عتبات غير مسبوقة.. بقلم: أ. د. بثينة شعبان
تاريخ النشر: 13th, November 2023 GMT
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة أوائل الشهر الماضي ونحن نسجّل كل يوم عتبة غير مسبوقة في الوحشية البربرية التي تسجل في تاريخ الشعوب للصهاينة وعلى صعد مختلفة وسط صمت أو تساهل أو تخاذل دولي مريب، وبتشجيع من الحكومات الغربية التي سارعت إلى إرسال شحنات مرعبة من الأسلحة لقتل المزيد من الأطفال والأمهات وهدم البيوت على ساكنيها في غزة.
ولإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح والبدء من البداية، القضية هي بين شعب أعزل تمّ احتلال أرضه وتهجيره بقوة السلاح، فحاول من أمكنة لجوئه ومخيماته وسجونه المفتوحة والمحاصرة أن يصرخ صرخة ألم محاولاً إثبات حق وجود، فتحركت حاملات الطائرات والغواصات النووية الأميركية، وتمّ شحن المزيد من الطائرات والدبابات وسمح الغرب الذي يدعي حماية حقوق الإنسان للصهاينة باستخدام القنابل الفوسفورية المحرمة دولياً ضد المدنيين في غزة وجنوب لبنان، هادفاً إلى قتل أكبر عدد من الفلسطينيين الذين يدافعون عن أرضهم بلحمهم الحي وإيمانهم بأرضهم. وبدأ فرض هذه المعادلة اللامتوازنة على الإطلاق وكسر عتبة تلو الأخرى من عتبات الوحشية التي حرّمتها الشرعية الدولية والقانون الدولي الإنساني وقوانين الحروب، حيث تمّ قتل الجرحى بقصف المشافي ودور الصحافة ومخازن الطعام والمدارس والكنائس والمساجد وكل ما له علاقة بحياة الإنسان في ظروف العدوان من جهة والدفاع عن النفس من جهة أخرى.
هذه هي المرة الأولى التي أشهد فيها حرباً تجعل من المشافي والجرحى ومراكز الإيواء للنازحين والمراسلين هدفاً أساسياً من دون أن يحرك العالم ساكناً ومن دون أن تقوم دنيا الإعلام الغربي الذي أقام الدنيا ولم يقعدها حول ما حدث في أوكرانيا، في حين التزم الصمت حيال أبشع جرائم ترتكب بحق مرضى وجرحى وعزّل وأطفال ونساء وشيوخ لا حول لهم ولا قوة. في حين تستمر وسائل الإعلام الغربية بالصدور وهي تعبّر عن تأييدها المخزي لقيام جيش الاحتلال العنصري بارتكاب جرائم الحرب التي تزهق كل هذه الأرواح وتستهدف كل من يتجرّأ في الغرب على قول كلمة حق أو اتخاذ موقف ضد الظلم ولو كان مجرد موقف إعلامي لا يغيّر من معادلة الميدان شيئاً لمصلحة ضحايا الغرب من المدنيين العزّل.
بعد أن ارتكب المعتدون الإسرائيليون مئات المجازر بحق الفلسطينيين وقتلوا الآلاف من الأطفال ومثلهم من الأمهات والنساء، يبدأ المسؤولون الغربيون بالحديث الخجول عن ضرورة عدم استهداف المدنيين والدعوة إلى هدنة لمدة ساعات فقط! والسؤال الذي يلحّ على خاطري اليوم لماذا نقرأ بعد اليوم أو نشاهد إعلاماً غربياً لا كلمة ولا موقف لديه سوى دعم جرائم الحرب والوقوف بعدته وعديده إلى جانب المجرمين ضد حقوق وإنسانية الإنسان؟ ولماذا نسمع من يعتبرون أنفسهم زعماء ومسؤولين غربيين بعد أن برهنوا أن لا قيمة لما يتشدقون به من تقارير عن حقوق الإنسان ولما ينافقون به في خطبهم وتصريحاتهم عن الحرية؟ إذ لا موقف لديهم سوى الانسياق وراء من يضمن لهم استمرارهم في مراكزهم، ولا ضمير لديهم لنصرة مظلوم أو ردع الظالم عن تماديه ما دام الظالم مجرم حرب صهيونياً تدعمه أموال اللوبيات في الانتخابات، بل يمدون الظالم بكل أسباب وأدوات القتل الوحشية لأنهم لا يجرؤون على فعل شيء مخالف للصهيونية المتحكمة بمراكز القوة في الغرب من مال وإعلام ومخابرات كي لا يخرجوا من دوائر القرار والسلطة.
