د. مصطفى التل: الأزمة السودانية والتداخلات الدولية
تاريخ النشر: 7th, July 2023 GMT
د. مصطفى التل الجيش السوداني وقوات الدعم السريع دخلا في تحالف معلن وعن طريق الانقلاب اسقطوا الحكومة المدنية في السودان بعد اجراء انتخابات , تدخل المجتمع الدولي و وضع خطة لبدء عملية الانتقال لمرحلة سياسية جديدة مع الأطراف المدنية. وكان من المقرر توقيع اتفاق نهائي في وقت سابق من نيسان من هذا العام، في الذكرى الرابعة للإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في انتفاضة شعبية بموجب هذه الخطة الدولية كان يتعين على كل من الجيش وقوات الدعم السريع التخلي عن السلطة.
الاطراف الدولية ودورها في النزاع السوداني … الطرف الامريكي والاوروبي : هذا الطرف لم يتخذ خطوات واقعية باتجاه دعم السودان نحو الحكومة المدنية , ولم يضغط باتجاه اجراء انتخابات حاسمة في السودان , بعد الانقلاب أوقفت الدعم المالي للسودان , ثم عادت ودعمت الخطة الدولية للانتقال المدني . الطرف الروسي بالتضامن مع الامارات على مبدأ المنفعة المتبادلة : روسيا بدأت بالعمل على بناء قاعدة بحرية لها على البحر الأحمر , موقعة عدة اتفاقيات استثمارية مع شركات اماراتية ومنها مجموعة مستثمرين اماراتيين لتشغبل وادامة القاعدة البحرية , بعد بناءها , وبالتالي النزاع يُجيّر الآن باتجاه الاستفادة لانتزاع اكبر قدر ممكن من التنازلات لصالح هذا المشروع . اضافة لتوقيع مشروع اماراتي كبير نسبيا في السودان مفاده انشاء شركة طيران منخفضة الكلفة , مقرها في الخرطوم . الطرف المصري : هذا الطرف يتمتع بعلاقات قوية مع الجيش السوداني كما كان علاقته مع النظام السابق البشير , وقد قاد مفاوضات شاقة بين الجيش السوداني والاطراف الأخرى الموالية للبشير سابقا , واجهت ضغوطا قوية معاكسة من طرف الامارات والسعودية مع الطرف الامريكي والاوربي . الطرف الاماراتي والسعودي كمواقف سياسية : حاولا تشكيل الأحداث في السودان , مبتعدين عن محور الاسلاميين في ذلك البلد وحصره ومحاولة القضاء عليه , وذلك انهما يعتبران أي تحرك لأي تشكيل ينضوي تحت الاسلام السياسي هو تهديد جوهري لسياسة هاذين البلدين في المنطقة . وبطبيعة الحال يجب عدم عودة أي تشكيل او شخص له علاقة بنظام البشير سابقا , معتقدين ان ابتعاد الاسلاميين والبشير ونظامه وكل ما له صلة بهذين التيارين سيجلب الاستقرار للبلد . مستخدمة الاغراءات المالية , وقدرتهما على ضخ الاموال لذلك البلد , ومنها الاستثمارات الزراعية الخليجية في ذلك البلد والتي الآن تراوح مكانها نتيجة صراع الاطراف في السودان . مع ملاحظة ان الطرفين المتقاتلين في السودان, حاولا الارتماء بالأحضان الخليجية بكل ما استطاعوا من قوة نتيجة الاغراء المادي الحاصل , وتبلورت هذا الارتماءات في الدعم السوداني للحرب السعودية في اليمن بالجنود . الطرف الاسرائيلي : اسرائيل تسعى بكل السبل للاختراق في العمق العربي , مستفيدة من بعض الدول العربية نفسها بغطاء دولي تحت المظلة الامريكية , من باب ان الولايات التحدة مستعدة لرفع السودان عن قائمة الدول الراعية للارهاب مقابل التطبيع مع اسرائيل , وهو ما نجح فعلاً , من هنا تم توقيع اتفاق تطبيع بين السودان واسرائيل , فاسرائيل اتبعت المكون العسكري في السودان ودعمه , بشكل اكبر القائد العام للجيش ( البرهان ) بينما ركزت على دعم ( حميدتي) بشكل أقل . اعتمدت اسرائيل في سياسة التطبيع مع السودان على سياسة السعودية والامارات فيها , والاستفادة من هاتين الدولتين في نجاحها في استبعاد