فوز أخضر لديوكوفيتش في «ختامية» ايه تي بي
تاريخ النشر: 13th, November 2023 GMT
تورينو (أ ف ب)
استهل الصربي نوفاك ديوكوفيتش حملة الدفاع عن لقبه في بطولة ايه تي بي الختامية لموسم كرة المضرب بنجاح، عندما تغلب على الدنماركي هولجر رونه 7-6 (7-4) و6-7 (1-7) و6-3 في الجولة الأولى لمنافسات المجموعة الخضراء، وضمن إنهاء الموسم في صدارة التصنيف العالمي لرابطة اللاعبين المحترفين.
وهي المرة الثامنة التي سينهي فيها ديوكوفيتش البالغ من العمر 36 عاما، الموسم في صدارة التصنيف العالمي في مسيرته الاحترافية، وسيصبح أول لاعب في التاريخ يصل إلى 400 أسبوع في المركز الأول.
وعانى ديوكوفيتش للتغلب على رونه كعادته في مواجهاته مع الدنماركي، والتي انتهت جميعها بعد ثلاث مجموعات أو أكثر، على غرار فوزه الأول على منافسه الذي يصغره بـ16 عاماً في بطولة الولايات المتحدة، آخر البطولات الأربع الكبرى، على ملاعب فلاشينغ ميدوز عام 2021 عندما احتاج إلى أربع مجموعات 6-1 و6-7 (5-7) و6-2 و6-1.
وحسم ديوكوفيتش المباراة بعد ثلاث ساعات وأربع دقائق.
وهو الفوز الثالث لديوكوفيتش على هولجر في خمس مواجهات جمعت بينهما حتى الآن والثاني توالياً هذا العام بعدما أطاح به من ربع نهائي دورة باريس بيرسي لماسترز الألف نقطة الأسبوع الماضي 7-5 و6-7 (3-7) و6-4 عندما ثأر لخسارته الثانية أمام الدنماركي في ربع نهائي دورة روما لماسترز الألف هذا العام 2-6 و6-4 و2-6، بعد الأولى في نهائي دورة باريس بيرسي العام الماضي 6-3 و3-6 و5-7.
وقال ديوكوفيتش، الساعي إلى اللقب السابع في البطولة الختامية التي تجمع افضل ثمانية لاعبين خلال الموسم: «كانت هذه المباراة مهمة بالنسبة لي، كان هناك الكثير من الأمور على المحك، ولهذا السبب شعرت بالكثير من المشاعر».
وأضاف المتوج بثلاث بطولى كبرى هذا العام: «كان يسدد الكرة بشكل جيد، وأرسل بشكل ممتاز، لقد سبَّب لي مشاكل حقاً منذ الشوط الأول، شعرت أنها ستكون مباراة طويلة وأنه بإمكانه التغلب علي».
وقدم رونه المصنف عاشراً عالمياً مباراة رائعة في أول مشاركة له في البطولة الختامية، لكنه قد يندم على عدم حسمه المجموعة الثانية بسرعة أكبر.
وتقدم الدنماركي 2-0 وسنحت أمامه فرصة حسم المجموعة في الشوط العاشر عندما كان متقدماً 5-4، لكنه فشل، ما سمح للصربي بإدراك التعادل 5-5 ثم 6-6 فارضاً شوطاً فاصلاً كسبه رونه بسهولة 7-1 في نتيجة لم يخسر بها ديوكوفيتش شوطاً فاصلاً منذ بطولة أستراليا المفتوحة عام 2016.
ودفع رونه ثمن الطاقة والجهد في المجموعة الحاسمة، حيث خسر إرساله مرتين في الشوطين الثاني والسادس وخسرها 3-6، فيما نجح الصربي في تحقيق فوزه التاسع عشر توالياً، وفي المجموعة ذاتها، استهل الإيطالي يانيك سينر الرابع عالمياً مشواره بالفوز على اليوناني ستيفانوس تسيتسيباس السادس 6-4 و6-4.
واحتاج سينر (22 عاماً) على أرضه وبمواكبة جماهيرية غفيرة إلى ساعة و25 دقيقة لحسم اللقاء لصالحه، وتحقيق فوزه الثالث عليه مقابل 5 هزائم.
ويحصل بطل الدورة على جائزة قد تصل إلى 4.8 مليون دولار، بحال فوزه في جميع مبارياته، ويحصد الفائز باللقب 500 نقطة في تصنيف المحترفين، وقد تصل إلى 1500 نقطة بحال فوزه في كل مبارياته. أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: التنس التصنيف العالمي للاعبي التنس
إقرأ أيضاً:
عندما كشف علم النفس الغربي عن وجهه العنصري
في سبعينيات القرن التاسع عشر، بدأت الحكومة الكندية تطبيق سياساتها الجديدة "لتحضير" السكان الأصليين، وكانت الخطة تقضي بانتزاع الأطفال من عائلاتهم لتربيتهم في مدارس داخلية بعيدًا عن مجتمعاتهم وثقافتهم. وتكررت القصة التالية مئات المرات على مدار العقود التالية.