والعتبة الأخرى غير المسبوقة هي أن الرأي العام العالمي لا وجود له على أرض الواقع، إذ لا يستطيع أن يحرك ساكناً أو يتخذ قراراً وحتى حين التوصل إلى قرار في الجمعية العامة، لأن مجلس الأمن عملياً مشلول، فلا مرتسمات لهذا القرار على أرض الواقع، لأن قصف الطائرات والدبابات لا يقيم وزناً لرأي دول أو لكل المماحكات والحوارات ومسودات القرارات سواء رأت النور أم لم تره.
السؤال إذاً: أين نعيش نحن اليوم وفي أي عالم؟ ما شهدناه في العدوان الإسرائيلي الآثم والخطير وحرب الإبادة بحق الشعب الفلسطيني والتطهير العرقي والعنصري للفلسطينيين، يُري أننا نعيش في عالم متوحش تحكمه شريعة الغاب الغربية، وأن البقاء هو لمن يمتلك كل وسائل القهر والتدمير، وأن الأسلحة واستعراض القوة نجحا في إرهاب الآخرين حتى عن قول كلمة حق لأن القنابل الفوسفورية اليوم، وليس السيف فقط، مسلطة على رؤوس من يتجرأ ويعلن موقفاً مسانداً للمظلومين والضحايا.
والعتبة الأخرى هي أن المعتدين يعملون جاهدين لقتل أسراهم هم كي لا تتمّ مبادلتهم بأسرى فلسطينيين لديهم مسجونين ومقهورين بغير وجه حق منذ عشرات السنين، وأن أحد الوزراء الإسرائيليين من أبناء جلدة الأسرى المعتدين يدعو إلى قصف غزة بالقنبلة النووية، وحين سُئل عن الأسرى قال: إنه ثمن يجب دفعه، أي إننا نسمع مرة أخرى وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت تتحدث عن قتل آلاف الأطفال العراقيين وتقول: «كان الثمن جديراً أن يُدفع».
وأنا أنظر إلى وجوه النازحين من العوائل من شمال غزة إلى جنوبها يتراكضون بالآلاف قبل أن تلحق بهم آلة الموت ويغطون وجوههم من الكاميرات أقول لهم: ليس عليكم أن تخجلوا من الكاميرات بل العار الأبدي الذي يسجله تاريخ وذاكرة الشعوب على الذين يقومون بكل هذه الأعمال الوحشية ضد إنسانيتكم، وعلى الساسة في الغرب أن يخجلوا مما اقترفت أيديهم وبدعم نظام الأبارتيد المتوحش وأن يخجلوا من افتقارهم إلى أدنى درجات الإنسانية.
والسؤال الآخر الملح: لماذا الاجتماعات والنقاشات والقرارات والتصريحات والإدانات إذا كانت غير قادرة على إنقاذ حياة طفل فلسطيني أو امرأة أو جريح أو لاجئ إلى المشفى من قصف لا يرحم ولا يبقي؟ كنا دائماً نعلم أن المشافي والكنائس والمساجد هي المأوى الذي يلجأ إليه الناس في أوقات الحرب والعدوان، ولكن هذا العدوان قد كسر كل المحرمات الإنسانية والدولية وما زال يحظى بعبارة لا يخجل المسؤولون الغربيون من ترديدها وهي «الدفاع عن النفس» التي يمنحونها لقوة متغطرسة قررت إبادة شعب بكامله أمام أعين وأنظار العالم الغربي المتصهين، هذا العالم الذي برهن على عجز مطلق وأنه عمل على تدمير النظام الدولي كي يبقى القطب الأوحد الذي لا يحترم أي قانون دولي ولا مؤسسات قادرة على اتخاذ موقف وضمان احترام هذه القوانين.
