الانتخابات خط أحمر.. هل تستوعب مناسيب الوعي الشعبي والنخبوي تحذير الحكيم؟
تاريخ النشر: 13th, November 2023 GMT
13 نوفمبر، 2023
بغداد/المسلة الحدث: يتسلل من بين الانشغال العراقي بالانتخابات المحلية التي تفضي إلى الانتخابات البرلمانية، محاولات للتشكيك بجدواها وبالنظام الديمقراطي العراقي بأكمله، عبر الطَرْق على تضخيم السلبيات، وإبراز المثالب، وإشاعة العنف الانتخابي.
وعلى الأرجح، فان زعيم تيار الحكمة، ورئيس تحالف قوى الدولة، عمار الحكيم، من بين القلائل الذي نبّه إلى الخطر الذي يداهم النظام الديمقراطي العراقي، معتبرا في خطاب له في المؤتمر الإعلامي الأول للحملة الانتخابية لتحالف قوى الدولة الوطنية، ان “الانتخابات وصناديق الاقتـراع في العـراق الديمـقراطي الاتحـادي الفـدرالي، خط أحمـر لا یمكن المـساس به، ولا الـتھاون فـي الاجـراءات الـمطلوبة لتحقيقه”.
وفي الأسابيع القريبة المنصرمة، دارت تكهنات، وانطلقت تصريحات، تشكك بإمكانية اجراء الانتخابات المحلية، فيما تُطلق بالونات اختبار لمدى استجابة القوى السياسية الرئيسة لمشروع التأجيل، وفي تناسق مع الدعوات إلى مقاطعة الانتخابات.
والانتخابات هي حجر الزاوية للديمقراطية، وهي الطريقة التي يعبر بها الشعب عن إرادته ويختار ممثليه، وبدون انتخابات، لن تكون هناك شرعية للحكومة، ولن يكون هناك ضمان بأن الحكومة تعمل لمصلحة الشعب.
والامر لا يتعلق بمشروع التأجيل الذي يرقى إلى كونه مشروع مؤامرة على الديمقراطية، بل يتعلق بمحاولات تزويرها، وقد دفع ذلك رئيس تيار الحكمة ورئيس ائتلاف الدولة إلى الحث على “حمایتھا مـن التدلیس والـتزویر”.
لكن ماذا لو ذهبت الأمور إلى عكس ذلك، في التأجيل او التشكيك في الانتخابات بالتزوير والتدليس، فسنكون نحن امام سيناريوهات تضعضع النظام الديمقراطي العراقي وتجعله بدون انتخابات، ومن ذلك تمديد ولاية الحكومة الحالية، كحل مؤقت، وهو امر يبرم عقدا مع المعاول لهدم أي مشروع انتخابي في المستقبل.
سيناريو آخر، -اذا لم تنتبه القوى السياسية والشعب الى المخاطر التي عرج عليها الحكيم في كلمته بالمؤتمر الانتخابي لتحالف قوى الدولة،- هو اننا سنكون امام وجوب تغيير الدستور لإزالة شرط إجراء انتخابات دورية وسيكون من المرجح أن يؤدي ذلك إلى احتجاجات واضطرابات شعبية.
وانبرى الحكيم في الحديث عن ظروف حرجة تواجه العملية الانتخابية وهو محاولات الترهيب فيقول انه “يجب الوقوف بحسم ودون تھاون أمـام محاولات ترھیب المواطنین ومنع حقھم فـي الـمشاركـة الانتخابية”.
واعمال الترهيب تصدر من جهات لا تريد للانتخابات ان تكون الطريقة التي يعبر بها الشعب عن إرادته ويختار ممثليه، كما تتبناها اجندة تعمل على عودة الاستبداد عبر الركون إلى حكومات طويلة الأمد غير منتخبة ترسي نظاما دكتاتوريا من جديد.
لماذا تعتبر الانتخابات خطا أحمرا؟
الانتخابات من وجه نظر الحكيم خط أحمر، لأنها تمثل أساس العملية الديمقراطية في البلاد، وضمانًا لانتقال السلطة بشكل سلمي وشرعي.
وفي كلمته، قال: “ھـي ضمانـة لمسـتقبل الأجـیال.. وحـفظ مـصالـحھم.. وتمكينهم من بـناء الـعراق واسـتعادة ريادته فـي جمیع المیادین”، كونها فرصة للمواطنين للتعبير عن آرائهم، واختيار ممثليهم في السلطة، وضمان محاسبتهم على أداء مهامهم.
