أحمد ياسر يكتب: أمريكا الخاسر الأكبر في غزة
تاريخ النشر: 13th, November 2023 GMT
إن الحرب الدائرة في غزة بين إسرائيل وحماس تمثل تحديًا خطيرًا للولايات المتحدة. وهو اختبار صعب لشبكة الاتصالات التي ظلت واشنطن تبنيها طوال العقود الماضية لضمان التوازن في مصالحها بين الدول العربية وإسرائيل.
ومن الواضح أن الولايات المتحدة تفشل في تحقيق هذا التوازن الاستراتيجي في علاقتها بين العرب والإسرائيليين، هناك اتهامات كثيرة من قبل معظم دول العالم، وخاصة الدول العربية والإسلامية، لواشنطن بدعم الهجمات الإسرائيلية ضد المدنيين في غزة.
تنظر وسائل الإعلام العربية إلى الولايات المتحدة على أنها مذنبة في هجوم 7 أكتوبر ٢٠٢٣.... كما أنهم يعتبرون الولايات المتحدة مسؤولة عن الحريق العسكري الذي يشهده الشرق الأوسط في الوقت الحاضر....ترفض المنصات الإعلامية العربية تصديق أن الولايات المتحدة جادة في تحقيق السلام في الشرق الأوسط، وتقول إنها لا تفعل شيئًا لإنهاء القتال بين إسرائيل وحماس. وعليه، فإن واشنطن ليست وسيطًا نزيهًا للسلام في الشرق الأوسط.
ومن المخزي أن الدبلوماسية المكوكية التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في المنطقة لم تتمكن من إقناع الحكومة الإسرائيلية بقبول وقف محدود لإطلاق النار لتقديم المساعدة الإنسانية العاجلة.
وهناك أيضًا زيادة في عدد الهجمات ضد القواعد العسكرية الأمريكية في كل من سوريا والعراق.... هناك احتمال كبير بأن يكون هناك المزيد من استهداف المنشآت العسكرية الأمريكية في كلا البلدين إذا استمرت الحرب في غزة.... وتشعر جميع الدول العربية بالقلق من احتمال تصاعد الحرب في غزة إلى أزمة إقليمية أوسع نطاقا.
ويسمع العرب الأصوات القادمة من الولايات المتحدة التي تنظر إلى الحرب ضد حماس على أنها حرب ضد إيران. الأساس المنطقي الاستراتيجي للدول العربية هو أن تمديد الحرب بمهاجمة إيران يمكن أن يدفع الشرق الأوسط برمته إلى حالة من الاضطراب والفوضى، مما يؤدي إلى قدر كبير من عدم الاستقرار....وهذا سيجبر الكثير من الناس على وصف الولايات المتحدة بأنها العدو الحقيقي للعرب والمسلمين.
وتعتقد الدول العربية أن إسرائيل تتصرف بطريقة وحشية وأن الولايات المتحدة لا تفعل شيئا لوقفها.
الشرق الأوسط على وشك الانفجار.... إن الغرب غير أخلاقي في مواقفه تجاه الشرق الأوسط....فهي تؤيد وحشية إسرائيل ضد الفلسطينيين، بينما تتظاهر بأنها تدافع عن حقوق الإنسان والديمقراطية... ويؤكد العرب أن النفاق الغربي بشأن الحرية والتحرر مهد الطريق لتواطئهم في همجية إسرائيل تجاه الفلسطينيين.
وعلى خلفية فقدان العرب الثقة في الولايات المتحدة، تكتسب روسيا نفوذها في المنطقة... وتستطيع موسكو أن تقول لشعوب الشرق الأوسط إنها تدين قتل إسرائيل للفلسطينيين الأبرياء، وبالتالي فهي صديقة للعرب والمسلمين... ومن الممكن أيضًا أن تكتسب دول أخرى، مثل الصين، مكانة مرموقة في الشرق الأوسط، حيث تتعرض الولايات المتحدة للتنديد من جانب السكان العرب في المنطقة.
الحرب في غزة قد تحيي حل الدولتين... ومع ذلك، تشك الدول العربية في صدق واشنطن في إنشاء دولة فلسطينية. لقد شعروا بالفزع من رفض الكونجرس الأمريكي تقديم المساعدات للفلسطينيين على أساس أنها ستذهب إلى حماس.... وهذا بالطبع لم يكن صحيحا.