في غمرة كل هذا الظلم والعجز وشريعة الغاب عمل صحفيون وأطباء وممرضون وعاملون وعاملات في الليل والنهار وتحت القصف لإنقاذ طفل أو امرأة أو رجل عجوز، ودفعوا حياتهم وحياة عوائلهم أثماناً لمواقفهم النبيلة وبقي مسؤولو المشافي المنكوبة للحظات الأخيرة يحاولون إنقاذ حياة هنا وأخرى هناك، كما استمرّ المقاومون الأشداء بالاشتباك مع قوة غاشمة لديها أضعاف أضعاف ما لديهم من عتاد وقوة، ولكن هؤلاء استمروا في الإنقاذ والعمل والقتال جميعاً كي يبرهنوا أن المروءة الإنسانية لم تمت عند أبطال غزة، وأن الشرف ليس كلمة جوفاء بل هو مثال لصمود سكان غزة، وأن قلوب الفلسطينيين ما زالت تنبض بالإنسانية والشهامة رغم كل هذه المأساة التي طالت البشر والشجر والحجر ورغم الوهن والعجز في عالم غربي متصهين يدعي الحداثة والتقدم والابتكار.
هؤلاء الجنود المجهولون في غزة الذين ضحوا بأنفسهم لإنقاذ الآخرين هم الوحيدون الذين يستحقون احترامنا واهتمامنا وعرفاننا، أما الألقاب الرسمية والأساطيل والمراكز العالمية الجوفاء فقد سقط عنها القناع وظهرت حقيقتها البائسة المخجلة.
جريدة الوطن السورية
أ. د. بثينة شعبان 2023-11-13ruaaسابق الاحتلال يواصل مجازره في قطاع غزة لليوم الثامن والثلاثين انظر ايضاً قضية كاشفة.. بقلم: أ. د. بثينة شعبانمع أن الفلسطينيين في غزّة والضفة هم ضحايا حرب الإبادة الصهيونية، فإن ردود الفعل على …
آخر الأخبار 2023-11-13الاحتلال يواصل مجازره في قطاع غزة لليوم الثامن والثلاثين 2023-11-13وسائل إعلام لبنانية: قصف مدفعي إسرائيلي يستهدف أطراف بلدات طيرحرفا وشيحين وأم التوت واللبونة في جنوب لبنان 2023-11-13القبض على ثلاثة أشخاص يتاجرون بمادة الإسمنت المهرب ومنتهي الصلاحية 2023-11-13وسائل إعلام لبنانية: قصف مدفعي إسرائيلي يستهدف أطراف بلدة الناقورة جنوب لبنان 2023-11-13تركيب أربع منظومات كهروضوئية لمشروعات زراعية بالسويداء 2023-11-13المقاومة العراقية تستهدف قوات الاحتلال الأمريكي في قاعدة القرية الخضراء 2023-11-13روسيا: واشنطن تعرقل مساعي إدانة (إسرائيل) في مجلس الأمن 2023-11-13استشهاد فلسطيني وإصابة واعتقال آخرين في الضفة الغربية 2023-11-13تنكيس الأعلام في مقار الأمم المتحدة على أرواح موظفيها الشهداء في غزة 2023-11-13الجو بين الصحو والغائم وفرصة لهطل الأمطار في المنطقة الساحلية والوسطى
مراسيم وقوانين الرئيس الأسد يصدر قانوناً يقضي بتعديل بعض مواد قانون شركات الحماية والحراسة الخاصة 2023-11-08 قانون بإلزامية اعتماد الحسابات المصرفية لاستيفاء المطالبات المالية لأصحاب المهن والنشاطات 2023-11-08 الرئيس الأسد يصدر القانون رقم (20) الخاص بتعيين الموفدين لدرجة الدكتوراه بلا مسابقة 2023-11-02الأحداث على حقيقتها قواتنا المسلحة توجه ضربات مركزة على مقرات الإرهابيين في ريف إدلب والبادية وتقضي على العشرات منهم وتدمر مقراتهم 2023-11-09 أضرار مادية جراء عدوان إسرائيلي استهدف نقاطاً في المنطقة الجنوبية 2023-11-09صور من سورية منوعات شركة كندية تطلق قمراً صناعياً لرصد انبعاثات الكربون من المنشآت الفردية 2023-11-12 نجاح أول عملية زرع لعين كاملة في الولايات المتحدة 