عربي21:
2025-03-10@18:34:09 GMT

الساقطون في الحرب على غزة

تاريخ النشر: 13th, November 2023 GMT

الربح والخسارة يمثلان أسس التعامل التجاري بين البشر، فلا أحد يقبل بممارسة تجارة خاسرة، بل الكل يطمع في تحقيق الربح دائما.

هذه المعادلة تنطبق كذلك في حالات النزاع السياسي والعسكري. فحب النصر والغلبة سمة أصيلة في النفس الإنسانية، وفي الحرب الجارية على غزة، هناك رابحون وخاسرون، وهناك من رفعت الحرب شأنه ووجوده، وفي مقابله هناك من سقط سقوطا مروّعا.

فعلى مدى خمسة أسابيع متواصلة لم يتوقف الإسرائيليون عن قصف المدنيين في فلسطين خصوصا في قطاع غزة. هذه المرة لم يكن هدفهم «تحقيق النصر» الساحق على الفلسطينيين فحسب، بل سحق مجموعات المقاومة بشكل كامل، وكان هذا هدفا معلنا منذ إعلان العدوان.

وقد شاركت قوى عديدة، من بينها عربية أيضا، في العمل العسكري الذي لم يحدث له مثيل منذ عقود. ويقدر بان ما ألقي على قطاع غزة من حمم في الأسابيع الثلاثة من العدوان بأكثر من 16 ألف طن من المتفجرات، وهو ما يزيد عن قوة القنبلة النووية التي ألقاها الأمريكيون على هيروشيما. وبذلك دمّروا بشكل كامل 45 بالمائة من الوحدات السكنية فيها، حسب ما قاله مكتب الأمم المتحدة للإغاثة الإنسانية.

وكتبت صحيفة «نيويورك تايمز»: «أصبح واضحا للمسؤولين الأمريكيين أن القادة الإسرائيليين يعتقدون أن العدد الهائل من الضحايا المدنيين ثمن مقبول في الحملة العسكرية». واستخدم الإسرائيليون، مدعومين عمليا من أمريكا بشكل خاص، أساليب عديدة لإدخال الرعب في قلوب الطرف الآخر، إذ بدأ العدوان بتهديدات بإزالة غزة من الوجود، واستخدام التدمير الشامل الذي تعمّد تدمير أبراج سكنية عالية وقتل كل من فيها، بمن فيهم النساء والأطفال. وللإمعان في غرس الخوف والهلع في نفوس الأبرياء عمدوا لاستهداف مستشفى «المعمداني» في واحدة من كبريات جرائم الحرب وقتلوا كل من كان داخله من أطباء ومرضى وزوار. كل ذلك لتحقيق هدف واحد: الغلبة الساحقة التي تزيل الطرف الآخر من الوجود. فهل تحقق ذلك حقًّا؟

ربما فات الإسرائيليين أن هناك ديناميكية طبيعية للأشياء، وهناك قوانين سارية في الكون، تهدف للحفاظ على التوازن بشكل عام، على المستوى الطبيعي والبشري والقوى المتصارعة، ومن أدوات هذه الديناميكيا ظاهرة «التدافع» التي يتحرك البشر بموجبها لمواجهة بعضهم على كافة الصعدان، لينتج عن ذلك تعادل في النتائج، بدون أن يكون لأحد غلبة ساحقة تلغي الآخرين. فالإسرائيليون يسعون للتحرك خارج مقتضى تلك الديناميكيا، ولكن سرعان ما يجدون أنفسهم أمام أمر واقع ربما لم يكونوا يتوقعونه. فبعد الأسابيع الأولى من التدمير الشامل، تحركت الآليات الديناميكية الطبيعية وأنهت طموحهم غير المحدود. فانطلقت الدعوات من كل مكان لوقف إطلاق النار، وتحدث الأمين العام للأمم المتحدة عن ارتكاب جرائم حرب واسعة، وساهمت مشاهد الدمار التي تبثها وسائل الإعلام في تحريك الرأي العام العالمي، فإذا بالتظاهرات العملاقة تملأ الشوارع والساحات في أغلب عواصم العالم ومدنه. فمثلا شهدت العاصمة البريطانية قبل يومين أكبر مظاهرة في تاريخها المعاصر هتفت من أجل غزة وضد العدوان الإسرائيلي. صحيح أن الحكومات تحاول تجاهل تلك التظاهرات والمطالبة بوقف إطلاق النار، ولكن الضغط الشعبي يفرض نفسه في نهاية المطاف ويضطر السياسيين لتغيير مواقفهم. وهكذا يتمخض عن الأزمات عادة عودة التوازن لحياة البشر وشؤونهم. ولا يستطيع أحد، مهما كان موقعه الخروج عن فعل تلك القواعد.