ومن ناحية أخرى، فإن الحرب تطور غير مؤكد... لا توجد حرب في التاريخ لها نتيجة مؤكدة....ومن هنا فإن أي نتائج سياسية جوهرية لا بد أن تأخذ في الاعتبار ليس فقط الأهداف الاستراتيجية الأميركية، والتي تشمل الدفاع عن إسرائيل، بل وأيضًا الظروف المحلية التي يجب أن تنفذ فيها الاستراتيجية اللازمة لتحقيق هذه الأهداف.
وبالنظر إلى أن الولايات المتحدة فشلت في تحديد أهدافها بشكل فعال بشكل منفصل عن إسرائيل، فإن أي محلل يجب أن يركز على العديد من الاتجاهات الاستراتيجية العاملة الآن في الشرق الأوسط.
*أولًا، ستحاول تركيا جعل دورها أكثر أهمية. وستعرب أنقرة والرئيس رجب طيب أردوغان عن تضامن أكبر مع حماس، وهذا من شأنه أن يزيد من توتر العلاقات الأميركية التركية.*
*ثانيًا، سيكون استمرار الوفاق السعودي الإيراني أمرًا لا مفر منه... وسوف يركز البلدان على غزة وليس على التنافس الإقليمي بينهما.*
*ثالثًا، من المرجح أن يتم تعزيز دور قطر... ولم تتمكن واشنطن حتى الآن من إقناع قطر بوقف علاقتها مع الجناح السياسي لحركة حماس على الأقل.... وستضغط قطر على الولايات المتحدة لإجبار إسرائيل على وقف الحرب في غزة مقابل تغيير علاقاتها مع قادة حماس*
*رابعًا، السؤال العادل هو ما مدى نجاح وحسم الهجوم البري الإسرائيلي؟ إسرائيل لم تعلن النصر....وانسحبت من الحروب السابقة، بما في ذلك الصراعات مع حزب الله اللبناني في عامي 1996 و2006، قبل إنهاء أغراضها العسكرية، وذلك بسبب عوامل سياسية ودبلوماسية... ومن الممكن أن تأمل حماس في تحقيق نفس النتيجة. ويشير هذا إلى أن الجماعة قد تظل تعمل تحت الأرض وتحافظ على أجزاء من بنيتها التحتية العسكرية عندما تنتهي الحرب.*
*خامسًا، ما حجم الضرر الذي يمكن أن تلحقه عدة تصريحات للمسؤولين الإسرائيليين، مثل تلك المنسوبة إلى وزير التراث عميحاي إلياهو، الذي قال إن إسقاط قنبلة ذرية على غزة "أمر محتمل"؟ وهذا يمكن أن يدعو موسكو بسرعة إلى تأكيد الردع النووي على غرار ما حدث في 22-23 أكتوبر 1973 عندما رفعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي استعدادهما النووي خلال حرب رمضان.*
ومن المؤكد أن الدول العربية ستؤيد مثل هذه الخطوة الاستراتيجية النووية المحتملة من قبل الكرملين.
*سادسا، ما حجم الخلاف الذي سيحدث إذا اتخذت إسرائيل إجراءات لإعادة احتلال غزة وحكمها؟ وقد يؤدي هذا إلى احتكاك بين الولايات المتحدة وإسرائيل... وقلل بلينكن من شأن هذه التوقعات.....ومع ذلك، يبدو أن إسرائيل مصممة على البقاء في غزة لفترة طويلة. وقال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لشبكة ABC News إنه لفترة غير محددة، ستتحمل إسرائيل المسؤولية الأمنية الشاملة*
لقد أدت الحرب في غزة إلى تقويض مصداقية الولايات المتحدة وقدرتها على الردع بشكل خطير. ولا تستطيع واشنطن إقناع إسرائيل بوقف القتال في غزة ولو لبضع ساعات....
