "حارة العور" بالثراء المكاني، تمثل هذا الثراء في الانتقال السريع من مكان لآخر، كانت الأماكن متباينة الثقافات، سواء كان في إطار دولة واحدة أو دولتين ذكرت إحداهن وأهملت الأخرى، ومعنى الثراء: الثراء هو الثَّرْوَةُ: كَثْرَةُ العَددِ من الناسِ والمالِ، ولَيْلَة يَلْتَقِي القمرُ والثُّرَيَّا، هذا مَثْرَاةٌ للمالِ: مَكْثَرَةٌ. (معجم القاموس المحيط). -أمَّا الثراء المكاني فيشير إلى كثرة الأماكن ذات الأحداث النوعية الفاعلة في الدفع بأحداث الرواية إلى التقدم والثراء.
وأكدت "الفجرية" أن منظورات الثراء في التجربة تكمن في الانتقال المتزايد لبطلة الرواية عبر الجغرافيا المتعددة، وانعطافات الأحداث حسب كل مكان، والتنويعات المكانية، بين الملموس والمحسوس، وأهمية المكان في صنع أحداث الرواية، إضافة إلى ارتباط الأسماء بالمكان. وحول "الملموس والمحسوس ثيمة المكان في رواية حارة العُور" قالت الفجرية: احتكمت الدكتورة غالية إلى المكان العُماني، في صيرورته الإبداعية التي تجَلَّت في "حارة العُور"، فبدأت من عُمان، التي لطالما تردد اسمها في قصائد أشهر الشعراء العرب منذ الجاهلية، وأشهر شعراء العصر العباسي، وقطبي عصر النهضة.
وفي الختام تحدث الكاتب سلام الكندي عن ذكرياته في حارة العور معرجا على الماضي والفني والعلمي لها وإنتاج الحارة من الممثلين والكتاب والفنانين إضافة إلى بعض المشاهد التي رافقت ذاكرته في تاريخها السياسي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: کتابة الروایة أن الروایة فی روایة فی حارة من خلال من قبل
إقرأ أيضاً:
يوسا وأسئلة الرواية
فـي إحدى مقابلاته الصحفـية، التي أجريت معه بُعيد صدور أعماله الروائية الكاملة فـي سلسلة «لا بلياد» الشهيرة، اعتبر الكاتب البيروفـي ماريو بارجاس يوسا، (الذي غيبه الموت قبل أيام)، أن الأمر بالنسبة إليه يساوي جائزة نوبل للآداب، وبخاصة أنه جاء وهو على قيد الحياة، (مثل قلّة قليلة من كتّاب العالم).
فكما هو معروف عن هذه السلسلة التي تصدرها «دار غاليمار»، أنها لا تنشر أعمال أي كاتب إلا بعد رحيله بعقود، معللة ذلك بـ«حكم الزمن»، بمعنى أن الزمن لا بدّ أن يقول كلمته ليبقي الكاتب الحقيقي، وليبعد الكاتب الذي لا يستحق البقاء والتذكر إلى دهاليز النسيان. ناهيك عن أن طباعة هذه السلسلة تكون عادة على الورق التي تطبع عليها الأناجيل والتوراة، وكأنها ترغب فـي ذلك أن تزيد من «هيبة» الكتاب والكاتب.
كلام يوسا عن دخوله هذه السلسلة لم يأت من فراغ، بل له أهمية خاصة جدًا، إذ إنه حافظ دائمًا على علاقة وثيقة بالأدب الفرنسي الذي اكتشفه عبر الترجمات فـي طفولته. وكان فـي السابعة عشرة من عمره، حين أصبح قادرا، بفضل الدورات اللغوية التي تلقاها فـي المركز الثقافـي الفرنسي فـي ليما، على قراءة الأدب الفرنسي بلغته المباشرة.
لكنه فـي باريس الستينيات، فـي عصر الفوران الفكري، تابع عن كثب أسئلته، من الوجودية -(حيث لم يُخف يوما أنه بدأ حياته الفكرية متأثرًا بسارتر، قبل أن يبتعد عنه بعد عقود إلى الأبد)- إلى البنيوية، بما فـي ذلك الرواية الجديدة التي لم تكن تربطه بها أي صلة (ربما باستثناء كلود سيمون وناتالي ساروت)؛ ففـي باريس أدرك حقًا مهنته ككاتب من خلال إكمال روايته «المدينة والكلاب» ومن ثم عمله على كتابة «البيت الأخضر» استنادًا إلى ذكريات المراهقة.
ولكن ما هي الرواية؟ ماذا تعني كتابة الرواية بالنسبة إلى ماريو بارجاس يوسا؟ لا يمكننا أن نفهم فعلا أي شيء عن عمله الأدبي، إن لم نسأل أنفسنا هذا السؤال الأساسي منذ البداية.
فبالنسبة إلى يوسا، ليست الكتابة عملاً عاديًا، أو تحويلاً للعقل، بل هي التزام كامل من جانب الكائن، بجسده، وعواطفه، وأفكاره، ومن المهم أن نلاحظ أنه منذ البداية اتخذ من فلوبير مثالاً له، على الأقل فـيما يتصل بأسلوب عمله. إذ كان الأمر بالنسبة إلى فلوبير بمثابة نوع من الزهد الذي يتطلب، قبل كتابة الرواية، تحضيرات طويلة، وتدوين ملاحظات، والتحقق من الموقع، وصولا إلى أصغر تفاصيل الأماكن التي من المفترض أن تتطور فـيها الحبكة. فكتابة رواية تتطلب عدة سيناريوهات، عدة نسخ يتم تقليصها فـي النهاية إلى نسخة واحدة، تم تقليمها إلى حدّ كبير، وإخضاعها للاختبار الشفهي لـ«الفم» الذي سيخرج منه العمل النهائي.
