قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء، إن الصبر ليس هو صبر على البلية فقط ، بل هو أيضاً صبر على الاستمرار فى العمل لله، فلا تيأس إن تأخرت النتيجة، ولا تيأس إن تأخرت الاستجابة، ولا تيأس إن تأخر النصر، ولا تيأس إن تأخر الفرج، اعبدوا الله على كل حال.

علي جمعة يكشف مناقب الصبر وأنواعه

يقول سيدنا رسول الله ﷺ : « عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له» فالمؤمن يعبد رباً هو الحقيقة المطلقة وهو الوجود الحق وهو سبحانه وتعالى مالك السماوات والأرض والدنيا والآخرة ، فإنه ثابت فى موقفه، ثابت فى عبادته لربه، ثابت فى امتثاله لأمره، ثابت فى انتهاءه عن نهيه، صابر قد حبس نفسه -والصبر حقيقته الحبس لله-، لا يتغير ولا يتبدل.

يقول ربنا سبحانه وتعالى ﴿وَأَيُّوبَ﴾ وأنتم تعلمون أن أيوب قد ابتلى فى جسده فصبر، لم يتبرم ولم يعترض ولم يستأخر الدعاء ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ نادى ربه مرة بعد مرة وسنة بعد سنة، وقلبه لا يتحول عن الثقة بالله وقلبه لا يستعجل وكأنه يأمر ربه، بل هو يتوسل إليه ويستنجد به ويعرف أنه مهما كان أنه عبد لله، وأن الله يجرى عليه ما يشاء ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ فيصبر أيوب (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) فاعلم فى دعائك كيف تخاطب ربك، يخاطب ربه ويستنجد به ويتخلق بأخلاقه، فيصبر فإنه الصبور ، ويطلب منه الرحمة فإنه الرحيم، وما علمنا ربنا الأسماء الحسنى إلا لندعوه بها﴿وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ (ادْعُوهُ) أى سموه ونادوه و﴿ادْعُوهُ﴾ أى التجأوا إليه.

ما هو دورنا تجاه فلسطين؟.. علي جمعة: 3 أعمال لا تستهن بها هل نهاية إسرائيل من علامات الساعة؟.. علي جمعة يروي تفاصيل زوالها من فلسطين

﴿فاسْتَجَبْنَا لَهُ﴾ وكأن الاستجابة جاءت عقب الدعاء، نعم (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً) فافهم عن ربك، فإن الله سبحانه وتعالى إذا وقفت على بابه سيفتح لك، ومن فتح الله له بابه فيا هناه ويا مناه، ولكن لا بد عليك أن تتأدب تأدب العبد مع ربه، وأن ترضى وتسلم بقدر الله فيك ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ﴾ هو يطلب رفع الضر عنه ولكن الله فتح عليه ﴿وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا﴾ من غير طلب ﴿وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ حتى تتنبهوا أيها المسلمون.

﴿وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ ظن أن لن يضيق الله عليه، لم يظن أن الله يعجز عن أن يأتى به ؛ إنما ظن أن الله سوف يفسح له الطريق على عادته معه من الإكرام ﴿وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ نقدر أى نضيق عليه، ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ ﴾ وهو فى أحلك المواقف وعلى قرب الهلاك ولا أمل ولم يحدث من قبل أن نجا مثل ما كان فى حالته، شخص التقمه الحوت وهو الآن فى بطنه لكنه لم ينس ربه، لا مع قرب الهلاك ولا مع بعد الهلاك ،لا وهو يدعو الناس ، ولا وهو يفر فى السفينة، لا وهو فى الظلمات ولا هو فى ضوء الشمس والأنوار ﴿أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ نبى مقرب يصف نفسه بالظلم فى قبل ربه، فما بالك أيها العبد تتكبر على ربك وتعتقد أنك لم تعصه قط، ارجع إلى ربك وحاسب نفسك قبل أن تحاسب.

﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ و َكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ليس وحده الذى سوف يستجيب الله له، بل هو برنامج عمل لكل مؤمن منا.

وشدد عضو كبار العلماء: اصبر فى دعائك فلا تقطعه أبداً ولا تستعجل الإجابة، اصبر على البلاء الذى حل بنا وبالمسلمين فى العالم كله ولا تتزحزح عن عقيدتك ودينك، فإن الله سبحانه وتعالى يحشر الأنبياء يوم القيامة، فيحشر منهم نبياً ليس معه أحد، وهو الذى على الحق والناس كانت على الباطل, اصبر فإنك على الحق لا تتزحزح، ولا يغرنك الذين كفروا تقلبهم فى البلاد، ولا يغرنك هذا الشتات التى عليه أمة الإسلام ، ولا يغرنك هذا الحال الذى لا يرضى الله ورسوله، اصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ، فإن الله سبحانه وتعالى لا يخلف وعده.