في الختام، لن تجني الولايات المتحدة أي ميزة سياسية أو استراتيجية من حرب غزة....بل ويمكن أن تخسر اقتصاديًا إذا استمر الصراع لفترة طويلة وارتفعت أسعار النفط إلى مستوى قياسي.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: احمد ياسر فلسطين اخبار فلسطين غزة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الاحتلال الاسرائيلي نتنياهو حماس طوفان الاقصي واشنطن الشرق الأوسط مجلس الأمن الأمم المتحدة أن الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط الدول العربیة الحرب فی غزة
إقرأ أيضاً:
تقرير لـForeign Affairs: كيف يمكن لحملة ضد حزب الله أن تخفف من القيود المفروضة على إيران؟
ذكرت مجلة "Foreign Affairs" الأميركية أنه "في نيسان الماضي، بدا الأمر وكأن التصعيد بين إسرائيل وإيران قد يدفع الشرق الأوسط بأكمله إلى الصراع، ولكن بعد أن ردت إسرائيل بطريقة صامتة نسبيا، تجاوزت الدولتان المواجهة. كما وضع المراقبون مخاوفهم الأكثر حدة جانبا، مطمئنين إلى حقيقة مفادها أن كلا البلدين أظهرا عدم اهتمامهما بحرب أوسع نطاقا. ولكن هذا الاستنتاج كان سابقاً لأوانه. ففي أيلول كثفت إسرائيل حملتها ضد حزب الله. وكان هذا بمثابة تحول مهم: فهو يشير إلى أن زعماء إسرائيل قرروا أنهم يريدون إعادة تشكيل توازن القوى في الشرق الأوسط بنشاط. والواقع أن حرب إسرائيل ضد حزب الله تهدد قدرة إيران على فرض قوتها، فضلاً عن أفعالها في غزة، وتقلل إلى حد كبير من قدرتها على ردع التدخلات الإسرائيلية في سياساتها الداخلية وبرنامجها النووي. وفي الواقع، سوف يفيد إضعاف موقف إيران الإسرائيليين في الأمد القريب، ولكن في الأمد البعيد، سوف يزيد هذا من خطر اندلاع حرب إقليمية بشكل كبير، بل وربما يزيد من احتمالات حصول إيران على الأسلحة النووية. ولتجنب الانجرار إلى المزيد من الصراعات في الشرق الأوسط، يتعين على الولايات المتحدة أن تعمل على كبح جماح المزيد من التحركات الإسرائيلية وتثبيت توازن القوى".
وبحسب المجلة، "إن الردع، في جوهره، هو قدرة أحد الأطراف على تغيير حسابات التكلفة والفائدة لدى طرف آخر من أجل منع الإجراءات غير المرغوب فيها، عادة في محاولة للحفاظ على الوضع الراهن. ومع ذلك، نادرا ما يكون الردع مرادفا للسلام المطلق، بل يتعلق الأمر بمنع الخصم من تجاوز خطوط حمراء محددة. ولا يقتصر الردع على تشكيل القرارات بشأن ما إذا كان ينبغي اتخاذ إجراء أم لا، بل إنه يلعب أيضا دورا مهما في تشكيل الاستراتيجية العسكرية بمجرد بدء الأعمال العدائية. وقد يكون الردع الناجح ببساطة يتعلق بإدارة التصعيد ومنع أنواع معينة من الضربات التي من شأنها أن تلحق الضرر بالقدرة الأساسية لأي من البلدين على الحفاظ على أمنه. والواقع أن الاستراتيجية العسكرية التي تختارها أي دولة تكون دائما مستنيرة بردود الفعل المتوقعة من جانب خصمها. على سبيل المثال، كانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حريصة للغاية على تحديد الكيفية التي يمكن بها للقوات الأوكرانية استخدام الأسلحة الأميركية في حربها ضد روسيا، لأن تهديد روسيا بالتصعيد النووي يتمتع بصدقية، جزئيا على الأقل".
وتابعت المجلة، "قبل أيلول الماضي، بدا الأمر وكأن الحرب في الشرق الأوسط كانت محصورة إلى حد كبير. وكانت تبادلات إسرائيل مع إيران وحزب الله متوافقة في الأغلب مع نمط الردع المتبادل الذي حدد علاقاتها مع جيرانها لما يقرب من عقدين من الزمان. ولكن التصعيد الأخير للأعمال العدائية من جانب إسرائيل في لبنان رداً على التوغلات العدوانية المتزايدة من جانب حزب الله أعاد تعريف ديناميكية الردع التي كانت تمنع في السابق الصراع في الشرق الأوسط من التصعيد. ومع تحول الحملة العسكرية في غزة لصالح إسرائيل، أصبحت العودة إلى الوضع الراهن قبل السابع من تشرين الأول أقل قبولاً لدى القادة الإسرائيليين".
