السومرية نيوز – دوليات

لسنوات عديدة، عُرفت صحيفة Israel Hayom باسم "بيبيتون"، وهي كلمة عبرية تعني "صحيفة بيبي"، لقب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. أسسها قطب الكازينوهات الملياردير الراحل شيلدون أديلسون لتكون الناطق بلسان نتنياهو، لكنها اليوم تدعو إلى "رحيل نتنياهو". وفي الأسبوع الماضي، أشار رئيس قسم الأخبار في الصحيفة، أوري داغون، إلى انشقاق الصف، ودعا رئيس الوزراء إلى "قيادة الدولة إلى النصر ثم الرحيل"، كاشفاً عن وصول المشاحنات السياسية المستمرة بينما الحرب مستعرة إلى مستوى جديد.



في السياسة الإسرائيلية الممزقة والمنقسمة، كان ذلك بمثابة إشارة إلى أن عصر نتنياهو السياسي يترنح حتى نهايته المريرة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

قيادات إسرائيل سقطت بعد حربي 1973 ولبنان
يُلقى على نتنياهو اللوم على نطاق واسع بسبب الإخفاقات الأمنية التي سمحت للآلاف من مقاتلي حماس بالتدفق عبر الحدود من غزة وتنفيذ هجمات لا مثيل لها في تاريخ إسرائيل. والآن أصبح الإسرائيليون منشغلين بفكرة "الأيام التالية". وإذا كان اليوم الأول بعد ذلك يصف ما يحدث في غزة إذا أُطيحَت حماس، فإن اليوم الثاني يبدو وكأنه إعادة ضبط متوقعة لسياسة البلاد، في مرحلة ما بعد نتنياهو، الذي لا يرى أنه سينجو سوى القليل من الموالين له.

ويشير كثيرون إلى التغيير التاريخي للحرس القديم في السياسة الإسرائيلية في أعقاب حرب عام 1973، ذلك التغيير التي تمثَّل في إسقاط غولدا مائير ونهاية هيمنة حزب العمل الذي حكم إسرائيل منذ تأسيسها عام 1948.

وقال أميت سيغال، كبير المعلقين السياسيين في القناة الثانية الإسرائيلية، لشبكة CNN الأمريكية مؤخراً: "لقد علمنا التاريخ أن كل مفاجأة وأزمة أدت إلى انهيار الحكومة". وأضاف: "كان هذا هو الحال في عام 1973 مع غولدا مائير، وفي عام 1982 مع مناحيم بيغن في حرب لبنان الأولى، وفي عام 2006 مع إيهود أولمرت في حرب لبنان الثانية. الساعة تدق".

اختراق حماس جاء بعد عام من من الجنون
لا يزال من غير المؤكَّد أي شكلٍ ستبدو عليه عملية رحيل نتنياهو وكيف سيتم استبداله. ومع ذلك، هناك كلمتان تُستخدَمان كثيراً الآن في وصف الحكومة الجديدة، هما "طبيعية" و"عاقلة"، بمعنى أن الأحزاب الدينية اليمينية المتطرفة وأحزاب المستوطنين القومية، التي كان نتنياهو في ائتلاف معها، يجب تجريدها من نفوذها.

في مكتبها بالكنيست، قالت ميراف ميخائيلي، زعيمة حزب العمل، إنها تعتقد أن إعادة ضبط الوضع "ليست عملية ممكنة فحسب، بل هي ضرورة أيضا". ووصفت هجوم حماس بأنه "اختراق" يأتي في نهاية "عام مجنون" حاول فيه نتنياهو ويمينه المتطرف تفكيك استقلال إحدى الركائز الأساسية لما تصفه باللتسوية الديمقراطية في إسرائيل، أي المحكمة العليا في البلاد، مما أثار أشهراً من الاحتجاجات الجماهيرية. وقالت: "الإسرائيليون يشعرون بخيبة أمل.. لم يحصلوا على الأمن الذي وعدوا به".

رحيل نتنياهو
وأضافت: "لم أشعر قط بعدم الأمان إلى هذا الحد. نحن بحاجة إلى استبدال القيادة وإلا فلن نتمكن من إعادة بناء أي شيء".

في الانتخابات الأخيرة، في عام 2022، فشل حزب ميريتس اليساري في تجاوز العتبة الانتخابية، مما يعني أنه لم يحصل على مقاعد في الكنيست، في حين انخفضت حصة حزب العمل إلى أربعة مقاعد فقط.

ومع انهيار اليسار ويسار الوسط، تحولت أحزاب المعارضة الإسرائيلية بشكل كبير نحو اليمين، وتنافست على أرض مكتظة حددها حزب الليكود.

