في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني، استضافت الرياضُ قمَّة عربية – إسلامية غير عادية لمناقشة العدوان "الإسرائيليّ" على غزّة بعد أكثرَ من شهر على بدئه. ورغم أنَّ الدافع لجمع القمتَين العربية والإسلامية، كان توحيد الجهود بهذا الخصوص، إلا أنَّ بنود القرار الختامي للقمة كانت أبعد ما تكون عن الفعل والتّأثير.

قمّتان

قبْل ساعات من عقد القمتَين- قمة جامعة الدول العربية، وقمة منظمة التعاون الإسلامي- أعلنت الرياض المستضيفة لكلتَيهما عن دمجهما في قمّة مشتركة طارئة وبشكل استثنائي "استشعارًا من قادة جميع الدول أهميةَ توحيد الجهود والخروج بموقف جماعيّ موحّد يُعبّر عن الإرادة العربية- الإسلامية المشتركة بشأن ما تشهده غزّة والأراضي الفلسطينية من تطوّرات خطيرة وغير مسبوقة، تستوجب وَحدة الصفّ العربيّ والإسلاميّ في مواجهتها واحتواء تداعياتها"، حسَب ما جاء في بيان وزارة الخارجيّة السعودية.

تميّزت القمّة بمشاركة رفيعة المستوى من قيادات الدول العربيّة والإسلاميّة، حيث شاركت معظم الدول المؤثّرة على مستوى الرؤساء، ما أضافَ لمعنى جمْع القمتَين في قمة واحدة، وقد يكون ذلك وراء رفعِ سقف التوقّعات بخصوص مخرجاتها لدى البعض.

وقد ركّزت كلماتُ معظم القادة المتحدّثين على ضرورة الوقف الفوريّ لإطلاق النار، وإدخال المساعدات لسكّان قطاع غزة، ورفض فكرة التّهجير نحو جنوب القطاع أو مصرَ- كما كانت تدعو حكومة الاحتلال- والتّأكيد على حقوق الشعب الفلسطينيّ، ومنها إقامة دولته المستقلّة.

صدرَ عن القمَّة قرارٌ تقدّمتْه ديباجةٌ أكَّدت على التعبير عن: "موقفنا الموحّد في إدانة العدوان الإسرائيليّ الغاشم على الشعب الفلسطينيّ"، وعلى أنَّنا: "نتصدّى معًا لهذا العدوان"، والكارثة الإنسانيّة التي يسبّبها، مشيرةً إلى عمل القمّة على وقف العدوان و"إنهاء كل الممارسات الإسرائيلية غير الشرعية".

وقد سبقت القرارَ الصادرَ عن القمّة المشتركة ديباجةٌ استذكرت قرارات الأمم المتحدة السابقة بخصوص القضية الفلسطينيّة، ورحّبت بالقرار الأخير للجمعيّة العامّة للأمم المتحدة بخصوص الحرب، وأكّدت على مركزيّة القضية الفلسطينيّة، وعلى مرجعيّة المبادرة العربيّة للسلام، وحمّلت "إسرائيل" كقوّة احتلال مسؤوليةَ استمرار الصراع، وحذَّرت من "التداعيات الكارثية للعدوان الانتقاميّ الذي تشنّه إسرائيل"، والذي يرتقي إلى "جريمة حرب جماعيّة".

مخرجات القمّة غلبت عليها الصياغاتُ الكلاميّة والخطابيّة، مثل المطالبات والمناشدات والتأكيدات والدعوات وإعلان الدعم، في غياب شبه كامل لأيّ خطوات عمليّة يفترض أن تضطلع بها القمة التي جمعت قيادات 57 دولة عربية وإسلامية

وقد صدر القرار في 31 بندًا، دانَ أولها: "العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وجرائم الحرب والمجازر الهمجية الوحشية واللاإنسانية"، التي يرتكبها الاحتلال، ورفضَ ثانيها ذريعة: "الدفاع عن النفس" توصيفًا لما سبق. ولعلَّ أبرز ما جاء في القرار هو البند الثالث الذي نصّ على: "كسر الحصار على غزّة، وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية"، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع "بشكل فوري"، ودعوة المنظمات الدوليّة إلى المشاركة في هذه العملية.