بعض السياسيين لا يستطيع فصل عواطفه ومشاعره المرتبطة بتكوينه الفكري او الديني او العرقي عن مقتضيات موقعه، السياسي أو الاجتماعي، وكثيرا ما يدمّر هؤلاء الأشخاص أنفسهم بذلك. فمثلا أصبحت وزيرة الداخلية البريطانية في وضع حرج بعد أن خرجت عن قواعد اللعبة وتصرفت خارج أطر اللباقة الدبلوماسية. وليس مستبعدا إقالتها من منصبها بعد أن اتهمت جهاز الشرطة بالتحيز لصالح الفلسطينيين، وهو اتهام لا يصدّقه الواقع أو التاريخ. جاء ذلك في إطار السجال حول مسيرة يوم أمس الأول (السبت) في العاصمة البريطانية. فقد وصفتها الوزيرة من أصل هندي بأنها «مسيرة الكراهية» لأنها تطالب بوقف العدوان على غزة وتنتقد السياسات الإسرائيلية. وحاولت منع التظاهرة التي تزامنت مع ذكرى نهاية الحرب العالمية الأولى التي يتم الاحتفاء بها سنويا بالقرب من مقرات الحكومة والبرلمان في العاصمة البريطانية. ولكن جهاز الشرطة سمح بخروج المسيرة، الأمر الذي أحدث احتكاكا مع وزيرة الداخلية. وأثار مصطلح «مسيرات الكراهية» حفيظة الكثيرين لأنه كشف انحيار الوزيرة لأحد طرفي الصراع بشكل واضح. بينما كان عليها أن تكون أكثر لباقة ودبلوماسية وتتفادى استخدام مصطلحات تظهر انحيازها.

هذه الحادثة لا تنفصل عن السجال حول فعل القوى الطبيعية في حركة الحياة من جهة والمجتمعات من جهة أخرى. وامتلاك «إسرائيل» قوة عسكرية كبيرة، مدعومة بالقوات الأمريكية وحاملات الطائرات التي بعثتها إدارة بايدن لشرق البحر المتوسط لا يعني قدرة كيان الاحتلال على فعل كل ما يريد وتحقيق أهدافه التي يمثل خروجا على الإنسانية. فالقضاء على شعب كامل ليس هدفا سياسيا يمكن تحقيقه مهما بلغت قوة كيان الاحتلال. كما أن سحق قوى المقاومة واجتثاثها هو الآخر هدف يستعصي على التحقق. وبدلا من ذلك أصبح رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه يصارع من أجل البقاء في منصبه بعد فشله في تحقيق ما أعلنه من أهداف عندما أمر بالعدوان.
هنا لا يستطيع حزبه إنقاذه، ولا تحالفه الحكومي الذي بدأ يتصدع ولا أمريكا التي لم تُخف يوما سياستها الداعمة لكيان الاحتلال بشكل مطلق. هذا برغم تخاذل أغلب الحكومات العربية وتواطؤ بعضها مع العدوان. ومشاهد الدمار والمعاناة الإنسانية تحوّلت إلى سلاح مضاد، إذ حرّكت الضمير الإنساني في العالم وأصبحت تضغط بشكل فاعل على المحتلين. وهكذا تحطمت أحلامهم برغم تفوقهم المادي والعسكري. وسيسجل التاريخ مستقبلا كيف أن اللاجئين وسكان المخيّمات استطاعوا الصمود أمام القصف الإسرائيلي الذي فاق التصور من حيث شراسته وتوحشه. ولقد فات قادة الصهاينة أن أمريكا التي كانت تملك أشد الأسلحة فتكا، وترسل طائراتها الاستراتيجية المعروفة بـ «بي 2» لتقوم بقصف الأراضي الفيتنامية وتستهدف قوات الفييتكونغ وتمارس ما كان يسمى «القصف السجادي» أي الشامل الذي يحرق الأرض ومن عليها لمساحات شاسعة، لم تحقق انتصارا. وفي نهاية المطاف اضطر الأمريكيون في العام 1975 للهروب على عجل مخلّفين وراءهم جنودا وعتادا بدون حساب.