وفي إحدى الليالي القارسة البرودة، جاءت قوة تابعة للسلطات الكندية إلى قرية صغيرة معزولة من قرى السكان الأصليين وسط الغابات. كان الأطفال يلعبون قرب النار التي تجمّع حولها الكبار، يتبادلون القصص والأساطير.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2قتلوا العرعير ورفاقه وطلابه.. عن الإبادة التعليمية في غزةlist 2 of 2من يربح حرب القاذفات المقاتلة "بي-2" الأميركية أم "إتش-20" الصينية؟end of listوبينما كان الجميع منهمكين في الاستماع لأحد كبار القبيلة وهو يروي قصة الأرواح العظيمة، علا صوت عربات تقترب بسرعة، مخترقة سكون الغابة. ودون سابق إنذار، اقتحم الرجال القرية، مدججين بأوراقهم الرسمية وأوامرهم القاسية. فُصل الأطفال عن أحضان أمهاتهم وسط صراخ وعويل. كانت الأمهات يتوسلن ويبكين، وكان الآباء يحاولون بيأس حماية أبنائهم، لكن دون جدوى.
اقتيد الأطفال، الذين لم يتجاوز عمر أصغرهم الثالثة، إلى العربات، ووُضعت أغطية على رؤوسهم حتى لا يعرفوا إلى أين يُساقون. كانت رحلتهم طويلة ومخيفة، وبمجرد وصولهم إلى المدرسة الداخلية، تم فصل الإخوة بعضهم عن بعض، ومنعوا من التحدث بلغتهم الأم، وأجبروا على التخلي عن كل ما يمت لثقافتهم بصلة.
إعلانخلال العقود التالية، أُجبر أكثر من 150 ألف طفل من قبائل السكان الأصليين على الالتحاق بتلك المدارس، وقد مثلوا أكثر من ثلث أطفال القبائل التي استوطنت هذه الأرض منذ آلاف السنين.
في محاولة السلطات الكندية لنقل سكان البلاد الأصليين إلى رحاب "الحضارة الغربية"، عذب القساوسة وضباط الأمن أطفالهم، إلى أن مات منهم ما قد يصل إلى ثلاثين ألفًا، في ظروف بالغة السوء في تلك المدارس التي كانت تبعد مئات الأميال عن أقرب عائلة من أقاربهم.
لم تكن هذه أشد الفظائع التي نفذتها السلطات الأوروبية في العالم الجديد ضد سكانه الأصليين. كانت هذه السياسة وغيرها وسيلة تلك السلطات لمحو الهوية الثقافية لشعوب البلاد، واستبدالها بهوية تقدس الثقافة والتاريخ والعلوم الغربية، لكن نتيجتها كانت أجيالًا من المصابين بأمراض نفسية وقف علم النفس الحديث عاجزًا عن التعامل معها أو علاجها أو حتى تخفيف أعراضها.
فقد عانى السكان الأصليون من مذابح متكررة، حيث تم إرسالهم إلى المدارس الداخلية الفدرالية والبعثات والمدارس النهارية في الولايات المتحدة. تم محو تراثهم واستبدال عاداتهم وتقاليدهم، إما بالقسر الجسدي، أو النفسي من خلال التشويه والوصم بالجهل أو بالاتهام بعدم الجدوى والتأخر عن ركب الحضارة والتقدم.
وبسبب القلق الذي نشأ في الدوائر الخدمية والعلمية الغربية من الفشل في التعاطي مع نتائج هذه السياسات على الصحة العقلية والنفسية للسكان الأصليين، فقد بُذلت جهود حكومية لاحقة من أجل استكشاف الممارسات العلاجية لهم، حيث أصبح هناك اتجاه يدعو للحفاظ على تراثهم في مواجهة ممارسات الإبادة الجماعية على مدى مئات السنين الماضية.
القصة من البدايةينحدر "الهنود الأميركيون" وسكان ألاسكا الأصليون في الولايات المتحدة وكندا من الشعوب الأصلية لأميركا الشمالية.
إعلانسابقًا، كانت الشعوب الأصلية في أميركا الشمالية متنوعة بشكل ملحوظ فيما يتعلق بأجناس السكان واللغات والثقافة والدين والعادات، وكانت تنتشر فيها مئات اللغات المتنوعة عبر أكثر من 50 عائلة لغوية، حتى وصل إلى هذه الأراضي المستوطنون الأوروبيون، وهو ما يعتبره السكان الأصليون حتى الآن، استعمارًا أوروبيًّا، ويتحدثون دومًا عمّا عانوه بسبب هذا الاستعمار، ومن جوانب هذه المعاناة انتشار اضطرابات الصحة العقلية بينهم أكثر من المجموعات الأخرى من السكان.
أدى التوسع الاقتصادي الأوروبي إلى استعمار القارة الأميركية منذ القرن السادس عشر حيث كانت تسعى الإمبراطورية الإسبانية، حينها، إلى توسيع هيمنتها. كان الاستعمار قائمًا على الهجرة الأوروبية إلى الأراضي المكتشفة حديثًا والاستيطان فيها، الأمر الذي تطلب القضاء المنهجي على الوجود الأصلي لسكان هذه المناطق.
بدءًا من القرن الثامن عشر، توسعت الجهود الاستعمارية لتشمل أستراليا وأراضي السكان الأصليين في الجنوب لاحقًا من قبل البريطانيين أيضًا، بنفس الأنماط السابقة للغزو، التي تشمل الاستيلاء العنيف على الأراضي، والإبادة الجماعية، ونقل السكان الأصليين إلى المحميات أو البعثات.
وفي أستراليا أيضًا، أتاح التشريع الإبعاد القسري لأطفال السكان الأصليين وسكان جزر مضيق توريس عن مجتمعاتهم. تُعرف هذه الممارسة الواسعة النطاق وتأثيرها في الضحايا باسم "الأجيال المسروقة".
