صباح بشير أن تكتب عن الشّعر فهي بلا شكّ كتابة وعرة قد لا تفي الشّعر حقّه، فالشّعر حمّال للوجوه والأبعاد، هو مرآة لذات الشّاعر وانعكاساتها، يولد من رحم قضايا الإنسان حاملا همّ البسطاء والفقراء، ينغرس مع سنابل الأرض في ترابها، ويعلو بالحرف ليسمو به فوق السّحاب. وكأنّ الشّعر وما فيه من كلمات إنما هو نور مخبّأ في جيب اللّغة، يمنح الشّاعر سرّ الحرف وسريرة الحياة.

“صبا الروح” هو العنوان الذي اختارته سلمى جبران لمجموعتها الشّعريّة الجديدة، التي صدرت حديثا عن الدّار الأهليّةِ للنّشر والتّوزيع (2023). تضمّ هذه المجموعة باقة من القصائد المتنوّعة في موضوعاتها الاجتماعيّة والإنسانيّة، طغت على أكثرها صبغة نسويّة، فبرزت قضيّة المرأة ومجموعة من القضايا المعبّرة التي تحثّ القارئ على الوقوف عندها. تتمثّل الرّؤية العامّة لهذه المجموعة في بعدين رئيسيينِ هما: البعد الفكريّ الفلسفيّ، والبعد الاجتماعيّ الإنسانيّ، وهما ينسجمان معا انسجاما تامّا، الأمر الذي كفل لهما درجة من العمق، كما اتّسمت اللّغة بالسّلاسة والوضوح، نجد فيها تعبير الحقيقة وتعبير المجاز والصّور المستعارة، مما يعكس أفكار الشّاعرة ورؤيتها الإبداعيّة، وسمات الأسلوب الرّومانتيكيّ في المضامين والأفكار. ولا أريد في هذه العجالة أن أحلّل أو أشير إلى مواطن الإبداع في كلّ القصائد، سأقارب بعضا منها لمعرفة أَوجهها الفلسفيّة والفكريّة. “صبا الرّوح” هي القصيدة الرّابعة، وعنوان الدّيوان الذي يوحي بجوهره، تتحدّث الشّاعرة في هذه القصيدة وغيرها من القصائد عن عمق الصّحوة الفكريّة والرّوحيّة التي عاشتها فتقول: هزَمَتْ فؤادي صحوةٌ صدَّتْهُ عن عرشٍ تفرَّدَهُ فقيَّدَني حنيني وتناسَخَتْ في منطقي روحٌ تغازلُ غايتي وتُعيدُ لي قلبًا تعمَّدَ فيهِ ينقذني ويهديني. وتتابع الحديث عن العمق الفكريّ الذي تستشعره فتقول في قصيدة مسار ذاتيّ (ص26): عُمقي يكبرُ تتباعدُ أطرافُهْ فتحلِّقُ روحي فيهِ يتوسَّعُ قلبي ترقُبُني أطيافُهْ وتقول في قصيدةٍ أخرى: وغدوْتُ أحيا في منافيَّ الكثيرةِ  صحوةً سادتْ بها روحٌ تُدثِّرُها وتحميها  فلا قيدٌ يراوِغُها  ولا كبتٌ ولا عارُ. لقد تعرّض الفلاسفة للأمور الحياتيّة والقضايا الإنسانيّة ونظروا إليها بعمق، تطرق سارتر إلى التّطور الفكريّ عند الإنسان فقال: إنّ فكر الإنسان هو ما يمثله، فهو لا يتّوقف عن التّطوّر الفكريّ طالما أنّه حيّ. وضّح أفلاطون أن ﺃﻋﻤﻖّ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺬّﺍﺕ ﻫﻮ الفكر، ورأى سقراط أنّ الحياة الخاليّة من التّفكّر والبحث والتأمّل لا تستحق العيش، أمّا نيتشه فقدّر التّفكير والتّفكّر، وصفه بالنشوة العارمة التي تصحو بالذّهن الإنسانيّ وتؤدّي به إلى الإبداع، و‏يرى الفيلسوف بيار دي شاردان أنّ الإنسان يبصر في روحه، ما لا يبصره بالعين المجرّدة. تظلّ الشّاعرة تنبش ما استقر في ذّاكرتها، تطلق العنان لخيالها، وتقتّنص من الشّعر لغة للحياة، تمرّ بمحطات كثيرة عبر تلك الصّحوة التي وصفتها، وتنثر بذور الأمل قائلة: لكنَّ الأملَ تعنّقَ عانقني، قوّى إيماني وحباني نُضجًا أروى عمري، ناجاني زرعَ الذاتَ الأخرى في عمقي واستنبَطَ عمقًا آخرَ للآتي تحفزّنا هذه السّطور على التّطلع إلى الأمام بدل النّظر إلى الخلف، فالأمل من الأفكار الحيويّة التي علينا التّمسّك بها، وهو طاقة دافعة للذّات نحو التّحرك والتّغيير. يقول الفيسلوف آرنست بلوخ: إنّ التّطوّر الذي عاشته المجتمعات الإنسانيّة ما هو إلا انعكاس للأمل، فنتائج اليوم على كافة المستويات العلميّة والثّقافيّة، ما هي إلا آمال الأمس ورغباته وتخيّلاته. المرأةِ في شعر سلمى جبران: تثير جبران قضيّة المرأة والمجتمع الأبويّ والفكر الذّكوريّ بجرأة، تتحدّث عن تجربة الأنوثة وأبعادها الاجتماعيّة، تدافع عن المرأة بشكل خاص وتسعى وراء الإنسان بشكل عام، تسير بالكلمة نحو قلب القارئ؛ فيشدّه انغماسها بروح التّمرّد على القمع والظّلم، وذاك ما نجده في إضمامة من القصائد التي تلاقت بجملة من الوسائل التّعبيريّة؛ فشكّلت لوحات شعريّة متجانسة، تقول في قصيدة وهم الرّجولة (ص8): فيروحُ من كاشَفْتهُ يندسُّ بينَ الخافقَيْنِ، ويعتلي وهمًا تكدَّسَ في رجولتِهِ وعلَّمَهُ الرِّمايَةَ سهلةً فَرَماني أُنثى تغمَّدَها عرينُ محبَّةٍ واستلَّها عُمُرٌ، ونُضجٌ فائقٌ كَسَحَتْ به وهمَ الرُّجولةِ أسقطتْهُ من حساباتِ المكانِ ومن حساباتِ الزَّمانِ! للوقوف على هذا المعنى وتجنّب الخلط بين الرّجولة والذُّكورة، فالذُّكورة هي النّوع الجندريّ أو الجنوسة، أمّا الرّجولة فهي الأخلاق والمواقف، الفكر والسّلوك، والرجل وطن تسكنه المرأة بأمان واحترام، وهذا ما تقصده الشّاعرة فكتبت تقول عن شبح الرّجولة (ص7): شبَحُ الرّجولةِ يُغرِقُ الكلماتِ في كلماتي ويُغيظُ فيَّ أُنوثتي  ويُعيدُ لي ذاتًا بذاتي ويُثيرُ ذاكرتي ويُعمي حيرَتي ويُثيرُ أسئلتي مُردِّدَةً: كيف استطاعت.. حِقبةٌ قَبليّةٌ، بسوادِها وبِجهلِها وهْبَ المعاني كلِّها، تخليدَها  توريثَها لذكورةٍ قيَمًا، تُرفِّعُها على عرشِ الحياةِ. وتقول في قصيدة ثانيّة بعنوان “بين فكّيّ القبيلة” (ص62): هلّا يعاتِبُني الزمانُ على انتزاعِ قضيَّتي من بينِ فَكّيِّ القبيله وعلى نجاتي من قيودٍ أقحَمَتْ روحي بهاوِيةٍ ذليله فأنا حميْتُ درايتي من عتْمِ لا وعيي ومن قَسَمٍ تقادَمَ عهْدُهُ ما اخترتُهُ، فتراجَعَتْ كلُّ المطامِحِ فيَّ واخترْتُ أن أبقى بعيدًا عن صلاتِ الرحْمِ يعبَقُ في حياتي مطمَحُ الحرّيّه! تنقلنا سلمى لتلَمُّس الحريّة في أفق الشّعر والتمرّد على السّائد من الفكر البّائس، تقول (ص60): فكَفَرْتُ بالبنتِ الخجولة  بل كنتُ أنعاها بروحي كلَّما كسَرَتْ جناحيَّ القبيلَة! تتحدّى الشاعرة بلغتها المتمرّدة على السّاكن الرّاكد، وتنشغل ببناء صورة أخرى من لغة وألم كامن، فتفرد عنوانا مستقلّا لموضوع قتل النّساء على خلفية الشّرف، تقول في قصيدة قرويّة (ص70): نرفُضُ عُرفًا فنعاني نختارُ قيودًا فنُعاني نقبَلُ بالقَيْدِ قضاءً، فنُعاني لكنَّ القَدَرَ تنكَّرَ، وتغاضى عن قتلٍ وتصالَحَ مع روحٍ، تحيا في الكَوْنِ وحيده. تكتب أيضا عن اضطهاد المرأة فتقول (ص41): كلٌّ يجرِّبُ حظَّهُ، في قهرِ من رَفَضَتْ  طريقَ الزيفِ والتّعتيمِ عندَهُمُ كلٌّ تعدّى حدَّهُ وأبانَ نابًا لامعًا  حينَ ارتدى وجهًا أليفًا، يقتنيهِ الدّرهَمُ! لقد أثبتت المرأة قدرتها على مواجهة التّحديّات، فثمّة إنجازات كبيرة وصلت إليها على كافة الأصعدة، لكنّ صورتها ما تزال أقلّ شأنا من صورة الرجل في كلّ المجتمعات الذّكورية، وذلك ما طرحته د.