وأي محاولة للتشويش على الانتخابات، أو تعطيلها، أو التلاعب بنتائجها، تعتبر تهديدًا للديمقراطية في العراق، ويجب مواجهتها بكل حزم، وفق الاستنتاج الذي يقود اليه خطاب الحكيم.
ما الذي يتخوف منه الحكيم؟
يتخوف الحكيم من أن تتعرض الانتخابات العراقية للتشويش أو التلاعب، أو أن يتم تزويرها، مما قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي في البلاد.
وقد سبق أن شهد العراق، في دورات انتخابية سابقة، اتهامات بالتزوير، ما أدى إلى احتجاجات واسعة النطاق، وتصاعد التوترات السياسية، الامر الذي يدفع إلى اتخاذ إجراءات قوية لضمان نزاهة الانتخابات، ومنع أي محاولات للتشويش عليها.
المخاطر والتحديات
وبنظرة واقعية، فان الديمقراطية العراقية تواجه مجموعة من المخاطر والتحديات، منها التهديدات الأمنية والتحديات الاقتصادية مثل البطالة والفقر والفساد التحديات السياسية، اذ تعاني العملية السياسية العراقية من الجمود، والانقسامات الكبيرة.
والمنصفون أصحاب النظرة الواقعية، يرون ان رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم ضمان لاستمرار الديمقراطية العراقية وتجاوزها التحديات والمصاعب، لما يتميز به من المواقف المعتدلة والوسطية، والسعي إلى الدولة الديمقراطية القوية، لكن السؤال يبقى في مناسيب الوعي الشعبي التي تستوعب رؤى الحكيم والعمل على دعمه في انجاز مشروعه عبر التصويت لمرشحيه في الانتخابات، فاذا تحقق ذلك سيكون بإمكانه وبالتعاون مع القوى السياسية، تشكيل حكومة قوية وكفؤة عبر الدعم الشعبي.
الحكيم امام تحدي “استماع” و “تعاون” القوى السياسية الأخرى، وامام مديات وعي الشعب لما يحذر منه.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: القوى السیاسیة
إقرأ أيضاً:
الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
يأخذك الحديث وأنت تتأمل فيلم غيوم لمُزنة المسافر إلى التطور الفني والموضوعي في تجربتها، موضوعا التعددية الثقافية والعرقية في المجتمع العماني كمصدر ثراء غني، تتجه إليه مزنة في استقصائها الطويل، مزيلة وهم ما يفصل بيننا، عبر البحث عن ما يجمع بيننا ويأتلف في نسيج اجتماعي واحد. عبر هذا الثراء العرقي واللغوي نخلق تجانسنا الحقيقي، التجانس المميز لمجتمعنا منذ جذوره التاريخية البعيدة. فنيا يشكل فيلم غيوم تحولا نوعيا تخرج به مزنة عن الطرح الأفقي للتجربة، عن أحكام البداية فتتسلسل الأحداث وصولا إلى نهايتها. فيلم غيوم يخرج عن القوالب التقليدية في السينما منحازا إلى شاعريتها، الغائب والماضي والمفقود هم من يشكل وهج الأحداث، ويدفع بشخوصه إلى المحبة والأسى والفراق والندم، محكومة بالماضي الذي تسدل ظلال أحداثه على الحاضر والمستقبل معا. فنيا ينحاز السيناريو إلى الصورة السينمائية عنه إلى الحوار، الصورة خاصة في تجسيدها المباشر لملامح شخوص الفيلم، قادرة حقا على نقل عواطفهم واختلاجات قلوبهم، سينمائيا تضفي هذه اللغة الجمال السينمائي، الذي تريد مزنة إيصاله إلينا، ما لا يستطيع الحوار نقله عبر السينما.