في الولايات المتحدة، وإضافة إلى السياسات الاستعمارية الوحشية، تسببت الأمراض الوبائية التي جلبها الأوروبيون إلى هذه الأراضي الجديدة في إبادة حوالي 90٪ من السكان الأصليين، وهو ما مهد الطريق لعمليات متصلة وفعّالة من الطرد العنيف، ومحاولة السيطرة على السكان الباقين من المجتمعات الأصلية لتمكين المستوطنين الأوروبيين من إنشاء دولة جديدة.
إعلانتأسست الدولة الجديدة فعلًا (أميركا)، ويبلغ عدد السكان الأصليين فيها 3.7 ملايين نسمة ينحدرون من أكثر من 570 أمة قبلية تعترف بها الحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة. واستنادًا إلى المعاهدات الموقعة مع الدول الأوروبية ثم الولايات المتحدة، تواصل الأمم القبلية ممارسة سلطات متأصلة للسيادة، وتحتل مكانة سياسية مميزة.
لكن هذه المكانة المميزة لم تغيّر شيئًا في أزمات الصحة العقلية التي يتوارثها أبناء القبائل الأصلية. هنا، حدد الباحثون في مجال الصحة العقلية أنواعًا محددة من الاضطرابات العقلية التي يُعاني منها السكان الأصليون بدرجة كبيرة، ومنها: اضطرابات تعاطي المخدرات، واضطرابات ما بعد الصدمة، إضافة إلى التفكير في الانتحار والسلوكيات الانتحارية.
على الرغم من الالتزام الحكومي الأميركي بتنظيم وتمويل الرعاية الصحية لمواطني الأمم القبلية من خلال هيئة الخدمات الصحية الهندية (IHS)، فإن نظام هيئة الخدمات الصحية الهندية يعاني من نقص التمويل المزمن، وكان من عواقب هذا أن الأزمات العقلية لدى السكان الأصليين لا تزداد سوءًا فحسب، بل ظهرت روايات وتفسيرات ثقافية وعرقية حول ظهور هذه الاضطرابات تلقي باللائمة على السكان الأصليين أنفسهم.
يقتل القتيل ويبكي في جنازته!قدّم السكان الأصليون هنا تفسيرًا يُنازع ويعيد صياغة مكونات رئيسية للخطاب النفسي السائد، ويقوم هذا التفسير على التحول بعيدًا عن التركيز على الاضطرابات العقلية أو المرض العقلي، والاتجاه نحو تقديم "الصدمات التاريخية" التي تسبب فيها الأوروبيون باعتبارها تفسيرًا بديلًا وسببًا رئيسيًّا للمعاناة من هذه الأمراض العقلية والاضطرابات النفسية.
من شأن اعتبار الصدمة التاريخية تفسيرًا لإصابة السكان الأصليين بالاضطرابات العقلية، أنه يُخرج ممارسات علم النفس وطرقه العلاجية عن حدود المساواة. وذلك لوجود مجموعة في المجتمع يُعاني أفرادها من اضطرابات الصحة العقلية بشكل أكثر كثافة من بقية المجتمع لمرورهم بتجربة مختلفة عنهم، ولأن هؤلاء الأشخاص يُعانون من "صدمة تاريخية" تجعلهم عرضة، على نحو خاص، للإصابة بالأمراض والاضطرابات العقلية.
إعلانوالصدمة التاريخية هي حدث عابر للأجيال تعرضت له مجموعة ثقافية أو عرقية معينة، وعادة ما ترتبط بنوازل كبرى أدت إلى اضطهاد مجموعة من الأشخاص. ومن النوازل الكبرى التي قد تشهدها الجماعات وتُعرضها لذلك النوع من الصدمات، العبودية، والهجرة القسرية، والاحتلال، والاستعمار العنيف كالذي شهده السكان الأصليون في الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من دول أوروبا.
التجارب العنيفة التي تتقاسمها بعض المجموعات من الأشخاص يمكن أن تؤدي إلى جروح عاطفية ونفسية متراكمة تنتقل عبر الأجيال.
صحيح أنه قد لا يُعاني كافة أفراد المجموعات المعنية من الصدمة التاريخية وآثارها، لكن كثيرًا منهم تبدو عليهم آثار تلك الصدمة، وتشمل ضعف الصحة البدنية والسلوكية بشكل عام، بما في ذلك انخفاض احترام الذات، والاكتئاب، والسلوك المدمر للذات، والميل الملحوظ إلى السلوك العنيف أو العدواني، والميل إلى تعاطي المواد المخدرة والإدمان، وارتفاع معدلات الانتحار، إضافة إلى ارتفاع معدلات أمراض القلب والأوعية الدموية.
من ناحية أخرى، قد تتفاقم المشاكل الحادة للعنف المنزلي أو ترتفع نسبة الإدمان على الكحول والمواد المخدرة، بسبب العيش في مجتمع يعاني من الحزن غير المعالج واحتياجات الصحة السلوكية.
وقد تؤدي معاناة الوالدين من الصدمة إلى تعطيل مهارات الأبوة النموذجية وتساهم في مشاكل السلوك لدى الأطفال.