نوال السّعداوي في كتابها “المرأةُ والجنس”، وما ناقشته أيضا فرجينيا وولف – رائدة الأدب النّسويّ- في كتابها “غرفةٌ تخصُّ المرءَ وحدهُ”، وما تحدّثت به الفيلسوفة الوجوديّة سيمون دو بوفوار في كتابها “الجنس الآخر”.                 صراعات الحياة: تصور أيضا المجتمع بكل تناقضاته، وتعبّر عن حاله البّائس بإيجاز وكثافة؛ تتحسّس الجوانب الواقعيّة الحيّة التي نعيشها، تجمعها بحرارة التّعبير الحرّ، فنستشعر الصّدق في وصفها عن حالة الخراب الإنسانيّ التي أصابت مجتمعاتنا تقول (ص48): حُزْنٌ وحِقدٌ واندفاعٌ زائفٌ وتسلّقٌ يبغي الوصولَ، فلا يصُدُّ مُرادَهٌ عجزٌ ولا يثنيهِ عن غيٍّ جمودٌ أو جحودٌ أو قرارُ كلٌّ يردِّدُها مآربَ عصرِنا ويُحيلُها لُغزًا تَقاعَسَ فهمُهُ وتصف صراعات الحياة (ص55): طِفلٌ يركُضُ خلْفَ رغيفٍ ورغيفٌ يركُضُ خَلْفَ الطفلْ العالَمُ يجري يرقُصُ خَلْفَ الأشباحْ وأنا أتحدّى فيَّ القَهْرَ أُغالِبُ نفسي كي أبقى في الظلْ والشمسُ تُعانِدُ وتُشاكِسُ لم تنسَ الشّاعرة أن تعرّج على ظاهرة الجهل المجتمعيّ، تحدّثت عن دوافع الجهل عند الجاهل وقبوله بالجهل خوفا من التّغيير، ظنّا منه أنّه بذلك يحمي نفسَه فكتبت (ص88): وأُعاوِدُ بحثي عن أمَلي المسجون أترجّى أنْ يرقى فهمي لكنّي أدرَكْتُ بأنَّ الجهلَ كفيلٌ أن يحميني! بحسب الفيلسوف باسكال فإن الوعيّ هو الميّزة التي تعلو بالإنسان، وقد عبّر نجيب محفوظ عن ذلك فكتب في رواية خان الخليلي: فتش عن السّعادة الحقّة، على ضوء العلم والعرفان. وفي نظر الكاتب فريديريك لونوار فتكمن راحة الجاهل وسعادته في غياب التّفكّر في أمور الحياة.          الأنا الفلسفية: نلاحظ البعد الفلسفيّ في المفردات والكلمات التي تدعو إلى الشّرح والتّأويل، هناك تركيز على مفردة “الأنا الفلسفيّة” التي تتّسم بها الذّات المفكّرة، التي وظّفت في بعض القصائد؛ لتضع القارئ على ناصيّة التّفكير والتّأمّل، وأذكر هنا بعض الأمثلة التي جاءت في مواقع مختلفة: فأنا أُحبُّ حرارةً تعلو دمي. وأنا أعفو عنهُ. وأنا تهجُرُني لاءاتي. وأنا أمشي أحملُ عنها كلَّ همومٍ. وأنا أتحدّى فيَّ القَهْرَ. وأنا أبقى في صمتي. وأنا أتشبَّثُ بدقائقَ من نورٍ أعْشَقُها فأنا حميْتُ درايتي من عتْمٍ. يتحدّى فيَّ أنايَ المُفْعَمَةَ بمأساتي. ويغيظُ أنايَ الأخرى، أبكيهِ فيبكيني. وأنايَ تنوءُ بأحمالٍ، أثقَلَ من ظُلْمٍ وأمرّ. نلمسُ الوضوح في هذا الخطاب الشّعريّ الذي يوظف الذّات الفلسفيّة ويفسّر ارتباطها الوثيق بالآخر؛ ليظهر خوالج النّفس المعبّرة عن المواقف والمشاعر المختلفة، فذات الانسان تعكس ما بداخله وتمثّل وجهته في الحياة، ونظرته إلى نفسه ومدى تأثّره بالبيئة المحيطة. يعتبر “سقراط” أنّ الذّات هي قلب الوجود وهوية الإنسان، ودليله في التّفريق بين الصّواب والخطأ، وأنّ ذات الفرد هي روحه، ويرى “أفلاطون” أنّ ذات الإنسان تتجسّد بالعقل الذي يحكم روحه، ويعتبر “ديكارت” أنّ الذّات جسد مادي وعقل مفكر، وهي تتصل بوعيّ الإنسان وتفكيره، وهذا ما ترسّخهُ مقولته الشّهيرة “أنا أفكر إذن أنا موجود”.             فلسفةُ العبثيّة والوجوديّة: تتحرّر الشّاعرة من محيطها لتنعتق في ظلّ الحرف، تمدّ يدها إلى حيث تولد الكلمات، فلا تهجر إغواء اللّغة وجمال القول الرّشيق، توثّق أحاسيسها وتصوّر آفاقها، وتبحر عميقا في رحلة مع الذّات، فتكتشف عبثيّة الحياة وتعود محمّلة بالرّؤى والشّعر، تقول (ص 103): أبحَرْتُ عميقًا في روحي وبدأْتُ أُحاورُها كي أفهَمَ ما كانَ يُغطّي عينيَّ وأحيانًا يُعميني فوجَدْتُ حياتي غارقةً في عَبَثِ وجودي تدخل الشّاعرة هنا إلى عالم العبثيّة، فهي لا تنفكّ تبحث عن حقيقة الوجود ومعنى الحياة، وكون الشّعر حالة إبداعيّة حرّة تنقل فكر المبدع ورسالته، من هنا تختار ما يناسب رسالتها من اللّغة؛ لتجسّد رؤيتها إلى الحياة، فتقول (ص 24): هيَ طفرةٌ هذي الحياةُ فلا يُضلِّلُني مداها هيَ طينةٌ نُفِخَتْ بها روحٌ فأحْيَتْنا وأحيانا ثراها هيَ جمرةٌ ترتاحُ تحت رمادِنا لا تنطفي فتُحيلُ كلَّ زماننا الآنَ وتفضُّ عنهُ رمادَنا وتلوحُ فوقَ أديمِها تجذو بلَمْسِ هوائها ليعيشَ فينا حُبُّها وهواها. وتعبّر عن مشاعر الاغتراب والاستلاب التي تعتريها، فتقول في قصيدة “عبثُ الوجود” (ص 28): عبثُ الوجودِ يُحيطُ بي ويصدُّني ويُحيكُ لي مَهْجَرْ فأعيشُ يحضُنُني اغترابي يسترِدُّ شقاوَتي فصغائري تكبُرْ عُمُرٌ يعايشُني ويقتصِرُ السِّنينَ فيستقي منها الحنينَ ويغتني حُلُمي ويزيدُني عَبَثيَّةً ويُعيدُ طيفَ طفولتي متمرِّدًا ومُحاوِرًا قَلَمي هل لي بلحظةِ نشوةٍ أن ترتقي وتُثير بي لحنًا تخَمَّرَ هازئًا برصانتي ومُكَفِّنًا عَدَمي؟ في قصيدة اللاشيء تقول (ص30): قد غِبتُ في اللاشيءِ يحكُمُني ويرصُدُ لي زماني  في غياهِبِ لازماني وعشقتُ أمكنةً تعاينني وتفقه صحوتي في لامكاني. تقدّم هذه القصائدُ صورا كفكاويّة؛ لتبقى مفارقة الوجوديّة والعبثيّة من الأفكار التي تثري الدّيوان، فتجسّد المعنى الفلسفيّ وتخاطب عقل المتلقّي ووعيَّه، وتشدّه إلى فضاءات النّور والدّلالات التي تسقطها سلمى على رّؤيتها الشّعريّة، تلك التي لا تريد لها أن تتلوّث بالواقع، الذي وصفته في قصيدة أرواح عاريّة فقالت: أرواحٌ تتغشّى بسوادٍ تتستَّرُ فيهِ تتنقَّلُ بينَ قصورٍ ولَّتْ منذُ دهورْ لا ترجو عَوْنًا من ربٍّ بل تطلُبُ من كلِّ النّاسِ بأن تحسبها ربَّ العَوْن. ولا تفتأٌ جبران تعرّي الواقع وما تراكم عليه من صدأ الأفكار، تصبّ عليه لهيب غضبِها، فتصّور بإدراك واقعنا الفجّ، تعبّر عن استيائها قائلة (ص37): غضبي تفجَّرَ حينما اختلَطَتْ ينابيعُ المشاعِرِ في دمي وتضوَّعَتْ كلُّ المعاني في حروفي وانبَرَتْ عبَراتيَ الثَّكْلى تصارِعُ مبْسَمي            الحزن والتّجلّيات الرّوحانيّة: وبشعريّة شعوريّة تفصح عمّا يثير انفعالاتها تجاه الفقد والذّكريات الحزينة، فتذكر الموت قائلة (ص39): الموتُ يُحدِّقُ بي من كلِّ زوايا الكوْنْ فيعيشُ يراقِبُ كلَّ مَرافِقِ روحي، يركُضُ يلعَبُ ويزاحِمُني، يغلبني يتحدّى كلَّ مجالاتِ حياتي يكشِفُ أينَ اختبأتْ أحلامي ينتظرُ الأمَلَ، يُحوِّلُهُ ألَمًا يَنتزعُ البسمةَ من قلبي يتجلّى هاجس الموت واضحا في بنيّة الكلمات، تقول أيضا(ص31): أحياهُ ظِلًّا يحياني ألقاهُ يهزَأُ من قَلَقي يرعى صحوي يُحييهِ ويُعتِّقُ ماضيَّ فيجرعهُ خمرًا يُسكِرُهُ ويُعرّي فيهِ خُمولًا يتضوَّرُ خَجَلًا منّي، يهرُبُ، يتركُني لجُنوني أَنعمُ فيه وأُعانيِ. يتعاظم البوح في هذا الجمع بين الحياة والموت، ينمو بين الحياتيّ والغيبيّ، فهذا النّصّ الشّعريّ يواجه عبثيّة الحياة بفكرة الضّرورة الأنطولوجيّة بحسب رؤية سارتر، الذي يرى أنّ الموت شأنُه شأن الميلاد فيقول: إن كان من العبث أن يولد الإنسان، فمن العبث أيضا أن يموت. الفيلسوف الوجوديّ جابريل مارسيل يرى أنّ كلّ إنسان هو لغز أنطولوجيّ، ولا بدّ من الوعيّ بهذا اللّغز لمقاومة اليأس النّابع من مواجهة الموت. أما ألبير كامو فيشبّه الموت بالعدم، ويظهر ذلك العدم في روايته “الغريب” بالإنسان العدميّ العاجز أمام قوانين الحياة، ويقول: إن حتمية الموت تضيف على عبثية الحياة وزنا إضافيّا. تظلّ سلمى تتأمّل في ملامح نموّها الرّوحيّ، وتتفكّر في طبيعة الحياة، فتصوغ الكلمة وتنصهر معها، وتحلّق في عوالمها بصمت، فتكتب: صمتٌ أعقَبَهُ صمتٌ وتبدّتْ آياتٌ في أعماقِ الكوْن تحكي صامتةً عن ريحٍ تُسقِطُ أزهارًا وثمارًا غابت عنها آثارُ اللون في هذا الصّمت صورة إيمائية تجريديّة الألوان، تشي بفضاء واسع للتّخيّل، فالصّمت صلاة وتَدبّر، تعبير وشعور، وهو من الأفكار التي تستحوذ على قريحة الشّعراء برمزيّته وأسراره وغموضه. يقول “آينشتاين”: الكون مدعاة للتّأمّل والأصوات تكسر الصّمت، والتّنوير يعبّرُ عنه. أمّا الفيلسوف “بيكار” فيشرح الصّمت على أنّه اللّامرئيّ الحاضر، يتفوّق على كلّ الصّخب والضّجيج؛ ليعيد الأشياء إلى كمالها وسّكونها.                    الحبّ والتّجربة: يقول ديكارت: الشّعر عطاء روحيّ جيّاش، لا نِتاجَ تعلُّم. وسلمى شاعرة تكتبها القصيدة بنبض طوعيّ، تتنازع فيها الحياة والموت، فيعلو شأن الحياة ويتسامى فيها الحبّ، تنجو من وسواس الخوف وقهر المجتمع في قصيدة عقود الخوف (ص83)، وتترك الصّخب لأهله وتعتزل في قصيدة سفر العزلة (ص92)، تسكن إلى ملاذها لتعيش لحظات التّجلّي الرّوحيّ في قصيدة نفسي تعيى، وتترك حرفها المشحون بالغضب بحثا عن الهدوء والسّلام، فتستشعر الاكتفاء وشفافيّة الحبّ، ويعلو صوت القلب، تقول (ص21): يأخذُني حبُّكَ حيثُ يشاءُ ولا أدري هل أخطو نحوَ خميلةِ حُبّي أم أجري؟ عطَّرْتَ حياتي حينَ اختارَكَ لي قلبي وكياني أشرقَ فرحًا لم أعرفْ أنّي بوجودِكَ أتصادَقُ مع قَدَري. نجد الحبّ حاضرا في الدّيوان لا ينفك يغادر، فالشّعر وصف للحظة شعور، والقصائد تؤكّد ذلك، تكتب(ص22): إنّي عشقتُكَ فامّحَت من خاطري صُوَرُ الرِّجالِ وتفتّحَتْ في داخلي سُبُلُ الحياةِ وأشرَقَتْ نورًا يُضيءُ بصيرتي وخيالي أحبَبْتُ نفسي فيكَ فانفجَرَتْ ينابيعُ المحبّةِ في دمي فهَجرتُ مالي واكتفَيْتُ بما لي. نعم إنه الحبّ، تلك الحكاية الشّغوفة بجمالِ البوحِ وعفويته، تحوّل العاشق بريئا يختزل سيلا من الحكايا والفرح، ولفرط جمال الحلم، يظنّه العاشق حقيقة؛ ليصحو من غفوته متجرّدا منهزما إلا من خيبته، لكنّه بعد التّجربة يغدو صلبا، أكثر عمقا ووعيا، وذلك بعد أن تتراءى له الصّورة الأوفى والأكمل. تصف الشّاعرة تلك الحالة وتكتب عن فرح البداياتِ في أيّ علاقة جديدة، تلك التي تنطوي عادة على قدر كبير من الدّهشة، فتمنح العاشق طاقة وإقبالا على الحياة، تقول في قصيدة الحبّ الفجّ (ص5): أدخلَني روْضًا أغناني عن كلِّ رياض الدُّنيا وحباني أمَلًا وورودًا وكُرومًا يتبخْتَرُ فيها الحُبُّ ويَسْطَعْ وتتابع إلى أن تقول: فتدافَعَ نحوي موْجُ حياتي وتَحَوَّلَ حُبّي مِحرابًا ومُصَلّى وقضيّهْ وغدوْتُ أُكابِدُ بُعدًا عن روحي واُصارِعُ ظِلًّا يغمُرُني ويحوِّلُ كُلَّ حياتي جزءًا من آخَرْ فاختلطَ الضّامِرُ فيها بالظّاهِرِ فِيَّ تَحَوَّرَ لوْني وتبدَّدَ فيَّ بريقٌ أعماني فتجدَّدَ بَصَري، لأرى طفلةَ عُمْري تتعافى، تتنامى تركُضُ خلفي وأمامي وتُعيدُ الرّوحَ إليَّ من وجهة نظر فلسفيّة، لا يمكن التّعبير عن الحبّ منطقيا أو إدراكه بالعقل، فهو لغز غير قابل للتّفسير، يشبه إلى حد كبير تجربة صوفيّة. يعتبر سقراط أنّ سّعادة الحبّ تتمثّل بالجمال والخير، ويكتب الأديب المسرحيّ أريستوفان: لا يكفي أن يكون المحبوب هو النّصف الآخر كي نحبّه، فعلى هذا الطّرف أن يكون خيّرا ومتفهّما، وإلا فسينتهي الارتباط إلى السمّية والأذيّة.             الأسئلة ودلالة المعنى: في مواضعَ كثيرة نجد بعض الحيرة والتّساؤلات التي تُقدم من الشّجن الكثير، ومن الشّعور بالفقد والضّياع الذي رافق الشاعرة، فكتبت (ص46): واعترتني حيرةٌ فتفجَّرَتْ فيها سؤالاتي تُوَلِّدُ ضجَّةً في محجري وتحوَّلَتْ لُغةً تُحاكي كُلَّ أيّامي وتحكي قصَّةَ القلقِ الدّفينِ بخاطري وتُطرَحُ هنا بعض الأسئلة؛ لتغدو المفردات أكثر إیحاء وانزیاحا، فتدفع القارئ إلى الوقوف على دّلالة السّؤال، ولعلّ أصل المفاهيم الفلسفيّة سؤال يتبعه سؤال، مما يفضي إلى البحث والوقوف على أسرار الحياة، أمّا منبت السّؤال فهو الفضول أو الدّهشة التي تولّد المعاني. تُطرح الأسئلة في أكثر من موضع، أذكر منها: حتّى متى سأظلُّ تائهةً؟ هل لي بلحظةِ نشوةٍ أن ترتقي، وتُثير بي لحنًا تخَمَّر؟ هل أخطو نحوَ خميلةِ حُبّي أم أجري؟ هل أعشَقُ الغياب؟ هل يحتويني حُبُّهُ؟ هل أنحني وأنطوي؟ هل أستجيرُ بالنّوى وأهجُرُ العِباد؟ هل يحتويني حُبُّهُ؟ هل أُدْمِنُ الحياةَ في غُروبِها؟ كيف استطاعت حِقبةٌ قَبليّةٌ، بسوادِها وبِجهلِها، وهْبَ المعاني كلِّها، لذكورةٍ تُرفِّعُها على عرشِ الحياةِ؟ إنّ الحكاية هنا ليست في طرح الأسئلة، وإنما بما يتوارى خلف تلك الأسئلة من الدّلالات، وما تقتضيه من الوعيّ والإدراك، فالاستفهامُ المجازيّ لا يسعى إلى الإجابة، وإنما إلى الدّلالة التي تثيرها الصّيغة الاستفهاميّة بأسئلة في الوجود أو العدم، أو في الحضورِ والغياب، وكأنّي بالشّاعرة تؤكّد أنّ الشّعر رفيق مجيد في سرد أسرار الحياة. وبعد.. تنطوي هذه المجموعة على قدر من الصّور الحيّة بأصواتها وإيقاعاتها، تسير بين فلسفة التّأمّل وشجن الإنسان، وتدعوا إلى التّمرّد على السّكون والرّكون إلى العتمة، وإلى التّحرر من القيود التي تحدّ من انطلاق الرّوح وإدراكها لمكنونات الحياة، وإلى تحرير النّفس من أغلال الفكر؛ لتَلِج إلى عوالم النّور وقد عرفت طريقها، إذ لا حائل هناك يحول بينها وبين الرّؤى، فالنّور نقيّ صاف، والحواجز المغلقة تتهاوى أمام النّقاء والصّفاء.  أبارك للشّاعرة سلمى جبران هذا الإصدار، وأتمنى لها التّوفيق والنّجاح. – ورقة مقدّمة إلى نادي حيفا الثّقافي.