ويظل حزب الليكود، الذي يشغل 32 مقعداً من أصل 120 مقعداً في الكنيست، الحزب الأكثر تنظيماً بين الأحزاب الإسرائيلية. لكن ميخائيلي تعتقد أنه لم يعد حزباً قادراً على الفوز بأكثر من 30 مقعداً، وهو العدد الذي سمح له بقيادة العديد من الائتلافات على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية.

إن التوترات التي يمكن أن تراها ميخائيلي داخل الليكود تدفعها إلى الأمل في احتمال انقسامه، وهو ما يعكس تجربة اليسار الإسرائيلي.

هناك حركة معارضة واسعة تدعو إلى رحيل نتنياهو
وبالنسبة لكاتب العمود في صحيفة Haaretz، يوسي فيرتر، فإن ما يمثل الفرق بين إعادة الضبط التي أعقبت حرب 1973 واليوم ليس مجرد وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي القادرة على التصرف بسرعة أكبر، ولكن أيضاً وجود حركة معارضة واسعة النطاق مناهضة لنتنياهو كانت موجودة بالفعل في الشوارع.

وكتب الأسبوع الماضي: "كان هناك فساد وانحطاط في ذلك الوقت أيضاً"، في إشارة إلى السبعينيات ومردداً انتقادات ميخائيلي. وأضاف: "الوضع متفاقم بشدة في حكومات نتنياهو الأخيرة: تعيينات مؤسفة في مناصب عليا، وإدراج مجرمين مختلين عقلياً في مراكز صنع القرار، وترقية المستوطنين المتطرفين والعنصريين الداعمين للإرهاب اليهودي إلى المناصب الأكثر انتقاداً، وإنشاء آلة تسميم إعلامية تعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع تهاجم كل ما هو صالح ومعقول في إسرائيل، وتمجِّد كل ما هو شرير ونجِس"، حسب تعبيره.

الدعم الشعبي له وحلفائه ينهار.. وإليك أبرز مستفيد
يبدو أن هذه الحجة قد أكدتها استطلاعات الرأي الأخيرة. أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة Maariv الإسرائيلية، بعد أقل من أسبوع من هجوم حماس، أن الدعم الشعبي لنتنياهو وحلفائه ينهار. ويتحول الناخبون إلى حزب الوحدة الوطنية الذي يتزعمه بيني غانتس، وهو حزب يمين الوسط، في أعقاب قراره الانضمام إلى الحكومة وتشكيل حكومة حرب.

إن حقيقة أن نتنياهو، الغارق منذ فترة طويلة في القضايا الجنائية والفضائح، لن يستسلم دون قتال، أصبحت واضحةً خلال الشهر منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول. وفي تغريداتٍ حُذِفَت لاحقاً، ألقى نتنياهو باللوم على قائد قوات الأمن الإسرائيلية في الأخطاء التي أدت إلى 7 أكتوبر/تشرين الأول، في محاولة للتنصل من مسؤوليته.

كانت هناك أيضاً ادعاءات، نفاها نتنياهو منذ ذلك الحين، أنه خلال مؤتمر صحفي بعيداً عن الكاميرا ربط بين حركة الاحتجاج الاحتجاجية، التي هدد فيها الآلاف من جنود الاحتياط برفض الحضور للخدمة إذا قامت الحكومة بإصلاحها القضائي المثير للجدل للغاية، بقرار حماس بالهجوم.

وقد حظرت المحكمة العليا في إسرائيل المسيرات المناهضة للحرب، ولكن سُمِحَ بتنظيم مظاهرات لعائلات الأسرى لدى حماس خارج مقر إقامة نتنياهو الرسمي، مما أدى إلى تركيز الاهتمام على طريقة تعامله مع مسألة أصبحت القضية العاطفية الأكثر إثارة للقلق في إسرائيل.

ولكنه لن يستقيل
ورغم أن نتنياهو، استناداً إلى تاريخه الماضي، من غير المرجح أن يرحل عن طيب خاطر ويستقيل، إلا أن الدعوات إلى إجراء انتخابات بمجرد انتهاء الحرب ضد حماس، استمرت في الأسبوع الماضي، حتى داخل حكومة الحرب.

وقال وزير العمل يوآف بن تسور من حزب "شاس": "في نهاية الحرب، سيضطر نتنياهو إلى الذهاب إلى الانتخابات في غضون 90 يوماً".

