ضرورة وضع النظم البيئية في صميم العمل المناخي
تاريخ النشر: 13th, November 2023 GMT
*رزان المبارك
أخبار ذات صلةمع اتجاه العام 2023 لأن يكون الأكثر سخونة منذ بداية تسجيل درجات الحرارة، والذي شهد ارتفاعات قياسية في البحر واليابسة والوصول لمستويات غير مسبوقة، وامتداد تأثير الظروف الجوية المتطرفة وتدهور التنوع البيئي وانجراف الأراضي على البشر، والتنوع البيولوجي، وسُبل العيش، والاقتصادات العالمية.
تبرز الحاجة للتركيز على الحلول القائمة على الطبيعة، كأساس لتخفيف آثار تغير المناخ والتكيف معها، خاصة مع قرب انعقاد مؤتمر الأطراف COP28، في مدينة إكسبو دبي، في الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر 2023.
حيث يقوم النظام البيئي بامتصاص نحو 30% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي يتسبب بها البشر بينما تمتص المحيطات نحو 30% أخرى، ويبقى في الغلاف الجوي الـ 40% الباقية، وهي النسبة التي تساهم بالاحتباس الحراري وتغير المناخ، وتلعب الطبيعة دوراً مزدوجاً، فهي تقلل من تقلبات تغير المناخ، وتساعد المجتمعات على التكيف معها، وتساهم الطبيعة بالحفاظ على عدم ارتفاع مستويات الاحتباس الحراري العالمي، فعلى سبيل المثال تمثل الحلول القائمة على الطبيعة ما يعادل ثلث الجهود المطلوبة لتخفيف آثار تغير المناخ بحلول عام 2030.
ويؤثر تغير المناخ على الطبيعة بطرق متعددة، حيث تقوم التربة بتخزين الكربون أكثر من النباتات والغلاف الجوي مجتمعين، وعندما تتدهور الأراضي الصالحة للزراعة من خلال التصحر والجفاف، وتآكل التربة الذي يتم بوتيرة سريعة، فإن الكربون المفترض تخزينه في التربة ينطلق نحو الجو، وهذا ما يساهم بجعل تدهور الأراضي واحداً من أكبر العوامل المساهمة في تغير المناخ.
من جهتها، تؤدي الغابات دورين في عملية تغير المناخ، حيث تعتبر أحد المسببات، وفي الوقت نفسه الحلول لانبعاثات غازات الدفيئة، لأن حوالي 25% من الانبعاثات العالمية تأتي من الأراضي التي تعتبر ثاني أكبر مصدر لانبعاث غازات الدفيئة بعد قطاع الطاقة، وينتج حوالي نصف هذه الانبعاثات من التصحر وتدهور الغابات، بينما تقوم الغابات المزدهرة بحفظ توازن النظم البيئية، وتحمي التنوع البيولوجي، وتقلل من الانبعاثات، وامتصاص ما يقارب 2.6 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، وهو ما يمثل ثلث الانبعاثات الناتجة عن احتراق الوقود التقليدي.
ومن الضروري أن نشير هنا إلى دور الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية التي تدير وتعيش في جزء كبير من غابات العالم، حيث تعتبر الغابات التي تشرف عليها الأكثر استدامة مع الحفاظ على تنوعها ونظامها البيئي، ما يجعلها مخازن ممتازة للكربون.
وعلى صعيد المحيطات، فإنها تحتضن 90% من الاحتباس الحراري العالمي، ما يؤدي إلى تغير درجات الحرارة واتجاهات التيارات البحرية وفقدان الأكسجين، كما تساهم انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بزيادة حموضة المحيطات، والتي وصلت بالفعل لمستويات مرتفعة جداً، الأمر الذي يؤثر على الحياة البحرية والنظم البيئية، بالإضافة إلى الشعاب المرجانية وازدهار الحياة البحرية فيها، ما يؤثر بشكل مباشر على ما تقدمه هذه المنظومة البيئية من الطعام والحماية من فيضانات أمواج البحار.