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

مرايا الوحي.. حكايات المحاضرات الرمضانية للسيد القائد “المحاضرة الأولى”

يمانيون/ مراد شلي

مرايا الوحي: حكايات المحاضرات الرمضانية للسيد القائد . ( تجسيد المحاضرات الرمضانية كـ”مرايا” تعكس أنوار المعرفة الإلهية بطريقة السرد الروائي )

( قراءة مختلفة للمحاضرة الرمضانية الأولى )

يجلس نظام مستمعاً لزميله ريّان وهو يحدثه عن محاضرات السيد القائد التي يتابعها منذ ثلاثة أعوام والطريقة المتفردة التي يقدم فيها الحياة الإنسانية بطريقة روحانية ايمانية ويشد القارئ القرآن الكريم لتدبره وفهم معانيه وتقديمه للقصص القرآنية بطريقة مختلفة أي نظام طالب عراقي سنة ثانية بمعهد التكنولوجيا بالجامعة التقنية الوسطى يبلغ من العمر 33 عاماً وقد تأخر في دراسته بسبب قضاءه عشر سنوات في تيه وطيش أودت به ليكون مدمناً للمخدرات ومن ثم انضمامه لداعش المتطرفة .
لكنه عاد لحياته الطبيعية بعد ان وقفت معه اسرته وتعالج من ادمان المخدرات وتطرف داعش .

