عمان- “رأي اليوم”- خالد الجيوسي: تتّخذ العربيّة السعوديّة وضعيّة “التحدي” لحليفها التقليدي الأمريكي، وفيما يبدو توجه اشارة للجميع بأنها بدأت تنقلب عليه تماماً، مع مُواصلة إصرارها على خفض إنتاج النفط بالتعاون مع موسكو، والميْل تُجاه روسيا والصين، ورفض التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بإصرارٍ ملموس، وشرط تحقيق الدولة الفِلسطينيّة، وصولاً لعودة التأكيد على مكانتها الدينيّة، وقيادتها للعالم الإسلامي، ورفضها تغيير الفِطرة، والتطاول على الشريعة الإسلاميّة، حيث تجلّى موقفها حين استدعت السفير السويدي رفضاً لحرق المُصحف.
ثمّة مشروع أمريكي فيما يبدو، لنشر الشذوذ الجنسي في العالم، وظهر ذلك واضحاً، حين أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، بأن بلاده أمّة مِثليّة، مُعلناً دعمه للشواذ بأكبر حفل في البيت الأبيض، وتعيينه مسؤولين “شواذ” في إدارته، بل وسعي إدارته لفرض عُقوبات اقتصاديّة على الدول التي ترفض الشذوذ الجنسي، كأوغندا، التي وضع رئيسها موسيفيني عقوبة للشواذ تصل إلى حد الإعدام. من المسجد الحرام، ومن أقدس بقاع الأرض، ترد السعوديّة على هذا المشروع فيما يبدو، وتُؤكّد على لسان خطيب وإمام المسجد الحرام الشيخ فيصل غزاوي، بأن المثليّة الجنسيّة مُخالفة للطبيعة البشريّة وللدين. وفي رَدٍّ مُباشر على الترويج للشواذ وتقبّلهم في المجتمع، وأنه يجب على الجميع احترامهم، وعكس ذلك يدل على التخلّف، والتشدّد، وحمل أفكار مُتطرّفة، لا يبدو أن المملكة تتفّهم هذه الدعوات، وطريقها الانفتاحي، لا يعني أنها ستتهاون مع الشواذ جنسيّاً، وكان ذلك مرصودًا حين قال الشيخ غزاوي بأن المثليّة لا علاقة لها بالتطوّر، والحضارة، مُتوعّدًا الشواذ بالعقاب الإلهي الذي سيطالهم كما قال عاجلاً، أم آجلاً. ووصف الشيخ غزاوي المُنادين بمُخالفة الفطرة، بالمُعاندين لأمر الله، ويُخالفون فطرته، ويُغيّرون جنسه، مُضيفاً بأن
الله خلق الذكر والأنثى وميّز كُل منهما بخصائص وسِمات مُعيّنة. وقال غزاوي في خطبة الجمعة: “الله جعل الزواج بين الرجل والمرأة شريعة كونيّة، لكن اليوم يسعى البعض لتشريع زواج الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة، والزواج مع الحيوانات والتحريض على الانحراف الجنسي والشذوذ”، وهُنا يُهاجم الدول الغربيّة التي شرّعت زواج المثليين، ويضع بلاده في مصاف الدول الرافضة لهذه التشريعات الشاذّة، وأن لا زواج شرعي سوى بين الرجل والمرأة. وتابع غزاوي: أن من ينشرون هذه المفاهيم جعلوها تطوراً وحضارة، واتخذوا موقفاً عدائيّاً ممّن أنكر ذلك وعدّوه مُتخلّفاً ومُتطرّفاً، وبهذه العبارة الصريحة، وضع الشيخ نفسه وبلاده في الموقف العدائي مع الغرب، فهو يُنكر وبلاده الشذوذ، ولا يعنيهم أن يكونوا مُتطرّفين، إذا كانوا من الرافضين للشواذ، والشذوذ. ويبدو أن اختيار خطيب المسجد الحرام توقيت خطبته، كان مدروساً، وتزامن مع إعلان بايدن بلاده أمّة مثليّة، والحملات المُتزايدة على أرض الواقع وفي الإعلام، وعلى منصات التواصل الاجتماعي لنشر الشذوذ في العالم، فشعارات تظاهرات المثليين تحمل شعارات خبيثة تُخالف الفطرة، وباتوا يُعلنون في مسيرات الفخر كما يصفونها، بأن شُذوذهم سيصل للأطفال في المنازل، وهو ما يدل بأن المسألة تعدّت تبريرات حقوق الشواذ المزعومة، إلى نشرها، واعتبارها حقّاً مشروعاً، لا يُخالف الفطرة، والشرائع الدينيّة. وعزّر الشيخ هُجومه على المثليّة بالاستشهاد بالقرآن، والسنّة النبويّة حين قال