هل تعيش الولايات المتحدة الأميركية فعلا على الاقتراض؟.. نيويورك تايمز تجيب
تاريخ النشر: 7th, July 2023 GMT
يعتبر الاقتراض في فترات الأزمات الوجودية مثل الحروب أو الأوبئة منطقيا للحكومات باعتباره وسيلة لتعبئة الموارد الوطنية، على حد تعبير الخبير الاقتصادي، باري إيتشنغرين، في كتابه "في الدفاع عن الدَّين العام" لسنة 2021.
وتعد الديون الفدرالية في الولايات المتحدة الأميركية قديمة قدم الأمة، وناقش تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" (New York Times) مسألة الاقتراض والإنفاق الحكومي، وذكرت أنهما ضروريان لتحفيز الاقتصاد أثناء فترات الركود.
وتلعب سندات الخزانة، الآمنة والسائلة، دورا مهما في النظام المالي العالمي، لدرجة أنه في أواخر التسعينيات؛ عندما شهدت أميركا فترة من النمو الاقتصادي وانخفاض الإنفاق العسكري للحكومة، وسمح ذلك بتقليل الاقتراض بشكل حاد، أثار الخبراء الاقتصاديون والمصرفيون مخاوف بشأن عواقب قلة الديون الفدرالية.
وتقترض الولايات المتحدة حاليا بشكل كبير خلال فترات النمو الاقتصادي لتلبية الالتزامات الأساسية والمستمرة، ولكن هذا الوضع غير مستدام بشكل متزايد. وعلى امتداد العقد المقبل، يتوقع مكتب ميزانية الكونغرس أن متوسط العجز السنوي للميزانية الفدرالية سيبلغ حوالي تريليوني دولار، تضاف إلى أكثر من 25.4 تريليون دولار من الديون التي تدين بها الحكومة بالفعل للمستثمرين.
وحسب الصحيفة، يوفر الاقتراض الأموال التي يمكن استخدامها لصالح الشعب الأميركي مباشرة في شكل مدفوعات الفائدة للمستثمرين الذين يشترون سندات حكومية. وبدلا من جمع الضرائب من الأثرياء؛ تدفع الحكومة للأثرياء لاقتراض أموالهم.
وبينت الصحيفة أنه بحلول عام 2029؛ تسير الحكومة نحو الإنفاق أكثر على الفوائد أكثر من الدفاع الوطني كل عام، وذلك وفقا لمكتب ميزانية الكونغرس. وبحلول عام 2033، سوف تستهلك مدفوعات الفوائد مبلغا يساوي 3.6% من الناتج الاقتصادي بالولايات المتحدة الأميركية.
ورأت الصحيفة أن عصر أسعار الفائدة المنخفضة قد انتهى. ومع ذلك؛ ترتفع تكلفة المعيشة على الأموال المقترضة.
وبشكل عام، لا يهتم الجمهوريون بالديون، وقد أقروا في العقود الأخيرة تخفيضات ضريبية تجبر الحكومة على اقتراض المزيد من المال، وحصلوا بالفعل على حزمة جديدة لخفض الضرائب. فيما أصبح الديمقراطيون حذرين من دعوات الحد من الإنفاق لأن التنبؤات بعواقب وخيمة لم تتحقق، ولأنهم تعلموا الدرس القاسي الذي يفيد بأن الموافقة على تخفيض الإنفاق يخلق مجالا للجمهوريين لتبرير جولة أخرى من التخفيضات الضريبية.
وأشارت الصحيفة إلى أن سقف الديون يُعدُّ جزءا من المشكلة، باعتباره وسيلة يستخدمها الجمهوريون لابتزاز الديمقراطيين لتخفيض الإنفاق من خلال التهديد بدفع البلاد نحو التخلف عن السداد.
