د. مصطفى التل  الجيش السوداني وقوات الدعم السريع دخلا في تحالف معلن وعن طريق الانقلاب اسقطوا الحكومة المدنية في السودان بعد اجراء انتخابات  , تدخل المجتمع الدولي و وضع  خطة لبدء عملية الانتقال لمرحلة سياسية جديدة مع الأطراف المدنية. وكان من المقرر توقيع اتفاق نهائي في وقت سابق من نيسان من هذا العام، في الذكرى الرابعة للإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في انتفاضة شعبية  بموجب هذه الخطة الدولية كان يتعين على كل من الجيش وقوات الدعم السريع التخلي عن السلطة.

*ثار نزاع مبكر حول الخطة من خلال نقطتين : الأولى : الجدول الزمني لدمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة النظامية . الثانية : توقيت وضع الجيش رسميا تحت إشراف مدني . اندلعت مواجهات مسلحة بين الطرفين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع , وكل منهم يكيل التهم للطرف الآخر , الجيش السوداني  يتهم قوات الدعم السريع بأنهم  قاموا  بتعبئة  غير قانونية في صفوفه , بينما قوات الدعم السريع تتهم الجيش السوداني بانه يتآمر مع عناصر موالية للبشير للسيطرة والاستفراد بالسلطة في السودان .  استراتيجية طرفا النزاع : الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الحاكم في السودان منذ عام 2019، والفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، نائبه في المجلس وقائد قوات الدعم السريع . كل منهم اتبع استراتيجية  تلميع واظهار , منذ توليهم مهامهم بعد الانقلاب على الحكومة المدنية المنتخبة . حميدتي تحالف  مع قوى  الحرية والتغيير  كجبهة مجتمع مدني ,  والتي  تقاسمت السلطة مع الجيش في الفترة الممتدة من الإطاحة بالبشير وانقلاب 2021. هذا التحالف لجأ اليه حميدتي منذ البداية لمحاولة تصويره وانتاج شخصيته من جديد , على أنه رجل دولة , مدعوما بثروة طائلة نتيجة تعدين الذهب والموارد الأخرى في السودان , معتمدا في هذا التحالف على محور استبعاد انصار الرئيس السابق  البشير ومحاولة  استخدام العداء نحوهم لمزيد من التحالف مع القوى المعارضة لهم على الأرض . بينما اتجه الجيش السوداني ممثلاً بالبرهان  الى توثيق التحالف مع بعض الموالين للبشير سابقا , من باب أن هذا الامر لا بد منه نتيجة تغلغلهم في المجتمع السوداني , وسيطرتهم على مفاصل هامة في هذا المجتمع , وبنفس الوقت عارض الجيش  السوداني مع حلفاءه خطة الانتقال الجديد المدني مستفيدة من تمرد بعض وحدات الجيش السوداني والتي استفادت من اتفاقية السلام عام 2020 .

 

