تحولت غزة إلى أنقاض ويمكن للرئيس الأميركي الذي سارع ليحجز له مكاناً في مجلس إدارة الحرب الإسرائيلي أن يتسلّمها خرابة، هكذا سيكتب تاريخه.
كيف قبل لنفسه أن يكون في هذا المكان الذي كلف حتى كتابة هذا المقال حيوات خمسة آلاف طفل ؟
هذه ليست سقطة بل ثقافة لا ترى بالفلسطيني أنه يستحق الحياة، أو أن بايدن انضم إلى أسرة الجنرال غالانت بأن الفلسطينيين حيوانات بشرية.
يبتسم بايدن أمام الكاميرات وهو يجيب عن سؤال عجزه عن إلزام نتنياهو بأن الأخير تأخر في الاستجابة، هكذا الأمر مجرد تأخير بثمن ألف طفل وهو سعر متدنٍ في العرف الأميركي. وبعدها ستنشغل مراكز دراساتها ومؤسساتها الاستخبارية التي تمتد أذرعها في كل العالم للإجابة ببلاهة عن سؤال «لماذا يكرهنا العرب» ؟
باربارا ليف قدمت أولى الإشارات إلى أن هناك تنامياً في الكراهية والعداء للولايات المتحدة في المنطقة العربية بعد الحرب على غزة .... وهل هذا كان يحتاج إلى تفسير ؟ هل كانت الولايات المتحدة التي أطلقت عنان طفلها المدلل ليقدم لها جثث أطفال فلسطين على طبق السياسة السوداء أن ينتظرها الجيل الحالي والقادم بالورود ؟ أنا مصدوم من فهلوة السياسة الأميركية.
بلينكن تسول أصوات الجاليات الفلسطينية والعربية قبل أكثر من ثلاثة أعوام ليفوز الحزب الديمقراطي، يغطي الآن آلة الحرب الإسرائيلية في العالم ويؤمن لها ضربات سعيدة، وقد سجل الآن كخائن لدى تلك الجاليات التي تعتبر أن الخامس من تشرين الثاني القادم موعد الانتخابات الرئاسية هو يوم الانتقام الكبير.
تلك الصور التي رسمها الناشطون الفلسطينيون في الولايات الخمسين للرئيس بايدن بوجه أحمر يقطر منه الدم ستبقى الصورة التي سيحملونها معهم إلى صندوق الانتخابات الرئاسية، ففي هذه الحرب تخرج أميركا أكثر ضعفاً، دولة كبرى تدعم قتل المدنيين وتشكل غطاء لمن يرتكب جرائم، دولة تستدعي غضباً عارماً لدى العرب والمسلمين لهذا الجيل وللجيل القادم، رفض الرؤساء العرب مقابلة زعيمها ما أثار سخرية الصحافة الإسرائيلية ... صورتها تحطمت عندما ظهر سلوكها وقد فقد كوابحه في أصعب اللحظات التي كان يجب فيها أن يتماسك مبدياً سلوكاً آخر بحجم دولة عظمى.
لو عاد الزمن بباراك أوباما ماذا كان سيفعل .... تلك نكتة سمجة ولكنها لم تشكل رادعاً لتلميذه العجوز، ولو عاد الزمن بإيهود باراك الصقري اليميني في حزب العمل وتلك أكثر سماجة في طقس الدم الذي لا يتلاءم مع النكات، لكن ملهاة السياسة تتداخل مع مأساتها في الحالتين العابثتين الأميركية والإسرائيلية إلى هذا الحد وأبعد.
قال نتنياهو إنه يتصارع مع حركة حماس، لكن من قتلهم هم سكان غزة المدنيون الذين ينقل قتلهم بالبث الحي والمباشر.
وباسم حماس يقوم بتهجير غزة كلها وبات النزوح يكشف خططاً أبعد فعندما قال له الأمن إن قيادة حماس ممكن من أن تنزح بين المتجهين جنوباً أو ممكن أن يأخذوا معهم الرهائن قال: «لا يهم، المهم أن ينزحوا» ...!
وتلك تكشف نوايا أكثر خبثاً وأكثر عبثاً في السياسة وهو من أعلن أن كل حربه هدفها إلقاء القبض على قيادة حماس واستعادة المحتجزين بالقوة.
كل العالم لم يستطع وقف قتل الأطفال، ما هذا وأي أخلاق تلك وأي قيم، حتى الذين يريدون إزالة حكم حماس ويدعون حرصهم على الشعب الفلسطيني صمتوا كالخراف.
أي عالم هذا ؟.... أوجعتني دموع الأطفال ولم أستطع الصمود رغم محاولاتي تجنب الصور كي أحافظ على توازني العقلي في الحرب، لكن طفلة كانت تبكي بوجه مغبر تسببت في انهيار مصداتي التي حاولت استنفارها لأتماسك لكنني بكيت.
أمي من عائلة عكاشة، وقد فقدتُ من عائلتي أبي وأمي خمسين فرداً أعرفهم جميعاً من أبناء أعمامي وأخوالي وأولادهم، نصفهم من الأطفال وربعهم من النساء ولا أحد من الرجال تابع أو حتى مؤيد لحركة حماس.
لي معهم ذكريات وابتسامات كنا معاً وكبرنا معاً، كانوا يربون أطفالهم ويحلمون لهم بمستقبل لكنهم قتلوا بالجملة، العائلة بأكملها تحولت بيوتها إلى قبور جماعية لأن إسرائيل أرادت أن تقصف بيتاً يبعد عشرات الأمتار عنهم ولا تريد أن تخطئ فزادت جرعة البارود والثمن وأحبتنا .... ذهبوا في غمضة عين أو لمعة صاروخ ...افتقدهم جميعاً وسأظل، فالذكريات أكبر من أن تمحى خاصة حين تكون النهايات بهذا الشكل الحزين.
الحزن يتسع ولم تعد القلوب قادرة على احتوائه فقد تمزقت لكثرة ما تم حشوها حتى التخمة، أرأيتم ؟ «مأساة حزن حتى التخمة» ففي أي عصر نحن وفي أي عالم لم يكن يستحق هذا العناء وهذا الاحترام ... على الفلسطينيين في غزة أو من يكتب له النجاة إذا ما استطاعوا أن يقفوا على أقدامهم، أن ينسوا كل ما تعلموه عن العالم وعن العرب والمسلمين وذوي القربى وعن المثل والقيم والأخلاق.
وأن يبقوا على شيء واحد هو الموقف الأميركي الذي أباح دمهم وأن يناشدوا العرب في أميركا أن ينتقموا لهم ذات صندوق، أما إسرائيل فهي إسرائيل.
إدارة الديمقراطيين وقعت فريسة تم اصطيادها دامية برمح نتنياهو الماكر، نتنياهو شديد الدهاء، وكلما طالت الحرب فهي تضمن الخسارة لبايدن لأنها تزيد من نقمة المصوتين الفلسطينيين والعرب هناك، تمكن نتنياهو من جر بايدن وتعمد رفض الاستجابة لطلبه بوقف القتال، إنها فرصة لرئيس وزراء إسرائيل للإطاحة بمن رفض استقباله لعشرة أشهر تمهيداً لفوز صديقه الحميم ترامب. ولا عزاء لمتوسطي الذكاء في السياسة.
(الأيام الفلسطينية)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة بايدن جرائم امريكا غزة جرائم بايدن مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
زيارة البرهان إلى مصر: محاولة لالتقاط أنفاس السياسة وسط ركام الحرب
في أغسطس 2023، قام الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني، بأول زيارة خارجية له منذ اندلاع الصراع العسكري في السودان بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في أبريل من نفس العام. اختيار مصر كأول محطة خارجية يحمل دلالات استراتيجية عميقة تتجاوز البروتوكول الدبلوماسي، وتعكس حسابات معقدة ترتبط بالسعي إلى تثبيت الشرعية وإعادة هندسة المشهد السياسي المأزوم.
رمزية الزيارة وموقع مصر الإقليمي
أن تكون مصر هي الوجهة الأولى للبرهان بعد اشتعال الحرب يعكس إدراكه لمركزية القاهرة في معادلة الاستقرار الإقليمي. فمصر والسودان يرتبطان بروابط تاريخية وجغرافية حيوية، أبرزها نهر النيل والحدود المشتركة، فضلًا عن امتدادات المصالح الأمنية والاقتصادية. كما أن لمصر موقعًا مؤثرًا في الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، مما يمنحها قدرة على توظيف نفوذها في الساحة الدولية لدعم حلفائها.