واختتمت الصحيفة التقرير بالتأكيد على أن أي اتفاق جوهري حول سقف الدَّين في المستقبل، سيتطلب في نهاية المطاف مزيجا من الإيرادات المتزايدة وتقليص الإنفاق. وسيتعين على كلا الحزبين تقديم تنازلات؛ حيث ينبغي على الجمهوريين قبول ضرورة تحصيل ما تدين به الحكومة وفرض ضرائب على الأثرياء.
بينما ينبغي على الديمقراطيين أن يدركوا أن التغييرات في الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية -وهما المحركان الرئيسيان لنمو الإنفاق الفدرالي المتوقع- يجب أن تكون مطروحة على الطاولة، وأي خيار آخر سيثبت أنه غير مستدام من الناحية المالية.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
العلاقات الأميركية الفنزويلية.. من الشراكة الإستراتيجية إلى التوتر العسكري
تعود العلاقات الأميركية الفنزويلية إلى مطلع القرن الـ19، وتعززت أكثر بعد اعتراف الولايات المتحدة رسميا بفنزويلا عام 1835، وتطورت عبر مراحل من التعاون التجاري والنفطي وتعزيز النفوذ الأميركي في المنطقة.
ومع صعود الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو شافيز إلى السلطة عام 1999 ثم بعده نيكولاس مادورو، اتجهت العلاقات نحو توتر حاد شمل العقوبات وقطع العلاقات الدبلوماسية ودعم واشنطن للمعارضة الفنزويلية.
وقد انتهج الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد عودته إلى السلطة عام 2025 نهجا أكثر صدامية، شمل استهداف قوارب فنزويلية تتهمها الولايات المتحدة بتهريب المخدرات، وتصاعدت التوترات مع تعزيز الوجود العسكري الأميركي في البحر الكاريبي وإعلان فنزويلا التعبئة الوطنية الشاملة.
بداية جيدةتعود العلاقات الأميركية الفنزويلية إلى بدايات القرن الـ19، حين حصلت فنزويلا على استقلالها عن إسبانيا ضمن جمهورية كولومبيا الكبرى عام 1819، ثم انفصلت عنها عام 1830 بعد اندلاع صراع داخلي على السلطة أدى إلى انهيار الدولة وإنشاء 3 دول مستقلة هي فنزويلا والإكوادور وكولومبيا.
وفي 28 فبراير/شباط 1835، اعترفت الولايات المتحدة رسميا بفنزويلا وأسست معها علاقات دبلوماسية قوية، مدفوعة بدعمها التاريخي لحركات الاستقلال في أميركا الجنوبية وتأثر القادة الفنزويليين بالفكر الدستوري الأميركي.
وشهدت المرحلة المبكرة من العلاقات تعاونا تجاريا قويا، شمل افتتاح أول قنصلية أميركية في مدينة ماراكايبو الفنزويلية عام 1824 وتوقيع معاهدة تجارية بين البلدين عام 1836.
وكان لمبدأ مونرو، الذي أعلنه الرئيس الأميركي جيمس مونرو عام 1823، دور محوري في تشكيل السياسة الأميركية تجاه فنزويلا، عبر حماية دول نصف الكرة الأرضية الغربي من أي تدخل أو سيطرة أوروبية.
تجلى أثر هذا المبدأ بوضوح أثناء أزمة الحدود عام 1895، حين دعمت الولايات المتحدة فنزويلا في نزاعها مع بريطانيا حول حدود غويانا البريطانية (تغير اسمها إلى غويانا بعد استقلالها عن المملكة المتحدة)، مما أدى إلى تدخل أميركي حازم انتهى بقبول بريطانيا بالتحكيم الدولي.
إعلانكما برز المبدأ مجددا في الأزمة بين عامي 1902 و1903، عندما فرضت قوى أوروبية حصارا على فنزويلا بسبب ديون غير مدفوعة، وهو ما مهد لاحقا لتعديل الرئيس الأميركي ثيودور روزفلت المبدأ وإضفاء طابع تدخل أكبر على السياسة الأميركية في المنطقة.