يعود ” نظام ” مسرعاً من جامع الحارة المجاور لمنزله ليجلس امام الشاشة متسمراً على قناة المسيرة حيث ستنطلق للتو محاضرة السيد القائد الرمضانية الأولى لهذا العام :-

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ جَمِيعِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُه
في هذا الشهر المبارك، عادةً ما نبدأ حديثنا بالتركيز على أهمية التقوى؛ باعتبار ذلك من الأهداف الأساسية لفريضة الصيام في شهر رمضان المبارك، وباعتبار هذا العنوان من أهم العناوين، التي أخذت مساحةً كبيرةً في القرآن الكريم، باعتبار أهميتها للإنسان نفسه، لنا نحن، نحن بحاجةٍ كبيرةٍ إلى أن نستوعب هذا المفهوم، وأن نسعى للعناية به في واقع حياتنا.
لأهمية التقوى، احتل هذا العنوان، كصفة أساسية بارزة لعباد الله المؤمنين، المرتبة الثانية بعد الإيمان، ولذلك يصف الله عبادَهُ الَّذين استجابُوا لرسالته ودعوته واتبعوا هديهُ بالمؤمنين، ثم تأتي في سياق المواصفات البارزة للمؤمنين صفة المتقين، وأتى الوعد الإلهي بالجنة، والمغفرة، والرضوان، والتوفيق، والهداية.

– ما اطيب هذا الحضور الايماني لهذه الشخصية لقد بدأ بخير بداية ليجعلنا شغوفين لمتابعة المحاضرة

كثير من الوعود الإلهية أتت في القرآن الكريم مبنيةً على أساس التقوى، ففي الوعد بالجنة، النعيم العظيم، والسعادة الأبدية، والفوز العظيم، أتى التركيز على عنوان التقوى، يقول الله “جَلَّ شَأنُهُ”: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران:133]، {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا}[مريم:63]، كذلك الكثير من الوعود الإلهية، سواءً ما يتعلق منها بعاجل الدنيا: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}[الطلاق:2]، أو ما يتعلق أيضاً بالآخرة، في الحساب وتيسيره، في الجنة، في الفوز العظيم… إلى غير ذلك، فيما يتعلق أيضاً بالارتقاء الإيماني والهداية الإلهية: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}[الأنفال:29]، وهكذا الكثير من الآيات تركز على عنوان التقوى، فعنوان التقوى هو عنوانٌ مهمٌ جداً، فعندما قال الله “جَلَّ شَأنُهُ” عن فريضة الصيام في شهر رمضان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:183]، ندرك أهمية التقوى في ما تعنيه لنا، مما يترتب عليها من نتائج لنا نحن، نحن في أمسِّ الحاجة إلى تلك النتائج والآثار المترتبة على التقوى.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هدانا في كتابه الكريم، وعلى لسان رسوله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”، إلى ما تتحقق لنا به التقوى، ما يقينا، ما يقينا من المخاطر، من الشرور؛ ولـذلك فأوامر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ونواهيه، ومن خلال الالتزام بها، تحقق لنا كل هذه النتائج؛ لأن التقوى هي تتمحور حول الالتزام بأوامر الله ونواهيه، هي- في واقع الحال- حالة نفسية تدفع الإنسان إلى الالتزام؛ لأنه يعي المسؤولية تجاه ما يعمل، يدرك أهمية الأعمال، وما يترتب عليها من نتائج
فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهو الذي خلقنا وأنعم علينا، ويريد لنا الخير، ويريد لنا الفوز العظيم والسعادة الأبدية، لذلك نجد أنه لم يتركنا لنكون في حالة تخبط في هذه الحياة، فنتَّجه على أساس ونحن نبني نحن بأنفسنا في رؤانا، في تصوراتنا، في أفكارنا، ونرسم لأنفسنا الأعمال التي نتصور أنها تحقق لنا الخير، لم يتركنا الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في حالة فراغٍ من هدايته، بل هو ربنا المالك لنا، المنعم علينا، ولي نعمتنا، ونحن عبيده، في مقام المسؤولية أمامه؛ ولـذلك فهو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ابتدأنا هو بالهداية إلى ما فيه الخير لنا، وما فيه الوقاية لنا، ليس فقط على مستوى ما يقينا من العواقب السيئة للأعمال السيئة، والتفريط في المسؤوليات الكبيرة، بما ينتج عن ذلك من عواقب خطيرة على الإنسان في الدنيا، والعواقب الخطيرة الكبرى في الآخرة، بل أيضاً يدلنا على الأعمال العظيمة التي تتحقق بها النتائج الكبيرة لنا نحن، من حياةٍ طيبة في هذه الدنيا، كما وعد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ومن سعادةٍ أبديةٍ (للأبد) في النعيم العظيم، فيما وعد الله به في الآخرة.

– ما اعظم نعمة الهداية من الله عز وجل لما فيه الخير لنا وما فيه الوقاية لنا … هكذا حدث نفسه نظام

لذلك فمن أهم ما يساعد الإنسان على الاهتمام بالتقوى، والالتزام بالتقوى، هو: وعيه بأهمية الأعمال، وما يترتب عليها من نتائج، وإيمانه بوعد الله ووعده، هذه مسألة مهمة جداً، عندما نلتفت إلى واقع حياتنا، فنرى من الظواهر المنتشرة في أوساط الكثير من الناس هي: عدم تفاعلهم مع أعمال ذات أهمية كبيرة جداً، أعمال عظيمة، أعمال كبيرة يسمِّي الله، بعضها بالتجارة، مثل: الجهاد في سبيل الله، أعمال يتحقق من خلالها الخير الكبير للإنسان، وكذلك التهاون عند الكثير من الناس تجاه أعمال سيئة، أعمال خطيرة، أعمال يترتب عليها نتائج وخيمة للإنسان في الدنيا وفي الآخرة بشكلٍ رهيبٍ جداً، هذا كله من نقص التقوى،

 صدقت يا سيد عبدالملك فالجهاد بنظرنا كان ليس في اجندات حياتنا ومغيب عنا هكذا عقب نظام

ونحن قلنا: الذي ينقصنا كأمةٍ مسلمةٍ وعالمٍ إسلامي، ومنتمين لهذا الإسلام، تنقصنا التقوى، النقص هنا في موضوع التقوى، نعمة الإسلام والانتماء للإسلام هي نعمةٌ عظيمة، تهيئ لنا الفرصة لأن نتَّجه في مسيرة حياتنا على أساس هدى الله، على أساس تعليماته، على أساس توجيهاته، وهنا كل الخير؛ لأن انتماءنا للإسلام أننا نؤمن بالله، نؤمن باليوم الآخر، نؤمن بكتب الله ورسله، وهذا يهيئ لنا أن تكون انطلاقتنا في مسيرة حياتنا وفي أعمالنا مبنيةً على أساس هذا الإيمان، وهذا الانتماء، لكن يحصل الخلل مع غفلة الناس، مع اتِّباع الكثير لأهواء أنفسهم، عندما يتَّجه الإنسان في أعماله وتصرفاته اتِّجاهاً غريزياً بناءً على الغريزة، على هوا النفس، على رغبات النفس، على شهوات النفس، سواءً فيما يعود إلى رغبة لشهوة، أو فيما يعود إلى حالة انفعال وغضب، ينتج عنها رغبة لتصرف معين، أو فعل معين، أو ردة فعل معينة، أو فيما يترتب على حالة المخاوف أحياناً لدى الكثير من الناس، التي تؤثر عليهم في مسألة التقوية نفسها، فوعينا من خلال القرآن الكريم، من خلال هدى الله وتعليماته، وما ارشدنا اليه رسوله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، وعينا بأهمية الاعمال، وعدم التهاون تجاه ما نعمل، ما نقولهم، ما نتصرف فيه من تصرفات، ما هي مسؤولياتنا في هذه الحياة،

– يجب ان ننطلق في حياتنا كما قلت يا سيد عبدالملك على أساس هُدى الله عز وجل متمثلة كنعمة انتماءنا للاسلام

هذا الوعي مهم لنا في تحقيق التقوى، إيماننا بوعد الله ووعيده، والوعد والوعيد أخذ مساحةً كبيرةً جداً في القرآن الكريم؛ لأن من المهام الأساسية لكتب الله ورسل الله هو الإنذار والتبشير:
الإنذار بالتنبيه والتحذير من العواقب السيئة للأعمال السيئة، وما يترتب عليها من العقوبات في الدنيا والآخرة.
الإنذار أيضاً بالآخرة وما فيها من الجزاء.
وكذلك التبشير على الأعمال الصالحة.