إلى هذا المستوى من المتطلبات كان يرتقي يوسا بممارساته الكتابية. فمفهومه للأدب يتطلب منه أن يستثمر نفسه بالكامل من خلال عمل طويل و«ضميري». وكما هو الحال مع فلوبير، فهو لا ينتظر الإلهام ليأتي إليه: بل يذهب للبحث عنه، بمزاجه الناري وإحساسه «بالباروكية»، فـي قتال وثيق مع العمل أثناء تطوره. ولكن بينما كان فلوبير يعمل فـي منزله، جالسًا إلى طاولته المستديرة فـي مكتبه، كان يوسا يواصل فـي كثير من الأحيان كتابة نفس الرواية فـي أماكن مختلفة، وأحيانًا فـي بلدان مختلفة. لا يزعجه هذا التنقل الجغرافـي. أينما كان، لديه مكانه: إنها الرواية التي يكتبها، والترحال الذي يعيشه فـي أماكن أخرى لا يمكن إلا أن يثري عمله بجوانب وحكايات جديدة.
تشبه قراءة يوسا دخول نوع من غابات الكتابة فـي الأمازون، زاخرة بكل معنى الكلمة، حيث يتشابك الزمان والمكان فـي شبكة معقدة، أشبه بمتاهة خيط أريان (كما فـي الأسطورة اليونانية) الذي يشكل أسلوب الكاتب. بالنسبة إليه، الرواية هي المكان الذي يتم فـيه التعبير عن كل الاحتمالات، وربما حتى المستحيل. انطلاقًا من الواقع، أو من واقع مفترض، يستطيع الكاتب أن يطلق العنان لخياله، وأن يلعب على العديد من المؤامرات ويكسر الأنواع، وأن يضاعف وجهات النظر والمنظورات، كما علمه قراءة فوكنر، ولكن بحرية أكبر، حرية شبه كاملة.
إذا كان هناك سحر فـي الرواية، فهو فـي قدرتها على التوفـيق بين السرديات والأوصاف والحوارات فـي الكتاب نفسه، لتكون صورة للحياة فـي جوانبها المتعددة، وهذا بالضبط ما يطبقه يوسا فـي كتبه؛ يستمع إلى «شياطينه»، ويستغل الفروق الدقيقة ويستكشف مسارات جديدة، وكل ذلك يحمله أسلوب متوهج هو العلامة التجارية للكاتب. شخصياته هي كائنات من لحم ودم؛ نحن هنا فـي المادة الإنسانية والاجتماعية لعالم لديه خبرة ملموسة فـيه بفضل مهنته السابقة كصحفـي.
ومع ذلك، سيكون من التقييد وحتى الخطأ أن نقول إن رواياته «واقعية»، ورغم أنها تستحضر بالفعل مواقف أو ذكريات حقيقية، فإن المؤلف يعيد اختراعها من خلال الخيال ويعيد بناء واقع آخر، الذي وعلى الرغم من أنه معقول وحيّ، إلا أنه خيال. قد يكون «كذبة» بطريقة ما، إلا أنه يصبح مكانًا للحقيقة التي تكشف، من خلال كثافتها الأدبية، عن الطبيعة الحقيقية للواقع، طبيعة دكتاتورية أودريا، على سبيل المثال، فـي محادثة فـي الكاتدرائية.
تتمتع أعمال يوسا بجاذبية كونية. تُرجم إلى عدة لغات بعد صدور كتاب «المدينة والكلاب». لا يمكن أن يكون الأمر غير ذلك. طبيعته تقوده إلى العالمية. ولنتذكر أنه قضى طفولته فـي بوليفـيا وشمال بيرو، وأن الكتب التي قرأها فـي منزل أجداده وأعمامه كانت تُترجم عمومًا من الفرنسية. وعندما كبر، عاش فـي عدة بلدان يتحدث لغاتها بطلاقة، وبدافع من الفضول الفكري الذي لا يشبع، أصبح مهتمًا فـي وقت مبكر جدًا بالكتاب الأوروبيين والأمريكيين العظماء. ومن خلال هذه الرحلة إلى ثقافات أخرى، فـي نوع من الغرابة الفكرية التي تعود إلى الوراء لتسليط الضوء على أصوله الخاصة، نراه يعيد اختراع رؤيته لوطنه الأصلي وسوف يكتشف حقاً، كما كتب هو نفسه، أمريكا اللاتينية ويبدأ فـي الشعور بأنه أمريكي لاتيني.
تدور أحداث معظم كتبه فـي هذه المادة الوفـيرة الموجودة فـي أمريكا الجنوبية، ومن هنا على وجه التحديد تستمد هذه الكتب عالميتها. ولكن لا أحد يستطيع أن يقول ذلك بشكل أفضل من فارغاس يوسا: «علمتني فرنسا أن العالمية، وهي سمة مميزة للثقافة الفرنسية منذ العصور الوسطى، بعيدة كل البعد عن كونها حصرية لتجذير الكاتب فـي المشاكل الاجتماعية والتاريخية لعالمه الخاص، فـي لغته وتقاليده، بل على العكس من ذلك، فقد تعززت بها، وشحنت بالواقع».