وأضاف: "سيحدث ذلك قبل تشكيل لجنة تحقيق من هذا النوع أو ذاك. هذا رأيي". وتابع قائلاً: "لا يمكننا الاستمرار على هذا النحو. سيكون للجمهور كلمته، وبعد ذلك سنرى ما إذا كان نتنياهو سيحصل على التفويض".

بالنسبة إلى داليا شيندلين، خبيرة استطلاعات الرأي والأكاديمية وكاتبة عمود في صحيفة Haaretz، من غير المرجح أن يستفيد اليسار من أي إعادة ضبط سياسي. وقالت إنه من غير المرجح أن يفوز أي من الحزبين اليساريين، العمل وميريتس، بما يكفي من الأصوات للحصول على مقاعد في الكنيست إذا أجريت انتخابات في العام المقبل.

والبديل قد يكون أكثر تطرفاً
ورغم أن هناك احتمالية لتشكيل ائتلاف يمين وسط، لا يُستبعَد تشكيل حكومة أكثر تطرفاً من حكومة نتنياهو.

وأضافت شيندلين أنه حتى لو كانت هناك حكومة أكثر وسطية، فلا تتوقع منها أن تتخذ نهجاً مختلفاً تجاه القضية الفلسطينية.

وقالت: "إذا ظهر ائتلاف بقيادة شخص مثل بيني غانتس، فلن يتخذ خطاً أكثر ليونة وتصالحية. من الصعب جداً رؤية العودة إلى سياسة السلام. وجهة نظري الشخصية هي أن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يخفف من حدة العنف هو التدخل الدولي، ويجب أن يكون هذا النهج مفروضاً بطريقة ما".

المصدر: السومرية العراقية

كلمات دلالية: فی إسرائیل فی عام من غیر

إقرأ أيضاً:

عام على طوفان الأقصى: من ربح ومن خسر؟

لم يمضِ عام على عملية طوفان الأقصى إلا وذكّرت إسرائيل كل ذي كرامة وبقايا إنسانية أن الدولة المحتلة لم تُبقِ ولم تذر من قيم الإنسانية والأخلاقية شيئًا، وأن هناك كيانًا مارقًا في عالم الذكاء الاصطناعي استدعى التاريخ ليقتل ويدمر ويفتك وتجد من يبرر ذلك "دفاعًا عن النفس".

فها هي إسرائيل تستنسخ ملامح من حرب إبادتها على غزة في لبنان، وتشن آلاف الهجمات الجوية استشهد على أثرها حوالي 1700 لبناني، منهم قادة كبار في حزب الله على رأسهم حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، كما تم جرح حوالي 8500، وتهجير أكثر من مليون لبناني.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2مسؤول في غزة: المنظومة الصحية في مرحلة موت سريريlist 2 of 2صواريخ إيران ترفع كلفة تأمين ديون إسرائيل لأعلى مستوىend of list

ذات العدوان وتلك الهمجية تمارسهما إسرائيل على غزة، والتي أقل ما توصف به بأنها حرب إبادة جماعية، بعد حجم القتل والإصابات والتدمير الذي لحق بقطاع غزة، سواء تعلق ذلك بالبشر أو بالبنية التحتية وبكل معالم الحياة.

فإذا كان قُتل أكثر من أربعين ألف غزي، جلهم من النساء والأطفال على رأسهم رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وصالح العاروري، وجرح أكثر من 100 ألف، مع وجود الآلاف تحت الأنقاض والركام، وتدمير أكثر من 85٪ من مساكن غزة جزئيًا وكليًا، فكل هذه الأرقام مرشحة للزيادة، والأحداث في تسارع، وهذا الرصد فقط حتى تاريخ نشر هذه المقالة.

غير بعيد عن هذا ومع ثبوت التصور الذي يقول إن المجتمع الدولي أصبح عاجزًا وفي حالة شلل كامل عن اتخاذ أي موقف يمكنه أن يوقف ذلك العدوان، تبقى أسئلة جوهرية بلا إجابات واضحة، وذلك في سياق تقييم حسابات الربح والخسارة، سواء تعلق ذلك بالجانب الفلسطيني المقاوم، أو تعلق بدولة الاحتلال إسرائيل وعلى رأسها الحكومة اليمينية المتطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو، ويضاف إلى هذا تقييم للمشهد الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة، وكيفية التعامل مع كل هذه التطورات. تسعى هذه المقالة إلى فهم حسابات الربح والخسارة بعد عام من العدوان.