– كان جسد نظام يرتعد تارة من تعرفه على معنى التقوى وماهيتها وتجسيدها في واقع الانسان ومن عظيم الحديث عن التقوى واثار التفريط في المسؤوليات

ولذلك خلال شهر رمضان، والإنسان يتلو كتاب الله، عليه أن يتدبر، أن يتأمل، أن يركز على الوعد والوعيد في القرآن الكريم، وعلى ما في القرآن من هدايةٍ مهمةٍ وعظيمة.
من المبادئ الأساسية في الوعد والوعيد هو: مبدأ الجزاء: ما نعمله نجازى عليه، هذا مبدأٌ مهمٌ، الله يقول عن كل نفسٍ بشرية في مقام المسؤولية والتكليف، {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}[البقرة:286]، هذا المبدأ المهم يجب أن يُرَسِّخه الإنسان في نفسه، وأن يستحضره في ذهنه، في كل مواقع الحياة، في كل مقامات الحياة، في كل ظروف الحياة؛ لأن غفلة الإنسان عن ذلك تجعله يستهتر تجاه ما يعمل، وكأنه لا يجازى عليه، ولا يعاقب عليه، أو لا يتفاعل مع أعمال ذات أهمية كبيرة، جزاؤها عظيم، من ورائها خيرٌ كبيرٌ لهُ.
ولأهمية هذا المبدأ، أتى الحديث عنه كثيراً في القرآن الكريم؛ باعتباره من المبادئ الأساسية التي ترتبط بعدل الله وبحكمته أيضاً؛ لأن هذا من عدل الله ومن حكمته، وأيضاً ترتبط بملكه؛ لأنه هو الملك، ملك السماوات والأرض، وملك الناس، لم يخلقنا عبثاً في هذه الحياة لنتصرف كيفما نشاء ونريد، ونعمل كما تهواه أنفسنا، وبما تهواه أنفسنا، ومن دون أن نجازى على ذلك.

– اللهم اني نويت ان اركز على الوعد والوعيد في القرآن الكريم وان استحضره في حياتي العملية وفي جميع رسائل القرآن الكريم …. هكذا حدث نفسه نظام

الإنسان كلما استحضر هذا المبدأ، ورسَّخه في نفسه، كلما التزم بالتقوى، لأنه يدرك أنه يجاز على كل ما يعمل، إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشر، ليست المسألة عبث، ليست عبثاً، ليس الوضع بالنسبة للإنسان مهدوراً، ولهذا يقول الله في القرن الكريم: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}[الجاثية:22]، فمسألة الخلق بنفسها مبنيةٌ على هذا المبدأ العظيم، خلق السماوات والأرض، وخلق الإنسان، خلق الكائنات التي هي في مقام المسؤولية، مبنيٌ كله على هذا المبدأ المهم، لابدَّ من الجزاء، الإنسان سيجازى.
كذلك الآخرة اليوم الآخر، يقول الله: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ}[طه:15]، هي آتية الساعة، ونحن آخر الأمم، ومسيرة الحياة البشرية قريبة من النهاية، والقيامة قريبة، اقتربت الساعة، {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى}[طه:15].

– لقد قدم السيد عبدالملك قراءة متفردة لمسألة خلق الانسان ووجوده المبنية على مبدأ الجزاء الذي لا بد منه

ولذلك خلال شهر رمضان، والإنسان يتلو كتاب الله، عليه أن يتدبر، أن يتأمل، أن يركز على الوعد والوعيد في القرآن الكريم، وعلى ما في القرآن من هدايةٍ مهمةٍ وعظيمة.
من المبادئ الأساسية في الوعد والوعيد هو: مبدأ الجزاء: ما نعمله نجازى عليه، هذا مبدأٌ مهمٌ، الله يقول عن كل نفسٍ بشرية في مقام المسؤولية والتكليف، {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}[البقرة:286]، هذا المبدأ المهم يجب أن يُرَسِّخه الإنسان في نفسه، وأن يستحضره في ذهنه، في كل مواقع الحياة، في كل مقامات الحياة، في كل ظروف الحياة؛ لأن غفلة الإنسان عن ذلك تجعله يستهتر تجاه ما يعمل، وكأنه لا يجازى عليه، ولا يعاقب عليه، أو لا يتفاعل مع أعمال ذات أهمية كبيرة، جزاؤها عظيم، من ورائها خيرٌ كبيرٌ لهُ.
ولأهمية هذا المبدأ، أتى الحديث عنه كثيراً في القرآن الكريم؛ باعتباره من المبادئ الأساسية التي ترتبط بعدل الله وبحكمته أيضاً؛ لأن هذا من عدل الله ومن حكمته، وأيضاً ترتبط بملكه؛ لأنه هو الملك، ملك السماوات والأرض، وملك الناس، لم يخلقنا عبثاً في هذه الحياة لنتصرف كيفما نشاء ونريد، ونعمل كما تهواه أنفسنا، وبما تهواه أنفسنا، ومن دون أن نجازى على ذلك.

 اللهم اني نويت ان اركز على الوعد والوعيد في القرآن الكريم وان استحضره في حياتي العملية وفي جميع رسائل القرآن الكريم …. هكذا حدث نفسه نظام

الإنسان كلما استحضر هذا المبدأ، ورسَّخه في نفسه، كلما التزم بالتقوى، لأنه يدرك أنه يجاز على كل ما يعمل، إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشر، ليست المسألة عبث، ليست عبثاً، ليس الوضع بالنسبة للإنسان مهدوراً، ولهذا يقول الله في القرن الكريم: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}[الجاثية:22]، فمسألة الخلق بنفسها مبنيةٌ على هذا المبدأ العظيم، خلق السماوات والأرض، وخلق الإنسان، خلق الكائنات التي هي في مقام المسؤولية، مبنيٌ كله على هذا المبدأ المهم، لابدَّ من الجزاء، الإنسان سيجازى.
كذلك الآخرة اليوم الآخر، يقول الله: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ}[طه:15]، هي آتية الساعة، ونحن آخر الأمم، ومسيرة الحياة البشرية قريبة من النهاية، والقيامة قريبة، اقتربت الساعة، {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى}[طه:15].

– لقد قدم السيد عبدالملك قراءة متفردة لمسألة خلق الانسان ووجوده المبنية على مبدأ الجزاء الذي لا بد منه

يقول الله أيضاً: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}[النجم: 39]، فمصيرك أنت هو مرتبطٌ بسعيك، بعملك، مسألة مصير، العمل ليست مسألة عادية، مصيرك الأبدي متوقفٌ على أعمالك، مرتبطٌ بها، {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى}[النجم:40-41]، فنتائج الأعمال وتبعاتها بحسبها،
يعني: إن كان اتِّجاه الإنسان قائماً على الإيمان، والعمل الصالح، والاستجابة لله تعالى، والاستقامة، والتقوى، كان هذا المسار مساراً عظيماً، وفق وعد الله “جَلَّ شَأنُهُ”، أنت تحصل على الجزاء من الله، لن تُظْلَم، لن يضيع عليك من عملك الصالح ولا مثقال ذرة، ولا اي شيء أبداً.
يقول الله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}؛ ولذلك عندما يُدعى الإنسان إلى ما هو عملٌ صالح، فيتصور المسألة وكأنها عبئاً إضافياً، كأنه شيءٌ لا يعنيه، وحملٌ وعبءٌ عليه، هذا نقص في استيعاب هذا المفهوم، أنه لنفسك أنت، أنت المستفيد من ذلك، لهذا نتائج لك أنت، منها ما يأتيك في هذه الدنيا، ومنها ما يأتيك في الآخرة، في مستقبلك الأبدي والدائم، وعلى مستوى عظيم جداً، على مستوىً عظيم من النعيم، من التكريم، من الجزاء العظيم.
لو استوعب الإنسان ورسَّخ في نفسه هذا المبدأ المهم، لما كانت نظرته أبداً إلى الأعمال الصالحة، إلى الأعمال العظيمة، إلى ما يدعونا الله إليه، وكأنه عبء، وكأنه حِمْل، وكأنه مشكلة يسعى للخلاص منها، أو كأنه شيءٌ ثانوي لا يعنيه وليس له صلةٌ به.