الله تعالى الذي خلق البشر وجعلهم صنفين ذكرا وأنثى قد قرر فقال: ﴿وليس الذكر كالأنثى﴾ وهاجم المُتحولّين جنسيّاً بالاستشهاد بحديث للنبي محمد الأكرم حين قال في خطبته نصّاً: “ثم يأتي من يُخالف فطرته ويُعاند أمره فيسعى في تغييرِ جنسهِ الطبيعي، بأن يتحوّل الرجلُ إلى إمرأةٍ، وتتحوّل المرأةُ إلى رجلٍ، والنَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ فيما دون ذلك؛ فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: “لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالْمُتَرَجِّلاَتِ مِنَ النِّسَاءِ”. وفي هجوم حاد على دول الغرب قال خطيب الحرم بالنص التفصيلي: “إن هؤلاء المفترين منتكسي الفطر المبدلين لخلق الله قد أفلسوا روحيا وانهارت عندهم كل القيم الإنسانية والحضارية، وأصبحوا يعانون من أزمات أخلاقية ومشكلات اجتماعية، فلم يرق لهم أن يبقى المسلمون على أخلاقهم وآدابهم وسلوكياتهم المستقاة من الوحي المطهر والمتفقة مع الفطرة السليمة فقام بعضهم باستفزاز مشاعر المسلمين في كل مكان واستثارة غضبتهم، بشن حملات محمومة وأفعال عدائية معلنة متكررة ضد العالم الإسلامي بدعوى حرية الرأي. ولم يغفل خطيب الحرم عن حوداث حرق القرآن فقال مُنتقدًا: “وما حرق المصحف الشريف وامتهانه وتدنيسه والنيل من النبي الكريم صلى الله عليه وسلم والسخرية منه والطعن فيه والتشكيك في سنته إلا صورة من صور ذلك؛ فأظهروا بذلك حقدهم الدفين ضد المسلمين وأججوا نار الكراهية والعنف، لكنها كلها بفضل الله محاولات يائسة في الصّد عن سبيل الله وتشويه صورة الإسلام لا تلبث أن تعود عليهم بالخسارة والوبال. ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾. ولاقت خطبة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ فيصل غزاوي، تفاعلاً، وإشادة من روّاد التواصل الاجتماعي، واعتبروا أن ما جاء فيها هو الرّد الأمثل على دُعاة الشذوذ الجنسي، وجدارًا صلباً في وجه مُحاولات الغرب فرض الشذوذ تحت عناوين تجميليّة، ووصف الشاذ بالمِثلي، كما وتعبيرًا صريحاً وصارماً عن موقف الحُكومات الإسلاميّة والعربيّة، وعلى رأسها السعوديّة الرافض للشذوذ الجنسي، فليس أهم من منبر الحرم لإرسال رسائل للعالم صارمة وجادّة بذلك الخُصوص، وكما وتسمية الأسماء بمُسمّياتها، كما فعل الشيخ في خطبته حين وصف فعل الشواذ في العالم الحالي، بما قام عليه قوم لوط، الذين كما قال أتوا الفاحشة الذين لم يسبقهم بها أحد من بني آدم. وتُطرح تساؤلات فيما إذا كانت الدول الغربيّة قادرة على التصادم مع السعوديّة، والتلويح بفرض عُقوبات عليها، نظرًا لمواقفها العلنيّة المُتشدّدة ضد الشذوذ الجنسي، وتكرارها بشكلٍ صارم على لسان خطيب المسجد الحرام أخيرًا، والمُغامرة بمصالحها الاقتصاديّة معها، وهل تذهب المملكة إلى تشريع قوانين جديدة بما يخص الشواذ أكثر غُلظةً وصرامة، وفي توقيتٍ يذهب فيه القطيع الغربي أو حكوماته لاحتضان الشذوذ، وحجر مكان مُتقدّم له على ما يصفوه بسُلّم الحضارة، وتقبّل الغير. يُذكر أن الحكومة السعوديّة لا تعترف بأي حُقوق للمثليين، ويُنظر للمثليّة الجنسيّة والمُتحوّلين جنسيًّا على نطاق واسع على أنها أنشطة مُحرّمة حسب الشريعة الإسلاميّة، ويُعاقب القانون المُستمد من الشريعة الإسلامّية الأشخاص الذين يمارسون الجنس المثلي (وتعتبر ممارسة الجنس المغاير بزواج أو بدون زواج غير قانونيّة)، ويُعاقب القانون النشاط الجنسي المثلي وشهوة الملابس المُغايرة بعُقوبات قد تشمل الغرامات، والسجن.
المصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية:
السعودی ة
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: رحلة الإسراء والمعراج أخذت بيد النبي ليتجاوز عوالم المكان والزمان
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن رحلة المعراج هي إعجاز فريد خص الله سبحانه به سيد الخلق سيدنا محمد ﷺ ، دون غيره من الخلائق .، ففي لحظة لطيفة خاطفة ، صعد النبي ﷺ من المسجد الأقصى إلى السماوات العلا , ومنها إلى سدرة المنتهى ، وهو ما يعد كشفا كليا للغيب , وخروجا كاملا عن قوانين الأرض , وتجاوزا لا تستطيع بلوغه حواس الإنسان ومداركه.
وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أنه مما يجدر ذكره في هذه المعجزة الكبرى أنها أخذت بيد النبي ﷺ ليتجاوز عوالم الكون ومحددات الوجود , وهي عوالم الزمان والمكان والأشخاص والأحوال.
أما عالم الزمان : فقد طوى الله عز وجل لنبينا ﷺ الزمان بما لا تبلغه العقول ولا تستوعبه الأفهام ، إلا إذا أدركت تلك العقول نفحات من الإيمان.
وأما عالم المكان : فإنه ﷺ تجاوز كل مكان بلغه مخلوق , سواء كان مبيًا مقربًا أو ملكًا مرسلاً , حيث تجاوز السماوات السبع إلى سدرة المنتهى , إلى حيث شاء الله عز وجل ، بما لا عين رأت , ولا أذن سمعت , ولا خطر على قلب بشر.
وتجاوز أيضًا عالم الأشخاص : مع ما لهم من الحب والكرامة عند الله سبحانه , سواء كانوا أنبياء مرسلين أو ملائكة مقربين , بداية من آدم في السماء الأولى ، مرورًا بعيسى وموسى من أولي العزم ، حتى أبي الأنبياء خليل الرحمن إبراهيم. بل تجاوز الأمين جبريل ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين , حيث قال له نبينا ﷺ : "أفي هذا المكان يفارق الخليل خليله؟" فأشار جبريل إلى قوله تعالى: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ}.
وبخصوص عالم الأحوال : فقد فاق رسول الرحمة ﷺ كل المقامات , وبلغ أعلى الرتب والدرجات. فقد تجاوز مراتب المرسلين , ومرَّ على أحوال الملائكة المقربين الذين وصفهم الله بقوله : {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} . وقال ﷺ عن السماوات: "ما فيها موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم" ، ولم يتحمل سيدنا جبريل أنوار جلال الله تعالى , فترك رسول الله ﷺ يدخل على تلك الأنوار وحده , ويتلقى الوحي والعلم والفضل من الله عز وجل دون واسطة جبريل , ليفضل الجميع بما تلقاه في تلك الحال , ويتحقق تفرده كما قال سبحانه: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}.
ولقد ظهرت هذه المعاني كلها بعوالمها الأربعة في قوله تعالى:
{وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ المَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى}.