ما دام هناك فلسطينيون مصممون على استرداد أرضهم والتصدي للمحتلين، فلن يكون بالإمكان تجاوز القضية يوما، ولن تستطيع القوة المفرطة تجميد فعل القوى الطبيعية. وقد أثبت الفلسطينيون على مدى ثلاثة أرباع القرن قدرتهم على التصدي للمحتل، والتمسك بالأرض والبقاء عليها مهما كلفهم ذلك. وبرغم ما شاهده العالم من اعتداءات إسرائيلية مروّعة، ما يزال الفلسطينيون الرقم الأصعب في المعادلتين العسكرية والسياسية، وما يزال الإسرائيليون يعانون من رفض دولي شبه مطلق لممارساتهم.

ولو كان هناك من شعوب العالم من يدعمهم لعبّر عن نفسه بتظاهرات واحتجاجات وحضور إعلامي وسياسي ملحوظ. وغياب ذلك يؤكد عدم وجود مزاج داعم للممارسات الإسرائيلية التي تنطوي على الكثير من الصلافة واللاإنسانية. كما أن الطبقة المثقفة والسياسية في العالم تدرك حقيقة المشروع الصهيوني. وقد تسربت مؤخرا وثيقة من عشر صفحات من وزارة الاستخبارات الإسرائيلية مؤرخة في 13 أكتوبر 2023، تقترح اقتلاع سكان غزة البالغ عددهم مليونين وثلاثمائة ألف، بالقوة وبشكل نهائي الى سيناء في مصر. وهناك من الباحثين من يشعر بالصدمة الدائمة إزاء الثقافة الصهيونية التي تظهر مستوى كبيرا من الفاشية، حتى أن نتنياهو اعتبر ذبح الفلسطينيين مشروعا، إذ شبّههم بالعمونيين، الذين قتلهم أعداؤهم من بني إسرائيل في القرن الثالث عشر قبل الميلاد.
فلسطين لم تسقط ولن تسقط، فلا يزيدها كثرة الضحايا إلا صمودا وشموخا وانتصارا. إنها قصة النضال الذي أسس لحركات تحررية إقليمية وعالمية على مدى أكثر من نصف قرن، وسيظل مصدرا لرفدها بالعطاء والحماس والاستمرار.

(القدس العربي)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الحرب غزة المقاومة مقاومة غزة حرب مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هناک من

إقرأ أيضاً:

السيد الرئيس أحمد الشرع في مقابلة مع وكالة رويترز: لا نريد أن تكون هناك قطيعة بين سوريا وروسيا، ولا نريد أن يكون التواجد الروسي في سوريا يسبب خطراً أو تهديداً لأي دولة في العالم، ونريد أن نحافظ على هذه العلاقات الاستراتيجية العميقة

2025-03-10SAMERسابق السيد الرئيس أحمد الشرع في مقابلة مع وكالة رويترز: الملف السوري يبدو أنه ليس على قائمة أولويات الولايات المتحدة الأمريكية، وأعتقد أن السؤال حول وجود اتصال مع إدارة ترامب يجب أن يوجه لهم، سوريا بابها مفتوح للتواصل انظر ايضاًالسيد الرئيس أحمد الشرع في مقابلة مع وكالة رويترز: الملف السوري يبدو أنه ليس على قائمة أولويات الولايات المتحدة الأمريكية، وأعتقد أن السؤال حول وجود اتصال مع إدارة ترامب يجب أن يوجه لهم، سوريا بابها مفتوح للتواصل