أنواع الصبر

وقد سيق الصبر في القرآن في عدة أنواع ذكرها ابن القيم في كتابه (عدة الصابرين):
- أحدها : الأمر به، كقوله : " وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ " [النحل: 127] وقال : " وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ " [الطور: 48] .
- الثاني : النهي عما يضاده، كقوله تعالى : " وَلا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ " [الأحقاف: 35] وقوله : " وَلا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ " [القلم: 48] .
- الثالث : تعليق الفلاح به، كقوله : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " [آل عمران:  200] فعلق الفلاح بمجموع هذه الأمور .
- الرابع : الإخبار عن مضاعفة أجر الصابرين على غيره، كقوله : " أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا " [القصص: 54] وقوله : " إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ " [الزمر:10] .
- الخامس : تعليق الإمامة في الدين، به وباليقين، قال الله تعالى : " وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ " [السجدة:24] [عدة الصابرين،بتصرف يسير] .

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: صبر الصبر الدكتور علي جمعة هيئة كبار العلماء سبحانه وتعالى علی جمعة ثابت فى

إقرأ أيضاً:

علي جمعة: التوكل على الله من مفاتيح النجاة

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن من مفاتيح النجاة: التوكل على الله تعالى. 

وأضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، إن الإمام الغزالي عرَّف التوكل بأنه اعتماد القلب على الوكيل وحده.  

دعاء الحاجة الشديدة .. كلمات مُجربة ومُستجابة فورًادعاء المذاكرة قبل الامتحان.. للحفظ وعدم النسيان

فإذا اعتقد الإنسان اعتقادًا جازمًا أنه لا فاعل إلا الله، وآمن مع ذلك بكمال علمه وقدرته سبحانه وتعالى، وأنه هو الفاعل الحقيقي لكل شيء، فإن هذا هو حقيقة التوكل.  

فالتوكل على الله يعني الاعتماد عليه، أي: لا حول ولا قوة إلا بالله.

وهذا التوكل بهذه الكيفية ينشئ في القلب التسليم والرضا، وهو مبنيٌّ على أمر الله تعالى، وعلى حب الله لهذا المقام، قال سبحانه:  {وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}. 

وقال: {وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، وقال أيضًا: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}، وقال: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.

ولابد أن نتدبر ونتفكر أن {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ}، فإذا كان الله سبحانه يملك خزائن السماوات والأرض، فكيف يُتوكل على غيره؟!

وقد قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ}  كل شيء بأمر الله تعالى، {ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}.

إذن، التوكل أمرٌ مهمٌّ جدًّا، وله آثار طيبة في الدنيا والآخرة؛ ولذلك قال رسول الله ﷺ:  «يدخل الجنة سبعون ألفًا بغير حساب».  
قيل: من هم يا رسول الله؟  

قال ﷺ:  «الذين لا يكتوون، ولا يتطيرون، ولا يسترقون، وعلى ربهم يتوكلون».

والمفتاح هنا أنهم “على ربهم يتوكلون”، ولابد من التنبه إلى الفرق بين "التوكل" و"التواكل":  
- فالتواكل هو ترك الأسباب، وهذا جهل.  
- أما التوكل فهو: فعل الأسباب مع الاعتماد على الله.  

وقد قيل: "ترك الأسباب جهل، والاعتماد عليها شرك".

وقد ثبت أن ترك الأسباب لم يكن من سنة الأنبياء عليهم السلام.

ويقول سيدنا النبي ﷺ:  «لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا». 

فالتوكل مأمور به، وهو يولد الرضا والتسليم.

وقال رسول الله ﷺ:  «من سره أن يكون أغنى الناس، فليكن بما عند الله أوثق منه بما في يده».

طباعة شارك علي جمعة التوكل على الله كيف نتوكل على الله

مقالات مشابهة

  • علي جمعة: التفكر في ذات الله تعالى منهي عنه
  • آداب ينبغي التحلى بها الحاج في تأدية المناسك.. تعرف عليها
  • فتحي سند ناعيا أمح: نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته ويلهم أهله الصبر
  • ملتقى الجامع الأزهر : سيدنا موسى تدرب على مواجهة بني إسرائيل في أرض سيناء
  • آداب يجب أن يتحلى بها الحاج خلال تأدية المناسك.. الإفتاء توضح
  • لهفي علي وطني أراه ممزقا وأري شعوب الأرض يفرقها الهناء
  • 10 أمور لو واظبت عليها كل يوم حياتك هتتغير 180 درجة
  • ما هي مفاتيح النجاة؟.. علي جمعة يكشف عنها
  • علي جمعة: كل ما في الكون يسبح لله
  • علي جمعة: التوكل على الله من مفاتيح النجاة