ظهر مفهوم "الإرهاق الأبوي" أول مرة في ثمانينيات القرن الماضي، إذ الحديث دائما عن إرهاق مزدوج للآباء والأمهات معا. لكنَّ مزيدا من الدراسات أشارت إلى أن الأمهات أكثر معاناة وإرهاقا من تجربة التربية، وليس ذلك لأنهن يقضين وقتا أطول في العناية بأطفالهن مقارنة بالآباء، بل لأسباب أخرى أكثر تعقيدا. فبحسب دراسة عن العلاقة بين التربية والنوع، بدا أن الأمهات هن الأكثر استجابة لأطفالهن، والأكثر معاناة أيضا مع الضغط والإرهاق والتوتر والمخاوف، والأكثر معاناة من الأحكام.

ورغم كل الجوانب المعروفة سلفا لمتاعب التربية، خاصة في الشهور الأولى من عمر الطفل، فإن ثمة متاعب خفية لم تتناولها العديد من الدراسات، على رأسها "الإلحاح" الذي تعاني منه الأمهات كل يوم، والذي يصل بالصبر وسعة الصدر إلى درجة الصفر، فتتحول الأم إلى شخص مختلف عما كانت عليه من قبل، فما الذي يحدث حقا؟

300 سؤالا وأكثر من 100 نداء يوميا

في بوسطن بالولايات المتحدة، حاولت ليا لنش أن تحسب عدد المرات التي يقول فيها طفلها "ماما" خلال يوم واحد. تقول "أحضرت مفكرة، ودونت كل مرة ناداني بها، واكتشفت في نهاية اليوم أنه قام بندائي 105 مرات"، وهو ما جعلها تفهم السر وراء ردود أفعالها الجسدية، حيث كانت تطبق أسنانها وترتعش أحيانا من فرط التوتر، خاصة بعد أن صار لديها لاحقا ثلاثة أطفال، يناديها كل منهم عدة مرات حتى صار الأمر يقودها إلى الجنون.

وتبقى مرات النداء في كفة، ومرات الأسئلة في كفة أخرى، حيث لم يخطر لكثيرين أن يتساءلوا عن عدد المرات التي يطرح فيها الطفل سؤالا على أمه، لذا حاول مجموعة من الباحثين معرفة ذلك عبر استطلاع شمل ألف أمٍّ في بريطانيا، تتراوح أعمار أطفالهن بين عامين و10 أعوام.

حصر الباحثون عدد الأسئلة التي يطرحها الأطفال على أمهاتهم، ليتضح أن الأمهات يتلقين سؤالا واحد كل دقيقتين و36 ثانية، أي أكثر من 105 آلاف سؤال سنويا، وحوالي 300 سؤال في اليوم الواحد، ولعل المزعج في الأمر أن أكثر الأسئلة يتم طرحها أثناء تناول الوجبات.

وبحسب الاستطلاع، فإن الأمهات هنّ الأكثر تلقيا للأسئلة مقارنة بالآباء، حيث يذهب 82% من الأطفال لأمهاتهم بدلا من آبائهم للاستفسار، وحتى هؤلاء الذين يسألون آبائهم عادة ما يتلقون إجابات من قبيل: اسأل والدتك.

غالبا لا توجد أم سيئة بل هي في أكثر الأحوال مجرد أمّ مرهقة (شترستوك) مَن أكثر إلحاحا الفتيات أم الفتيان؟

وبحسب الاستطلاع السالف ذكره، فإن الفتيات في عمر الرابعة هن الأكثر طرحا للأسئلة، والأكثر فضولا، بينما الذكور في عمر التسع سنوات هم الأكثر اكتفاء بمعرفتهم، حيث يطرحون 144 سؤالا فقط في اليوم.

في الواقع، أمهات الفتيات يعانين بشكل أكبر مع الأسئلة، حيث تشير دراسة أجريت عام 2011 إلى أن الفتيات يملن إلى التحدث وتطوير المهارات الاجتماعية والعاطفية قبل الذكور، وأشار بحث آخر إلى الفجوات بين الجنسين عند الأطفال الصغار الذين تتراوح أعمارهم بين 7 أشهر و6 سنوات، وهو ما يعني أسئلة أكثر في عمر أقل، بوتيرة أسرع.