– لو ارتبط الانسان بهذه الحياة من واقع ان مصيره مرتبط بالسعي

{وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}، كذلك جرأة الإنسان في الأعمال السيئة، والتصرفات السيئة، والأفعال والأقوال السيئة، هذه الجرأة هي ناتجةٌ عن غفلة، أو عدم إيمان؛ إمَّا أن الإنسان يتناسى ويتغافل أنه يسيء على نفسه، يُحَمِّل نفسه الأوزار على مستوى ما يقوله من الأقوال السيئة، كل كلمة سيئة يترتب عليها نتائج تعود عليك أنت، وكذلك الأفعال والتصرفات، التي قد ينطلق الإنسان فيها كما قلنا:
إما بشهوة، اتِّباعاً للشهوات والأهواء.
وإمَّا في إطار الغضب والانفعال، وهي كذلك رغبة مبنية على حالة غضب. أو في إطار المخاوف.
أي حالة من الدوافع التي تؤثِّر على الكثير من الناس، لكن عندما يدرك الإنسان أنه يسيء على نفسه، يتحمل هو التبعات والعواقب لتلك الإساءة، سواءً كانت بشكل عمل، أو موقف، أو كلام… أو غير ذلك، {وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}.
عِظم الجزاء يدل على عظيم المسؤولية بالنسبة للإنسان، يعني: ليست المسألة حتى في مسألة الجزاء أنه جزاء عادي، هناك جزاء يحصل في الدنيا، جزءٌ منه فيما وعد الله به في الدنيا، وهو شيءٌ له أهميته بالنسبة للإنسان، وعد الله المؤمنين المتقين بالحياة الطيِّبة، بالعزَّة، بالنصر، بأشياء كثيرة وعدهم بها في الدنيا، بالخير، بالبركات… كلها ذات أهمية وتمثل حاجةً كبيرةً للإنسان، على المستوى الشخصي، وعلى المستوى الاجتماعي كمجتمع.
ولكن ليس هذا فحسب، هناك أيضاً الآخرة، ما يأتي في الدنيا هو شيءٌ من الجزاء، نسبة محدودة من الجزاء، لكن يوفَّى الإنسان جزاءه في الآخرة، الآخرة التي هي مصيرٌ أبديٌ خيرها خالصٌ عظيمٌ جداً جداً على أرقى مستوى، فيما يتعلق بالتكريم المعنوي، فيما يتعلق بالنعيم المادي، والإمكانات المادية، والحياة المادية، والتكريم في ما هو في مرحلة الحساب، في ساحة القيامة، وفي ما هو في الجنة، الجنة التي قال الله عنها: {عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران:133]، الجنة التي فيها كل أنواع النعيم المادي الذي يشتهيه الإنسان، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ولكن على أرقى مستوى، بما عَبَّر عنه رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم”: ((فِيْهَا مَا لَا عَينٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَت، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلبِ بَشْر))، أرقى نعيم، يعني: جزاء عظيم جداً، وللأبد {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}، {لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا}[الكهف:108]، يستقرون للأبد، بسعادة دائمة، بنعيمٍ عظيمٍ مستمرٍ، ليس فيه هرم، ولا مرض، ولا هم، ولا غم، ولا أي منغصات أبداً.
والشر في الآخرة كذلك شرٌ خالص، ليس معه أي لحظة من الراحة، أو لحظة يُفْرَج عن الإنسان ما هو فيه من الشدة والعذاب، على المستوى النفسي وعلى المستوى الجسدي، بدءاً من ساحة القيامة، في هول الحساب، في تشديد الحساب، في الخزي يوم الحساب، في الحسرات والندم الشديد جداً، ثم في الذهاب إلى جهنم، في الحشر إلى جهنم، في العذاب في النار والعياذ بالله، الاحتراق الدائم في نار جهنم، العذاب بكل ما فيها: بشرابها الحميم والصديد، بطعامها الزقوم، الذي يغلي في البطون كغلي الحميم، بكل ما فيها من العذاب الشديد جداً، الذي لا ينفك عن الإنسان ولا لحظةً واحدة، ليس فيها ولا بمستوى ثانية واحدة، ما يعادل ثانية واحدة يمكن للإنسان أن يرتاح فيها، يطلبون يوماً واحداً يخفف عنهم فيه العذاب على مستوى التخفيف، ولا يستجاب لهم، يعني: شرٌ رهيب، في مقابل الخير .

– ظل جسد نظام يرتعد والسيد القائد يقدم مآلات عمل الخير والشر المسنودة بوعيد الله في القرآن الكريم .
فالجزاء الكبير في الآخرة، الذي هو مصيرٌ أبدي، يدل على ماذا؟ على أهمية مسؤوليتنا في هذه الحياة، على الأهمية الكبيرة لأعمالنا، التي نعملها بدون مبالاة، أو اكتراث، أو لا ندرك أهميتها، فالإنسان بحاجة إلى أن يصحح نظرته تجاه الأعمال، في مجال الخير، وأهميتها الكبيرة، وما يترتب عليها، وفي مجال الشر كذلك، وما يترتب عليها، ولهـذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ}[لقمان:8]، في مقابل الإيمان والعمل الصالح هناك هذا الفوز العظيم: {لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ}، فهي أعمال ذات قيمة كبيرة، لها أهميتها بالنسبة لمستقبلك الأبدي والدائم، لأن يكون في جنات النعيم، {خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[لقمان:9]، فكيف لا ترغب؟ كيف لا تتوفر لديك الدوافع للعمل الصالح، للأعمال التي دعاك الله إليها، وهي أعمال عظيمة، أعمال هي شرفٌ لك في هذه الحياة، أعمال هي مُيَسَّرة في هذه الحياة، الله يسَّر للإنسان أعمال الخير، ليست في أصلها شاقّة، بالقدر الذي هناك في مقابلها من الأعمال السيئة مشاق أكبر، مشقتها قد تكون في المستوى المعتاد لظروف الحياة، ومع ذلك يأتي التيسير حتى في هذه النسبة من المشقة، التي هي في المستوى المعتاد في ظروف حياة الناس في سائر أعمالهم، حتى الأعمال العادية جداً، التي هي أعمال في معيشتهم وكسب حياتهم، وما يترتب على ذلك.