القوى الاسلامية على الساحة السودانية المتحكمة بشؤون ادارة كفة الحكم فيها , وبنفس الوقت ازاحة المواليين للبشير من هذه الساحة , وهما المكونين الذين تكفلا بافشال التطبيع مع اسرائيل . بينما انجرف حميدتي والبرهان نحو التطبيع بضوء اخضر من الامارات تحديدا . اسرائيل حاليا تحاول الترجيح احدى الكفتين على الأخرى , كفة حميدتي وكفة البرهان , بعد فشلها في دعوتها لعقد مباحثات بين الطرفين على الأرض الفلسطينية , ولكن اسرائيل حاليا يساورها القلق حول البرهان نفسه نتيجة علاقاته مع بعض الموالين لنظام البشير سابقا , وعلاقاته مع بعض مكونات الحركات الاسلامية على الساحة السودانية . الامر الذي يكفل نسف كل جهود التطبيع معها ان نجحت حكومة مدنية بدعم البرهان , يتخللها عناصر موالين للحركات الاسلامية ولنظام البشير سابقا . كذلك ان فاز حميدتي بالصراع فإن على اسرائيل أخذ بالحسبان حزب الأمة القومي , متوازيا مع ذلك شعور ارتياح اسرائيلي بشكل عام نحو مؤسسات للمجتمع المدني التي نشأت بعد احداث السودان والاطاحة بنظام البشير , نتيجة تنامي الشعور العام لدى هذه المنظمات بأنه ستفقد الدعم الامريكي لها وبالتالي الدولي ان هي تخلت عن اعلان التطبيع والذي اخذ طابعا دوليا . هذه العقبات جميعها , والخيوط الدقيقة , تجعل اسرائيل تدخل بقوة على خط المواجهات السودانية , في محاولة منها لإنقاذ ما تسميه اختراق كبير في التطبيع . الموقف العربي العام من الأزمة السودانية : حقيقة منعت الامارات والسعودية كنتيجة طبيعية لثقلها في السودان , من أي تدخلات عربية في محاولة لتخفيف الأزمة في السودان على أقل تقدير بعيدا عن أعينهما وسيطرتهما وتشابك مصالحها الدولية والاقتصادية من الباب السوداني تحديدا . ونتيجة لذلك , نأت الدول العربية بنفسها عن الأزمة السودانية , باعتبار أي طرح لحل الأزمة , سيضع هذه الدول بمواجهة السعودية والامارات مباشرة , مما يعني اخلال بتوازنات مالية وسياسية لها حسابها الدقيق . الموقف الاسلامي للعالم الاسلامي من الأزمة : السعودية تسيطر على منظمة التعاون الاسلامي , وبالتالي كانت سدا منيعا حول أي مبادرة اسلامية تجاه نزع الفتيل للأزمة . بالمقابل : ايران تسيطر على مجموعة دول عربية واسلامية تعارض المسار السعودي على الأرض , وبالتالي الدخول بمواجهة معسكرين على الأرض , سيؤدي في النتيجة النهائية الى صراع أكبر من الازمة السودانية بكثير . للأسف الشديد, العالم الاسلامي مشلول شلل تام نتيجة الصراع السعودي الايراني , مع سياسة الامارات التي ترى في التحركات الاسلامية تحت مصطلح الاسلام السياسي تهديد وجودي لها خارج الامارات , لذلك لا مغزى لأي تحرك اسلامي في الوقت الحالي ولا تأثير . مخاطر الأزمة السودانية العامة : كما لاحظنا أن الأزمة السودانية أكبر وأعمق بكثير مما يظهر على السطح , وتعقيداتها الدولية وتداخلات المصالح وفرض النفوذ , وتناطح الأكباش على ساحتها , وباستخدام طرفي النزاع فيها , هو اشبه ما يكون بحرب عالمية مصغرة تدور على الساحة السودانية . المنافسة على النفوذ في المنطقة بين روسيا والولايات المتحدة وبين القوى الإقليمية التي تتودد إلى قوى مختلفة في السودان كفيل بجعل الساحة السودانية برميل بارود شبيه بمنطقة البلقان ودورها في الحرب العالمية الأولى . كما أن السودان سيفجّر افريقيا برمتها ان خرجت ازمته عن السيطرة , مما سيهدد الملاحة في البحر الاحمر , وتمتد اثاره الى كافة مناطق الخليج وبلاد الشام ومصر بلا استناء . الحل الأنسب : الحل الانسب ينبع من داخل