وشهد القرن الـ20 تحولا اقتصاديا في فنزويلا مع اكتشاف النفط، إذ زاد بشكل كبير من أهمية البلاد على الصعيد الدولي وجعلها لاعبا رئيسيا في سوق الدولار الأميركي.
استثمرت شركات أميركية كبرى في القطاع النفطي الفنزويلي، مما أسهم في تطوير صناعة النفط وتوسيع صادرات البلاد. وفي مطلع يناير/كانون الثاني 1976، قررت الحكومة الفنزويلية تأميم القطاع، مما أتاح للدولة السيطرة الكاملة على الشركة الوطنية للنفط.
وعلى الصعيد السياسي والدبلوماسي، وقعت في مارس/آذار 1978 معاهدة الحدود البحرية بين الولايات المتحدة وفنزويلا، ودخلت حيز التنفيذ رسميا في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 1980، وهو ما أسس إطارا قانونيا للتعاون البحري وحل النزاعات الحدودية بين البلدين.
عهد شافيزاتسمت العلاقات بين واشنطن وكراكاس بالتوتر الشديد منذ وصول الرئيس الفنزويلي اليساري هوغو شافيز إلى السلطة في فبراير/شباط 1999، ضمن ما تُعرف بالثورة البوليفارية، واتخذ من "معاداة الإمبريالية" شعارا له.
ومع توليه الحكم، شرع في تنفيذ سياسات اشتراكية شملت تأميم قطاعات اقتصادية واسعة، بدءا من النفط والزراعة إلى الصناعات المختلفة والأراضي، فانعكس ذلك سلبا على مصالح شركات أميركية عدة.
وفي 11 أبريل/نيسان 2002، وقعت محاولة انقلاب على شافيز، نظمتها بعض الأوساط العسكرية والمالية والنقابية بمباركة الكنيسة، وقد وجهت أصابع الاتهام للولايات المتحدة بالتواطؤ في الانقلاب، لكنها نفت ضلوعها فيه.
وأثارت هذه الأزمة توترات دبلوماسية شديدة بين البلدين، خاصة في ظل مواقف شافيز المناهضة لليبرالية وعلاقته مع دول مثل كوبا والعراق وليبيا، إضافة إلى صداقته مع الرئيس الكوبي فيدل كاسترو، كما اتهمته أميركا بدعم المتمردين في كولومبيا.
وقد فشل الانقلاب وعاد شافيز إلى الحكم بعد مظاهرات حاشدة في شوارع العاصمة كاراكاس وغيرها من المدن، تنادي بعودته.
استمرت التوترات بين الطرفين في التصاعد، إذ كان شافيز يهاجم الولايات المتحدة باستمرار على الهواء في برنامجه المتلفز "ألو الرئيس"، واصفا الرئيس الأميركي جورج بوش الابن بألقاب مثل "الجبان والقاتل والجزار"، من جهة أخرى شبه وزير الدفاع الأميركي دونالد رمسفيلد شافيز بـ"أدولف هتلر".
واستمر التوتر بعد وفاة شافيز في مارس/آذار 2013، وتسلم مادورو السلطة، ومنذ ذلك الحين لم تعترف واشنطن بشرعية حكومته ولا بفوزه بأي انتخابات، كما اتهمها هو الآخر بتدبير محاولة انقلاب ضده.
تصاعد التوترانهارت أسعار النفط بعد عام من تولي مادورو السلطة، بسبب العقوبات الأميركية، ووسط اتهامات بانتشار الفساد شهدت البلاد مظاهرات ضخمة.
وفي عام 2015 أعلنت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما أن فنزويلا تشكل تهديدا للأمن القومي وفرضت عليها عقوبات، ثم شُددت هذه العقوبات في فترة ترامب الرئاسية الأولى عام 2017، حين منعت الشركات الأميركية من شراء النفط الفنزويلي وأنهت استخدام كراكاس للنظام المالي الأميركي.