الحرب المفتوحة

منذ خطابه الأول، قام رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بالربط بين أحداث سبتمبر/أيلول عام 2001 في الولايات المتحدة الأميركية، وبين أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. ربط بدا للوهلة الأولى مجرد حشد للرأي العام الغربي، لا سيما الأميركي، وحشد المشاعر الداعمة لإسرائيل، لكن التفكير بعمق في هذا الاستدعاء التاريخي قد يفسر كثيرًا من التطورات التي شهدتها غزة منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول، حيث أعلنت إسرائيل حالة الحرب، وبموجبها شنت العملية البرية التي سبقتها بعمليات جوية على غزة.

في سياق منطق الاستدعاء، فإن السياسات الإسرائيلية في الضفة وضد المقدسات وتجاهل المطالبات الفلسطينية والإقليمية والتوسع في الهجمات على لبنان، استدعت القيام بعمل ما ضدها، على الأقل من وجهة نظر مسار المقاومة المسلحة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية حماس.

إن عملية الاستدعاء لأحداث سبتمبر/ أيلول الأميركية توحي في العقل الباطن بمسألة غاية في الأهمية، وهي أن الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة هي حرب مفتوحة، وإذا ما تذكرنا أن الحرب التي تم شنها عالميًا باسم الحرب على الإرهاب، وحطت رحالها في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن ودول أخرى في المشرق والمغرب، فإنها استمرت لحوالي عقدين، وهي لا تزال في بعض جبهاتها مفتوحة.

لم يكن العدوان على غزة فقط لمجرد الرد على أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وإنما محاولة إعادة ترتيب لوضع إسرائيل فيما يتعلق بالسيطرة على الضفة الغربية وقطاع غزة، ونسف بقايا اتفاق أوسلو فلسطينيًا، والاستمرار في عملية تطبيع بعيدة تمامًا عن جوهر الصراع وهو القضية الفلسطينية والاحتلال وحق العودة، بحيث دخل مشروع الدولة الفلسطينية غرفة العناية الحثيثة، كما لحقه مشروع الدولتين.

وهذا بحد ذاته كان فيه سعي لإعادة ترتيب مكانة إسرائيل في المنطقة فيما يمكن تسميته بـ"أسرلة" المنطقة، بعبارة أخرى توظيف كامل للأوضاع السياسية والاقتصادية لمسار المصالح الإسرائيلية الأمنية الشاملة، وهي الخطة التي تبناها نتنياهو منذ عام 2009 عندما اعتقد بأن إسرائيل عليها أن تتجنب الحروب التقليدية وأن تشن حروبًا عبر التكنولوجيا، وهو الأمر الذي لم ينجح بالمحصلة، وأُجبر أن يشن حروبًا تقليدية، كما أنه أيضًا اعتمد على إستراتيجية تطبيع إسرائيل في المنطقة بحيث تصبح مقبولة، وبالتالي تقل الأطراف المعادية لها، وهو الأمر الذي لم يتم أيضًا.

في الوقت الذي كانت مسارات تطبيع العلاقات تتطور مع إسرائيل بعيدًا عن الجوار الفلسطيني، أمعنت إسرائيل في فرض حقائق على الأرض في الضفة الغربية، بحيث تحولت الحياة تدريجيًا إلى معاناة يومية مع تهميش مستمر للسلطة الفلسطينية، وتحويلها إلى مزود للخدمات الأمنية لإسرائيل.

لم تكن هناك مقاومة في الضفة، وكانت التجاوزات يومية على المقدسات، وتحديدًا المسجد الأقصى، ولم يدفع كل ذلك الهدوء الحكومة الإسرائيلية إلا إلى مزيد من التطرف وسياسات الأمر الواقع. هذه السياسات التي تطبق في الضفة تسعى حكومة إسرائيل إلى تطبيقها في غزة في سياق ما يسمى باليوم التالي لحرب الإبادة في غزة.

إن التحدي الكبير الذي يواجه بنيامين نتنياهو في بلورة خطة قابلة للتنفيذ، وتقبل بها أطراف دولية إقليمية متحالفة مع إسرائيل، يدفع إلى استمرار العدوان، لكن القناعة الإسرائيلية المتمثلة في حكومة اليمين التي يرأسها بنيامين نتنياهو ترى أن استمرار العدوان ضرورة وأن رفض كل محاولات وقف إطلاق النار هو في صميم المصلحة الإسرائيلية على المدى البعيد، وأن ذلك هو ما سيسترجع حالة الردع التي كانت ترى إسرائيل أنها تتمتع بها قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

أمام كل ما كانت تقوم به إسرائيل من حوالي عقدين، كانت حالة الصمت الدولية نحو كل ما تقوم به إسرائيل إنما ينعكس بشكل ممنهج على تدمير لكل التركة الدولية التي شكلها المجتمع الدولي عبر الأمم المتحدة منذ خمسينيات القرن الماضي. وقد جاء ذلك في الأيام الأولى لحرب الإبادة على غزة، حيث جرى الزج بوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) عبر اتهامات لبعض الفلسطينيين العاملين فيها بعلاقاتهم بما حدث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

زج كان يراد منه شيطنة المنظمة تمهيدًا لتدمير مؤسساتها في غزة وهو ما جرى. تدمير البنية التحتية للوكالة في غزة هو جزء من فرض وقائع تساعد حكومة نتنياهو في فرض تصورها لليوم التالي لانتهاء العدوان دون أي دور للأونروا.