ومن جانبها، تقوم النظم البيئية الساحلية مثل غابات القرم بدور حيوي في تخزين واحتجاز الكربون، حيث تغطي هذه الغابات حوالي 0.1% من سطح كوكبنا، إلا أن كل هكتار منها يمكنه تخزين 10 أضعاف كمية الكربون التي تخزنها المساحة نفسها من الغابات البرية، كما يقلل النظام البيئي لغابات القرم الأضرار التي يمكن أن تحدثها الفيضانات البحرية بقيمة تتجاوز 65 مليار دولار، وتساهم بحماية ما يقارب 15 مليون شخص كل عام.
ولهذا فقد أعلنت دولة الإمارات تأييدها مبادرة «تنمية القرم»، كما سيستضيف COP28 أول اجتماع وزاري حول القرم في يوم الطبيعة والمحيطات واستخدام الأراضي يخصص لدعم غابات القرم، من أجل دعم هدف استعادة وحماية 15 مليون هكتار من أشجار القرم على مستوى العالم بحلول عام 2030.
إن التخفيف من آثار تغير المناخ يشمل مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات والحلول الخاصة بالعمل المناخي، وضرورة استغلال قوة الطبيعة من خلال التخفيف البيولوجي، وهو استراتيجية مناخية، تشمل الحفاظ وتعزيز البيئات الطبيعية مثل الغابات والأراضي الرطبة التي تعتبر مخازن كربون مهمة جداً. وتقدم الحلول القائمة على الطبيعة طرقاً مستدامة للتصدي لتغير المناخ، حيث تعتبر الإدارة المستدامة للغابات أمراً حيوياً لامتصاص ثاني أكسيد الكربون ولحماية التنوع البيولوجي بشكل عام، بما في ذلك النباتات والفطريات والأشجار على النحو الأساسي.
أما استعادة الأنظمة البيئية فهو منهج مهم آخر، ويهدف إلى تعزيز الغابات المتدهورة والالتزام بالمعيار العالمي للحلول القائمة على الطبيعة والذي وضعه الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، الذي ينتج عنه الكثير من الفوائد مثل إحياء مواطن الحياة البرية، واستعادة الأنظمة البيئية، والتقاط الكربون، وتعزيز نوعية المياه، ومنع تآكل التربة.
كل هذه الحلول تمكّن المجتمعات المحلية من التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره، فحماية البيئة الساحلية، على سبيل المثال، توفر حواجز طبيعية ضد الفيضانات البحرية، ويمكن للأراضي الرطبة والغابات تعزيز إمدادات المياه الجوفية التي تثبت أهميتها أثناء فترات انخفاض مستويات الأمطار والجفاف، ويمكن للغابات الحضرية، التي يزرعها البشر وسط المدن أو في محيطها تقليل أثر ارتفاع درجات الحرارة، وتساهم النظم البيئية الساحلية مثل غابات القرم والشعاب المرجانية بتقليل آثار أمواج البحار والمحيطات، وبالتالي الحماية من أخطار الفيضانات الساحلية.
يعتبر التركيز على البشر والطبيعة وتحسين الحياة وسبُل العيش واحداً من ركائز خطة عمل رئاسة COP28، حيث تهدف لجعل البشر وكوكب الأرض في صميم العمل المناخي، وسنقوم خلال مؤتمر الأطراف بتعزيز وتنظيم مبادرات تحمي التنوع البيولوجي والمخازن الطبيعية والحيوية للكربون، وتساند جهود المجتمعات الأكثر تعرضاً لتغير المناخ، خاصة تلك التي تهتم بالحفاظ على التنوع البيئي والتكيف وزيادة المرونة المناخية.
كما سيتم التركيز على أهمية تنفيذ إطار عمل كونمينغ-مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي لحماية 30% من الموائل البرية والبحرية بحلول عام 2030، باعتباره أداة مهمة لمواجهة تغير المناخ.
ومع تصاعد وتيرة الاستعدادات لاستقبال العالم في COP28، يتوجب علينا أن نركز على دور الطبيعة، والاهتمام بالغابات والتربة والمحيطات والأراضي الرطبة، وأن نوازن بين التركيز على الطبيعة والتصدي لتغير المناخ، لأن الفشل في أي من المسارين سيكون فرصة لا يمكننا تحمل عواقب ضياعها.