تتعزز الصدمة التاريخية وتنتقل عبر الأجيال، بشكل فردي، إذا كان الوالدان يُعانيان من أزمات نفسية أو اضطرابات عقلية بسبب الحدث العنيف الذي تعرضت له جماعتهم، وهو ما سيؤدي بدوره إلى مشاكل في تكوين علاقات صحية مع أطفالهم أو سلوكيات غير صحية تؤثر سلبًا فيهم. وتتعزز الصدمة التاريخية بشكل جماعي، من خلال انتقال القصص بما تحمله من ذكريات ومشاعر من جيل إلى جيل، وهو ما ينقل إلى الأحفاد مشاعر الخوف والصدمة التي يعاني منها الآباء والأجداد، رغم كونهم لم يتعرضوا للحدث العنيف ذاته.
إعلانوصف الأخصائيون الاجتماعيون الإكلينيكيون لأول مرة الصدمات التاريخية بين أحفاد الأطفال الأميركيين اليابانيين الذين اعتُقلوا أثناء الحرب العالمية الثانية، وأوضح الباحثون أن أطفال وأحفاد الناجين عادة ما يعانون من مشاكل التعلق والعزلة بسبب معاناة والديهم.
تصف الطبيبة والباحثة ماريا يلو هورس برايف هارت الصدمة التاريخية، من خلال عملها مع المجتمعات القبلية، بأنها "الجرح العاطفي والنفسي التراكمي الذي يستمر على مدى العمر ويمتد عبر الأجيال، وينجم هذا الجرح عن تجربة صدمة جماعية عنيفة".
ومثلما عانى السكان الأصليون من هذه الصدمة التاريخية، عانى أيضًا الأميركيون ذوو الأصل الأفريقي من الصدمة ذاتها بسبب تعرضهم للعبودية والفصل العنصري والعنصرية المؤسسية التي ساهمت في الصدمات الجسدية والنفسية والروحية. بالنسبة لأفراد هذه المجموعات، أيضًا، يمكن أن تؤدي الممارسات العنصرية اليومية إلى تفاقم الاستجابات الفردية للصدمة.
يوضح الباحثون أن آثار الصدمات التي تلحق بمجموعات من الناس بسبب عقيدتهم، أو انتمائهم العرقي، أو جنسهم، أو لونهم قد تظل باقية في أرواح أحفادهم. ونتيجة لذلك، قد يعاني العديد من أفراد هذه المجموعات من معدلات أعلى من أمراض واضطرابات الصحة العقلية والجسدية.
هل فشل علم النفس فعلًا؟قد لا تكون الإجابة عن السؤال مباشرة بنعم أو لا، فالخلفيات رُبما تكون أكثر تعقيدًا، ولا تسمح بطرح إجابة مباشرة، لكن في ظل هذه الخلفيات يمكن القول بأنه قد يكون من الصعب على علم النفس الحديث التعامل بفعالية مع مشكلات الصحة العقلية التي قد يُعاني منها السكان الأصليون.
إعلانيُعدّ فيلهلم فونت، وهو طبيب وعالم ألماني توفي عام 1920، أحد مؤسسي علم النفس الحديث، ويُطلق عليه، على نطاق واسع، لقب "والد علم النفس التجريبي". ويُعتبر فونت هو أول من ميز علم النفس وجعله علمًا مستقلًّا ومختلفًا عن الفلسفة والبيولوجيا. فحتى القرن التاسع عشر، كان البحث العلمي المتعلق بالسلوك البشري، وتفسير تصرفات الأفراد والثقافات يندرج تحت مسمى "الفلسفة".
في أواخر القرن التاسع عشر، تم تأسيس علم النفس وأصبح تخصصًا أكاديميًّا مستقلًّا، إضافة إلى تخصصات ومجالات أخرى استقلت عن "الفلسفة" أيضًا، وكان منها علم اللغة والتاريخ وعلم الأعراق وعلم الاجتماع وعلم الأحياء. في الوقت ذاته، حدث تطور مماثل في المجال العملي، حيث أصبح علم النفس مهنة مستقلة وقائمة بذاتها.
خلال تأسيس فونت لعلم النفس بوصفه تخصصًا علميًّا مستقلًّا، اعترف بوجود تقليدين في العلم: تقليد العلوم الطبيعية التجريبية وتقليد العلوم الثقافية. وكان نهج فونت العلمي فعّالًا في تأسيس الطريقة التجريبية لدراسة العمليات البشرية الفسيولوجية والإدراكية والمعرفية الأساسية. لكن، من خلال تجاربه ومسيرته العلمية، أدرك فونت حدود الطريقة التجريبية، فأكد الحاجة إلى تطوير "علم النفس الثقافي". وذلك بعد أن لاحظ أن التفكير البشري مشروط ومرتبط بشدة باللغة والثقافة، وهو ما دفعه إلى اعتبار علم النفس الثقافي جانبًا أكثر أهمية من البحث النفسي التجريبي.
لاحقًا، عندما انتقل علم النفس إلى أميركا الشمالية، تبنى علماء النفس نهج العلوم الطبيعية أو جانب البحث التجريبي، وأهملوا أو قاموا بإلغاء النهج الثقافي بشكل تام، وكان هدفهم هنا هو إخضاع السلوك البشري، بشكل عام، لقوانين عالمية مجردة تفسره أو توضح نتائجه وتبعاته.