وقد تحفّظت تونس على "كل ما ورد في القرار باستثناء النقاط المتعلّقة بالوقف الفوري للعدوان على الشعب الفلسطينيّ وإدخال المساعدات الإنسانية فورًا وفكّ الحصار" عن كل فلسطين، فيما تحفّظ العراق على عبارة: (حلّ الدولتَين)؛ لتعارضها مع القانون العراقيّ وعبارة: (قتل المدنيين) لمساواتها "بين الشهيد الفلسطينيّ والمستوطن الإسرائيليّ"، وكذلك على عبارة: (إقامة علاقات طبيعيّة معها).

بين العجز والفشل

أوّل ما يلفت النظرَ هو أنَّ هذه القمّة المشتركة "الاستثنائية والمستعجلة" أتت بعد أكثرَ من شهر كامل على العدوان على قطاع غزّة، وبعد أن تجاوز عددُ الشهداء 11100، والجرحى أضعاف ذلك، فضلًا عن الحصار، ومنع دخول الغذاء والماء والدواء والوقود، بل قالت وزارة الصحة في غزة، يوم انعقاد القمة: إنّها "لم تستطع إحصاء عدد الضحايا"؛ بسبب انقطاع الاتصالات والإنترنت. ولا شكّ أن تأخّر القمة- كل هذا الوقت إزاء وضع كارثيّ بهذه الصورة- له دلالاته التي سيكون لها انعكاس مباشر على مخرجاتها وقدرتها على التأثير.

الملحوظة الثانية: أنَّ مخرجات القمّة غلبت عليها الصياغاتُ الكلاميّة والخطابيّة، مثل المطالبات والمناشدات والتأكيدات والدعوات وإعلان الدعم، في غياب شبه كامل لأيّ خطوات عمليّة يفترض أن تضطلع بها القمة التي جمعت قيادات 57 دولة عربية وإسلامية، إزاء قضية جامعة كالقضية الفلسطينية، وإجراءات الاحتلال التي وُصفت بكل ما سبق في المقدّمة والديباجة، فضلًا عن الوقائع الميدانيّة.

في المقابل، كان القرارُ العمليّ الوحيد- والمتمثّل في كسر الحصار وإدخال المساعدات- فضفاضًا لم تُشرح آليّتُه ولم تُطرح وسائل تطبيقه ولا كيف سيواجه التعنّت "الإسرائيلي" القائم بخصوص إدخال المساعدات للقطاع، فكان أقرب للرغبة والدعوة منه لخُطة عمليّة.

كما أنَّ بنود القرار خلت تمامًا من أي عقوبات على دولة الاحتلال أو داعميها، بل ومن مجرد التلويح بالعقوبات، حتّى في البند الذي يطالب بـ "وقف تصدير السلاح والذخائر إلى سلطات الاحتلال"، مكتفيةً بالإشارة – في البند 12 – إلى استنكار ما أسمته ازدواجية المعايير في تطبيق القانون الدولي، والتأكيد على أنَّ مواقف الدول العربية والإسلامية "ستتأثر" بالمعايير المزدوجة التي "تؤدي إلى صدْع بين الحضارات والثقافات".

حتى الخطوات الدبلوماسية البسيطة المتعارف عليها- مثل سحب السفراء أو طردهم أو التلويح بتجميد العلاقات الدبلوماسية أو قطعها- لم يُؤْتَ على ذكرها صراحةً في القرار، بل استُخدمت صياغة فضفاضة، مثل: "دعوة الدول الأعضاء في المنظمة والجامعة لممارسة الضغوط الدبلوماسية" على سلطات الاحتلال.

وفي مقابل ما وصفته القمّة بجرائم الحرب والمجازر الشنيعة، أكد قرارها وبنوده على أن السلام هو الحل الوحيد للصراع مع الاحتلال، معيدةً التأكيد على مبادرة السلام العربية، وحلّ الدولتين، مع دعوة لتنظيم مؤتمر للسلام في المنطقة في أقرب وقت.