إعلانبلغ التوتر ذروته في يناير/كانون الثاني 2019، حين أعلن زعيم المعارضة الفنزويلية خوان غوايدو نفسه رئيسا بالوكالة، فاعترفت به نحو 50 دولة تتقدمها الولايات المتحدة.
ردا على ذلك، أعلنت حكومة مادورو قطع العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن، ومنحت البعثة الأميركية مهلة لمغادرة البلاد، وهو قرار رفضته الولايات المتحدة معتبرة أنها ستتعامل مع حكومة غوايدو.
وبوساطة النرويج، نجحت الحكومة الفنزويلية والمعارضة في التوصل إلى اتفاق يهدف إلى ضمان الإفراج تدريجيا عن مليارات الدولارات المجمدة في الخارج من صندوق تديره الأمم المتحدة، ليتم توجيهها إلى الرعاية الصحية والتعليم والمساعدات الغذائية.
وقد حاولت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن العودة إلى الدبلوماسية، خاصة وسط حاجتها إلى تدفق النفط بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، فسمحت لكراكاس بتصدير النفط مدة 6 أشهر مع عودة شركة شيفرون للطاقة إلى فنزويلا.
وبحسب تقارير، أثار إعلان الرئيس مادورو عن استفتاء لاسترجاع ما وصفه بالأراضي الفنزويلية من غويانا المجاورة، إثر اكتشاف احتياطات نفطية كبيرة تديرها شركة أميركية، قلقا بالغا لدى الولايات المتحدة.
كما أسهم تعزيز مادورو لعلاقات بلاده مع دول مثل كوبا وإيران وروسيا والصين في تصعيد المخاوف الأميركية، نظرا لما شكله ذلك من "تهديد محتمل للأمن القومي الأميركي".
ما بعد عودة ترامببعد عودة الرئيس الأميركي ترامب إلى السلطة عام 2024، اتجهت المواقف الأميركية المعلنة بشأن فنزويلا نحو قدر أكبر من الدبلوماسية، وهو ما عكسه تحرك مبعوثه الخاص ريتشارد غرينيل الذي التقى مادورو.
وفي هذه الفترة، استقبلت فنزويلا 9 طائرات تحمل مهاجرين فنزويليين غير نظاميين أبعدوا من الولايات المتحدة بقرار من ترامب.
لكن هذا النهج لم يدم طويلا، إذ شهد النصف الثاني من عام 2025 تحولا واضحا في السياسة الأميركية تجاه كاراكاس، بعدما بدأ سلاح الجو الأميركي في استهداف قوارب تنطلق من السواحل الفنزويلية، بتهمة تهريبها الكوكايين إلى أراضي الولايات المتحدة.
وواصلت الولايات المتحدة اتهام مادورو بقيادة شبكة "كارتل الشمس" المرتبطة بتهريب المخدرات والفساد السياسي، إضافة إلى علاقته المزعومة بعصابة "ترين دي أراغوا"، غير أن الرئيس الفنزويلي نفى هذه الاتهامات بشدة، مؤكدا أن "كارتل الشمس" لا وجود لها، متهما أميركا بالسعي للإطاحة به.
ومع تفاقم التوتر عززت الولايات المتحدة وجودها العسكري في البحر الكاريبي بنشر عدد من القطع البحرية ووصول حاملة الطائرات "يو إس إس جيرالد فورد" إلى المنطقة، وسط تقارير عن احتمال شن عملية عسكرية ضد فنزويلا.
في المقابل، أعلنت القيادة الفنزويلية في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2025 تعبئة قواتها في مختلف أنحاء البلاد تحسبا لأي هجوم أميركي محتمل، مؤكدة تفعيل قانون الدفاع الشامل في مواجهة ما وصفته بالتحركات العسكرية الأميركية المتزايدة.
وقد دخل القانون حيز التنفيذ فورا بعد إقراره من الجمعية الوطنية وتصديق مادورو عليه، بما يتيح للسلطات رفع مستوى الجاهزية العسكرية وتنظيم التعبئة العامة على مستوى الدولة.