فظهر الجانب التجريبي في علم النفس باعتباره النموذج العلمي السائد، وأصبح موضوع علم النفس مصممًا ليقتصر ويتناسب، بشكل ضيق، مع العلوم الطبيعية، وحاول علماء النفس الأوائل القضاء على الجوانب الذاتية، للتجربة الإنسانية، التي كان منها على سبيل المثال لا الحصر: الوعي، والنيات، والمعنى. وبدؤوا إجراء تجارب خاضعة للرقابة في بيئات معملية.
إعلانافترض علماء النفس أن نتائج الدراسات النفسية، التي تُجرى في بيئة معملية، يمكن تعميمها لتفسير السلوك البشري المعقد الذي يحدث في البيئة الطبيعية، والذي بطبيعة الحال يختلف من بيئة لأخرى ومن مجموعة بشرية ذات خصائص وسمات مشتركة معينة لمجموعة أخرى. مع تطور علم النفس في مختلف أنحاء العالم، انتشرت، في الوقت ذاته، العديد من وجهات النظر، رُبما يمكننا أن نصفها بكونها "مخاوف" منطقية، تشكك في مدى موضوعية النظريات والمفاهيم النفسية القائمة.
تذهب هذه "المخاوف" إلى أن النظريات والمفاهيم النفسية القائمة، هي في الواقع متشابكة بعمق مع القيم الأوروبية الأميركية، ولا تراعي، أو لا تأخذ في حسبانها، اختلاف هذه القيم عن قيم البيئات أو الجماعات البشرية الأخرى، وهذا هو النهج الثقافي الذي رُبما يكون قد تم إهماله بشكل كامل في البحث النفسي، وهو ما أُطلق عليه لاحقًا اسم "الاستعمار في علم النفس".
استعمار علم النفسخلال ورقة بحثية، نُشرت عام 2017، قام مجموعة من الباحثين، بمحاولة إيجاد حلول لتحقيق ما أُطلق عليه "إنهاء الاستعمار في علم النفس"، وأشاروا إلى أن هناك ثلاثة نُهُج واضحة لإنهاء هذا "الاستعمار". وكان منها نهج "المقاومة الأصلية"، الذي يعتمد خلاله الباحثون على المعرفة المحلية الخاصة بالسلوكيات أو التفسيرات السلوكية لبلد معين أو مجموعة محددة من البشر.
يهدف هذا النوع من المعرفة إلى تعديل الممارسات "المعيارية" وإنتاج نوع من علم النفس يكون أكثر استجابة للواقع المحلي. النهج الثاني هو نهج "المرافقة"، ويسافر خلاله الباحثون أو الخبراء النفسيون العالميون من مراكز الهيمنة إلى المجتمعات المهمشة لمعايشة السكان المحليين بشكل عملي وواقعي تمامًا. النهج الثالث هو نهج "نزع الجنسية"، ويعتمد خلاله الباحثون على محاولة اكتساب الخبرة المحلية الخاصة بالمجتمعات المهمشة بوصفها موردًا معرفيًّا لمقاومة استعمار المعرفة والتمركز فقط في علم النفس المهيمن.
إعلانهنا، أوضح الباحثون أن مهمة إنهاء "الاستعمار" في علم النفس، تتطلب أكثر من مجرد إنتاج نسخ من علم النفس "المحلي" الذي يتوافق مع ظروف مجتمعات معينة. بل يمتد الأمر إلى ما هو أعمق من ذلك، حيث يتطلب إنهاء الاستعمار إنتاج نسخ "مناهضة" لاستعمار علم النفس العالمي، تهدف إلى تحقيق الصحة العقلية للبشرية جمعاء بما يتجاوز هيمنة المجموعة الأوروبية المسيطرة.
أشار الخبراء إلى أن الاستعمار في علم النفس قد أضرّ بشكل عام بكافة المجموعات المهمشة، أو بمعنى أدق بكل من هو خارج النسخة "المعيارية" للشخصية الأوروبية والأميركية، أو لا يتطابق مع هذه النسخة في الهوية والشخصية والجنسية، وليس فقط بالسكان الأصليين والشعوب الأولى.
هذا الإضرار تجاوز الشعوب الأصلية إلى كل الشعوب غير الغربية، وهو ما أكدته الباحثة الكويتية منيرة الدوسري في بحثها الذي نالت به درجة الدكتوراة من جامعة إدنبرة في المملكة المتحدة عام 2024، إذ رصدت كيف يؤثر خطاب علم النفس الغربي في تصورات المعالجين النفسيين الكويتيين في تعاملهم مع مشكلات مجتمعهم.
كذلك أوضحت ورقة بحثية نُشرت عام 2021، وبحثت أيضًا في محاولات إنهاء الاستعمار ودراسة مدى استمرار تراث الاستعمار في الظهور في علم النفس الأوروبي الأميركي، أنه على سبيل المثال، يبلغ عدد سكان الهند الآن أكثر من 1.2 مليار نسمة، ويشتمل هذا العدد على أكثر من 356 مليون شاب، وهو ما يمثّل أكبر عدد من الشباب في العالم، ورغم ضخامة هذا العدد فإن قصص هؤلاء الأشخاص تظل غير مرئية إلى حد كبير في علم النفس الأوروبي الأميركي.
لكن هذا الاستعمار لم يضر بالمجتمعات المهمشة الخارجية فقط، بل أضر ببعض الأميركيين أيضًا؛ إذ ركز كل اهتمامه وانتباهه على مجموعة محددة من الأميركيين والأوروبيين، ورُبما يكون في هذا المضمار قد أهمل مجموعات أخرى من الأميركيين أنفسهم، منهم السكان الأصليون. فقد أكدت دراسات مختلفة أن الأميركيين الأصليين ليسوا ممثلين بشكل دقيق في علم النفس السائد ومبادئه. ومع تطور علم النفس، أصبح هذا العلم متحيزًا ضمنيًّا للثقافة الاستعمارية الهرمية المحيطة، وهي الثقافة التي بررت غزو الشعوب الأصلية وقمعها وتجريدها من هويتها.