– يجب ان تكون نصحح نظرتنا ونوايانا لاعمال الخير صدقت يا سيد عبدالملك ومنها ياتي التيسير من الله اذا ما كانت النية صادقة والعزيمة حقيقية لعمل الخير

فهذه الأعمال التي لها أهمية كبيرة، كُلّ عمل تنجزه له مقابل عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في إطار هذا الوعد العظيم: الجنة وما فيها من النعيم، كل عمل من الأعمال الصالحة هو رصيدٌ لك، {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا}[المزمل:20]، يعني: شيءٌ لك أنت، أنت المستفيد منه، لا تتصور وكأنك أسديت جميلاً لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هو غنيٌ عنك، غنيٌ عن أعمالك، أنت أنت المستفيد
يقول الله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]؛ لأن الله يزيدهم من فضله، هناك ما هو يقابل عملك من الجزاء العظيم والكبير والمهم في مقابل الأعمال الحسنة، أنت كنت محسناً في هذه الدنيا، تعمل الأعمال الحسنة، وتحسن إلى عباد الله؛ لأن عنوان الإحسان هو يشمل أن تكون أعمالنا أعمالاً حسنة، في مقابل الأعمال السيئة، ألَّا نسيء في تصرفاتنا، في أقوالنا، في أعمالنا، هذا يتحقق للإنسان بالتزامه بتوجيهات الله وتعليماته وأوامره، وانتهائه عن نواهيه، هذا يحقق لك أن تكون أعمالك أعمالاً حسنة، وأن تكون محسناً في أعمالك وتصرفاتك، وليس مسيئاً، وكذلك في قيمة الإحسان إلى عباد الله، في فعل الخير لهم، في فعل البر إليهم، في العطاء لهم… في كل أشكال الإحسان التي إليهم.
(وَزِيَادَةٌ) من الله، زيادة واسعة وكبــــيرة من فضله العظيم، زيادة على ما يقابل جهدك وعملك، يكافئك الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، مع أن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بكرمه العظيم، في ما قرره للإنسان في مقابل الأعمال، من البداية بنى المسألة على الزيادة: الحسنة بعشرة أمثالها، ثم هناك أبواب من الأعمال عليها مضاعفات كبيرة للثواب والأجر، في الإنفاق في سبيل الله الحد الأدنى هو سبع مائة ضعف، مواسم كما في شهر رمضان، الحد الأدنى من المضاعفة في شهر رمضان إلى سبعين ضعفاً، يعني: من البداية هناك زيادات، ثم فوق هذه الزيادات في الأجر، في الثواب، في الفضل، في مقابل الإحسان، هناك أيضاً ما هو زيادة على كل ذلك من فضل الله في الآخرة.
{وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ}[يونس:26]، في ساحة الحساب، في ساحة القيامة، والمسيؤون في وضعٍ رهيب جداً، لشدة ما هم فيه من الحزن، والندم، والأسف، والحسرات، والخوف، تظهر على وجوههم تلك الحالة، تلك الكآبة الشديدة في وجوههم، في ألوان وجوههم، سواداً وقتراً؛ لكن في واقع الآخرين المحسنين، الذين استجابوا لله، في ما هم فيه من الفرح، من السرور، وأدركوا قيمة أعمالهم، نتيجة جهودهم، النتيجة العظيمة وفق وعد الله لهم، الطمأنة من ملائكة الله، البشارات تلو البشارات، فهم في حالة فرح وسرور، يتجلى ذلك السرور على وجوههم، وعلى ألوانهم، فيما هم فيه من حالة الفرح.
{أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[يونس:26] مصيرهم الجنة، في عالم الجنة، للخلود الأبدي والدائم، فكانت النتيجة هي هذه النتيجة: السعادة للأبد، والهناء بالحياة الأبدية.

 اللهم اجعلنا من أصحاب الجنة ولا تسيئ وجوهنا يوم العرض عليك يا رب العالمين … هكذا دعى نظام وهو يستمع لهذه الجزئية

{وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[يونس:27]، هذا هو المصير، مصيرك عندما تكسب في هذه الحياة السيئات، الأعمال السيئة، بتصرفاتك، بمخالفتك لأوامر الله ونواهيه؛ لأنك خضعت لأهواء النفس، لأماني النفس، .تأثرت بوساوس الشيطان، اتَّجهت الاتِّجاه السيئ، فأنت كسبت على نفسك من الأعمال السيئة ما كان به مصيرك إلى جهنم والعياذ بالله، حسراتك يوم القيامة، أسفك وندمك، خوفك الشديد يتجلى على وجهك إلى هذه الدرجة: {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا}، قطعة من السواد، من سواد الليل على وجهك، تعبِّر عن حجم ما في نفسك من الهم، والغم، والحسرة، والندم، والخوف الشديد، ومع ذلك لا ترى لنفسك أي فرصة على الإطلاق لتلافي وضعك آنذاك؛ لأنك فوَّت الفرصة الوحيدة، وهي: حياتك في هذه الدنيا، ليس وراءها أي فرصة أبداً.

– ظل جسد نظام يرتعد بشدة وهو يستمع لمصير من كسب في هذه الحياة السيئات بأعماله ومخالفته لأوامر الله عز وجل

والإنسان يدرك قيمة العمل وأهمية العمل حتى في لحظة الموت، {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ}[المؤمنون:99-100]، لكن لا يفيد الإنسان هذا أبداً، في الآخرة، في مواقف الحساب والقيامة كذلك.
لـذلك من خلال تأملاتنا في القرآن الكريم، تلاوتنا لكتاب الله في هذا الشهر الكريم، علينا أن نعي جيداً أهمية الأعمال، أهمية التقوى فيما تعنيه لنا، فيما يترتب على أعمالنا من نتائج في الآخرة، أن نُرسِّخ إيماننا بوعد الله ووعيده، أن نتأمل ما ورد في القرآن الكريم من الوعد الإلهي والوعيد الإلهي، هذا شيءٌ مهمٌ جداً بالنسبة لنا؛ لكي ندرك أهمية التقوى، ونركز عليها في هذا الشهر، كحصيلة ومكتسب مهم وعظيم لنا، نستفيده من صيام شهر رمضان.
نكتفي بهذا المقدار، وإن شاء الله نبدأ من محاضرتنا القادمة، من بعد هذه المحاضرة، لنستأنف ما كنا بدأناه في شهر رمضان من العام الماضي في القصص القرآني.
نَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا وَمِنْكُمُ الصِّيَامَ وَالقِيامَ وَصَالِحَ الأَعْمَال، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا لِنَكُونَ فِي عِدَادِ عِبَادِهِ المُتَّقِين.
وَنَسْألُهُ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّج عَنْ أَسرَانَا، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

– انتهت المحاضرة ومعها اطلق نظام نيته الخالصة بالبدء بإصلاح نفسه واخذ على الفور هاتفه ليتصل بزميله ريان والذي اجابه فوراً
: نعم يا نظام هل استمعت للمحاضرة ؟
اجابه نظام ودموعه تنزل من عينيه وبصوت متهدج
: جزاك الله خير الجزاء اخي ريان استمعت لها وغيرت مفهومي في مفاهيم عدة وقد نويت ان أكون متابعاً مخلصاً لمحاضرات السيد وان اعمل صالحاً في حياتي واغتنم هذا الشهر العظيم .
انتهى . .

مقالات مشابهة

  • ديوان المحاسبة يحصد جائزة “Talent Awards” العالمية
  • “النقل” تُعلن فرض عقوبات وغرامات مالية للشاحنات الأجنبية المخالفة التي تُمارس نقل البضائع داخل المملكة
  • "الثقافي العربي " يناقش "الرؤية في أدب الطفل"
  • «الثقافي العربي» يناقش الرؤية الفكرية في أدب الطفل
  • أفغانستان ترد على ترامب: المعدات العسكرية التي تركتها اميركا هي “غنائم حرب”
  • “البلديات والإسكان” تُطلق حملة “لأنها بلدي”.. لتعزيز الامتثال وتحسين جودة الحياة
  • حملة “لأنها بلدي”.. لتعزيز الامتثال وتحسين جودة الحياة
  • “صم بصحة”.. جهود توعوية متكاملة من المنظومة الصحية لتعزيز جودة الحياة في رمضان
  • مرايا الوحي.. حكايات المحاضرات الرمضانية للسيد القائد “المحاضرة الأولى”
  • هكذا تحولت المباحثات التي دارت بين ترامب وزيلينسكي إلى “كارثة”