2023-11-10فرص عمل قوائم جديدة لتوظيف 56 شخصاً من ذوي الشهداء 2023-10-17 الخارجية تعلن أسماء المقبولين الذين اجتازوا المرحلة الثالثة لمسابقة تعيين دبلوماسيين 2023-10-05الصحافة عتبات غير مسبوقة.. بقلم: أ. د. بثينة شعبان 2023-11-13 مسرحية دموية وجمهور صامت.. بقلم: منهل إبراهيم 2023-11-10حدث في مثل هذا اليوم 2023-11-1313 تشرين ثاني 1935- اندلاع انتفاضة شعبية في مصر ضد الاحتلال البريطاني 2023-11-1212 تشرين الثاني1956- انضمام المغرب والسودان وتونس إلى الأمم المتحدة 2023-11-1111 تشرين الثاني 2010 – مجلس النواب العراقي ينتخب جلال طالباني رئيساً للعراق لفترة رئاسية ثانية 2023-11-10أحداث جرت في مثل هذا اليوم.. أهمها صدور قرار أممي ينص على مساواة الصهيونية بالعنصرية 2023-11-099 تشرين الثاني 2005-تفجيرات إرهابية تهز فنادق في العاصمة الأردنية عمّان 2023-11-088 تشرين الثاني 1793 – حكومة الثورة الفرنسية تفتح أبواب قصر اللوفر كمتحف للعموم
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
كلمات دلالية: فی غزة
إقرأ أيضاً:
بالتعاون مع ليبيا.. أمريكا تنفّذ عملية عسكرية «غير مسبوقة»
أعلنت القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم”، أنها نفّذت “تدريباً فريداً من نوعه”، مشيرة إلى “أن التدريبات جرت بدعم من القيادة الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية لتعزيز عملية إعادة توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية في ليبيا”.
ولفتت “أفريكوم”، “إلى أن التدريبات جرت في الـ26 من فبراير الماضي، في محيط مدينة سرت”، وأشارت إلى أنها “تضمنت عبور قاذفتين استراتيجيتين من طراز “بي – 52 إتش ستراتوفورتريس” للمجال الجوي الليبي، حيث كانت قادمة من قاعدة باركسديل الجوية في الولايات المتحدة الأمريكية”.
ولفتت إلى أنه تم “تدريب مراقبي الجو الليبيين والأمريكيين على توجيه القاذفات الاستراتيجية لتنفيذ عملية عسكرية مشتركة”.
وأشار بيان “أفريكوم”، إلى “تأكيد الفريق جون برينان، نائب قائد قوات “أفريكوم” التزام واشنطن بمواصلة التعاون مع القوات الليبية لدعم استقرار البلاد ووحدتها وسيادتها”.
وأوضح أن “التدريبات أظهرت احترافية الجيش الليبي، الذي اعتبرته من ضمن الشركاء الدوليين الذين يحظون بالاحترام”.
وأشار البيان إلى أن “القاذفات الأمريكية التي حلقت في أجواء ليبيا قادمة من الأراضي الأمريكية تأتي في إطار التنسيق بين الجانبين لتعزيز قدرة الولايات المتحدة على استعراض القوة على المستوى العالمي وتعاونها من الحلفاء والشركاء”.
وكانت ذكرت السفارة الأمريكية في ليبيا، “أنها نفذت ما أطلقت عليه “نشاطا جوية” في البلاد لتعزيز التعاون العسكري بين شرق البلاد وغربها بهدف إظهار التزام واشنطن تجاه تحقيق الاستقرار في ليبيا”.
“We are committed to continued cooperation with Libyan forces in support of a stable, unified and sovereign Libya,” said Lt. Gen. John Brennan, U.S. Africa Command Deputy Commander.
The B-52s flew from the USA to Libya as a BTF mission coordinated with Libyan counterparts. pic.twitter.com/4LfDdGU5zc