أشارت ورقة بحثية نُشرت عام 2022 في الدورية الأميركية لعلم نفس المجتمع، وحملت اسم: "سيكولوجية مجتمع السكان الأصليين، وإنهاء الاستعمار، والخيال الراديكالي داخل بيئات المعرفة"، إلى أن فرقة العمل المعنية بعلم نفس السكان الأصليين التابعة لجمعية علم النفس الأميركية، تدرك أن الإخلاص للحق في تقرير المصير هو الأساس الأخلاقي لعلم نفس السكان الأصليين. وأضافت أن مهمة إنهاء استعمار علم النفس لا تقتصر فقط على التخلص من النماذج الأوروبية المركزية التي سيطرت على رفاهية السكان الأصليين وحددتها، بل تتعلق بإنتاج نماذج جديدة مبنية على المعرفة الأصلية لعلم نفس هذه المجموعة من السكان.
إعلانوأوضحت الورقة البحثية أن نموذج السكان الأصليين لتحقيق الرفاهية الاجتماعية والعاطفية هو ممارسة علاجية جديدة، ويتطلب تحقيقها تعزيز الارتباط بثقافة السكان الأصليين لازدهار أفرادهم وأسرهم ومجتمعاتهم.
من هذه الوجهة فإن علم نفس مجتمع السكان الأصليين، وفقًا لثقافتهم، ليس متمركزًا حول الإنسان، بل يركز على قدسية الطبيعة وتنمية الروحانية والمسؤولية عن الحفاظ على علاقات متناغمة مع النظام البيئي. يركز علم نفس السكان الأصليين على الرفاهية الجماعية التي يتم تصويرها على أنها رفاهية فردية وعائلية ومجتمعية، وتشمل جميع علاقاتنا مع البشر وغير البشر والطبيعة.
وأشارت الورقة البحثية لمؤلفاتها الثلاث، وهن من الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا، إلى أنه يمكن الاستعانة في بناء نموذج علم نفس السكان الأصليين بعلماء في نفس مجتمع السكان الأصليين من أستراليا وأوتياروا ونيوزيلندا والمكسيك في حوار متعدد، حيث يؤدي التعاون العالمي بين علماء نفس من السكان الأصليين إلى إنشاء طرق مبتكرة لتمييز علم النفس الخاص بهذه المجموعة.
وأضافت الورقة البحثية أن علم نفس السكان الأصليين قد ظهر ردًّا عالميًّا على فرض ممارسات العلاجات الغربية لاضطرابات الصحة العقلية، التي يمكن وصفها بكونها غير ملائمة ثقافيًّا، والتي تزامنت مع النهضة الثقافية لمعارف السكان الأصليين وتعزيز طرق الوجود والعمل.
على سبيل المثال، يذكر الموقع الإلكتروني لفرقة عمل السكان الأصليين التابعة لجمعية علم النفس الأميركية أن علم نفس السكان الأصليين ضروري جزئيًّا كشكل من أشكال المقاومة ضد هيمنة وجهات النظر الغربية، لا سيما في مجال الصحة والشفاء، وهو ما يُطلق عليه اسم "العلاج النفسي التحريري".
يُعتبر العلاج النفسي التحريري نهجًا للعلاج يرتكز على التجارب الحياتية للأفراد والمجتمعات المضطهدة أو المهمشة في المجال النفسي، ويتمثل الهدف الرئيسي للعلاج النفسي التحريري في تعزيز العدالة الاجتماعية من خلال دمج العلاج الثقافي الأصلي والأساليب التحررية في العلاج النفسي السائد. ويقوم هذا التوجه، بشكل أساسي، على فهم السياقات التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية على أنها عوامل تؤثر في التجربة النفسية الإنسانية لكل مجموعة من البشر لها سمات مشتركة سواء اجتماعية، أو جغرافية، أو ثقافية، أو تاريخية. يُساهم هذا النهج من العلاج في إنهاء الاستعمار والتحرر الذي يضع البشر في سياقاتهم الاجتماعية والسياسية والبيئية.
إعلانيمكن اعتبار أن علم نفس السكان الأصليين هو حركة فكرية تنتشر في جميع أنحاء العالم، وتعتمد على العوامل التالية: الردّ على الاستعمار/هيمنة علم النفس الغربي، ضرورة قيام الثقافات غير الغربية بحل مشكلاتها المحلية من خلال الممارسات والتطبيقات المحلية، حاجة الثقافة غير الغربية إلى التعرف على نفسها في بنيات وممارسات علم النفس. وأوضحت الورقة أيضًا، أن سيكولوجيات السكان الأصليين تظهر في بيئاتهم الطبيعية ومناطقهم الخاصة؛ وبالتالي، يجب أن يكون هناك نسخ عديدة من علم النفس بقدر عدد الثقافات الأصلية في العالم.