الأمهات يتلقين في المتوسط سؤالا واحدا كل دقيقتين و36 ثانية (بيكسلز) ماذا يحدث للأمهات حقا؟

عادة ما تتحول الأمنية الشائعة "أريد أن أكون أمّا جيدة للغاية" إلى شكوى مستمرة لاحقا "أنا منهكة للغاية". هذا ما توصلت إليه دراسة ربطت بين المثالية الشديدة وبين الإنهاك الشديد، فالأمهات اللائي يرغبن في القيام بالأمور على أكمل وجه، من واجبات منزلية وأمومة وعناية بالذات، وحتى الإجابة عن أي سؤال واستفسار، تحول دورهن الفريد والاستثنائي إلى جنون وشعور دائم بالتقصير. هكذا تردد الأم دون انقطاع "لم أفعل ما يكفي!"، ويتحول الشعور بالإنهاك إلى شعور إضافي بالخوف والقلق والتوتر بشأن عدم الكفاية والكفاءة معا.

يزيد من المعاناة مع الأسئلة والنداءات المتكررة، صعوبة فترة السنوات الأولى من عمر الطفل بوجه عام. فمن لحظة الولادة وحتى عمر الست سنوات، تعاني الأمهات من أعراض جسدية وعقلية مختلفة، حيث الإرهاق هو السمة الأساسية التي تؤثر على الأداء اليومي، فضلا عن الحرمان من النوم ومحدودية الاستراحة.

نتحدث عن الإلحاح على أم في حالة من التعب، تعاني من ضعف الأداء والوظائف الإدراكية، مع العديد من التفاصيل الإضافية مثل سوء النوم  والتوتر والاكتئاب، لهذا ربما عبرت بعض الأمهات عن الحالة التي انتابتهن جراء الشعور بالضغط والغضب الشديد، بقولهن "حين أشعر بالضغط الشديد، أغضب وأشعر أن هناك حريقا في بطني".

الاستماع الفعال يجعل الأطفال يعلمون أننا نهتم بمشاعرهم ونتفهم احتياجاتهم (بيكسلز) هل يجب الرد على كل شيء؟

ليست ثمة معايير للأم الصالحة، كما أنه لا يوجد معيار بعينه "للأم السيئة" التي هي في الغالب -بحسب ورقة بحثية فنلندية- مجرد "أم مرهقة"!

ومن الأسئلة المتكررة التي ترد إلى مركزالسيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) في الولايات المتحدة الأميركية، أن "مشاكل الأطفال ليست بهذه الأهمية.. فهل أعلمهم ترك الأمور كما هي وأتجاهلهم أم أنتبه إلى كل ما يقولون؟"، لتأتي الإجابة العلمية من المؤسسة "من المغري أحيانا أن نتجاهل مشاكل أطفالنا، خاصة إن كان يومنا سيئا، أو مشغولين، أو إذا كانت المشاكل هي ذاتها التي سبق أن قمنا بحلها معهم. لكن في العموم، يحتاج الأطفال إلى معرفة أننا سوف نستمع لهم، حيث يجعلهم الاستماع الفعال يعلمون أننا نهتم بمشاعرهم ونتفهم احتياجاتهم، ونتقبل ما يشعرون به".

ويضيف المركز أن رفض الاستماع إلى الأطفال وما يقولون باستمرار، يدفع الأمور للتطور بشكل غير محمود، وقد تصل إلى الوقوع في بعض الآفات، ولذلك فإن "الاستجابة المعتدلة في السنوات الأولى من العمر يمهد الطريق للمحادثات الأكثر أهمية التي سوف تحدث لاحقا في الحياة".