رزان خليفة المبارك، رائدة الأمم المتحدة لتغير المناخ لمؤتمر الأطراف COP28*
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: رزان المبارك الإمارات مؤتمر الأطراف دبي إكسبو دبي القائمة على الطبیعة التنوع البیولوجی النظم البیئیة تغیر المناخ غابات القرم
إقرأ أيضاً:
تنوع الطبيعة العمانية يجذب الآلاف من عشاق سياحة المغامرات
مسقط - العمانية
تشهد سياحة المغامرات في سلطنة عُمان إقبالًا دوليًّا متزايدًا لممارسة عدد من أنشطة هذا النوع من السياحة، للاستفادة والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية والثقافية في تنمية القطاع السياحي والتراثي وبما يحقق أهداف التنوع الاقتصادي وبناء اقتصاد سياحي مستدام.
وتقوم وزارة التراث والسياحة بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة بمتابعة هذا التنامي وتوفير كل الخدمات الضرورية التي يتطلبها السائح لجعل سلطنة عُمان إحدى أهم الوجهات السياحية الآمنة في العالم وفقًا لمتطلبات جوانب الأمن والسلامة عند ممارسة أنشطة المغامرات.
وقال يوسف بن راشد الحراصي رئيس قسم تنمية المنتج بدائرة تطوير المنتج والتجارب السياحيّة بوزارة التراث والسياحة: إن تنويع المنتجات السياحية يعد أبرز أهم المنهجيات التي تسعى لها الوزارة نحو تحقيق زيادة نسبة التدفق السياحي وتعزيز التجربة السياحية وتنويعها في مجال أنشطة سياحة المغامرات العالمية التي تستقطب حركة سياحية نشطة يفضلها المغامرون بكافة أنحاء العالم.
وأضاف إن سلطنة عُمان تأتي ضمن مصاف الدول التي تستهوي العديد من المهتمين بسياحة المغامرات والمغامرين بكافة أنواعهم نظرًا لتفردها بتنوع طبيعي وجيولوجي انعكس على تنوع الأنشطة التي يفضلها المغامرون ويفضلها السائح المتشوق لممارسة سياحة المغامرات.
ووضح أن المواقع الطبيعية مثل جبال الحجر الشرقي والغربي هي الملاذ التي يفضلها المغامرون لتميزها بالعديد من التجارب في أنشطة المغامرات كممارسة نشاط المشي الجبلي والتنقل بين الأسلاك الحديدية المرتفعة والأسلاك الانزلاقية واكتشاف الكهوف والسباحة والمغامرة بالأودية وغيرها من الأنشطة المتعلقة والتي يمارسها المغامرون، إلى جانب بعض المواقع بمحافظتي ظفار ومسندم الوجهات المفضلة لممارسة أنشطة سياحة المغامرات.
وأشار إلى النمو الذي تشهده سياحة المغامرات بسلطنة عُمان من قبل هواة المغامرين الدوليين ومن السياحة المحلية لتعزيز تجربتهم من خلال الشركات السياحية التي تقوم حاليًّا بتنظيم رحلات وأنشطة سياحة المغامرات التي تم ترخيصها من قبل وزارة التراث والسياحة وتراعي كافة محاذير الأمن والسلامة عند ممارستها.
وقال إن وزارة التراث والسّياحة قامت بتوريد وتركيب عدد اللوحات المعلوماتية والتوجيهية للمسارات الجبلية التي بلغ عددها 73 لوحة توجيهية و30 لوحة معلوماتية بالمسارات الجبلية في سلطنة عُمان لا سيما في سلسلة جبال الحجر الشرقي والغربي ومحافظة مسقط من أجل تعظيم الاستفادة من هذا التنوع الطبيعي المتفرد والتعريف بالمحتوى الطبيعي والثقافي لهذه المسارات الجبلية ونطاقاتها وغرس مفاهيم الوعي بأهميتها في تعزيز التجربة السياحية وتوعيه المغامرين بأهمية الإلمام بمعايير الأمن والسلامة.