ورغم إيجابية رفض فكرة تهجير سكان غزّة، والتأكيد على حقّ النازحين في العودة لبيوتهم، فإنّ البند رقْم 14 دانَ "تهجير مليون ونصف مليون فلسطينيّ من شمال قطاع غزّة إلى جنوبه"، وهي صياغة يمكن أن توحي بفراغ شمال القطاع من المدنيين، وهو أمرٌ غير صحيح يمكن أن تستغلّه قوات الاحتلال التي تتبنّى هذه البروباغندا.

وأخيرًا؛ فقد نصَّ البند رقْم 16 على: "إدانة قتل المدنيين واستهدافهم"، مع التأكيد على أنه: "لا فرق بين حياة وحياة"، الأمر الذي يُفهم منه المساواة بين الجانبَين، وهو ما دعا العراق- (وتونس ضمنًا)- لأن يتحفّظ على البند. ولعلّ في ذلك ما يشير إلى أنَّ مقترح البند كان أكثر وضوحًا في النصّ على: "المدنيين من الجانبَين"، ثم تغيّر بفضل الرفض والاعتراضات من الدول الأعضاء، على ما جاء في بعض التقارير.

وعليه، تكون مخرجات القمة العربية – الإسلامية كلامية إنشائية في غالبيتها الساحقة، مفتقرة لمسارات عملية واضحة الخطوات وقادرة على الفعل والتأثير. ويبدو أنّ الخلافات والاختلافات بين الدول الأعضاء قد ساعدت على خروج البنود بهذه الصيغ الفضفاضة الأقرب للمناشدات والأبعد عن المسار العمليّ، بل حتى عن التلويح أو التهديد بأيّ عقوبات ولو دبلوماسية أو شكلية لا لدولة الاحتلال ولا لداعميها. حتى البند المتعلّق برفع الحصار وإدخال المساعدات "بشكل فوري" افتقر لتفصيل آلية تنفيذه، والجهات التي ستقوم على ذلك، وسيكون بالتأكيد أمام محكّ التطبيق العملي، وكذلك ستكون مصداقية القمّة والدول المشاركة بها.

ولذلك، فمحصّلة القمة العربية – الإسلامية، هي تأكيد حالة العالَمَين العربي والإسلامي إزاء العدوان على قطاع غزة، وهي حالة تمزج بين العجز والفشل والخِذلان والتي قد يراها البعض موحية بشيء من التواطؤ. لكن الأكيد أنه ليس في مخرجات القمة أي رادع عملي لسلطات الاحتلال "الإسرائيلي"، ومؤسّستها العسكرية عن الاستمرار في ارتكاب المجازر، وليس فيها ما يضغط على الدول الداعمة لها، وفي مقدمتها الولايات المتّحدة لتخفيف هذا الدعم، فضلًا عن وقف الحرب. ولذلك يُخشى أن تدفع هذه المخرجات ودلالاتها الواضحة دولةَ الاحتلال لتشديد الحصار على غزّة، وتشجيعها على المزيد من المجازر وجرائم الحرب، كما حصل في محطات سابقة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: وإدخال المساعدات ة عربیة قطاع غز القم ة على أن ة التی

إقرأ أيضاً:

توضيح من الخارجية السودانية تؤكد فيه التزام السودان بحرمة المقار الدبلوماسية

إطلعت وزارة الخارجية على ما ورد فى بيانات وتصريحات بعض الدول العربية الشقيقة ومجلس التعاون الخليجي والأمين العام لجامعة الدول العربية، حول المزاعم الزائفة لحكومة الإمارات بتعرض مقر سفيرها في الخرطوم لقصف من القوات المسلحة السودانية والتي نفتها القوات المسلحة، وأكدت إلتزامها بحرمة المقار الدبلوماسية وكل ما توجبه القوانين والأعراف الدولية، لاسيما ان مليشيا الدعم السريع قد اعتدت على أكثر من 40 مقراً لبعثات دبلوماسية إضافة إلى منظمات دولية ووكالات تابعة للأمم المتحدة، وقد ورد حصرها في بيانات متكررة قدمتها بعثة السودان الدائمة بنيويورك أمام مجلس الأمن، بما فيها مقر بعثة الإمارات نفسها، ولم يصدر منها إدانة على ذلك الفعل المشين .عليه تود الوزارة أن توضح الحقائق التالية:-إن العقار الذي زعمت الحكومة الإماراتية أنه تعرض للقصف، والذي لم يتم استهدافه البتة، مملوك لمواطن سوداني، تعرض للتصفية على يد مليشيا الجنجويد المتمردة ولا يستخدم كمقر دبلوماسي، حيث انتقلت السفارة الإماراتية إلى مدينة بورتسودان كغيرها من سفارات الدول التي استهدفت مقارها في الخرطوم بعد أن استباحتها مليشيا الجنجويد التي ترعاها الإمارات بعيد اندلاع حرب العدوان الإماراتية وحولتها لثكنات عسكرية.– في بادرة تشير لسوء استخدام منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، كرر رئيس وفد الإمارات تلك المزاعم الكاذبة الرامية للتغطية على افتضاح دور بلاده المشين في السودان، وانتهاكها للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وميثاق الجامعة العربية وكل الأعراف الدولية للتشويش علي علاقات السودان بدول الخليج الشقيقة.– لقد أثبت تقرير فريق خبراء مجلس الأمن أن الإمارات هي مصدر التسليح والتمويل للمليشيا الإرهابية، وأكدت على ذلك تقارير الإعلام الاستقصائي الدولي والتي كشفت طرق وأساليب توصيل إمدادات السلاح للمليشيا بما في ذلك استغلال شعار الهلال الأحمر الإماراتي لهذا الغرض، كما بينت أن ما لا يقل عن 200 ألف من المرتزقة الأجانب يقاتلون إلى جانب المليشيا المتمردة بتمويل من الإمارات.وقدم السودان شكوى مدعمة بالتفاصيل والوثائق لمجلس الأمن ضد الإمارات بسبب عدوانها على السودان، وضلوعها المباشر في كل ما يتعرض له الشعب السوداني من تقتيل وانتهاكات جسيمة.تُجدد وزارة الخارجية التزام السودان الكامل بحرمة المقار الدبلوماسية وحمايتها وفقا لإتفاقية فيينا وتؤكد أن سفارة الإمارات قد انتقلت كغيرها من البعثات الدبلوماسية الأخرى إلى مدينة بورتسودان وظلت تمارس مهامها من هناك دون أي مضايقات، رغم دور حكومتها المشين في الحرب علي السودان وشعبه.سوناإنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • توضيح من الخارجية السودانية تؤكد فيه التزام السودان بحرمة المقار الدبلوماسية
  • شيخ الأزهر: العدوان على غزة ولبنان كشف للعالم ظاهرة جديدة تسمي «الانفصام السياسي»
  • حكومة السوداني:رغم العجز المالي ومديونية العراق التي تجاوت (90) مليار دولار لكننا سنعمر الجنوب اللبناني ونستمر في دعم حزب الله اللباني
  • العراق يطالب بعقد اجتماع طارئ للجامعة العربية حول الوضع في لبنان
  • فرنسا: ما نوع الإصلاحات المالية التي تدرسها الحكومة؟
  • سلطنة عمان تؤكد للعالم ضرورة وضع حد للإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل
  • أنصار الله: استهداف المنشآت المدنية في الحديدة دليل على تخبط وضعف كيان الاحتلال الإسرائيلي وحالة الوجع التي يعيشها نتنياهو
  • المقاومة الإسلامية بالعراق تهاجم إيلات بمسيّرات وإسرائيل تؤكد اعتراضها
  • "الجهاد": العدوان على اليمن سلسة من الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحق الشعوب
  • كلمة مديرة منظمة المرأة العربية في القمة الليبية