وقد بلغ عدد الذين قُتلوا من موظفي الأونروا حتى 10 سبتمبر/أيلول 2024 حوالي 214. يُذكر أنه يعمل في الأونروا في غزة حوالي 13 ألف موظف، ولديها حوالي 300 منشأة يُرفع عليها علم الأمم المتحدة. وتتحدث بعض تقارير الأونروا عن تأثر أكثر من 200 منشأة بالهجمات الإسرائيلية بشكل كلي أو جزئي. تغييب الأونروا مصلحة كبيرة لحكومة نتنياهو لفرض وقائع على الأرض، وما يجري الآن توظيف العدوان على غزة لخلق تلك الوقائع وتصديرها إلى الضفة الغربية وكذلك إلى لبنان.

بهذا الشكل لا يمكن الحديث عن أن ما يجري من حرب إبادة جماعية على غزة مرتبط فقط بالرد على هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول. إن ما يجري إنما هو عملية ممنهجة لإعادة تشكيل واقع جديد يتعلق بالقضية الفلسطينية ومنطقة الشرق الأوسط تراه إسرائيل يخدم مصالحها في لحظة يعيش المجتمع الدولي والنظام الدولي حالة من الضعف، وحالة من غياب اليقين، بحيث يصعب أن تجد دولة قادرة على اتخاذ موقف واضح وصريح تدافع عنه.

لا شك بأن الوقوف على أعتاب عام على "طوفان الأقصى"، والتدقيق العميق في التداعيات الإقليمية، لا سيما بعد توسع الهجمات البربرية على لبنان، يؤكدان أن الحرب على غزة بالنسبة لدولة الاحتلال لم تكن إلا لفرض وقائع جديدة على الأرض.

لذا فإن تقييم المكتسبات والخسائر إنما يرتبط بالمرحلة الجديدة التي يراد لها أن تتشكل، أو تستدعي ترتيبات سبقت في المنطقة، مرحلة يراد لها أن تعيد فرض ترتيبات أمنية وسياسية ما بعد الربيع العربي، بحيث تكون دولة الاحتلال جزءًا أصيلًا من هذه الترتيبات، والاستمرار في تجاهل القضية الفلسطينية بكل أبعادها: الإنسانية، والسياسية، وإعادتها إلى ما قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

لذا فإن مدى نجاح تلك المرحلة ومشاريعها الأمنية والسياسية سيعتمد بدون أدنى شك على كيفية انتهاء العدوان على غزة، ونتائج توسع الهجمات على لبنان التي تأخذ طابعًا مستمرًا يومًا بعد يوم، والسيناريوهات التي سينتهي عليها هذا العدوان الشامل، لا سيما ترتيبات اليوم التالي.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • 3 مسؤولين من حماس يكشفون ما الذي يفكر فيه السنوار بعد عام من “طوفان الأقصى”
  • مسؤولين بحماس يكشفون ما يدور بعقل السنوار بعد عام من طوفان الأقصى
  • 3 مسؤولين من حماس يكشفون ما الذي يفكر فيه السنوار بعد عام من "طوفان الأقصى"
  • أفراد وحدة نسائية إسرائيلية: تم تجاهل تحذيراتنا بشأن زيادة أنشطة حماس قبل هجوم "طوفان الأقصى"
  • ما الذي قاله قائد أنصار الله عبد الملك الحوثي عن الضربة الصاروخية الإيرانية التي أرعبت “إسرائيل”؟
  • من هو النصف الآخر للسنوار الذي أعلنت إسرائيل مقتله؟
  • حماس: إغلاق إسرائيل للحرم الإبراهيمي جريمة واعتداء سافر
  • من هو روحي مشتهى الذي أعلنت إسرائيل مقتله واثنين آخرين من قادة حماس ؟
  • عام على طوفان الأقصى: من ربح ومن خسر؟
  • حماس: النار التي تشعلها إسرائيل ستحرقها