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

أبرز الأسئلة الخاصة بخدمة الشمولية الرقمية في الضمان الاجتماعي

أوضح حساب الضمان الاجتماعي أبرز الأسئلة الشائعة بين المستفيدين، الخاصة بخدمة الشمولية الرقمية، وتشمل:ما هي خدمة الشمولية الرقمية؟هي خدمة تهدف إلى تسهيل عملية تسجيل كبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة في منصة الضمان الاجتماعي، من خلال توفير فريق مختص لمساعدتهم على استكمال عملية التسجيل.هل توجد متطلبات خاصة للاستفادة من الخدمة؟نعم، يتطلب التسجيل أن تكون من (كبار السن فوق 60 عامًا أو من الأشخاص ذوي الإعاقة)، كما يجب أن توفر بياناتك الشخصية، مثل رقم الهوية ورقم الجوال، لضمان تسجيل دقيق وسلس.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } أبرز الأسئلة الخاصة بخدمة الشمولية الرقمية في الضمان الاجتماعي - إكسكيف يمكنني التسجيل في خدمة الشمولية الرقمية؟للتسجيل في خدمة الشمولية الرقمية، يمكنك زيارة منصة الدعم والحماية الاجتماعية والتسجيل الأولي بإدخال بياناتك الأساسية، وسيظهر لك إشعار تقديم الدعم في عملية التسجيل، في حال الضغط على نعم سيتم التواصل معك من قبل فريق مختص خلال فترة قصيرة.ماذا أفعل إذا واجهت صعوبة خلال عملية التسجيل؟إذا واجهت أي صعوبات أثناء عملية التسجيل، يمكنك التواصل مع فريق الدعم المتوفر على منصة الدعم والحماية الاجتماعية.كم من الوقت يستغرق معالجة الطلب بعد التسجيل؟بعد تقديم طلب التسجيل، ستتلقى إشعارًا حول حالة طلبك ويتم التواصل معك خلال فترة زمنية قصيرة.كيف يمكنني التحقق من بياناتي بعد التسجيل؟للتحقق من بيانات المستفيد، يجب عليك الدخول إلى منصة الدعم والحماية، ثم تسجيل الدخول لحسابك في المنصة. وستتمكن من التأكد من صحة معلوماتك المدخلة.كيف يتم تقييم استحقاق المستفيدين لمعاش الضمان الاجتماعي؟يتم تقييم استحقاق مستفيدي الضمان الاجتماعي بآلية تضمن وصول الدعم لمستحقيه، وفق هذه الخطوات:
أخبار متعلقة شؤون الحرمين.. أهم إرشادات الحفاظ على نظافة وقدسية المسجد النبويالشركة الإلكترونية الحديثة تطلق أول معرض خاص بالعلامة التجارية "مي ستورز" في الدمام وتقدّم تجربة تسوق جديدة كليًاالتحقق من بيانات مقدم الطلب.دعم الضمان الاجتماعييهدف الضمان الاجتماعي إلى تقديم الدعم للفئات الأكثر احتياجًا، بغض النظر عن النوع أو الحالة الاجتماعية إذا تحققت شروط ومعايير الاستحقاق.

مقالات مشابهة

  • «المفتي» يحذر من 3 عادات سيئة في شهر رمضان.. فيديو
  • بالفيديو.. المفتي يحذر من 3 عادات سيئة في شهر رمضان
  • صحفي أميركي يهاجم زيلينسكي.. "لماذا لا ترتدي بدلة رسمية؟"
  • أبرز الأسئلة الخاصة بخدمة الشمولية الرقمية في الضمان الاجتماعي
  • لجنة المرأة تعلن عن اختيار الأمهات المثاليات بين الصحفيات لعام 2025
  • نشر المرأة والمنوعات| أضرار تناول الفول يوميا فى السحور.. خطأ شائع لـ الأمهات يؤخر كلام الأطفال
  • خطأ شائع تقوم به الأمهات يؤخر الكلام عند الأطفال .. تعرفي عليه
  • تقرير: تسليح الصين لإيران ينذر بنهاية سيئة
  • صور| الأطفال والشباب الأكثر اهتمامًا بالحرف اليدوية في فعاليات الأحساء
  • ثوانٍ حاسمة.. كيف تنقذين طفلكِ من الاختناق بسرعة وذكاء