وبين يوسف بن راشد الحراصي أن جهود وزارة التراث والسياحة لتنظيم قطاع سياحة المغامرات جاءت بعد بحث ودراسة أفضل الممارسات العالمية التي يمكن الاستفادة منها وتطبيقها في سلطنة عُمان لتنظيم أنشطة سياحة المغامرات؛ إذ تم الاطلاع على التجربة والنموذج النيوزيلندي في تنظيم وإدارة نشاط سياحة المغامرات، أفضل النماذج سواء من ناحية تطبيق معايير الأمن والسلامة أو الجانب التشريعي فضلًا عن نجاح هذه المنظومة في سلطنة عُمان ما جعلها إحدى أهم الدول الرائدة في مجال تجارب سياحة المغامرات.
ووضح أن وزارة التراث والسياحة عملت أيضًا على إيجاد الإطار القانوني المنظم لجميع أنشطة المغامرات وفقًا للمعايير المتبعة لترخيصها وهي في طور وضع إطار تنظيمي لمنظمي رحلات ممارسة أنشطة المغامرات ومنفذي المشروعات المتعلقة بسياحة المغامرات، وإيجاد نظام التدقيق على إدارة المخاطر والسلامة للشركات المشغلة لتلك الأنشطة، كما تم توفير مراكز متخصّصة للتدريب والتعليم لممارسة أنشطة المغامرات بمختلف أنواعها وتحديد الوجهات والمواقع التي يمكن تطبيق وتشغيل تلك الأنشطة وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مشروعات سياحة المغامرات.
ولفت إلى أن وزارة التراث والسياحة وضعت الأمن والسلامة أولوية أولى وهي بصدد التوقيع على اتفاقية تعاون بينها وبين وزارة الدفاع ممثلة في مركز تدريب المغامرة التابع للجيش السُّلطاني العُماني في مجال أعمال تدقيق معايير الالتزام باشتراطات الأمن والسّلامة والتدريب المتخصص في عدد من أنشطة سياحة المغامرات مع الاستفادة القصوى من الخبرة التي يحظى بها المركز لتقديم الدورات التدريبية للمرشدين السياحيين العُمانيين من موظفي الشركات السياحية المتخصصة في مجال سياحة المغامرات.
وقال إن هناك برنامج تنمية القدرات للإسعاف والإنقاذ الجبلي بالتعاون مع هيئة الدفاع المدني والاسعاف؛ إذ تم تنظيم ثماني دورات في تنمية القدرات للإسعاف والإنقاذ الجبلي، ويستهدف البرنامج الكوادر الوطنية من موظفي الشركات السياحية المتخصصة في سياحة المغامرات والأفراد العُمانيين المغامرين في المجال ذاته من أجل تنمية القدرات العُمانية في مهارات التعامل مع الحوادث المحتملة والإنقاذ الجبلي.
وذكر أن وزارة التراث والسياحة استضافت خلال شهر مايو الماضي وفدًا من الهيئة السعودية للسياحة ضم عددًا من ممثلي الشركات السياحية المتخصصة من المملكة العربية السعودية للاطلاع على تجربة سلطنة عُمان في تنظيم قطاع سياحة المغامرات في إطار تعزيز التعاون الثنائي وتبادل الخبرات في مجال تنظيم أنشطة سياحة المغامرات بين البلدين الشقيقين، موضحًا أنه تم خلال الزيارة استعراض الإجراءات التنظيمية المعتمدة من الوزارة لأنشطة سياحة المغامرات وآليات الترخيص لتنظيم الرحلات وخطوات التقديم للحصول على تراخيص الإرشاد التخصصي إضافة إلى التدقيق الفني للمشروعات ذات الصلة.
وأضاف رئيس قسم تنمية المنتج بدائرة تطوير المنتج والتجارب السياحية بوزارة التراث والسياحة إن الزيارة شهدت أيضًا تقديم عروض قدمتها شركات عُمانية مرخصة ومغامرون معتمدون ركزت على تجاربهم في تنظيم أنشطة المغامرات مع التركيز على معايير السلامة والأمن المتبعة إضافة إلى استعراض المعدات والأدوات المستخدمة في سياحة المغامرات وتبادل الخبرات والتجارب بين الشركات العُمانية ونظيراتها السعودية إلى جانب جولة ميدانية إلى ولاية الجبل الأخضر بمحافظة الداخلية للاطلاع على عدد من المشروعات والمواقع المرتبطة بأنشطة سياحة المغامرات من بينها قرية السوجرة وعدد من الوجهات السياحية الأخرى في المحافظة.