السودان نفسه , لا من خارجه , بإحدى طريقتين أحلاهما مر : الأولى: الاتفاق على خلع حميدتي والبرهان من أي موقع يشغلانه , وبالتالي اعادة التوازن للساحة السودانية من خلال فك الارتباط بكل ما هو مؤثر خارجيا , وخاصة التداخلات الدولية والتي تستخدم البرهان وحميدتي كأحد أدواتها المؤثرة في التحرك على الأرض . الثاني: اعادة التوازن للسلطات داخل الدولة , وابقاء دور الجيش السوداني كحامي للدولة السودانية ولا علاقة له بالسياسة , واعادة بناء اجهزة رقابية وتشريعية وتنفيذية , ولو أدى ذلك الى مواجهات مع البرهان وحميدتي , وبالتالي افقاد هاذين الاسمين لأي معنى لأي تحرك داخل السودان , مما يعني اعادة الهدوء ولو نسبيا للسودان, حتى يتم التفرغ لاعادة هيكلة السلطات في السودان نتيجة تطور طبيعي لما تم بدءه باعادة التوازن , وهذا يتطلب جهود الشعب السوداني من خلال المثقفين والمؤثرين الدينيين وشيوخ القبائل وغيرهم الكثير , وسهل جدا جمعهم إن وجدوا ارادة صارمة لذلك . على كل حال، النتائج على الارض لهذا الصراع لا زالت ببدايتها. وجاهل من يعتقد انه سينتهي داخل الحدود السودانية ان استمر بالتصعيد. نسأل الله ان يصلح الأمة وقادتها.
المصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع الجیش السودانی فی السودان على الأرض
إقرأ أيضاً:
كم بلغ ضحايا مجزرة الهلالية شرق الجزيرة السودانية؟
تشهد مدينة الهلالية في شرق ولاية الجزيرة بالسودان تصاعدًا مأساويًا في الانتهاكات والعنف منذ أواخر أكتوبر، حيث ارتفع عدد الضحايا جراء العمليات العسكرية التي تنفذها قوات الدعم السريع.
وتشير التقارير المحلية إلى أن الأهالي يتعرضون لانتهاكات واسعة، منها القتل المباشر والنقص الشديد في الغذاء والدواء، إضافة إلى عمليات اختطاف قاسية، حيث يُحتجز الشباب ويُطلب من ذويهم دفع فدية ضخمة تصل إلى 6 ملايين جنيه سوداني مقابل الإفراج عنهم.
ورغم أن بعض العائلات قامت بالدفع، إلا أن المخطوفين لم يتم الإفراج عنهم حتى الآن، مما يزيد من معاناة العائلات.
واقع مأساوي تحت الحصار ونزوح قسريتعيش مدينة الهلالية ومحيطها في ظل حصار خانق فرضته قوات الدعم السريع، إذ تُمنع المساعدات الإنسانية، وتتزايد حالات التسمم والأوبئة بين المدنيين نتيجة نقص المياه النظيفة والغذاء. ووفقًا لمنصة "مؤتمر الجزيرة"، فإن أكثر من 1237 مدنيًا من مناطق شرق وشمال الجزيرة لقوا حتفهم في الأسابيع الأخيرة، سواء بسبب الطلقات النارية المباشرة أو نتيجة الظروف الإنسانية القاسية التي تسببت في تدهور الوضع الصحي. وأدى الحصار إلى نزوح قسري لآلاف السكان، حيث أُجبر الأهالي على ترك منازلهم، بينما احتلت قوات الدعم السريع بعض المباني السكنية بعد حرق أخرى، مما يعمّق الأزمة الإنسانية.
مناشدات دولية وتحركات إنسانية عاجلةوجّه أبناء الهلالية في دول الخليج العربي نداءات للمجتمع الدولي، مطالبين بالتدخل العاجل لرفع الحصار عن مدينتهم وفتح تحقيق شامل في الانتهاكات. وشددوا على ضرورة تصنيف قوات الدعم السريع كجماعة إرهابية ومحاسبة قادتها، معتبرين أن هذه الجرائم تشكل انتهاكًا خطيرًا لحقوق الإنسان. من جهة أخرى، قرر مجلس الأمن فرض عقوبات على عدد من قادة قوات الدعم السريع، في خطوة تهدف إلى كبح العنف في السودان، وسط مطالبات متصاعدة بتعزيز التدخل الدولي لمواجهة الجرائم الإنسانية بحق المدنيين في الهلالية ومناطق شرق الجزيرة.
حصيلة ضحايا الهلالية
ارتفعت عدد الضحايا إلى 463 مدنيًا جراء العمليات العسكرية التي تنفذها قوات الدعم السريع.