تطبيق هذه النسخ النفسية في المجتمعات وإيجاد بدائل للحداثة يعنيان المشاركة في تأسيس "علم نفس مجتمعي أصلي" متعدد بدلًا من علم نفس مجتمعي عالمي واحد، مع التركيز على عدم فرض علم على آخر تحت مبررات غير حقيقية، وهو في الواقع فقط وسيلة للحفاظ على الاستعمار.
على علم النفس الغربي أن يتعلم من الشعوب الأصليةروبرت روس، وهو قانوني كندي متقاعد، كان قد مُنح خلال العقدين الأخيرين إذنًا مفتوحًا من السلطات باستكشاف الممارسات العلاجية للسكان الأصليين. قام روس بتأليف ثلاثة كتب، حملت أسماء: "شفاء السكان الأصليين"، و"العودة إلى التعاليم"، و"الرقص مع الشبح". حاول روس خلال رحلته لاستكشاف الممارسات العلاجية للشعوب الأصلية أن يُجيب عن سؤال محدد: "لماذا لا يشفي نظام العدالة الغربي بشكل عام؟ لماذا يجعل نظام العدالة هذا الأمور تتجه نحو الأسوأ داخل المجتمعات الأصلية؟".
تحدث روس عن الضرر الهائل بين الأجيال الناجم عن ممارسات الإبادة الجماعية الثقافية التي واجهتها شعوب الأمم الأولى مع غزو الأوروبيين الغربيين. وأضاف أن هناك أجيالًا من الشعوب الأصلية قد تعرضت لسوء المعاملة، وما زال يجري التقليل من قيمة تقاليدها وممارساتها الثقافية والعلاجية، ويوجَّه لها الاتهام بالتخلف عن ركب الحضارة، وأحيانًا يصل الأمر إلى اتهامها بالشر!
إعلانهنا يؤكد روس أنه، ولمئات السنين، بذلت الحكومات والكنائس كل ما في وسعها لإزالة المكون "الهندي" الأصلي من ابن السكان الأصليين "لإنقاذ روحه"، أو لـ"جعله مواطنًا حقيقيًّا" أو حتى "جعله إنسانًا". خلال هذا الطريق الطويل فقد السكان الأصليون لغاتهم وثقافاتهم التقليدية ومع ذلك لم يُقبَلوا مطلقًا في الثقافة الجديدة السائدة.
على مدى سنوات من العمل مع مجتمعات الأمم الأولى (الشعوب الأصلية)، أدرك روس أن نقل المجرمين إلى السجون لا يساعد، فهو لا يشفي ولا يعالج أو يساعد على تصحيح الأخطاء. هنا، راجع روس العديد من الأساليب المحلية أو الأصلية للشفاء التي أثبتت فعاليتها، وكان منها برنامج "المسار الأحمر".
يوفر برنامج "المسار الأحمر" علاجًا مجتمعيًّا مناسبًا ومتصالحًا مع الثقافة، وخدمات وقائية لأفراد الشعوب الأصلية المدانين بارتكاب اعتداءات العنف المنزلي. يجمع البرنامج بين التقاليد الثقافية والممارسة السريرية لتحسين الكفاءة الاجتماعية والعاطفية في التعامل مع الظروف البيئية المعاكسة. يقوم البرنامج على اتباع نهج شامل لمعالجة الجوانب الجسدية والعاطفية والنفسية والروحية للمشاركين من السكان الأصليين، ويعتمد على بناء مهارات الكفاءة الاجتماعية والعاطفية لدى المشاركين، وعلى عكس معظم برامج علاج العنف المنزلي الأخرى للجناة، فهو لا يعتمد في المقام الأول على المهارات المعرفية.
تشمل المفاهيم الأساسية المستخدمة في العلاج خلال هذا البرنامج تحديد المشاعر والتواصل والتفكير وتجربة المشاعر. أما التقنيات المستخدمة في البرنامج فتتضمن احتفالات السكان الأصليين، والمناقشات المفتوحة، والتعبير الإبداعي، وسرد التعاليم التقليدية، ورواية القصص.
رؤية السكان الأصليين لعلم النفس الغربي: لا يستحق الجهديستهدف برنامج "المسار الأحمر" التأثير في أفراد الشعوب الأصلية، ذكورًا وإناثًا، ممن هم فوق سن 18 عامًا، المتهمين بارتكاب جرائم عنيفة، وتحديدًا الاعتداء المنزلي. ويهدف البرنامج إلى العيش بدون عنف، وتعزيز خدمات الوقاية وإعادة التأهيل؛ وتقليل حوادث العنف المنزلي، مع التركيز على تحسين المعرفة الذاتية، والمهارات الاجتماعية/العاطفية، ودعم شفاء الأسرة.
لخص روس خصائص البرامج العلاجية التي لاحظ توافرها لدى السكان الأصليين، والتي تجعل ممارساتهم العلاجية ناجحة، رغم تعارضها الظاهر مع التصور الغربي الذي يرتكز على الخطوط الأساسية للفردانية، والتسلسل الهرمي لقيمة الناس حيث يجعل بعضهم أكثر قيمة من الآخرين، والتركيز على التواصل اللفظي.
إعلانأوضح روس أنه من السمات العلاجية التي يرتكز عليها علم نفس السكان الأصليين التركيز على الروح. تؤكد المجتمعات الأصلية على الارتباط بقوى أكبر من الذات، ضمن وسائل العلاج، وغالبًا ما تكون تلك القوى غير مرئية، ولكن محسوسة. يُركز السكان الأصليون على أن جميع البشر كائنات مقدسة، يتشاركون روحًا متطابقة. ومن خلال العمل الجاد وبذل الجهد في تنقية النفس، يمكننا إظهار هذه الروح بدرجات أكبر، وبناء علاقات أقوى وأكثر احترامًا. هنا يقارن روس هذا النهج بـ"العلاج الغربي"، الذي يركز على العقل، وليس القلب أو الروح، وهو ما يجعله "لا يستحق الجهد" في رأي أحد معالجي القبائل الأصلية.