آخر الأخبار 2025-03-10السيد الرئيس أحمد الشرع في مقابلة مع وكالة رويترز: سوريا دولة قانون، والقانون سيأخذ مجراه على الجميع، ونحن بالأساس خرجنا في وجه هذا النظام وما وصلنا إلى دمشق إلا نصرة للناس المظلومين 2025-03-10ضمن حملة رمضان الخير.. أكثر من 56 ألف مساعدة غذائية للأسر المحتاجة ‏بالمحافظات 2025-03-10الاتحاد الأوروبي يدين هجمات فلول النظام البائد في الساحل ويدعو لاحترام سيادة سوريا ووحدتها 2025-03-10تشييع 5 شهداء في حماة من عناصر وزارة الدفاع والأمن العام ارتقوا بكمائن غادرة لفلول النظام البائد 2025-03-10مدير العلاقات العامة في وزارة الإعلام لـ سانا: ننفي الشائعات التي تنشرها وسائل إعلام إيرانية حول هروب أبناء الطائفة العلوية في دمشق إلى السويداء، ونؤكد أن الخبر ضمن سياق الحرب الإعلامية التي تستهدف سوريا الجديدة ووحدتها 2025-03-10استمرار عمليات إيصال الدقيق التمويني إلى المخابز في اللاذقية وطرطوس 2025-03-10الحياة الطبيعية تعود إلى معظم أحياء مدينة اللاذقية 2025-03-10الهلال الأحمر السوري يؤكد استمرار تقديم خدماته في اللاذقية وطرطوس وحماة 2025-03-10مركز الاختبارات والأبحاث الصناعية: جهوزية عالية لضمان جودة ‏المنتج الوطني 2025-03-10نائب الرئيس التركي: فلول النظام البائد لن تتمكن من عرقلة التحول التاريخي في سوريا

صور من سورية منوعات تيك توك تستأنف خدماتها في الولايات المتحدة بفضل ترامب 2025-01-20 الصين تطلق مجموعة جديدة من الأقمار الصناعية إلى الفضاء 2024-12-05فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • «مدرسة جميلة» ومربي فاضل هو «ابن» سرحتها الذي غنى بها
  • السيد الرئيس أحمد الشرع في مقابلة مع وكالة رويترز: لا نريد أن تكون هناك قطيعة بين سوريا وروسيا، ولا نريد أن يكون التواجد الروسي في سوريا يسبب خطراً أو تهديداً لأي دولة في العالم، ونريد أن نحافظ على هذه العلاقات الاستراتيجية العميقة
  • السيد الرئيس أحمد الشرع في مقابلة مع وكالة رويترز: الأمن والازدهار الاقتصادي مرتبطان بشكل مباشر برفع العقوبات الأمريكية التي فرضت على نظام الأسد، فلا نستطيع أن نقوم بضبط الأمن في البلد والعقوبات قائمة علينا
  • رمضان يخفف من قساوة التحديات التي يواجهها رواد الأعمال السودانيون
  • إذ أراد الجيش انتصار بالخرطوم عليه التصدي بشكل حاسم لظاهرة الشفشفة في المناطق التي يستعيدها
  • وزارة الإعلام: ننوه إلى وسائل الإعلام العربية والغربية التعامل بدقة ومصداقية مع الأحداث الجارية وعدم الوقوع في فخاخ الشائعات التي يتم ضخها على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل متصاعد وممنهج
  • إليك أغرب أشكال الاحتجاج التي شهدها العالم على مر التاريخ (صور)
  • خطة الجحيمفي غزة.. ما الذي تخطط له حكومة نتنياهو ؟
  • وول ستريت جورنال: ترامب يقلب النظام العالمي الذي بنته أميركا رأسا على عقب
  • كيف تعمل شبكة الإنترنت؟ رحلة إلى قلب الشبكة التي تربط العالم