الاطراف الدولية ودورها في النزاع السوداني … الطرف الامريكي والاوروبي : هذا الطرف لم يتخذ خطوات واقعية باتجاه دعم السودان نحو الحكومة المدنية , ولم يضغط باتجاه اجراء انتخابات حاسمة في السودان , بعد الانقلاب أوقفت الدعم المالي  للسودان , ثم عادت ودعمت الخطة الدولية للانتقال المدني . الطرف  الروسي بالتضامن مع الامارات على مبدأ المنفعة المتبادلة : روسيا بدأت بالعمل على بناء قاعدة بحرية لها على البحر الأحمر , موقعة عدة اتفاقيات استثمارية مع شركات اماراتية ومنها مجموعة مستثمرين اماراتيين لتشغبل وادامة القاعدة البحرية , بعد بناءها , وبالتالي النزاع يُجيّر الآن باتجاه الاستفادة لانتزاع اكبر قدر ممكن من التنازلات لصالح هذا المشروع . اضافة لتوقيع مشروع اماراتي كبير نسبيا في السودان مفاده انشاء شركة طيران منخفضة الكلفة , مقرها في الخرطوم . الطرف  المصري : هذا الطرف يتمتع بعلاقات قوية مع الجيش السوداني كما كان علاقته مع النظام السابق البشير , وقد قاد مفاوضات شاقة بين الجيش السوداني والاطراف الأخرى الموالية للبشير سابقا , واجهت ضغوطا قوية معاكسة من طرف الامارات والسعودية مع الطرف الامريكي والاوربي . الطرف الاماراتي والسعودي  كمواقف سياسية : حاولا تشكيل الأحداث في السودان , مبتعدين عن محور الاسلاميين في ذلك البلد وحصره ومحاولة القضاء عليه  , وذلك انهما يعتبران أي تحرك لأي تشكيل ينضوي تحت الاسلام السياسي هو تهديد جوهري لسياسة هاذين البلدين في المنطقة . وبطبيعة الحال يجب عدم عودة أي تشكيل او شخص  له علاقة بنظام البشير سابقا , معتقدين ان ابتعاد الاسلاميين والبشير ونظامه وكل ما له صلة بهذين التيارين سيجلب الاستقرار للبلد . مستخدمة الاغراءات المالية , وقدرتهما على ضخ الاموال لذلك البلد , ومنها الاستثمارات الزراعية الخليجية في ذلك البلد والتي الآن تراوح مكانها  نتيجة صراع الاطراف في السودان . مع ملاحظة ان الطرفين المتقاتلين في السودان,  حاولا الارتماء بالأحضان الخليجية  بكل ما استطاعوا من قوة نتيجة الاغراء المادي الحاصل , وتبلورت هذا الارتماءات في الدعم السوداني للحرب السعودية في اليمن بالجنود . الطرف الاسرائيلي : اسرائيل تسعى بكل السبل للاختراق في العمق العربي , مستفيدة من بعض الدول العربية نفسها بغطاء دولي تحت المظلة الامريكية , من باب ان الولايات التحدة مستعدة لرفع السودان عن قائمة الدول الراعية للارهاب مقابل التطبيع مع اسرائيل , وهو ما نجح فعلاً ,  من هنا تم توقيع اتفاق تطبيع بين السودان واسرائيل , فاسرائيل اتبعت المكون العسكري في السودان ودعمه , بشكل اكبر القائد العام للجيش ( البرهان ) بينما ركزت على دعم ( حميدتي) بشكل أقل . اعتمدت اسرائيل في سياسة التطبيع مع السودان على سياسة السعودية والامارات فيها ,  والاستفادة من هاتين الدولتين في  نجاحها في استبعاد القوى الاسلامية على الساحة السودانية  المتحكمة بشؤون ادارة كفة الحكم فيها , وبنفس الوقت ازاحة المواليين للبشير من هذه الساحة , وهما المكونين الذين تكفلا بافشال التطبيع مع اسرائيل . بينما انجرف حميدتي والبرهان نحو التطبيع  بضوء اخضر من الامارات تحديدا . اسرائيل حاليا تحاول الترجيح احدى الكفتين على الأخرى , كفة حميدتي وكفة البرهان , بعد فشلها  في دعوتها لعقد مباحثات بين الطرفين على الأرض الفلسطينية , ولكن اسرائيل حاليا يساورها القلق حول البرهان نفسه  نتيجة علاقاته مع بعض الموالين لنظام البشير سابقا , وعلاقاته مع بعض مكونات الحركات الاسلامية على الساحة السودانية . الامر الذي يكفل نسف كل جهود التطبيع معها ان نجحت حكومة مدنية بدعم البرهان , يتخللها عناصر موالين للحركات الاسلامية ولنظام البشير سابقا . كذلك ان فاز حميدتي بالصراع فإن على اسرائيل أخذ بالحسبان حزب الأمة القومي , متوازيا مع ذلك  شعور ارتياح اسرائيلي بشكل عام نحو مؤسسات للمجتمع المدني التي نشأت بعد احداث  السودان والاطاحة بنظام البشير , نتيجة تنامي الشعور العام لدى هذه المنظمات بأنه ستفقد الدعم الامريكي لها وبالتالي الدولي ان هي تخلت عن اعلان التطبيع والذي اخذ طابعا دوليا . هذه العقبات جميعها , والخيوط الدقيقة , تجعل اسرائيل تدخل بقوة  على خط المواجهات السودانية , في محاولة منها لإنقاذ ما تسميه اختراق كبير في التطبيع . الموقف العربي العام من الأزمة السودانية : حقيقة منعت الامارات والسعودية كنتيجة طبيعية لثقلها في السودان , من أي تدخلات عربية في محاولة لتخفيف الأزمة في السودان على أقل تقدير بعيدا عن أعينهما  وسيطرتهما وتشابك مصالحها الدولية والاقتصادية من  الباب السوداني تحديدا . ونتيجة لذلك , نأت الدول العربية بنفسها عن الأزمة السودانية , باعتبار أي طرح لحل الأزمة , سيضع هذه الدول بمواجهة السعودية والامارات مباشرة , مما يعني اخلال بتوازنات مالية وسياسية لها حسابها الدقيق . الموقف الاسلامي للعالم الاسلامي من الأزمة : السعودية تسيطر على منظمة التعاون الاسلامي , وبالتالي كانت سدا منيعا حول أي مبادرة اسلامية تجاه نزع الفتيل للأزمة . بالمقابل : ايران تسيطر على مجموعة  دول عربية واسلامية تعارض المسار السعودي على الأرض , وبالتالي الدخول بمواجهة معسكرين  على الأرض , سيؤدي في النتيجة النهائية الى صراع أكبر  من الازمة السودانية بكثير . للأسف الشديد, العالم الاسلامي مشلول شلل تام نتيجة الصراع السعودي الايراني , مع سياسة الامارات التي ترى في التحركات الاسلامية تحت مصطلح الاسلام السياسي تهديد وجودي لها خارج الامارات , لذلك لا مغزى لأي تحرك اسلامي في الوقت الحالي ولا تأثير . مخاطر الأزمة السودانية العامة : كما لاحظنا أن الأزمة السودانية أكبر وأعمق بكثير مما يظهر على السطح , وتعقيداتها الدولية وتداخلات المصالح وفرض النفوذ , وتناطح الأكباش على ساحتها , وباستخدام طرفي النزاع فيها , هو اشبه ما يكون بحرب عالمية مصغرة تدور على الساحة السودانية . المنافسة على النفوذ في المنطقة بين روسيا والولايات المتحدة وبين القوى الإقليمية التي تتودد إلى قوى مختلفة في السودان  كفيل بجعل الساحة السودانية برميل بارود شبيه بمنطقة البلقان ودورها في  الحرب العالمية الأولى . كما أن السودان سيفجّر افريقيا برمتها ان خرجت ازمته عن السيطرة , مما سيهدد الملاحة في البحر الاحمر ,  وتمتد اثاره الى كافة مناطق الخليج وبلاد الشام ومصر بلا استناء . الحل الأنسب : الحل الانسب ينبع من داخل السودان نفسه , لا من خارجه , بإحدى طريقتين أحلاهما مر  : الأولى: الاتفاق على خلع حميدتي والبرهان من أي موقع يشغلانه , وبالتالي اعادة التوازن للساحة السودانية من خلال فك الارتباط بكل ما هو مؤثر خارجيا , وخاصة التداخلات الدولية والتي تستخدم البرهان وحميدتي كأحد أدواتها المؤثرة في التحرك على الأرض . الثاني:  اعادة التوازن للسلطات داخل الدولة , وابقاء دور الجيش السوداني كحامي للدولة السودانية ولا علاقة له بالسياسة , واعادة بناء اجهزة رقابية وتشريعية وتنفيذية , ولو أدى ذلك الى مواجهات مع البرهان وحميدتي , وبالتالي افقاد هاذين الاسمين لأي معنى لأي تحرك داخل السودان , مما يعني اعادة الهدوء ولو نسبيا للسودان, حتى يتم التفرغ لاعادة هيكلة السلطات في السودان نتيجة تطور طبيعي لما تم بدءه باعادة التوازن , وهذا يتطلب جهود الشعب السوداني من خلال المثقفين والمؤثرين الدينيين وشيوخ القبائل  وغيرهم الكثير , وسهل جدا جمعهم إن وجدوا ارادة صارمة لذلك . على كل حال، النتائج على الارض لهذا الصراع لا زالت ببدايتها. وجاهل من يعتقد انه سينتهي داخل الحدود السودانية ان استمر  بالتصعيد. نسأل الله ان يصلح الأمة وقادتها.