اختيار مُزنة لطرح تجربتها جبال ظفار، عائدة بنا إلى عام ١٩٧٨م، أي بعد ثلاثة أعوام من نهاية حرب الجبل بعد حرب طويلة استمرّت عشرة أعوام. هذه الحرب هي الماضي الذي يثقل أرواح رعاة الجبل، الماضي الذي يسدل على الحياة مشاعر الفقدان والخوف من عودة الحرب ثانية. الحرب التي تركت في كل منزل قتيلًا، أو قريبًا لقتيل، أحرقت المراعي وفتكت بالإبل مصدر حياة سكانه، والأثقل أنها تركت روح الفرقة بين أبناء الجبل، نظرا لتغير مواقفهم من موقع إلى آخر، ذلك ما نقرأ ثقله في حياة بطل الفيلم دبلان الذي يتحول بعد الحرب إلى رجل منطو على نفسه، يرفض مشاركة الناس أفراحهم وأحزانهم ويقضي معظم وقته في العناية ببندقيته، وملئها بالرصاص حتى تكون جاهزة للقضاء على النمر في أي وقت تتكرر عودة الحرب ثانية إلى جبال ظفار.
مزنة في هذا الفيلم العميق والشاعري في آن تبتعد عن تقديم الرصاص والقصف والقتلى، كما أن المرأة القتيلة لم تظهر في الفيلم أبدا، رغم ظهور ذكراها المتواصل، كهاجس يومي يلازم حياة الأب وابنه عمر وابنته سلمى، المرأة ومقتلها الغامض هي السر المكتوم في الفيلم، ابنها عمر كل ليلة ينام في حضن أخته الكبرى، متخيلا والدته تنام على سحابة بعيدة في السماء، يراقب أباه يوميا أثناء تنظيف وتعمير بندقيته، محاولا أكثر من مرة خطفها منه، دون أن يتبين لنا السبب المباشر لذلك، حتى نجاح اختطافه البندقية في مشهد سينمائي أخاذ، يوجّه فيه عمر البندقية إلى صدر أبيه طالبا منه فك لغز اختفاء أمه، تكون الفرصة مؤاتية آنذاك للأب للاعتراف لابنه وابنته أن الأم قد توفيت برصاصة طائشة أثناء معارك الجبل، دون أن يحدد من أي طرف جاءت الرصاصة، ذكاء مزنة يوقف التجربة برمتها أمام تقييم جديد يكشفه التاريخ في مستقبل الأيام، والوقت ما زال باكرا لإدانة طرف ضد آخر، فقط الخوف من عودة الحرب ثانية، هي النمر الذي يستعد دبلان يوميا لمواجهته. وأخيرا لتعليم ابنه طريقة استخدام البندقية لقتل النمر وحش الحرب قبل وصوله إلى الجبال.
مصدر إيحاء غيوم هي مجموعة من الصور الوثائقية التقطها والدها الفنان موسى المسافر، الذي دون شك عاصر مرارة تلك الأحداث، تكشف لنا جانبا مهما من حياة أبناء الجبل في ظفار أثناء الحرب وبعد انتهائها. من تلك الصور الوثائقية استمدت مزنة هذا الإلهام المتدفق، وصاغت سيناريو فيلم غيوم، الذي يأتي ليس لإدانة طرف دون آخر، بل لإدانة الحروب البشرية برمتها، ذلك لأنها نظرت لنتائجها الوخيمة في عيني دبلان رب العائلة الذي مع خروجه حيا منها إلا أنه خرج مهزوما فاقد القدرة على الحياة، معذبا بالماضي الذي قدمته مزنة كنمر يفترس كل ما أمامه دون تمييز ورحمة.
مزنة تعي جيدا آثار الحروب على تغيير العلاقات الاجتماعية بين البشر، العلاقة بين دبلان وشيخ القبيلة بعد الحرب، ليست هي العلاقة إياها قبل الحرب، يتقدم شيخ القبيلة المتقدم في العمر لخطبة سلمى صبية دبلان، المرتبطة بعلاقة عاطفية مع سالم الصبي الجبلي من جيلها. يقف دبلان وهو راعي الإبل الجبلي موقفا متقدما عندما يرفض تزويج ابنته شيخ القبيلة الثري، مزوجا إياها الصبي الفقير مع مباركة الأب له بحبات من شجرة اللبان الأسطورية والتي تصل محبة أبناء الجبل لها إلى درجة التقديس، نظرا لارتباط استخدامها بطقوس دينية في معابد الأديان الهندية بل وفي معابد الأديان السماوية قديما.