زيارة البرهان جاءت في لحظة حرجة حيث كانت الحرب الداخلية قد أحدثت شروخًا واسعة في بنية الدولة السودانية، وأنتجت أزمة إنسانية خانقة، مما جعل الحاجة إلى دعم إقليمي ودولي أكثر إلحاحًا. في هذا السياق، لم تكن الزيارة مجرد تواصل دبلوماسي بل محاولة لترميم شرعية مهترئة ومواجهة عزلة متزايدة.
الترويج للانتقال الديمقراطي: خطاب أم تحول؟
أكد البرهان خلال لقائه بالرئيس عبد الفتاح السيسي التزامه بالانتقال إلى الحكم المدني، في محاولة واضحة لإعادة تصدير خطاب "التزام الجيش بالديمقراطية"، الذي لطالما قوضته الممارسات الفعلية منذ انقلاب 2021. هذه التصريحات، رغم أهميتها الشكلية، قوبلت بشكوك واسعة من أطراف محلية ودولية، نظرًا للسجل الحافل من المراوغة السياسية وإقصاء المدنيين.
مصر بدورها تبنت خطابًا داعمًا لوقف إطلاق النار والحوار السياسي، لكنها حافظت على توازن حساس بين الترويج للوساطة وبين الدفاع الضمني عن حليفها التاريخي: الجيش السوداني. هذا الموقف المزدوج يثير تساؤلات حول مدى حياد مصر كوسيط، خاصة في ظل التقارير التي تشير إلى دعمها النسبي للقوات المسلحة في مقابل ميل أطراف خليجية، مثل الإمارات، لدعم قوات الدعم السريع.
تعقيدات الصراع الداخلي وحدود الوساطة
الحرب في السودان ليست مجرد صراع بين جيشين، بل هي معقدة بطبيعتها، تتداخل فيها الحسابات القبلية، والصراعات على الموارد الاقتصادية، والتدخلات الإقليمية المتباينة. هذه الطبيعة المركبة تقلل من فعالية أي وساطة تقليدية، وتجعل الدور المصري، مهما كان نابعًا من نوايا حسنة أو مصالح استراتيجية، قاصرًا عن تحقيق اختراق حقيقي دون تنسيق أوسع مع قوى إقليمية ودولية.
كما أن شرعية البرهان تظل موضع جدل داخلي، إذ يعتبره كثيرون شريكًا رئيسيًا في إجهاض الثورة السودانية التي أطاحت بنظام البشير، مما يجعل خطابه عن "الانتقال الديمقراطي" خاليًا من الثقة الشعبية.
التحدي الإنساني الغائب
من النقاط اللافتة غياب أي طرح عملي خلال الزيارة لمعالجة الأزمة الإنسانية المتفاقمة، حيث يعاني أكثر من 25 مليون سوداني من آثار الحرب. لم تُطرح مبادرات لإنشاء ممرات إنسانية آمنة أو ضمان وصول الإغاثة الدولية، وهو قصور فادح بالنظر إلى حجم الكارثة. مما يعزز الانطباع بأن الزيارة كانت تستهدف في المقام الأول إعادة ترتيب الأوراق السياسية أكثر من معالجة التداعيات المباشرة على الأرض.
رهانات المستقبل بين الفرص والمخاطر
تشكل زيارة البرهان إلى مصر فرصة لفتح نافذة تفاوضية جديدة إذا ما اقترنت بجهد إقليمي جماعي وضغوط دولية تفرض مسارًا حقيقيًا نحو الحل السياسي الشامل. غير أن غياب آليات تنفيذية واضحة لوقف إطلاق النار، واستمرار الانقسامات الداخلية والإقليمية، يهدد بأن تبقى الزيارة مجرد تحرك تكتيكي في لعبة النفوذ الإقليمي، دون تأثير ملموس على إنهاء الحرب أو تخفيف معاناة المدنيين.
المطلوب اليوم ليس الاكتفاء بخطابات عمومية عن "السلام والديمقراطية"، بل تحركات عملية تشمل وقف الأعمال العدائية، إشراك القوى المدنية الحقيقية في التفاوض، وفرض ضمانات دولية تحول دون تجدد الحرب. بخلاف ذلك، سيظل الصراع في السودان مرآة لصراعات إقليمية ودولية أوسع، يدفع ثمنها الشعب السوداني وحده.
zuhair.osman@aol.com