مقال بتلغراف: انقلاب فاغنر مجرد خطوة أولى في مؤامرتها لتدمير بوتين
تاريخ النشر: 7th, July 2023 GMT
ربما تم إحباط زحف يفغيني بريغوجين إلى موسكو، لكن الكرملين -بعد أسبوعين من هذا الانقلاب القصير- لا يزال يترنح من تحدي رئيس مجموعة فاغنر العلني لسلطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حسب مقال نشرته صحيفة "ذا تلغراف" (The Telegraph) البريطانية. ووفقا للتقارير، فقد ذهبت وزارة الداخلية الروسية إلى حد إجراء تحقيق أولي في مستويات الدعم العام لبريغوجين تم قياسه من خلال مراقبة منشورات وسائل التواصل الاجتماعي وعمليات البحث على الإنترنت التي قام بها الروس العاديون.
وتشير النتائج -التي اعترضتها المخابرات الأوكرانية- إلى أن 17 من أصل 46 منطقة روسية انحازت إلى بريغوجين. وحصل بوتين على دعم من 21 منطقة فقط، بينما ظلت المناطق الثماني المتبقية منقسمة. ويبدو أن موسكو دعمت الرئيس الروسي لكن مدينته سان بطرسبرغ كانت مستعدة لتقديم دعمها لرئيس مجموعة فاغنر. وحسب ما ورد، فإن الدعم العام لبريغوجين في جمهورية داغستان بلغ 97%.
مع وجود بريغوجين طليقا في روسيا، كما يُزعم، وإعادة تنظيم فاغنر لنفسها، فربما كان الانقلاب مجرد محاولة أولى وأن الضربة القاضية لم تأت بعد
في هذا السياق، كتبت ليزا هازيلداين -في مقالها بصحيفة ذا تلغراف- أنه إذا كان التقرير دقيقا، فمن المؤكد أن الاستنتاج الوحيد هو أنه ليس بوتين فقط في موقف محفوف بالمخاطر، بل البلد قد يكون على حافة حرب أهلية.
وعلقت بأن الأمر ليس مجرد تمني، لأن البلد لديه تاريخ من الانقلابات الفاشلة التي أدت إلى اضطرابات سياسية. وربما يكون بوتين قد استيقظ أخيرا، مدركا أن الأمة التي كان يعتقد أنها ستكون في قبضته قد تتشتت قريبا.
وألمحت الكاتبة إلى قول الكرملين إنه لا يعرف مكان بريغوجين أو يهتم، وأنه ليست لديه الإمكانات لتعقبه. وأشارت إلى أن البعض قد يجادل بأنها محاولة لتجنب شرعنته، وأردفت بأن الفشل في معاقبته يكشف عن ضعف بوتين وهشاشة سلطته.
وخلصت الكاتبة إلى أنه مع وجود بريغوجين طليقا في روسيا، كما يُزعم، وإعادة تنظيم فاغنر لنفسها، فربما كان الانقلاب مجرد محاولة أولى وأن الضربة القاضية لم تأت بعد.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
عودة الشرطة.. السودان يرفض الفوضى
في زمن الحرب والفوضى، يصبح الأمن أمنية، والشرطة التي كانت بالأمس جزءًا من المشهد اليومي تتحول إلى رمز للطمأنينة والعودة إلى الحياة الطبيعية. الفيديو الذي وثّق وصول قوات شرطة محلية الخرطوم إلى مقرها في أركويت لم يكن مجرد مشهد عابر، بل لحظة نادرة تحمل في طياتها الكثير من المعاني. مشهد رجال الشرطة وهم يعودون إلى موقعهم وسط استقبال شعبي حافل، بالأحضان والتهليل وزغاريد النساء، يختصر علاقة ممتدة بين الشرطة والمجتمع، علاقة تعرضت لكثير من التشويه لكنها تظل أقوى من أي محاولة لتمزيقها.
لم يكن احتفاء المواطنين برجال الشرطة مجرد تعبير عاطفي عابر، بل كان تأكيدًا على أن المجتمع يدرك قيمة الأمن، ويعرف أن الشرطة – رغم كل شيء – تظل الحصن الأول في مواجهة الفوضى. في زمن تتراجع فيه مؤسسات الدولة أمام ضربات الحرب، يظل الناس يبحثون عن أي بارقة أمل تعيد لهم الشعور بالأمان، وعودة الشرطة إلى مواقعها هي واحدة من تلك البوارق التي تجعل الجميع يشعر بأن الغد قد يكون أفضل.
المشهد في أركويت لم يكن مجرد لحظة احتفال، بل كان استفتاءً شعبيًا على دور الشرطة، رسالة واضحة بأن السودانيين، رغم اختلاف آرائهم وظروفهم، يتفقون على شيء واحد: لا حياة دون أمن، ولا أمن دون شرطة. وربما من المناسب هنا أن نذكر الجميع بمقولة شهيرة:
(A society which chooses war against the police better learn to make peace with its criminals)
(أن المجتمع الذي يختار الحرب ضد الشرطة عليه أن يتعلم كيف يصنع السلام مع المجرمين)
قد يختلف البعض في تقييم أداء الشرطة، وقد تكون هناك انتقادات مشروعة لبعض التجاوزات، لكن يبقى السؤال الجوهري: ما البديل؟ الفوضى؟ سيطرة العصابات؟ انعدام الأمان؟ هذه ليست خيارات لمجتمع يسعى للحياة والاستقرار، ولهذا كان استقبال المواطنين في أركويت لرجال الشرطة أكثر من مجرد احتفاء، بل كان تعبيرًا صادقًا عن حاجة الناس للأمن والنظام.
الشرطة السودانية اليوم تواجه تحديات تعجز عنها دول مستقرة، فالحرب لم تترك مجالًا إلا وملأته بالفوضى، ومع ذلك لا يزال رجال الشرطة صامدين، يعملون في ظروف قاسية، بإمكانيات محدودة، ورغم ذلك لا يفقدون إحساسهم بالواجب. ليس من السهل أن تكون شرطيًا في مثل هذه الأوقات، حيث الخطر يتربص في كل زاوية، لكن الوطن يستحق، وأبناء السودان يستحقون من يحرس أمنهم، ولو كان ذلك يعني التضحية بالكثير.
ومع عودة الشرطة إلى مواقعها، تبدأ مرحلة جديدة، لا يجب أن تكون مجرد استعادة للوجود، بل انطلاقة حقيقية نحو علاقة أكثر متانة بين الشرطة والمجتمع. على الشرطة أن تدرك أن تقدير الناس لها ليس صكًا على بياض، بل مسؤولية تتطلب عملاً دؤوبًا لاستعادة الثقة وتعزيزها. وعلى المواطنين أن يدركوا أن الشرطة ليست خصمًا، بل شريك في أمنهم، وأن نجاحها في أداء واجبها ينعكس مباشرة على حياتهم اليومية.
هي رسالة لكل شرطي، بأن الناس يقدرون تضحياتهم، ويعرفون حجم الصعوبات التي يواجهونها. رسالة تقول لهم:
أوعك تقيف.. وتواصل..
الليل بالصباح.. تحت المطر وسط الرياح.. وكان تعب منك جناح في السرعة زيد.
عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان
٢٩ مارس ٢٠٢٥م