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع الجیش السودانی فی السودان على الأرض

إقرأ أيضاً:

جهود مصرية لوقف نزيف الدم.. القاهرة تستضيف مؤتمر القوى السياسية المدنية السودانية غدا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

فى ظل الجهود المصرية الهادفة إلي وقف نزيف الدم في السودان، تستضيف القاهرة، غدا السبت، مؤتمرا يشمل كل القوى السياسية المدنية السودانية، بحسب ما أعلنت وزارة الخارجية.

 يشهد المؤتمر حضور الشركاء الإقليميين والدوليين المعنيين، بهدف التوصل إلى توافق بين مختلف القوى السياسية المدنية السودانية بشأن سبل بناء السلام الشامل والدائم فى البلاد، عبر حوار وطنى "سودانى - سودانى"، يتأسس على رؤية سودانية خالصة.

وفي 13 يوليو من العام الماضي، استضافت القاهرة مؤتمر قمة دول جوار السودان، حيث تم مناقشة سبل إنهاء النزاع الحالي والتداعيات السلبية له على دول الجوار، ووضع آليات فاعلة بمشاركة دول الجوار، لحل الأزمة في السودان بصورة سلمية، بالتنسيق مع المسارات الإقليمية والدولية الأخرى لتسوية الأزمة.

ومنذ اندلاع الأزمة السودانية منتصف إبريل عام 2023، تواصلت القاهرة مع طرفي الأزمة السودانية من أجل وضع رؤية لتسوية الأزمة تتضمن التوصل لوقف شامل ومستدام لإطلاق النار وعدم السماح بالتدخلات الخارجية في السودان والحفاظ على مؤسسات الدولة والسماح بدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية للمناطق المتضررة إثر الصراع.

ويعتبر أمن واستقرار السودان جزء من ركائز الأمن القومي المصري، وظهر ذلك بوضوح عندما اجتمع الرئيس عبد الفتاح السيسي في عدد من المرات مع رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق ركن عبدالفتاح البرهان، لبحث الأزمة، كما دعا السيسي في العديد من المناسبات جانبي الأزمة الى تغليب لغة الحوار والتوافق الوطني وإعلاء المصالح للشعب السوداني.

وأدي النزاع في السودان إلي الفوضى في جميع أنحاء البلاد، التي شهدت موجات من أعمال العنف العرقية في دارفور ودفع الملايين إلى  حافة الجوع.

وبادرت مصر ببذل جهود كبيرة من أجل تسوية الصراع ووفق القتال، والتي تتضمن الالتزام بحماية المدنيين، وانسحاب ميليشيا الدعم السريع من منازل المواطنين والأعيان المدنية المتمثلة في المؤسسات الحكومية ومراكز الخدمات المختلفة، لكن العثرات اعترضت إنفاذ الاتفاقات.

كما انتهكت الاتفاقات بشأن وقف إطلاق النار مرارا وتكرارا، ما أسفر عن تعثر الوصول لحل للأزمة. 

وتسبب احتدام الخصومة السياسية والعرقية داخل السودان في نزوح مئات الآلاف إلى مصر وتشاد ودولة جنوب السودان مع عبور أعداد أقل إلى إثيوبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى. 

مقالات مشابهة

  • جهود مصرية لوقف نزيف الدم.. القاهرة تستضيف مؤتمر القوى السياسية المدنية السودانية غدا
  • تحركات الرئيس السيسي لاحتواء الأزمة السودانية.. جهود مصرية مكثفة لإنهاء معاناة الأشقاء وإحلال السلام
  • الأمم المتحدة تدعوا الجيش السوداني والدعم السريع لمفاوضات الأسبوع المقبل
  • الدعم السريع تسيطر على اللواء 92 جنوب غربي السودان
  • الكلام ده اكبر من البرهان واكبر من حميدتي … لكن الله اكبر
  • حزب الأمة القومي يعلن المشاركة في مؤتمر القاهرة
  • مؤتمر القاهرة.. الفرصة الأخيرة للقوى السياسية السودانية
  • الجيش السوداني يحدد 4 شروط للتفاوض مع الدعم السريع
  • “إلا بعزة”.. البرهان يحدد شروط التفاوض مع الدعم السريع
  • البرهان يحدد شروطا للتفاوض مع الدعم السريع.. وتوسع في خطة مساعدة السودان