رهان سيء
وبحسب المجلة، "لقد دفعت هذه العوامل إسرائيل إلى رفض الوضع الراهن. فاعتباراً من شهر أيلول، يبدو أن إسرائيل تعمل على القضاء على حزب الله بالكامل وكذلك حماس، وبالتالي تغيير ميزان القوى مع إيران بشكل دائم. إن إزالة حماس وحزب الله من التوازن العسكري في الشرق الأوسط من شأنه أن يزيل جزءاً أساسياً من نفوذ طهران، مما يترك لإيران طرقاً أقل لتعريض الإسرائيليين للخطر وردعهم عن القيام بعمل هجومي. وفي الأمد القريب، ونظراً لأن إيران سوف يكون لديها عدد أقل من الوكلاء الذين يمكنها من خلالهم مضايقة إسرائيل بشكل غير مباشر والرد على الإجراءات الإسرائيلية، فإن قدرة إيران على تهديد المنطقة والرد على تصرفات إسرائيل وغيرها من اللاعبين الإقليميين سوف تكون أقل".
وتابعت المجلة، "لكن تعطيل حزب الله وحماس، ولو مؤقتاً، من المرجح أن يخلف آثاراً سلبية كبيرة طويلة الأمد على كل من إسرائيل والشرق الأوسط، وسوف تضطر إيران إلى البحث عن مصادر أخرى للضغط لردع تدخل إسرائيل في برامجها النووية وأنشطتها الأخرى، الأمر الذي يزيد من احتمالات الانخراط في تصعيد أفقي. وفي الأسابيع التي سبقت الضربات الإسرائيلية في الخامس والعشرين من تشرين الأول داخل إيران، ورد أن المسؤولين الإيرانيين هددوا بالرد على الولايات المتحدة وأي دولة عربية تسمح لإسرائيل باستخدام أراضيها أو مجالها الجوي لشن هجوم".
وأضافت المجلة، "لكن التصعيد العمودي يشكل الخطر الأعظم على أمن الشرق الأوسط. ويخوض زعماء إسرائيل مقامرة كبيرة بزيادة تسامحهم مع هذا الخطر، ذلك أن تدمير وكلائهم يرفع من عتبة العمل العسكري الإيراني، ولكنه يحد أيضاً من قدرة إيران على الرد على الإجراءات الإسرائيلية بشكل غير متكافئ. وإذا ثبتت عدم فعالية جهود الزعماء الإيرانيين في التصعيد الأفقي، فسوف يدركون أنهم لا يملكون خياراً سوى التهديد بعمل عسكري جاد ضد إسرائيل باستخدام أسلحة أكبر حجماً وأكثر تدميراً. وإذا قررت إيران التحرك عسكرياً، فإن أفعالها سوف تكون بالتالي أكثر مباشرة وتصعيداً".
العواقب غير المقصودة
بحسب المجلة، "إن ميزان القوى المتغير في الشرق الأوسط ينقل قدراً كبيراً من المخاطر إلى الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين. فإذا سارعت إيران إلى امتلاك سلاح نووي، فسوف تضطر الولايات المتحدة إلى الانخراط بشكل أكبر في حروب إسرائيل حتى مع تضاؤل نفوذها في المنطقة. وعلاوة على ذلك، فإن احتمال وقوع هجمات إيرانية ضد القوات الأميركية والدول الشريكة سوف يتطلب من الولايات المتحدة توجيه المزيد من الموارد نحو الشرق الأوسط تماماً كما ينبغي لها أن تحول تركيزها إلى ردع العدوان الصيني في شرق آسيا البحرية. إن استراتيجية إسرائيل مألوفة، فالشركاء الأضعف في التحالف سوف يسعون دائما إلى نقل خطر التصعيد إلى الشريك الأقوى، وهي الظاهرة التي يطلق عليها علماء السياسة "الخطر الأخلاقي". وبالتالي فإن الأمر متروك لقادة الولايات المتحدة لتحديد حدود استعداد بلادهم لدعم استراتيجية إسرائيل والتواصل بشكل خاص مع نظرائهم الإسرائيليين بأنهم لن يدعموا المزيد من التصعيد".
وختمت المجلة، "يتعين على إدارة الرئيس الأميركي القادم دونالد ترامب أن تعيد النظر في دعمها غير النقدي لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتوضيح وتقييد كيفية ومتى يمكن لهذه الحكومة استخدام الأسلحة والذخائر الأميركية. ويتعين عليها أن تطمئن دبلوماسيا الجهات الفاعلة الأخرى في المنطقة بأن الولايات المتحدة سوف تكون ذات تأثير معتدل وليس مفاقم. وبدون هذه التغييرات، فإن احتمالات التصعيد في الشرق الأوسط سوف تنمو فقط". المصدر: خاص "لبنان 24"