يختلف أيضًا تعريف السكان الأصليين للشخص السوي عن التعريف الذي يُقدمه علم النفس الغربي. فوفقًا لأحد المعالجين، فإنه في عالم الأمم الأولى "لا يتم قياس القوة والمكانة من خلال إتقان الفرد للتعامل مع البيئة المحيطة به، ولكن من خلال قدرته على إبراز المرونة والقدرة على التكيف مع عالم متغير". قد تكون هذه "المرونة" علامة على الارتباط والاعتراف بأهمية الآخرين الذين يستمد منهم المرء قيمته الذاتية. فقيمة الشخص لا تكمن في تفرده أو انفصاله، بل في ارتباطه بكيان اجتماعي أكبر".
هذا في الوقت الذي تعزز فيه العلاجات الغربية تعريف الذات الفردية وتأكيد الذات والترويج للذات.
يوضح الدكتور آرت بلوم، أستاذ علم النفس السريري في جامعة ولاية واشنطن أن "الفهم التقليدي لقضايا الصحة العقلية ونماذج علاجها لا يزال متجذرًا في المنظور الغربي. ففي نموذج علم النفس الغربي، يتم التركيز على الفرد وتعزيز استقلاليته كمؤشر على الصحة والرفاهية، ولكن هذه النظرة ليست بالضرورة النظرة العالمية للسكان الأصليين". أشار بلوم إلى أن العديد من القبائل تنظر تقليديًّا إلى العالم باعتباره نظامًا مترابطًا يرتبط فيه الكون والبيئة الطبيعية والمجتمع بالعافية الفردية للأشخاص.
إعلانوبناء على هذه القيم فإن ممارسات الشفاء الخاصة بالأمم الأولى هي ممارسات "جماعية"، فلا يتم مقابلة المريض بشكل فردي، بل يجلس الأشخاص في دائرة مع الآخرين الذين يعانون من نفس الإساءة أو الاضطراب. ويشاركون قصصهم الشخصية كما يريدون، ويمررون "العصا الناطقة" حول الدائرة. هنا يوضح روس أن عملية المشاركة والاستماع خلال رحلات التعافي تعزز الشفاء والثقة بالنفس. مثلًا، عندما يجلس الجناة في دائرة مع المتضررين، فإنهم يبدؤون إدراك وفهم المعاناة التي تسببوا فيها والشعور بها.
ينصب التركيز الأساسي للشفاء لدى علم نفس السكان الأصليين على تعزيز الإدراك والتمييز العاطفي والعلائقي، وليس الفهم المعرفي. والطريقة المباشرة للقيام بذلك تكون من خلال الأنشطة الملموسة مثل قطف التوت أو صنع الفن أو رواية القصص. أما الطريقة غير المباشرة فتكون من خلال الحديث الذي يعتبر أقل فعالية، فوفقًا لمعتقدات الأمم الأولى العلاجية، فإن الشخص غير الناضج هو وحده الذي يعتقد أنه قادر على فهم وضع الآخرين وإخبارهم بما يجب عليهم فعله. هنا يؤكد روبرت روس أن علم النفس الغربي بإمكانه الاستفادة من هذه الممارسات العلاجية، بدلًا من رفضها أو تجاهلها.
وإضافة إلى جهد روس البحثي السابق، فإن آرت بلوم يدعو أيضًا إلى التوقف عن تكييف علاجات تم التحقق من صحتها تجريبيًّا في علم النفس السائد، وتطوير أساليب علاجية مبتكرة تعتمد على القيم ووجهات النظر العالمية للهنود الأميركيين وسكان ألاسكا الأصليين، مشيرًا إلى أنه، في البداية، يجب على الممارسين والباحثين اعتناق التواضع الثقافي وتعزيز رغبتهم في معرفة كيف أثر تاريخ القهر والقمع في المجتمعات القبلية، إضافة إلى التعرف على قيم وتقاليد المجتمعات القبلية، ودمج الروحانية ومصادر القوة الأخرى في العلاج.
ختامًا، لا بد من التأكيد على الأهمية البالغة لإعادة تقدير واحترام الوسائل العلاجية التي طورتها الشعوب الأصلية عبر الأجيال. هذه الأساليب، التي تعتمد بشكل كبير على الانسجام مع الطبيعة والتراث الثقافي، تقدم نموذجًا فريدًا للشفاء يركز على الجماعة بأسرها بدلًا من الفرد فقط. ولعل هذا النموذج يصلح للمنطقة العربية والإسلامية، خاصة تلك التي يعاني أفرادها من صدمات الاحتلال والدكتاتورية والإبادة، وتولي شعوبها أولوية قصوى للدين وللروح وللانتماء للجماعة.
إعلانيمكن لعلم النفس الغربي أن يستفيد كثيرًا من هذه المقاربات، التي قد يستفيد منها الكثيرون من خارج الشعوب الأصلية، خاصة في زمن يعاني فيه كثير من الناس العزلة والانفصال وسط تساؤلات حول جدوى العلاج النفسي.