الفيلم ناطق بالشحرية لغة رعاة الجبال بظفار، كان ذلك ضروريا، هذا ما أدركته مزنة، منذ بداية اشتغالها على المشهد السينمائي العماني، بما يحمله من تنوع عرقي وثقافي أخاذ منذ قديم الزمان. قبلها قدمت فيلم شولو الناطق بالسواحيلية وفيلم بشك الوثائقي الناطق بالبلوشية. هي السينمائية التي لا تعترف بفوارق وهمية بين أبناء الوطن الواحد، القادرة على اكتشاف النسيج الاجتماعي المخفي، الرابط أبناءه روحيا على أرض واحدة، وتحت سماء واحدة.
فيلم تشولو، تناقش مُزنة فيه تجربة الانتماء الوطني والحنين إلى الجذور البعيدة خلف البحار، تدور أحداثه في زنجبار، موطن أساسي لهجرة العمانيين عبر التاريخ لقرون مضت، يستقبل تشولو الصبي أخاه عبدالله القادم من عُمان، يعيشان معا توافق البحث عن جذورهم المشتركة، يتعرضان للاعتداء من رجال أفارقة بسبب انتماء عبدالله العربي الواضح في لونه، تتراءى عمان وطنا بعيدا مجهولا لتشولو، أرضا سحرية لن يعود إليها أبدا، يعود عبدالله مع أبيه ويظل تشولو ينظر إلى البحر، إلى السفن وهي تبحر عائدة إلى عمان التي لن يراها أبدا، هكذا تتكرر تجربة الماضي الساكن كقيد يرتبط به المرؤ. ولكن بشكل إيجابي في تشولو عنه في غيوم، مزنة تتجاوز تجربة الحنين النوستالجي إلى الماضي، في الفيلمين تنظر إلى الماضي كقيد يجب علينا كسره والانطلاق إلى المستقبل دون الالتفات إليه. خاصة في مرارة أحداثه كما هو في فيلم غيوم، حيث يبقى الدم الأفريقي العماني المشترك، تجربة حضارة مشتركة أيضا، تغذي النسيج الاجتماعي العماني بخصوبة العطاء في فيلم تشولو، أي أنها تنطلق من الإيجابي في ثراء الوجود العماني بشرق إفريقيا، الثراء الذي دفع بالأفارقة إلى ما هو مثمر، حيث حمل العمانيون معهم الأساليب الحديثة في الزراعة، وارتياد آفاق العمل التجاري، ونشر الدين الإسلامي وغيرها من الدلائل الحضارية المهمة، التي تؤكد إيجابية وجودهم المبكر في شرق إفريقيا. وحش الماضي الذي يصوب له دبلان وابنه عمر البندقية لمواجهته، يحتفظ له تشولو وأخيه عبدالله بمئة قطعة من المندازي الذي خبزته لهما جدتهم الإفريقية، يحشوان فم النمر المفترس بها حتى لا يكون قادرا على افتراسهما معا. ذلك دون شك مشهد طفولي ساحر يؤكد وحدة الأخوين ضد وحش الحرب المأساوية بين العمانيين والأفارقة، أي من المحبة المشتركة بينهما نخلق إمكانية التعايش المشترك والوحش الذي يطعمه الطفلان العماني والأفريقي المندازي، هي الحرب التي خلقت روح الكراهية بينهما، وآن لنا جميعا طي صفحاتها الدموية، نحو خلق عالم أجمل لأجيالنا القادمة.
مُزنة التي جاءت بعد ستين عاما على مأساة خروج العمانيين من شرق إفريقيا بطريقة مأساوية فقد فيها العمانيون الآلاف من أبنائهم ثم أنها جاءت بعد خمسين عاما أيضا بعد نهاية حرب الجبل بظفار، تنصت إلى أوراق التاريخ التي تحفظ لنا ما فقد وتم نسيانه، مؤهلة حقا للذهاب أبعد مستقبلا، نحو تقديم تجارب العطاء العماني المتدفق عبر التاريخ، ورفد السينما العمانية الناشئة بلغة شاعرية متميزة، ذلك حقا جوهر الفن الطليعي الجاد، يضيء كالنجوم ترشد المسافرين في ليل البحار إلى المجهول.
فيلم غيوم /روائي قصير /ناطق بالشحرية/ جائزة أفضل فيلم روائي قصير /المهرجان السينمائي الخليجي ٢٠٢٤م. إخراج مزنة المسافر.
فيلم تشولو/ روائي قصير/ ناطق بالسواحيلية /جائزة أفضل سيناريو /مهرجان أبوظبي السينمائي ٢٠١٤ م. إخراج مزنة المسافر.
سماء عيسى شاعر عُماني